آخر تحديث :الجمعة-31 مايو 2024-12:31ص

أدب وثقافة


نجيب محفوظ واللغة العربية الفصحـــــــــــى((عروبــــــــة القلـــــــب الوديــــــــــع))

السبت - 21 سبتمبر 2013 - 11:26 ص بتوقيت عدن

نجيب محفوظ واللغة العربية الفصحـــــــــــى((عروبــــــــة القلـــــــب الوديــــــــــع))
الروائي العالمي نجيب محفوظ.

عدن((عدن الغد))خاص:

 

مولــــــده وحياتـــــــــــــه :

 نجيب محفوظ عبدالعزيز ابراهيم احمد باشا حيث تعود أصول أسرته الى مدينة رشيد على ساحل البحر الأبيض المتوسط  ولد نجيب محفوظ في مدينة الجمالية وهو أحد أحياء منطقة الحسين بمدينة القاهرة / مصر في 11 كانون الأول / ديسمبر 1911م وأمضى طفولته في حي الجمالية حيث ولد فهو حي شعبي بسيط استلهم منه نجيب محفوظ أركان رواياته التي كتبها فصعد معها الى أفاق الأدب الانساني , انتقل نجيب محفوظ هو وعائلته من حي الجمالية  الى حي العباسية والحسين والغورية وهي أحياء القاهرة القديمة التي أتارت اهتمامه في أعماله الأدبية وفي حياته الخاصة , وعندما بلغ الرابعة من عمره ذهب الى كتاب الشيخ بحيري , وكان يقع في حارة الكبابجي , بالقرية "درب قرمز" , تم التحق بمدرسة بين القصرين الابتدائية وبعد ان انتقلت الأسرة عام 1924م الى العباسية , حصل هناك على شهادة البكالوريوس من مدرسة فؤاد الأول الثانوية , حصل بعدها على اجازة في الفلسفة عام 1934م وأثناء اعداده لرسالة الماجستير .

 

وقع نجيب محفوظ فريسة لصراع حاد في نفسة بين متابعة الفلسفة وميله الى الادب الذي نمى شغفه به في السنوات الأخيرة لتخصصه بعد قراءات كثيرة لكبار الكتاب امثال العقاد وطه حسين.كان نجيب ممن تخرجوا في الثلاثينات من جامعة القاهرة بليسانس الآداب في تخصص الفلسفة , وسجل للحصول على درجة الماجستير قبل ان يقرر التفرغ تماما للأدب كما هو معروف وقد بدأ بنشر مقالات وأبحاث فلسفية بسن مبكر جدا أي عندما كان بالتاسعة من عمره تقريبا أي في عام 1930م , واستمر ينشر حتى حلول عام 1945م .

 

نجيب محفوظ هو روائي مصري , واول عربي حائز على جائزة نوبل في الأدب , متزوج من عطية الله ابراهيم منذ 1954-2006م , وله منها أم كلثوم محفوظ , فاطمة محفوظ , وتوفي في30 أغسطس2006م القاهرة / مصر , كتب محفوظ منذ بداية الأربعينيات واستمر حتى 2004

 

هناك نفر من الناس النادرين , يقدم افعال وخدمات جليلة للعرب والعروبة , بلا ادعاء ولا تكلف, بل بنفس صادقة وتواضع بليغ  وهنا يأتي نجيب محفوظ مثال ساطع على هذا الأداء العروبي النبيل وبوسيلة تكاد تكون قلب العروبة الحقيقي وجوهرها.نجيب محفوظ صاحب القلب الوديع وهي صفة لم نرى أجمل ولا ادق منها انسجاما مع حقيقة الروائي العربي الرائد, الذي رحل عن دنيانا العربية تاركا لنا عطرا من العروبة أو الكرامة العربية.

 

اتهـــــــــامــــه:

 

واجه محفوظ أقسى الاتهامات التي طعنت بجسده من غير أن تنزف دما وتطرحه أرضا  وهي قضية العروبة الذي اتهم بها عندما أبدى رأيه مؤيدا لمحاولة الحصول على الحق العربي أو بعضة , عن طريق التفاوض السلمي مع ( اسرائيل ) وجاء ذلك ان نجيب رجلا لا ينتمي للعروبة وحقوقها المشروعة,  بل تستند الى تكتيك سياسي بينما كان الرجل والعربي النبيل من أعمق العروبيين انتماءا, ارتفعت الأصوات والضوضاء من أصحاب الاتهام ولكن بعقل وبهدوء اشتهر به وبثقة عامرة  وبإنجاز عظيم  يجعله من أكثر من خدموا العرب والعروبة بفعلهم الممتد طولا وعرضا وعمقا ,في طريق امضى به محفوظ أكثر من ستين عاما ككاتب, من الخليج الى المحيط.

