آخر تحديث :الأربعاء-15 مايو 2024-02:10ص

أخبار وتقارير


أطفال وشباب ردفان تضحية وفداء .. قصة استشهاد الفدائي الصغير عبدالله محسن هيثم

الخميس - 12 ديسمبر 2013 - 12:18 ص بتوقيت عدن

أطفال وشباب ردفان تضحية وفداء .. قصة استشهاد الفدائي الصغير عبدالله محسن هيثم
من اليمين : علي عنتر ومحمود الداعري واحمد مهدي المنتصر

(عدن الغد ) خاص :

الكثير من شباب الجيل الحالي لا يعلم شيء عن الشهيد الفدائي عبدالله محسن هيثم وكيف استشهد ؟ رغم انه وحيد أسرته إلا أن أسرته أرسلته إلى الجبال ليعاون المقاومون الإبطال بكفاحهم ضد المستعمر البريطاني .

 

"عدن الغد" تعيد نشر مادة رائعة  نشرت قبل أعوام على أحدى الصحف الحكومية  لقصة استشهاد البطل عبدالله ليعرف الجيل الحالي من أبناء الجنوب التضحيات التي قدمها من سبقوهم فداء لهذا الوطن والذين كافحوا من اجل ان يعيش هذا الشعب بعزة وكرامة .

 

كتب\ اللواء المتقاعد احمد مهدي المنتصر :

 

جبهة ردفان الشرقية : قيادتها الميدانية المتقدمة الاحمري ثم بعد ذلك كنظارة أو خطوطها الخلفية في البداية عبر جبن وقعطبة ومؤخرا عبر يافع العليا إلى درب ذي ناعم في البيضاء .

 

جبهة ردفان الغربية والحواشب الشرقية : قيادتها الميدانية المتقدمة جرانع مقر قيادة المجاهد الكبير الأب الروحي للثورة السيد محمد عبيد سفيان _ رحمة الله عليه _ ورفيق دربه الطويل منذ الأربعينات الشيخ المجاهد الكبير محمد  صالح لحزم الضمبري ومن ثم دعت ضرورة النضال إلى اتخاذ منطقة ربط في الملاح الأعلى قيادة متقدمة لجبهة ردفان الغربية والجوانب الشرقية وقد كانت ردفان عبر زمن الاحتلال رأس حربة في صدر المستعمر وفي تاريخنا الحديث والمعاصر يسجل التاريخ منذ الأربعينات والخمسينات انتفاضات ومقاومة باسلة لأبناء ردفان وما حوادث المقاومة في جبل الحمراء ، وحصن مسيك وغيرها من المواقع الا دليلا واضحا للإرهاصات الأولى لثورة 14 أكتوبر 63م  وفي هذه المقدمة البسيطة ونحن بصدد ذكرى أعظم التضحيات لشباب الوطن وأطفاله اسمحوا لي أن انسل إلى جبهة ردفان الشرقية ومن ثم إلى جبهة ردفان الغربية والحواشب الشرقية لإبراز نماذج نادرة من التضحية والفداء من الحرية والكرامة بمناسبة ذكرى الجلاء والاستقلال .

 

بالنسبة لجبهة ردفان الشرقية وخاصة بعد أن أعلن المستعمر بان ردفان منطقة عسكرية تمت فيها إبادة جماعية للمواطنين والمساكن والمزروعات وتشريد الآلاف من الأهالي في جرائم حرب لم يشهدها شعب في تاريخنا المعاصر إلا في فلسطين المحتلة والجزائر أثناء الاحتلال وفي خضم هذه المعاناة وموت الناس جوعا وعطشا في مناطق التهجير في وادي بناء والمناطق المجاورة وخلال هذه المعاناة شب عن الطوق أنبل الشباب الصغار وأكثرهم شجاعة وتضحية انه الشاب الفدائي الصغير (عبدالله محسن هيثم) فطوال شهر كامل اعتمدت مجموعة نقيل الربوة من جيش التحرير على هذا البطل في عملية الإمداد والتموين من القرية المجاورة إلى مقر المجموعة في الكهف المحصن فوق جبل نقيل الربوة وعبثا حاول الفدائي الصغير إقناع المجموعة ليصطحبوه معهم في العمليات القتالية الليلية على معسكرات العدو في وادي الربوة ولم يقتنع إلا بعد إن افهموه أن  مهمته النضالية أهم من العمليات العسكرية والذي لولاها لما استمروا في عملياتهم بحيوية ونشاط .

