آخر تحديث :الإثنين-29 أبريل 2024-12:11م

أدب وثقافة


عن المدينة التي باتت اليوم تفتقد لخشبة مسرح ضئيلة! .... لماذا تراجع ((الواقع الثقافي في عدن))؟

الثلاثاء - 10 يناير 2012 - 02:32 م بتوقيت عدن

عن المدينة التي باتت اليوم تفتقد لخشبة مسرح ضئيلة! .... لماذا تراجع ((الواقع الثقافي في عدن))؟
خلال عقود ماضية كانت عدن رائد على مستوى الخليج والجزيرة العربية الصورة للرعيل الأول من عاملي وموظفي تلفزيون عدن الذي بات اليوم خرابة بكل ماتحمله الكلمة من معنى

عدن ((عدن الغد)) خاص

كتب/ لبنى الخطيب

 

 

من عاش وعرف وهج الأنشطة الثقافية المختلفة في عدن، المدينة السباقة في كل شئ، يتألم  لحالة الركود الثقافي فيها الآن، وصحيح هناك الكثير من الجوانب المهمة في حياتنا تراجعت، كالصحة والتعليم أما التربية فحدث ولا حرج. والبعض يرى ليس  الوقت مناسبا الأن  للدفاع أو التباكي عن عدن،  وهناك تردي وتراجع  ملموس في أكثر من جانب في الوطن عامة.

 

صاحبة إرث ثقافي

 

لمن سيعارضني في طرحي أقول:" الحديث عن عدن يكتسب خاصية بذاتها، لصاحبة إرث ثقافي كبير وولادة بالمبدعين والرواد في مختلف المجالات، ولها الفضل في إنطلاقة الكثيرين والتاريخ يشهد للزخم الثقافي المتنوع فيها، فأهلها ومن سكنها أو عرف بذلك النشاط، تنتابهم جميعا غصة و ألم يعصر القلب للتراجع الملحوظ في النشاط الثقافي الذي تميز في عدن، المدينة الكونية إبنة البر والبحر حاضنة الأجناس والأعراق ومعتنقي الديانات المختلفة".

 

قتل الإبداع والمبدعين

 

سادت فيها كثير من المظاهر الثقافية، وكل زمن شهد تميزا، حتى جاءت القرارات الباطلة وقتلت الإبداع والمبدعين في عدن، ومنها ربط الأنشطة والمخصصات المالية بالمركز العاصمة صنعاء، وإحباطات تواجه الموهوبين والمبدعين والرواد في الفنون المختلفة، منها النكران والجحود  وعدم الإهتمام بهم والنظر لمشاكلهم وهموهم، بينما نشاط مكتب الثقافة عدن يقتصر على تنظيم الإحتفالات الرسمية، في الأعياد الوطنية، التي يحضرها جمهور معين، أو ذاك النشاط الثقافي في منتزه الصهاريج، وما لبت أن توقف بسرعة لأسباب يعلمها القائمين على إدارة ثقافة عدن.

 

روتين وتعقيدات ولابد من صنعاء

 

الروتين والتعقيدات المفروضة من الجهات المختصة أحد  أسباب  التراجع الثقافي في عدن، ومنها الميزانية، وان رصدت للأسف تصرف لفعاليات وهمية، ويمنح منها الفتات لأهل الفن والثقافة، وتعقيد أخر  يصطدم به الفنان الشاب والمخضرم عند رغبته تسجيل أعماله الجديدة في إذاعة عدن أو تلفزيونها، و حلم إن تحقق، والشواهد كثيرة لقائمة كبيرة من فنانين عدن المخضرمين منهم على قيد الحياة وبعضهم توفاهم الأجل، ولم  يتحقق حلمهم ذلك، والسبب لابد من تكبد مشقة السفر لصنعاء لأخد موافقة كتابية من وزارة الإعلام وتخصيص شيك مالي لذلك،هذا تقليد خاطئ،  وفيه الكثير من الإجحاف بحق قامات كبيرة رائدة في هذا المجال، وعوضا عن تكريمهم وتدليل السبل لتسجيل أعمالهم،  وكذا إحتضان الشباب الموهوبين في عدن، دون مذلة  وإستجداء وتعب السفر إلى صنعاء، وهناك من يبتسم له الحظ بالموافقة لتسجيل أعماله، إلا أنها تظل حبيسة أدراج المسئولين!.

