آخر تحديث :الإثنين-27 مايو 2024-08:10ص

ملفات وتحقيقات


حكاية نورس:عمر عوض بامطرف /الفنان المؤرخ

الجمعة - 24 يناير 2014 - 08:51 م بتوقيت عدن

حكاية نورس:عمر عوض بامطرف /الفنان المؤرخ

عدن(عدن الغد)خاص:

كتب / حسام عزاني 

 شاهدته مرات عديدة وقد تناثرت خصلات شعرة خلف الكوفية الزنجبارية التي يحبها كثيرون في عدن كونها تضفي على لابسها الكثير من الوقار وهو يسير متكئا على عصاه بيمينه والتي لاتفارقه بسبب مشوار العمر الطويل وزحف السنين الخوالي وذلك عند المسافة الفاصلة بين فناء منزلة الكائن في ركن شارع كورنيش الغدير عند منحدر التل الواقع أسفل جبل أحسان الرابض في شموخ محتضنا مدينة البريقة الهادئة الساكنة بين يديه من جهة الشرق وجبل المزلقم غربا   وجنوبا رمال  ساحل البحر الجميل التي تزحف  في هدوء وصمت بفعل الرياح الموسمية التي تهب على خليج عدن والمحيط الهندي صيفا وتنسل إلى مداخل المنازل الجميلة المطلة على كورنيش البحر .

 هو شيخ نوارس مدينتنا والمؤرخ الأول لتاريخ المسرح في اليمن أعطى وقدم الجميل والكثير من الفن الملتزم ممثلا وكاتبا لايشق له غبار على مدى سنوات طويلة وظلت قريحته الشابة بالرغم من تقدم سنة تتحفنا بالروائع الفريدة عن تاريخ المسرح ورحلته من بلاد الإغريق بلد اسخيلوس واسكوفليس وروائع الفن بفروعه المختلفة من خلال الكثير من المواضيع والمقالات الأسبوعية على صحفنا الرسمية ولصحيفة 14 أكتوبر الرائدة نصيب الأسد منها وخاصة تقديمه( 220 )حلقة عن رحلة المسرح من أثينا إلى عدن التي هي اكبر شاهد على فضل الرجل على كثير من المهتمين بقيمة هذه التحف الثمينة في المسرح  ابوالفنون ودون منازع, وقدم الكثير من المبدعين النوارس حيث ساعدته الخبرة المتراكمة سنينا طويلة في رعايتها وتشجيعها والوقوف إلى جانبها في مراحل كثيرة وصعبة واستطاع أن يعلمها كيف تستطيع التحليق وتزرع الفن الجميل لتقدم رسالتها إلى البسطاء وعامة الناس .

تدرج في المراحل الدراسية المختلفة طالبا في مدرسة بازرعة الخيرية / عدن منها الابتدائية والمتوسطة منذ (34- 1939) م  وكان لتلك الفترة اثر كبير على مسيرة وفكر هذا النورس الذي كان في يوما ما  ذا شأن في حياة الناس  وترك بصمات جليلة على مدى سنين طويلة   في تاريخ أمته في مجال المسرح  والصحافة والمحاسبة أسوة بالرواد الأوائل الذين عاصروا هذا الحكيم اليمني القادم من ارض الحضارة والأصالة والتاريخ العريق , حيث صقلت موهبته تلك الأيام المضنية التي عاشها وكانت عونا له في وقت الشدائد وقبل التحدي ومنها أحب كل ماهو جميل في فن المسرح ومارس هواية التمثيل والتأليف في الاحتفالات المدرسية وانتهل من علومه وتشبع بها وساهم في إنشاء الفرقة المسرحية للمدرسة التي علمته الأبجدية وفي يناير 1947 م التحق مدرسا في نفس المدرسة (بازرعه)التي علمته لغة الضاد في عهد مديرها الشيخ الجليل علي محمد باحميش – رحمة الله ومن ثم التحق في يوليو 1949 م بالمدرسة الأهلية في التواهي حتى 1953م و اكتمل بناء شخصيته الفنية  وحدد اتجاه بوصلته إلى المسار الصحيح وكان أول من حاضر عن الممثل و المسرح في اليمن وذلك يوم ألقى محاضرة في حلقة (شوقي) بنادي الأدب العربي في التواهي يوم 7/12/1950م .

في عام 1955 م حاول و اصدر مع بعض من زملائه  محمد الاصبحي رحمة الله وعبد الرحيم سعيد  عدد من المجلات مثل مجلة الرابطة الإسلامية و مجلة العروبة وصحيفة الميزان مع صالح الحريري ألا أن تراخيصها سحبت وألغيت من قبل سلطات المستعمرة بسبب المواضيع التي كانت تتعرض للحكم الأمامي في شمال الوطن  آنذاك بالنقد الشديد فأقلع عن إصدار الصحف والتحق كاتبا للحسابات مع السيد عبدا لعزيز علوان المقاول المعروف .