 

في هذا الكهف المحصن فوق نقيل الربوة كان الفدائي الصغير يستقبل مجموعة جيش التحرير كل صباح فجرا عند باب الكهف بالخبز والماء والتموين والأخبار حيث انه في كل مرة يصعد فيها إلى الكهف يختط لنفسه دروبا صعبة ووعرة يغير مسالكها دائما حيطة للأمن ، فهذا الكهف كان يستريح فيه أفراد المجموعة العشرة من جيش التحرير في هذا القطاع نهارا استعدادا لليل جديد في مهمات نضالية جديدة ضد مخيمات العدو ومواقعه في وادي الربوة ، كما أسلفنا وكان أخر تلك العمليات الليلية الناجحة قبل استشهاد الفدائي الصغير عبدالله محسن هيثم هجوم قوي على المعسكر البريطاني في وادي الربوة أسفر عنه إحراق ثلاثة مستودعات ذخيرة ومخزنا للوقود.

وفي فجر يوم 5/6/1966م لم يشهد المناضلون صعود الفدائي الصغير عبدالله محسن حيث تأخر دخولهم الكهف على غير عادتهم ، وتوجس المناضلون ربما يكون قد حل به مكروه ، وفي هذه الإثناء دوى انفجار هائل داخل الكهف ، استلقى الجميع على الأرض وأيديهم على الزناد ، اعتقد الجميع ان العدو قد اكتشف موقعهم حيث كانوا على مقربة جدا من الكهف ا وان شئت القول بجوار مدخل الكهف في لحظة صعودهم إليه ( عند الشروق بعد الفجر ) وقد ظنوا ان قذيفة مدفعية العدو استهدفتهم وقبل ان يكملوا حديثهم اذا بهم جميعا العشرة ينطلقون متسابقين الى داخل الكهف فقد أحسوا حينها ان عملاء العدو او هو بنفسه قد وضع لهم شركا خداعيا وعبوات متفجرة ولكن .. وهنا صمت الجميع بذهول شديد وتوقعوا ما حدث ،فقد تبعهم الفدائي الصغير الى الكهف ليسلم لهم الأمانة الموكلة إليه كالعادة .

 

ولكنه هذه المرة شاءت الأقدار ولله الحمد ان يفتديهم بنفسه وبروحه  الطاهرة حين تعثرت قدماه  الطاهرتان بأسلاك الشرك الخداعي الموصل بعبوات شديدة الانفجار نسفته فورا ، لذلك صمت الثوار المجاهدون بذهول عندما وجدوا جسده الطاهر أشلاء متناثرة داخل الكهف وتحت الأنقاض والأتربة نعم : افتداهم بروحه وسقط شهيدا مع الإبرار في جنة النعيم .. وماذا بعد ؟ تخيلوا معي هذا المنظر المؤثر .. أعزائي القراء لأحد الأفذاذ الشباب الذين اجترحوا أعظم التضحيات والوفاء ، الذين صنعوا بدمائهم الزكية هذا اليوم ، الثلاثين من نوفمبر 1967م يوم جلاء الاستعمار عن الشطر الجنوبي إلى غير رجعة ، سقط الشهيد الفدائي الصغير ولكنه ظل باستشهاده حينها محتفظا بالأمانة تخيلوه (وهذه هي الحقيقة ) فيده اليسرى  مبتورة ولازالت ممسكة بقوة بكيس الخبز وفي الجهة الأخرى اليد اليمنى ممسكة بصفيحة الماء .. اي منظر هذا وأية روعة أعظم من هذا المشهد وكأنه يخاطب رفاقه : هذه الأمانة ومعاها روحي فداء لكم فصونوا الأمانة وواصلوا السير على طريق العزة والكرامة حتى النصر او الشهادة ، انها لحظات توقف فيها الزمن بكى فيها كل فرد من المجموعة دون استثناء وأجهشوا في البكاء بحرارة ، اقسم بعضهم انه لم يبك قط في حياته مثل هذا البكاء .. بكوه لأنهم أحبوه وأحبوا فيه الوطن أرضا وشعبا وأملا ومستقبلا . ولأنه أحبهم حب الأمل والكرامة والكبرياء حب الوطن الذي كبر فيه بمعيتهم ، وكان  - رحمه الله – ذكيا ومقداما وشجاعا ومما زاد المهم وحرارة بكاء المجموعة انه وحيد أسرته المشردة في الوديان والشعاب التي كانت في أمس الحاجة إليه ولكنهم جميعا هو وأسرته أرسلوه إلى الصفوف الأمامية في الجبهة قطاع (الربوة) أية عظمة هذه ؟ وهل من تضحيات اكبر وأنبل من هذه المأثرة العظيمة ؟ وان كنا نتساءل ومن حقنا ان نسال .. أين هي هذه الأسرة العظيمة التي أنجبت الفدائي الصغير الشهيد من اجل الحرية عبدالله محسن هيثم ؟