 

اللغـــــة العربيـــــــــة :

هل هناك جوهر للعرب والعروبة أثمن من اللغة العربية ؟

لقد كانت اللغة  العربية هي الساحة الأهم في حياته والتي تجلى فيها انجاز محفوظ الروائي, ولأنه كان المؤسس الوحيد لهذا الفن الرفيع العريق واسع الجماهيرية حيثما كان بأتساع العالم يوجد قارئ لأدبه الكبير والوفير, فأن  أداءه اللغوي كان معركة مع نفسه المبدعة اولا ومع المعارضين له ثانيا,

 

العربيـــــــــة الفصحــــــــــى :

قرر نجيب محفوظ أن تكون العربية الفصحى هي أداته الشاملة في فنه الروائي الرائد, أكان في السرد أو في الحوار, ومن خلال استخدامه للفصحى تعرض  نجيب محفوظ الى عاصفة نقدية من كبار النقاد ولكنه وبطبيعته صمد وبإصرار لا خشونة فيه, بالرغم من أن بعض هبات العاصفة النقدية كانت خشنة وقاسية جدا, ومن هنا تأتي اعنف الهجمات النقدية والسياسية التي تعرض لها نجيب محفوظ في حياته الأدبية ومنها :

 

اولا : اعتراض الدكتور عبد العظيم أنيس على كتابة نجيب محفوظ للحوار باللغة العربية الفصحى في روايتيه  " زقاق المدق " و "بداية ونهاية "

 حيث قال د/ عبد العظيم في نقده : "ان نجيب محفوظ يستفز القارئ بحواره الفصيح الذي يجري على لسان شخصيات من صميم قلب الشعب المصري وأحيائه الشعبية" .

 

ثانيا : وفي السياق نفسه علق المستشرق وهو أحد مترجمي أعمال نجيب محفوظ الى الإنكليزية  قائلا : " على موقف محفوظ من العامية ,بتعبير لا يخلو من الخشونة , وان التزام محفوظ للفصحى في كتابه الحوار مخل بمطلب الواقعية ويوجد لدى محفوظ نوع من (العناد الطارئ) فهو لا يؤدي وظيفة فنية صحيحة "

 

ومن هنا تأتي تصريحات نجيب محفوظ تجاه ما قيل بحقه عن اختياره للعربية الفصحى في أعماله بقوة تتناسب مع الخشونة الي نسبت له ومن ذلك قولة : ان اللغة العامية من جملة الأمراض , التي يعاني منها الشعب والتي سيتخلص منها حينما يرتقي وانا اعد العامية من عيوب مجتمعنا مثل الجهل والمرض والفقر تماما والعامية مرض أساسه عدم الدراسة بسبب عدم انتشار الدراسة بالبلاد العربية .

لكن جاء الدفاع الأقوى لنجيب محفوظ ضد ناقديه وهو في الوقت ذاته الدفاع الأبقى والأكثر وداعة وافحاما , وهو ما كان يستمر به محفوظ  في الأبداع بالفصحى حيث كان يجري حواراته مع شخصياته الروائية باللغة العربية الفصحى وهو ما حصد له من نجاح في نهاية الأمر حيث كان يرى ان اللغة العربية الفصحى وجه من وجوه الحضارة و يتشكل بشكلها ويتقدم بتقدمها , ويتنوع بتنوعها ويستوعب من الأشياء ما تستوعب .

 

ثلاثة مستــــــويـــــــاتـــــ باللغـــــــة :

 

الحـــــوار بين النــــاس :

بالنظر الى انتشار الأمية والى متطلبات الحياة اليومية والى تقاليد اللهجات الضاربة بجذورها في الماضي السحيق , ولكن انتشار التعليم واستعمال اللغة في الأجهزة الإعلامية قد يخلق على المدى الطويل لغة شعبية تقترب في جوهرها كثيرا من الفصحى , مع الاستفادة الدائمة من حيوية اللغة الدارجة ومواكبتها التلقائية لحركة الزمن والحضارة.

 

لغــــــــة الروايـــــــــة :

يمكن أن يكتب الأدب الروائي باللغة الفصحى نصا وحوارا, ومن هذا المستوى خضنا هذه التجربة من خلال معارك نقدية طويلة ووحشية وأعتقد أن تجربتنا مع اللغة وتطويعها لهذا الفن كانت ناجحة وكتابة الرواية بالفصحى اليوم هي القاعدة.

 

لغــــــــــــــة الدرامـــــــــا :

-        في المسرح التاريخي تستعمل اللغة شعرا ونثرا .

-        اما في الدراما فتغلب الدارجة وعلى أي حال فان لغة الدراما ستتغير بتغير الحوار اليومي.

-        اما الكوميديا فستظل تعتمد على لغة الشعب ( الدارجة) لأنها تستمد من نبرتها وتركيباتها جزاء لا يستهان به من فكاهتها.

 

جـــــدل مــن الـــوزن الثقيــــــــــل :

لقد كان نجيب محفوظ وديع القلب نعم , ومسالما جم التواضع والزهد, لكنه ممن يتنازلون عن قناعة ارتضوها لأنفسهم خاصة وجديته تقطع بأن كل قناعة تبناها لم يصل اليها الا بعد مجاهدة وتمحيص .

 

لقد رحل صاحب القلب الوديع والضمير الإنساني العربي,في 30 اغسطس2006م لكنه ترك بين أيدينا وأيادي الأجيال القادمة من أبناء امتنا العربية ألوانا من الابداع تزهو بلغتها العربية الصادقة وتصونها , وتمنحها حرية الحركة ومن هنا نرى أن ذلك القلب الوديع لم يكن قلبا مستكينا , بل هو نموذج لأكثر القلوب صحة وعافية وحيوية وجسارة , وصاحب رؤية ثاقبة لمستقبل أمته العربية.

 

بقلم: دعاء نبيل