إن إهمال الفنان والمبدع في عدن، أدمى الكثيرون معنويا وأصابهم بحالة إكتئاب، ومنهم من  فتحت لهم  أبوابها  إستيديوهات إذاعة وتلفزيون عدن، أو  دول الجوار التي لحقت بركب الثقافة في عدن، وسجلت أعمالهم وبمبالغ رمزية، لم يهمهم الربح، بقدر ما همهم إمتاع الجماهير بأعمالهم الناجحة، ويتذكر الكثيرون النشاط الفني النوعي الذي تألق فيه نجوم عدن  الفنانين الكبار وبتنافس شريف أسبوعيا وعبر الأثير في برنامج سهرة الخميس "جنة الألحان" التي قدمها الإعلامي القدير عبدالحميد سلام من تلفزيون عدن، أو برنامج " مسرح التلفزيون"، الذي عرض أروع الأعمال الدرامية للفرق المسرحية في عدن، وبرامج أخرى ثقافية نوعية  تلفزيونية وإذاعية في قائمة خارطتهم البرامجية.

 

 

اغلاق قاعة المسرح الوطني

 

وهناك شواهد كثيرة تحز في النفس أسوئها نكران وجحود لرواد ومبدعي عدن من قبل  الجهات المسئولة ، وكما يقول بعضهم، لم يعد هناك جهات ترعى الثقافة وإنما  "للسخافة"، وهذا غيض من فيض و نقطة في بحر المعاناة التي يعيشها أهل الفكر والثقافة في عدن، وكأنها خطة لوئد الحياة الثقافية في عدن من قبل أهل القرار وصناع المنجزات،وفي 1997م وقعت الضربة  القاضية على رؤوس أهل عدن ومثقفيها ومبدعيها، بقرار  إغلاق مبنى المسرح الوطني في التواهي، أحد المنارات الثقافية على مستوى عدن واليمن عامة، وبإغلاقه أسدل الستار الأخير على النشاط الثقافي الرائع الذي شهدته عدن، "وعذراً أقبحُ من ذنب" جاء قرار إلإغلاق، تحت مسمى عودة ملكية المبنى لمالكه  المؤمم من قبل السلطة القائمة في جمهورية اليمن الديمقراطية آنذاك، التي وظفته كمركز إشعاع ثقافي هادف، وبحسرة أقول بجرة قلم قراراً مجحفا صدر لإغلاق المسرح الوطني، ومن خشبته قدمت الكثير من الفعاليات الثقافية لفرق في فنون مختلفة يمنية وعربية وعالمية، وصالته في الدور الأرضي أحتضنت العديد من المعارض الفنية والأعمال التشكيلية لكبار فناني عدن واليمن وأشقاء عرب وأصدقاء،  وكان الأجدر بالدولة تعويض ملاك المبنى بقطعة أرض توزاي مساحته وأكثر، كما حلا لها صرف أراضي عدن للبعض، إلا أن نيتها كانت مبيتة للقضاء على بذرة طيبة للنشاط الثقافي في عدن، ومازال المبنى مهجورا ومرتعا للعناكب و الفئران، والدولة لم توفر خشبة مسرح في عدن حتى الآن، وكما نعرف إن المسرح  أبو الفنون معلّم مهذب ومصدر لتثقيف الجمهور، ومرآة عاكسة للمجتمع، ورغم الظروف الصعبة وعدم رعاية للثقافة في عدن، هناك من يحفروا في الصخر وبإمكانياتهم البسيطة لإعادة شئ من وهج الحياة الثقافية فيها، ومنهم فرقة خليج عدن المسرحية الشابة التي تأسست 2005م  وأعادت لمسرح عدن شئ من روحه، وكذا بعض الفرق، والمنتديات الثقافية المخصصة لمرتاديها من الرجال -ولمضغ القات فيها-، لتناول موضوعا ثقافيا معينا، أو للإحتفاء بذكرى وفاة أو ميلاد قامة ثقافية في عدن.

 

 

 حقائق للوهج الثقافي في عدن

 