 

ماهو حال اسر الشهداء مناضلي حرب التحرير في ذكرى الجلاء والاستقلال ؟ الا يكفي التسلق على دماء الشهداء من مناضلي حرب التحرير ؟ الا يخجل أولئك الذين ينسبون اليهم أعظم المعارك البطولية كذبا وبهتانا ؟ ان من أراد أن ينظر الى الوجه الحقيقي لعظمة الرجال الأشاوس فليذهب إلى الحبيلين ويبحث عن أشجع الرجال صانعي التاريخ النضالي وهو احد رموزهم وهم كثرة .. انه المناضل البطل رجل المهام الصعبة في جبهة ردفان الغربية (احمد قسوم) انه يمثل حال المناضلين الحقيقيين الذين كانوا يفترشون الحجارة ويتجمشون برد اليالي القارصة وحرارة صيفها المكفهر وبهذه العجالة لاننسى رفيق دربه الطويل في جبهة ردفان الغربية والحواشب الشرقية المناضل الشجاع احمد سعد الحوشبي في الملاح ، فالاثنان وغيرهم الكثير من زملائهم رجال الكمائن في سيلة بلة ، فهل من معترض شجاع يستطيع او يجرؤ على ان يقول انه اكثر منهما رصيدا في العمليات العسكرية الناجحة ؟

 

وبما أننا ألان في جبهة ردفان الغربية والحواشب الشرقية لابد ان نذكر اغلى الرجال وأشجعهم الشيباني وصالح محسن الوحدي وعمر وصالح مثنى وعلي سعيد الرويسي وعبده سعد والسيد زين عبدالله ومحمد حيدر والكثير غيرهم لايتسع المجال لذكرهم واستسمحهم عذرا .

 

وبما أننا بمعيتهم ألان في هذه الأسطر لنتحرك إلى الملاح الأعلى ونتذكر بكل عزة وفخر الشهيدة فتنة احمد صالح التي اوكل اليها رعاية الطفلين سعد احمد صالح وصالح ناصر احمد ، هذه الطفلة فرت بروحها الطاهرة بالطفلين المذكورين اثناء قصف جوي بطائرات الهيلوكبتر على المنطقة فأسرعت إليهما لإنقاذهما ولكن إرادة الله شاءت ان تقع ومعها الطفلان تحت القصف مباشرة مما أدى إلى إصابتهم الثلاثة بصاروخ قسم جسم الشهيدة فتنة إلى نصفين وبعثر أجسادهم الثلاثة في الوادي شهداء عند ربهم يروقون .

 

كان المنظر عظيما إذا علمت أخي القارئ أن الطفلة الشهيدة فتنة احمد صالح التي سارعت لإنقاذ الطفلين الشهيدين سعد احمد صالح وصالح ناصر احمد قد استشهدا لحظة احتضان الشهيدة فتنة لهما ، أية عظمة وأية تضحية أقدمت عليها الطفلة فتنة يا لروعة البسالة وعظمة الاستشهاد وعودة إلى شهيدنا الفدائي الصغير عبدالله محسن هيثم .

الاسم : عبدالله محسن هيثم . العمر 13 ربيعا ، المهنة : فدائي صغير من اجل الحرية والكرامة .

مكان الاستشهاد : قمة نقيل الربوة بجبهة ردفان الشرقية تاريخ الاستشهاد : 5/6/1966م فجرا .

 

الفدائي الصغير عبدالله محسن هيثم

 

المحرر : أتمنى من ثوار الحركة الوطنية الجنوبية ان يقوموا بعمل حركات كشفية تحمل أسماء هؤلاء الشهداء ( كل مدينة تحمل أسماء شهدائها ) تخليدا لذكراهم وتكريما للتضحيات الجسيمة التي قدموها من اجل الاستقلال الأول .

 

عن صحيفة 26 سبتمبر العدد (1362) 26 ذي القعدة 1428هـ  الموافق الخميس 6 ديسمبر 2007م

 

صورة لجبل الوفير الذي استشهد فيه البطل عبدالله محسن