وفي سبتمبر 1956م التحق بشركة مصافي الزيت البريطانية كاتبا في قسم المراسلات لإدارة التأمين والحسابات وواصل نورسنا دراسته المسائية في بداية الستينات بطموح شديد وعزيمة لاتلين التي نظمها المعهد الفني في المعلا ومدرسة الحكومة الثانوية في البريقة في اللغة الانجليزية ونجح في المواضيع الثلاثة من الجمعية الملكية للفنون بلندن وكذا امتحان الثقافة العامة في المواضيع الأربعة  اللغة العربية والدستور البريطاني والتجارة وأصول المحاسبة من لندن ونجح بفضل الله وتعاون أم أولادة وتأثر بالفرق المسرحية الهندية الزائرة إلى عدن لتقديم عروضها الفنية المختلفة وبما قدمته فرقة المرحوم المخرج محمد الصائغ وكان لأدب شكسبير ومسرحياته فعل السحر على تحديد نوعية الأعمال التي قدمها ممثلا ومؤلفا , حيث كانت الهند وعدن ترزحان معا تحت علم بريطانيا الإمبراطورية التي لأتغيب عنها الشمس وصار لذلك اثر مضاعف وتأكيد للهدف  الذي أحبة وظل يحلم به سنينا طويلة, وبقي يمارس حلمة ولا تصدا قريحته التي ألهمت النوارس سنينا  طويلة وظل حتى الساعة فنارها المضي الذي ارشد مرات كثيرة التائهة منها ومن ظل الطريق ووجهها إلى المسار الصحيح و منطقة الأمان لتواصل تحليقها على مدى المشوار الطويل  .

ساهم مع الأخوة المسيبلي علي وعبدالله وآخرين في تأسيس الهيئة العربية للتمثيل وفرقة المصافي الكوميدية في نهاية الخمسينات في البريقة والتي قدموا معها في تلك الفترة الكثير من الروائع المسرحية الجميلة لازالت عالقة في أذهان الكثيرين وحتى ألان وكان لدخول البث التلفزيوني في منتصف الستينات دورا هاما في تعزيز مكانة الفن والمسرح والحلقات التمثيلية إضافة إلى أن تأثير التلفزيون على الناس كان سريعا ومهما في نجاح الأعمال الفنية المقدمة وتحسين نوعيتها وتحفيزا لصانعيها وكانت مسرحيته (ست البيت) أول عرض قدمه مسرح التلفزيون , حيث ساهم في انتشار الفن بعلومه المختلفة وخصوصا المسرح من خلال المحاضرات الدراسية التي ألقاها في معهد الفنون الجميلة في كل من عدن والمكلا واستطاع مع آخرين رفع المستوى الفني للدارسين الذين تتلمذوا على يديه والذين مازالوا يذكرون له الفضل ويكنون له التقدير والاحترام ويحفظون له العهد والوفاء لرجل أعطى الكثير وبسخاء وما زلنا نحن حتى اليوم نتعلم منه ونرفع له عمامة اليمني بدلا عن قبعة الأجنبي إجلالا واحتراما وعرفانا بالجميل .

 تدرج في وظائف إدارة الحسابات ووصل إلى أعلى السلم الوظيفي في شركة مصافي عدن وكان كبير محاسبيها ومسئولا عن إدارة الحاسوب والقسم التجاري وخدمات المكاتب وعضوا في مجلس الإدارة بعد أيلولة المصفاة للحكومة   وتقاعد عن وظيفته التي أحبها واخلص لها وعلمها لتلاميذه وذلك في سبتمبر 1991 م لإتمامه 35 سنة خدمة متواصلة وتم التعاقد معه للقيام بمهام عملة ومستشارا للمدير التنفيذي, وفي نوفمبر 1993م استقال من العمل لظروفه الصحية ليتحمل من الشباب من تلاميذه مسئولياتهم التي أعدهم لها واعدوا أنفسهم لتسلمها.  وبعد مرور سنينا طويلة من العمل الشاق في المصفاة والإبداع حافظ فيه على تاريخه الطيب وارثة الكبير  من العلم والفن وما كسبة من الحياة بحلاوتها ومرارتها من علوم  وخبرات كثيرة قام بنثرها وتوزيعها على كل من احتاجها على امتداد رحلة العمر الطويل والتي  ستبقى معنا دائما  نعلمها إلى أجيالنا اللاحقة لتواصل أسوة بالنوارس تحليقها في سماء الإبداع والفن  حين تغيب الأخرى في البعيد خلف الشمس , وتلك هي الرسالة حيث لن ننسى النوارس المضيئة التي أنارت الطريق في حياتنا وأحبت وطنها وقدمت كل جميل لرفع شأنه بين الدول المتحضرة وسنظل نحفظ عهدها وتاريخها حتى النفس الأخير.

رحل إلى مثواه الأخير الثلاثاء الموافق 3مارس الفنان المسرحي القدير عوض بامطرف عن عمر ناهز الـ80 عاماً وقدم الكثير لوطنه وفنه وبادله الوطن وفاء بوفاء وحفظ له الجميل وقبل سنوات قليلة ترجل الفارس عن حصانة وغادر الحياة و لم يبقى في ختام حكايتي ألا أن ندعو لشيخنا الجليل عمر بالرحمة والمغفرة وان يسكنه الله فسيح جناته.