آخر تحديث :الأحد-09 فبراير 2025-02:28م

حمار العم مبارك، ومزاد الذمم الوطني

الإثنين - 03 فبراير 2025 - الساعة 09:37 م
علي محمد سيقلي

بقلم: علي محمد سيقلي
- ارشيف الكاتب


في مواثيق الشرف المسجّى، المفعولُ به في نصبٍ دائم، لن تجد ذرة غيرة إلا بحجم الغبار العالق في دفتر مسؤولٍ نسيه على طاولة مكتبه الفاخر، وإن وُجد بيننا من بقي ضميره على قيد الحياة، فهو إما ساكت، طُلي لسانه بعسل المناصب فابتلعه طوعًا لا كراهية، وإما متجاهلٌ مسكين، لا حول له ولا رتويت، أو مغفلٌ يصدق الشعارات كما يصدق الساذج إعلان "مبروك لقد ربحت سيارة".

في هذا البلد الكمين، حيث تباع الأخلاق بسعر الجملة، لا علاقة للقيم فيها إلا بمزاد الذمم الذي يُفتتح يوميًا بـ"وعود الإصلاح" ويُختتم بـ"عذر أقبح من ذنب"، على مرأى ومسمع من الجميع، وعلى عينك يا فاجر!

في زمن القانون، ذلك الكائن المنقرض كانت الناس تبتلع العافية بمرارة الصبر، تفضل الكفاف على السرقة، وتصون جيرانها من الجوع كما تصون عرضها، حتى جاءنا جيلٌ وجد الفضيلة مجرد تطبيق يمكن حذفه من متجر الأخلاق بلمسة إصبع.

لكن دعنا لا نغرق في التذمر كمدمني القات الذين يلعنون الفقر نهارًا، ثم يجترونه مساءً مع دخان الشيشة، لينتهي بهم الحال، كما هو الحال، تحت رحمة زر السيفون.

وهنا، دعوني أروي لكم حكاية العم مبارك وحماره، التي تصلح أن تُدرّس في أكاديمية الفساد الوطنية.

كان للعم مبارك حمارٌ، لا هو موظفٌ حكومي في هيئةٍ منسية، ولا عضو في لجنةٍ فاسدة، مجرد حمار شريف يكسب رزقه بحمل الملح وبيعه في السوق. وفي أحد الأيام، تأخر مبارك واضطر إلى قطع النهر، فسقط الحمار، وذاب الملح، وهنا، انقلب الحزن فرحًا: مبارك يندب حظه، بينما الحمار يحتفل بخفة روحه، مستمتعًا بالحياة لأول مرة بلا حمل ثقيل.

وما دام الذكاء فطرة، والخبث عادة، فقد قرر الحمار تكرار التجربة، فتظاهر بالتعثر مجددًا، وسقط في النهر، ليعود إلى اليابسة خفيفًا كريشة في مهب الريح، فيما ضاعت بضاعة مبارك مرتين!

لكن العم مبارك، وقد شرب من نهر السياسة، لم يكن ساذجًا، فقرر تلقين حماره درسًا يليق بعباقرة الحيلة والنصب. في اليوم التالي، استبدل أكياس الملح بأكياس القطن، وما إن سقط الحمار في النهر، حتى تشبعت الحمولة بالماء، ليغرق إلى قاع المصير بلا رجعة.

والعبرة؟

لا تحاول خداع من يملك أقدم أساليب الخداع، ولا تبيع الماء في حارة السقايين، ولا تُجرب إسقاط أحمالك في نهر الأمل، فربما تعود منه أثقل مما كنت، أو لا تعود أبدًا!

أما نحن؟ فنواصل سقوطنا، محملين بأثقال الذمم المباعة، نغرق ببطء، وننظر بدهشة إلى السطح، حيث يقف تجار القيم، يلوحون لنا بوعود الإنقاذ...

وفجأة يختفون عن الأنظار "لا حس ولا خبر"

الله المستعان