آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-07:34م

أدب وثقافة


اليمن: فرقة شبابية تعيد الحياة إلى مسرح قديم

الخميس - 27 مارس 2014 - 02:40 م بتوقيت عدن

اليمن: فرقة شبابية تعيد الحياة إلى مسرح قديم
فرقة خليج عدن - مشهد من مسرحية معك نازل .

عدن((عدن الغد))هنا صوتك :

 

من أمام  مبنى عريق لسينما شهيرة في مدينة عدن جنوب اليمن (( سينما هيريكن )) Hurricane  يلوح الممثلان المسرحيان الشابان ((رائد طه )) و ((عدنان الخضر)) بيديهما مودعين حشود من الجماهير المكتظة خارجا في إحدى الأمسيات المسرحية العالقة في ذاكرة مدينة عدن , بينما أنشغل زميلهما المخرج والمؤلف المسرحي ((عمرو جمال)) بترتيبات ما بعد العرض , تنشغل الممثلة الشابة ((غيداء جمال)) بتبديل ملابسها استعدادا للمغادرة   بينما يتابع الأب الروحي للفرقة الممثل ((فؤاد هويدي)) بالحديث مع أحد المعجبين.

 

, كانت  أمسية مفصلية في حياة مجموعة شباب بدأوا حياتهم الفنية في أدوار كهواة للمسرح  وانتهى بهم ذلك العرض  كرواد للمسرح اليمني ومجدديه في مدينة عدن التي لا تمتلك اليوم  خشبة مسرح واحدة  رغم أنه كان لها السبق في تأسيس أول مسرح في الجزيرة العربية والخليج في بداية القرن الماضي .

 

بداية خطرة:

 

في عام 2005  م أسس الشاب عمرو جمال  فرقة ((خليج عدن المسرحية  ))  Aden Gulf Theater Troupe ضمت الفرقة شباب وشابات  من كليات ومعاهد مختلفة ليسوا متخصصين بالفن المسرحي  فمؤسس الفرقة خريج لكلية الهندسة لكنه امتلك منذ طفولته حسا فنيا مرهفا وكذلك زملائه الذين امتلكوا موهبة أدهشت الجميع وإرادة لكسر جمود ثقافي شهدته المدينة منذ إندلاع آخر الحروب الأهلية فيها في العام 1994م .

 

يتحدث عمرو جمال لهنا صوتك عن بداياته قائلا :  "كنت أطمح أن أكون مخرجا سينمائيا ومازلت والصدفة قربتني الى المسرح عندما ُطلب مني  أن أعد نصا مسرحيا للمشاركة في مهرجان المسرح المدرسي ,  حينها كنت متفوقا في كتابة القصص القصيرة - أعجبتني الفكرة وأعددت مسرحية وانهالت علي الجوائز وكررت التجربة مررا وتكرارا إلى أن وجدت نفسي أسس فرقة خليج عدن " .

 

شكل تأسيس (فرقة خليج عدن المسرحية ) بداية خطرة في مجتمع تحول ثقافيا وفكريا نحو رفض واستهجان ثورة فنية يشعلها الشباب في مسرحيات نجحت بإحترافية شديدة أن تستقطب كل شرائح المجتمع ليس لسبب سواء أنها صورت لهم دراما حياتهم اليومية ومشاكلها بمهنية , قدمتها بشكل درامي , كوميدي , واقعي , ساخر من كل شيء , مفعم بأمل بالتغيير نحو الأفضل . أصبح اسم (خليج عدن) مرتبطا بموسم الأعياد الذي اعتادت فيه الفرقة أن تقدم عملا مسرحيا جادا كل عام يحتفل به الجمهور ويضفي لإحتفالهم بالعيد نكهة خاصة .

 

تضمنت تلك الخطورة أيضا في الصعوبات المادية  والتحديات المجتمعية  التي شهدتها الفرقة منذ تأسيسها فبجهود ذاتية ودعم غير رسمي تمكن فتية شباب من إرسال رسائل كثيرة لمجتمعهم على رأسها أن المسرح هو أكثر الفنون تغييرا في الإنسان والمجتمعات لإتصاله المباشر بالناس وقضاياهم ومشاكل حياتهم اليومية  ليس ذلك وحسب بل كون المسرح يدفع بالمجتمع للتطلع الى المستقبل , رسائله الخفية والمباشرة تدفع بالمجتمع نحو ثقافة جديدة تسمو بالواقع وتسهم في تغييره للأفضل.