عدن المدينة الأولى على مستوى اليمن ودول الجزيرة والخليج  عرفت المسرح من الرواد بعرض مسرحية "يوليوس قيصر" لشكسبير 1910م ، وأول فرقة مسرحية المصافي الكوميدية 1957م، وتلاحق بعدها تأسيس الفرق التي ساهمت في إنعاش الحركة المسرحية، وفي سبعينات القرن العشرين أنشئت الفرق الوطنية للمسرح والرقص والإنشاد للغناء والموسيقى، التابعة لوزارة الثقافة وأهتمت الدولة  بكوادر تلك الفرق،  أرسلت الكثير لتلقي الدراسة في عدة دول عربية وصديقة، و إفتتح معهد "جميل غانم " للفنون الجميلة كصرح علمي للفنون، والحديث يطول عن تاريخ الحركة الثقافية في عدن الضاربة جذورها في أعماق الحضارة اليمنية والعربية والإسلامية، وحرص رواد فكر التنوير للحفاظ على  الهوية العربية والوقوف ضد التغريب التي كانت تتعمدها السلطات البريطانية، فتأسس " نادي الأدب العربي" 1925م وتولى رئاسته الأمير أحمد فضل القمندان وأسندت إدارته لمحمد علي لقمان، تم  تأسست الأندية الثقافية في التواهي والشيخ عثمان وكريتر، وتميز أعضائها بالنشاط والعمل لرفع المستوى الثقافي في عدن، من خلال إقتناء الكتب وتنظيم حلقات التثقيف من محاضرات وندوات ومناظرات وإقامة الحفلات في المناسبات الدينية والقومية وتشكيل فرقة تمثيل قدمت عدداً من المسرحيات.


وللمرأة في عدن دور وبصمة في النشاط الثقافي آنذاك، من رموزها الرعيل النسوي الأول 1943م "نادي سيدات عدن" فاطمة فكري ونبيهة حسن علي ورقية محمد ناصر (أم صلاح محمد علي لقمان) ورضية إحسان الله ، 1956م تأسست جمعية المرأة العدنية وتوالت الجمعيات النسوية التي في إطارها نشطت المرأة ثقافيا .

 

 

 

 سباقة  في الثقافة بإمتياز

 

في عالم الإعلام المسموع والمرئي، عدن من الدول السباقة في الوطن العربي، بذلك فأول إرسال إذاعي 7/8 1954م وتلفزيوني 11/9/ 1964، وعالم الصحافة المقرؤة  أول صحيفة في عدن صدرت1940م "فتاة الجزيرة "لصاحبها محمد علي لقمان ، وسميت  بهذا الاسم كان  ناشرها ينظر لعدن كفتاة مليئة بالحياة والعطاء مقارنة بدول الجوار والسبات الذي كانت  تغوص فيه، وتوالى بعد ذلك  إصدار الصحف الخاصة ومنها باللغتين العربية والإنجليزية والمجلات، وتعددت المطابع الصحفية ونشط إصدار الكتب، وأفتتحت قبلها  المكتبات للبيع الكتب العربية، الدينية، الأجنبية،  الصحف، النشرات والأسطوانات، وهناك كانت مكتبات لإعارة الكتب  ومنها المتجولة بين أحياء عدن، وأقول بتنهيدة "آه يازمن أرجع ثاني".


وتميزت الحياة الثقافية في عدن بظهور أندية فنية في بداية الأربعينيات، والخمسينيات وهي:( ندوة الموسيقى العدنية) 1948م، ( رابطة الموسيقى العدنية ) سنة 1951م، ( رابطة الموسيقى لشباب التواهي )، ( جمعية مؤلفي الأغاني ) 1956م، ونشطت شركات الأسطوانات من النوع (الحجري ) المصنوع من الشمع، وهي علامة واضحة لمدى تطور الحياة الفنية والثقافية في عدن، وسجلت أغاني لمطربين مشهورين ومعروفين في عدن حينذاك، و إنتاجها شجع الفنانين على الإبداع في الغناء والتلحين والشعراء لكتابة النصوص، كما تميز النشاط الفني بإلتحاق عددا من الفنانين في مدرسة الفنان القدير   يحي مكي ومقرها كان  في مدرسة (بازرعة )  بكريتر، لتعليم  أصول  الموسيقى و مقاماتها و أبعاد صوت الفنان  فين  يبدأ و إلى أين ينتهي، وتولى إدارتها بعد ذلك الفنان أحمد قاسم.


  والسينما تعد من أهم الفنون، وفي عدن كان أكثر  من عشرة دور للسينما  عرضت الأفلام المصرية ،الهندية، الانجليزية والأمريكية،  كما يؤرخ لعدن تأسيس أول نادي رياضي على مستوى الجزيرة والخليج وسبق كثير من الدول العربية النادي المحمدي "التلال"1905م، و توالى تأسيس الأندية الرياضية التي كانت أيضا مراكزا للأنشطة الثقافية المختلفة في عدن، وهكذا سادت ثم بادت، وأملنا بعودة النشاط الثقافي المميز في عدن، ولنقول:"إن غداً لناظرة قريب".


*عن صحيفة "عدن الورقية "