آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-11:19م

أدب وثقافة


ديوان (أروع المساجلات القبلية ) بين الشاعرين عبدالقوي أحمد السعدي وعلي محمد بن شيخان

الثلاثاء - 02 يوليه 2013 - 08:26 م بتوقيت عدن

ديوان (أروع المساجلات القبلية ) بين الشاعرين عبدالقوي أحمد السعدي وعلي محمد بن شيخان
غلاف الديوان - عدن الغد

يافع«عدن الغد» خاص:

صدر مؤخراً ديوان (أروع المساجلات القبلية) بين الشاعرين الكبيرين عبدالقوي أحمد السعدي وعلي محمد بن شيخان اليزيدي, ويضم في دفتيه تسع مساجلات تتكون من (بِدع) و(جواب) , وتزدان لوحة الغلاف الأمامي للديوان بلوحة فنية للفنان المبدع (زكي يافعي).

ويعد هذا الديوان  الإصدار رقم ثلاثين للدكتور علي صالح الخلاقي, الذي توزعت إصداراته بين الترجمة والتأليف والجمع والتحقيق للموروث الشعبي فضلا عن ابحاثه في المجلات العلمية وكتاباته في الصحف السيارة. 

 

ومن مقدمة الديوان نعرف أن الشاعرين عبدالقوي أحمد ثابت السعدي وعلي محمد بن شيخان اليزيدي من فحول الشعر الشعبي اليافعي في النصف الأول من القرن العشرين, ويمثلان ثنائياً لا مثيل له في المساجلات القبلية, فكل منهما ينتمي إلى مكتب يتقاتل ويتخاصم مع المكتب الآخر, لكنهما كانا رغم ذلك صديقين حميمين جمعتهما علاقة التقدير والتفاهم والود المتبادل. وقَلَّ أن نجد مثيلاً لهما بين خصمين قَبَلِيَّين يتواجه قومهما في أطراف الحدود بالرصاص والنار, فيما يتبادلان المساجلات الشعرية ويتجادلان بكل هدوء وأريحية. بل ويمدح كل منهما الآخر ويشيد بمناقبه وسجاياه. بيد أن أشعارهما, مع ذلك, لا تخلو من الحيوية والإثارة بحكم الموضوعات الساخنة والجدل الذي كان يُثار حولها, فضلاً عن التنافس الذي أبداه كل منهما دفاعا عن رأيه ومواقف قومه وفي إبراز قدراته ومواهبه الشعرية.

 

كانا يسعيان, من خلال أشعارهما, إلى إرشاد قومهم للخلاص من الفتن وتجنب الإنزلاق في دوامة قتل النفس البريئة والتعرض للنساء أو الماشية أو إبادة المزروعات . فجاء شعرهما على نسق واحد من التواؤم في المثل والقيم القبلية النبيلة التي كان يجلها المجتمع القبلي, وقد كانا ندَّيْن متكافئين لامتلاكهما موهبة شعرية وقدرتهما على توظيف المأثور الشعبي وإجادة الوصف والتكنيك الشعري, الذي يبدو من خلال تنقلهما في القصيدة الواحدة من موضوع إلى آخر حسب مقتضيات الحال.

يعد هذا الديوان  الإصدار رقم ثلاثين للدكتور علي صالح الخلاقي, الذي توزعت إصداراته بين الترجمة والتأليف والجمع والتحقيق للموروث الشعبي فضلا عن ابحاثه في المجلات العلمية وكتاباته في الصحف السيارة

 

ولد الشاعر عبدالقوي أحمد ثابت السعدي قرية جبل السعدي (جبل عمران) في عام 1880م تقريباً . له الكثير من الأشعار , خاصة المساجلات بينه وبين عدد من الشعراء الشعبيين أمثال : راجح بن هيثم بن سبعه , طاهر عثمان السليماني , علي محسن الهندي, عثمان بن عامر, وشايف عبد الموصف, توفي تقريباً عام1945م.

 

أما الشاعر علي محمد بن شيخان اليزيدي فيكبر خصمه القبلي وصديقه الشاعر السعدي بعشر سنوات تقر يبا, وقد ولد ونشأ وعاش في قرية المعزبة التي تطل على وادي "حَمُومة" الشهير بزراعة البُن والحبوب, ولم يغادرها إلاَّ إلى عُمان لزيارة أولاده والاطمئنان عن أحوالهم, لكنه لم يمكث طويلا وعاد إلى مسقط رأسه. وتوفي مطلع الأربعينات تقريبا, أي قبل وفاة السعدي ببضع سنين.

 

وقبل الولوج في مضامين مساجلاتهما الشعرية لا بد من التعرف على الأوضاع والأحداث التي كانت نتاجاً لها.

 

سبب الفتنة:

 

حتى عشرينات القرن العشرين الفارط, لم يكن بين مَكْتَبي السَّعدي واليزيدي في يافع ما يكدر صفو علاقة الجوار بينهما أو ينذر بنشوب حرب أو فتنة تؤدي بحياة قرابة عشرين شخصاً ممن اخترمتهم رصاصات الفتنة وكانوا وقوداً لها, فضلاً عن تُعرِّض الطرفين لعداء مُستحكم وخصومة شديدة امتدت لعدة عقود... فما سبب هذه الفتنة بينهما؟

 

من المعروف أن الفتن التي كانت سائدة في أكثر من منطقة في يافع كانت تدور بين مكتب وآخر أو قبيلة وأخرى لأسباب متعددة, معظمها اقتصادي. أما فتنة السعدي واليزيدي, فكان سببها خارجياً وليس لهم فيها لا ناقة ولا عير, إذ نشبت بسبب من لجأ إليهما من مكتب آخر.