 

مسرحيات بلا مسرح :

 

منذ انطلاقتها شكلت فرقة خليج عدن المسرحية امتداداً طبيعياً لعصر المسرح الجميل في  مدينة عدن، والذي شكلت هويته وبداياته آنذاك "فرقة مصافي عدن" و"فرقة المسرح الوطني" . ومنذ العمل المسرحي الأول ((عائلة دوت كوم)) عرضت على خشبة مسرح "سينما هيريكن"  أعمال فرقة خليج عدن كون المدينة تفتقر لوجود خشبة مسرح  رسمية  وما تبقى فيها من مسارح القرن الماضي  ليس سوى مباني قديمة متهالكة .

 

عرضت أول مسرحية في عام 2005م فشكلت بداية الظهور للفرقة وحققت نجاحا باهرا  في 23 عرضاً للفترة الصباحية والمسائية .توالت المسرحيات بعدها على  ذات الخشبة : ((بشرى سارا )) و ((حلا حلا يستاهل )) في 2007م . وتدور فكرة المسرحيات الثلاث عن  مشاكل العائلات وصراع الأجيال. ثم جاء العمل الرابع   "سيدتي الجميلة"  في العام 2008 م مقتبسة عن الرواية العالمية للكاتب (جورج برنارد شو) والنسخة المصرية  التي مثلها الفنانان  الكبيران  فؤاد المهندس والفنانة شويكار وقدمت المسرحية بنسختها اليمنية إهداءا وتكريما لهما .

 

توالت المسرحيات لتعرض تباعا على ذات الخشبة دون أن تمتلك الفرقة مسرحا خاصا يحتضنها  رغم إسهامها الكبير في فترة قصيرة جديدة لإعادة الألق  وإلقاء الضوء على مدينة عدن التي امتلكت أول مسرح في الجزيرة العربية والخليج ولم يتم إعادة العرض على خشبته حتى اليوم لأكثر من عشرين عاما .

 

 معك نازل :

 

قدمت الفرقة عملها الخامس في  العام 2009 م بعنوان (( معك نازل))  عن النص الألماني الأصلي للمخرج ((فولكر لودفيج)) في المسرحية الألمانية الغنائية الشهيرة "الخط رقم 1" لفرقة "جريبس" البرلينية، وهي أهم المسرحيات في تاريخ ألمانيا  المعاصر، ويرجع عرضها الأول لعام 1986، حيث عالجت العديد من المشاكل الاجتماعية قبل الوحدة الألمانية ومازالت المسرحية تعرض حتى يومنا هذا وسبق عرضها بنسخ محلية في العديد من مدن العالم مثل نيويورك والقدس ودبلن وهونج كونج. والتي لازالت عروضها مستمرة على مسرح "جريبس" منذ 20 عاماً.

 

 حققت مسرحية ((معك نازل)) علامة فارقة ونقلة نوعية لفرقة خليج عدن حيث أُ عتبرت أهم عمل مسرحي في تاريخ المسرح اليمني وأول مسرحية يمنية تعرض في أوروبا حيث تم عرضها  على مسرح ((جريبس))  الشهير في برلين عام 2010 م .

 

وكانت فرقة خليج عدن هي الفرقة المسرحية الأولى في الشرق الأوسط التي يتم اختيارها لتقديم نسخة عربية من هذا العرض الشهير بدعم من البيت الألماني باليمن  الذي وفر الإنتاج الضخم للعمل وهو الأعلى في تاريخ الفرقة ولاقت المسرحية استحسانا واسعا واعجابا شديدا لدى الجمهور الألماني.

 

تحكي قصة المسرحية التي كتب نصها اليمني وأخرجه وألف أغانيه مؤسس الفرقة ((عمرو جمال)) عن قصة شابة يمنية تصل من القرية للمدينة باحثة عن زوجها المغترب الخليجي فتتوه في زحام المحطة وتقابل مجموعة من الأصدقاء الذين يساعدوها في الأخير بالعثور على زوجها والطلاق منه . تتناوب في المسرحية مشاهد من شخصيات تلك الرحلة وكل شخصية تناقش مشكلة من مشكلات المجتمع بطريقة درامية وكوميدية . تزخر المسرحية بمناقشة أهم القضايا في المجتمع اليمني وأهمها : الزواج السياحي , واقع التعليم المتدهور , بطالة الشباب , الإدمان , غلاء الأسعار والسكن وغيرها . لتنتهي المسرحية بطلاق الشابة ووقوعها في حب شاب عدني ليسدل الستار بمشهد رومانسي على أنغام أغنية حب عدنية شهيرة .

