الخطر الحقيقي ليس في رصاص الحوثي، بل في رصاصة أشد فتكًا: قتل العقول، اغتيال الوعي، سلخ الأجيال القادمة عن كل ما يجعلها بشرًا أحرارًا. الحوثي لا يريد يمنيين، بل يريد كائنات تابعة، أدمغة مشوهة، أطفالًا يُنحتون وفق أيديولوجيا سلالية تُجردهم من إنسانيتهم قبل أن يكتشفوها.
إنه لا يعبأ بنا، نحن ندرك حقيقته جيدًا، ونعرف أن مشروعه قائم على الخرافة والكهنوت والدم. حتى أولئك الذين يصفقون له، يدركون في أعماقهم أنهم يُدافعون عن باطل، لكنهم مرتهنون لمصالحهم أو خوفهم. لذلك، لا يراهن الحوثي على وعينا، بل على الجيل الذي لم يتشكل بعد، على العقول التي ما زالت طاهرة، على الأطفال الذين لم يدركوا بعد معنى الحرية، فيغرس فيهم خرافاته قبل أن يعرفوا نور الحقيقة.
اليوم، لا تقتصر الجريمة على ساحات القتال، بل في المدارس، في المناهج، في الجامعات التي تحوّلت إلى معسكرات تعبئة، حيث لا يتعلم الطلاب إلا الولاء الأعمى. يأخذون الصغار إلى معسكرات الغسل الدماغي، يلقنونهم كراهية الحياة، ويبرمجونهم ليكونوا قنابل موقوتة، ينفجرون حيث يشاء السيد. لم يعد التعليم تعليمًا، بل سلاحًا لإنتاج أجيال لا تفكر، لا تسأل، لا تحلم، لا ترى في نفسها إلا وقودًا لحروب الطغاة.
نحن أمام جريمة إبادة فكرية، أمام عملية استبدالٍ ممنهجة للوعي بالجهل، للحقيقة بالخرافة، للحرية بالعبودية. في زمن الحوثي، أصبح السؤال جريمة، والعلم كفرًا، والمعرفة تمردًا. نحن لا نفقد وطناً فقط، بل نفقد جيلًا كاملًا، يُختطف أمام أعيننا، يُعاد تشكيله ليكون جزءًا من مشروع الكهنوت الأبدي.
السؤال المرعب الذي يفرض نفسه: هل يمكن إنقاذ وطنٍ يُسرق من داخله؟ أم أننا سنستيقظ يومًا على جيل لا يعرف اليمن إلا كما أراده الطغاة؟