آخر تحديث :الثلاثاء-28 مايو 2024-02:17ص

ملفات وتحقيقات


عدن الكوسموبوليتية ..مدينة أوروبية

الأحد - 01 ديسمبر 2013 - 10:13 ص بتوقيت عدن

عدن الكوسموبوليتية ..مدينة أوروبية
السيدة ماهية نجيب سيدة الصحافة الأولى تركب سيارتها في مدينة عدن .

عدن((عدن الغد))خاص:

 

عدن الأوروبية من فصل (عدن مدينة كوسموبوليتية من كتابي الاول عدن في كتابات الرحالة الفرنسيين)

د. مسعود عمشوش

 


خلال القرن التاسع عشر انحصر الوجود الغربي في عدن في الجنود والموظفين الحكوميين وعدد محدود من التجار الذين فتحوا في عدن فروعًا لشركاتهم الضخمة وذلك بغرض تنظيم حركة التجارة والملاحة بين أوروبا وسواحل أفريقيا والهند والشرق الأدنى. ويذكر سيمونان أن الإنجليز، بفضل فعالية وكلائهم الفارسيين، يأتون في المرتبة الأولى بين التجار الغربيين. أما الفرنسيون، فقد كثفوا وجودهم التجاري في عدن بعد افتتاح قناة السويس وتأسيس شبكة خطوط الملاحة الفرنسية. وقد ازدهر عدد من الشركات الفرنسية التي تعمل في عدن ومرسيليا مثل شركة فياني- مازاران- بارديه وشركة أنتوني بس. بالإضافة إلى ذلك، منذ نهاية ستينات القرن التاسع عشر أسهم الفرنسيون في إنشاء الفنادق الكبيرة في عدن، ففي سنة 1867، قام تيان سويل بافتتاح "فندق الكون الكبير" في التواهي.

 

ومن ناحية أخرى، منذ بداية الاحتلال البريطاني في سنة 1839، صارت عدن نقطة انطلاق للرحلات الاستكشافية والاستخبارية والتبشيرية التي كان الغربيون يقومون بها في سواحل شرق أفريقيا. ففي "بر العجم" كتب الفرد بارديه: " أخبرنا السيد سويل أنّ معظم مستكشفي شرق القارة الأفريقية ووسطها، قد نزلوا في فندقه في انتظار السفن المتجهة إلى زنجبار والموانئ الأخرى الواقعة في السواحل الشرقية لأفريقيا. وشعرنا أنّه بإمكاننا هنا أحسن من أي مكان آخر أن نتحصل على معلومات جيدة عن الأوضاع في شرق أفريقيا".ما بول موراند فيؤكد في كتابه ( طريق الهند) "إنّ نزلاء الفنادق في عدن هم من الجواسيس والمهربين والعسكريين الاستعماريين والأطباء وموظفي الصليب الأحمر وتجار السلاح والصحفيين الغربيين".

 

وفي بداية القرن العشرين تضاعف حجم التواجد الغربي في عدن مع تصاعد أهمية عدن كقاعدة عسكرية وزيادة عدد الشركات التجارية الغربية التي لم تعد قادرة على الاكتفاء بالموظفين الهنود واضطرت إلى جلب عدد كبير من الموظفين من أوروبا. فأنتوني بس مثلاً كان يُحضِر معظم سكرتيريه ومُديريه من فرنسا وبريطانيا. ومن الطبيعي أن تؤدي زيادة عدد الأوروبيين في عدن إلى ظهور بنية تحتية غربية في عدن، كالكنائس والمدارس والنوادي والمسارح، ومنتجعات جولد مور ومعاشيق، و.. بعض الخلايا الماسونية. و"عندما تأتي سفن نقل الركاب إلى ميناء التواهي، فالاستعماريون يصعدونها: النساء يتوجهن إلى الكوافير، والرجال إلى البار".

 


وقد دفع الوجود الغربي المتزايد في عدن وبروز بعض ملامح الحياة الغربية بول نيزان إلى خلق مضاهاة بين عدن وأوروبا. فهو يقول في كتابه (عدن العربية): "إنّ الذي يجب أن يفهمه المرء هو أنّ عدن صورة مركزة لأمنا أوروبا. بل أنّها أوروبا مكثفة جدًا. فبضع مئات من الأوروبيين محتشدين في مساحة خمسة أميال طولاً وثلاثة أميال عرضًا - كأنّهم في سفينة السجناء- يعيدون هنا وعلى نطاق مصغر، ولكن بدقة متناهية، تلك التصاميم التي تتشكل بفعل طبيعة العَلاقات التي تفرزها الحياة في البلدان الغربية. إنّ الشرق يعيد إنتاج نصف الكرة الغربية وهو في الوقت نفسه تعليق عليه. فسكان عدن لا يختلفون عن سكان لندن أو باريس، فهم من الطينة نفسها، ولكنهم في دفينة تجعلهم يبدون أكبر نموًا. وهم مثل أهل أوروبا يظهرون ويختفون ويمشون ويتريثون بدون إيقاع أو سبب".