 

كرت أحمر:

 

يتحدث أعضاء الفرقة لهنا صوتك عن أسعد لحظات ومحطات عملهم فيجمعون أن أجمل لحظاتهم هي نهاية كل عرض مسرحي ومشاهدة الفرحة في أعين الجمهور ..ذلك يشحذهم بنشوة عارمة لا يفهمها سوى من عمل في المسرح .

 

بينما يضيف ((عمرو جمال)) عن دور الفرقة  الهام في دق جرس الإنذار ورفع ((كرت أحمر)) في وجه تابوهات مجتمعية عديدة تنظر للعمل المسرحي بنظرة دونية . فجاء العمل المسرحي السادس للفرقة بعنوان ((كرت أحمر)) Red Card  وعرض لثلاث سنوات في  2010 -2011 -2012م وحقق نجاحا باهرا وضاعف شهرة الفرقة محليا  , وهو عبارة عن اسكتشات مسرحية تناقش أهم مشاكل المجتمع اليمني ( الثأر – حمل السلاح –فساد التعليم -  عمالة الأطفال – الفساد المجتمعي – الكذب السياسي  وغيرها ) لينتهي كل اسكتش بعدد من حكام مبارة كرة القدم يطلقون الصفارة ويرفعون الكرت الأحمر في وجه هذه الظاهرة في رسالة لرفضها من جهة وإشارة لإفتقار المجتمع من سلطة قانون وإنضباط ومحاسبة كتلك التي تتمتع بها رياضة كرة القدم .

 

كما قدمت الفرقة في العام 2011م عمل مسرحي جاد للكبار فقط بعنوان ((عود ثقاب)) ناقش فيه قضايا العنف التي تتعرض لها المرأة في مراحل حياتها المختلفة  , وعُرض بطريقة ( الفلاش باك ) في مدة 45 دقيقة .

 

تحدي وطموح:

 

التحديات والصعوبات التي مرت  بها الفرقة كثيرة  حيث يتحدث مؤسسها : " كل مرحلة هي أصعب مرحلة لأن كلما تنجز عملا مسرحيا في هذا البلد مهما وصلت درجة نجاحه وتباشر في الإعداد لمسرحية جديدة كأنك تبدأ من الصفر لا أحد يحترم نجاحك ولا يوجد ممول أو شركة تدعم مسرحية قيمة حتى التجار يفضلون مهرجانات شعبية رديئة ليدعموها على أن يدعمو عملا مسرحيا جادا للأسف ."

أما عن الطموح فيضيف عمرو جمال : "طموحاتنا كثيرة جدا على رأسها نتمنى  أن نمتلك مسرحا خاصا ولو تجريبيا ونجد تمويل محترم يضمن لنا الاستمرار وتطوير المهارات" .

 

فرصة أخيرة:

 

لم تقتصر أعمال الفرقة في المسرح فقط بل قدمت برنامج كوميدي ((على الماشي)) ثم مسلسل (( أصحاب))2010 م ثم نقل المسرح للتلفزيون عبر مسلسل ((حافة الأنس)) 2012م  , وآخر عمل درامي كان مسلسل ((فرصة أخيرة  ))  الذي عرض في رمضان 2013م وحقق نجاحا باهرا واعتبره العديد من النقاد نقطة تحول ونقلة نوعية كبيرة في الدراما اليمنية .

 

تزامنا مع يوم المسرح العالمي في 27 من مارس الجاري وبعد تسع سنوات مرت منذ تأسيس  فرقة خليج عدن  تعد فترة قصيرة جدا لإحداث نقلة نوعية في حياة الناس , الشباب  اليمني على وجه الخصوص لكنها أحدثت ذلك وبجدارة و كانت  سنوات قصيرة لكنها حافلة بالعطاء والإبداع  , المسرح والحياة  .

 

تمثل الفرقة اليوم ( فرصة أخيرة ) لمدينة عدن للتشبت بها للنجاة وإنقاذ ما تبقى من وجهها المدني  , الفني والثقافي  وأحلام شبابها الطامحين رغم كل الصعوبات.

 

من: شيماء باسيد

 

اذاعة هولندا العالمية ((هنا صوتك))