 

فقد حدث خلاف على عروس (حَريوة) طمعها آل النسري على آل القُرعة (من أهل امشق-ذي ناخب) , فلم يتمكن الجانبان من حلَّها ودياً, بل زاد خلافهما واستفحل. فقد باءت محاولات الحكماء من الطرفين بالفشل لغلبة الآراء المتشددة. ونتيجة لتعصب الآراء وعدم إحكام العقل والمنطق أو الانتصار للحق, ضاعت أصوات العقل من الطرفين, وبدلاً من حل خلاف من لجأ إليهما كوسطاء, غلبت لغة الفتنة التي أخذت سُحُبها المتجهمة تحلق في الأجواء لتنذر بحمم حرب قبلية عبثية أوسع شملت المكتبين (السعدي واليزيدي) واستمرت قرابة أربعة عقود, حتى انتهت عشية الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م.

 

ولو أن وجهاء وأعيان القوم من الجانبين وقفوا جميعا منذ البدء مع الحق لما دخلوا في ذلك النفق المظلم وضحوا بدماء العشرات من القتلى والجرحى, ناهيك عن ما لحق بهم من أضرار اقتصادية كبيرة وانعدام الأمن والأمان لعشرات السنين, وقد شبّه الشاعر بن شيخان تلك (العروة) بالريح العابرة "نَود الرّهى"التي أشعلت (فتنة جوية) أي دون سبب أو مبرر وجيه. بقوله:

على نود الرُّهي نأرم ونكرع

 

وفتنه جويه من قل تفكور

 

نظـرة في المساجلات:

 

إن الشعر الجيد لا يفقد قيمته بالتقادم. بل يُكتب له البقاء ويعيش في وجدان وذاكرة الأجيال, أما الغث فيذهب جفاءً ولا يجد من يهتم به أو يلتفت إليه. وهذه القصائد الرائعة تنتمي زمنياً إلى العهد القبلي, وتحديدا إلى النصف الأول للقرن العشرين, ونجد فيها سجلاً لأحداث الفتنة التي نشبت بين مكتبي السعدي واليزيدي أواخر العقد الثاني من القرن العشرين تقريبا واستمرت حتى عشية الاستقلال الوطني في نوفمبر 1967م.

 

ورغم انقضاء عقود عديدة على الأحداث التي قيلت فيها, فأنها لم تفقد وهجها وبريقها, إذ ما زال الناس يحفظونها وتتردد على شفاههم ويستمعون إليها بشغف واهتمام بأصوات المطرب الفنان السيد محضار الذي عاصر الشاعرين وغنى معظم هذه المساجلات وحفظها لنا من الضياع. وحين نقرأها اليوم, أو نستمع إليها , نجد أنها تشدنا إليها وكأننا نعيش الأحداث التي عاشها الشاعران في ظل المجتمع القبلي, وهنا مكمن قوتها وجاذبيتها.

 

 ثم أن ما يميز هذه الأشعار أيضاً ثرائها– بدرجات متفاوتة-بالصور الفنية وموسيقى الألفاظ والرموز الموحية التي استنبطها الشاعران من البيئة المحلية, وهي ببساطة لغتها وجمال معانيها تنساب إلى القلوب بسلاسة ورقة الماء وعذوبته.

 

يُقال إن المعاناة تنضج الموهبة, ولا شك أن المعاناة من الفتنة القبلية قد أنضجت مَوهبتَي الشاعرين.. وابرزتهما كناطقين رسميين في التواصل بين قومهما, حتى أن هذه المساجلات طغت على بقية أشعارهما الأخرى..

 

 وعموماً فقد كان الشعراء في العهد القَبَلي , ومنهما شاعرا هذه المساجلات, لسان حال قومهم, ولذلك كانوا يزِنون أقوالهم حين ينظمون قصائدهم ولا يتسرعون في إرسالها إلاَّ بعد أن تخضع للمراجعة الدقيقة وتُعرض على الشخصيات الاجتماعية وذوي الآراء السديدة للاستئناس بآرائهم وملاحظاتهم لإدراكهم مدى تأثيرها, سواء في الحرب أو السلم..

 

 ومن هنا جاءت قصائد هذين الشاعرين بهذا المستوى الراقي من الحوار والنقاش المسئول والمخاطبة بلغة تجل الخصم, وتعتبره نداً مماثلا, وهي في مجملها صفوة القول, ولغتها محكمة وموزونة تخاطب العقل وتحث على كبح جماع مشاعر الثأر الأهوج وذم الانزلاق في الفتن أو التعرض لقتل النساء والماشية وإبادة المزروعات أو القتل العيب لأن هذا أمر معاب ومستهجن في العرف القبلي, وإلاَّ لالتهمت الفتنة الأخضر واليابس ولما لقي الناس في ذلك الوقت ما يأكلون خاصة إذا ما عرفنا أن الناس كانوا يعتمدون على منتوجات أرضهم في مأكلهم ومشربهم ومسكنهم وملبسهم ولم يكونوا يعتمدون على الاستيراد من الخارج كما هو حاصل اليوم.

ولهذا السبب نجد عناية الشاعرين الواضحة في انتقاء الكلمات المعبرة, لأن كل منهما يعد نفسه لسان قومه وأي هفوة أو خطأ يحسب على قومه لا عليه.

 

لم يخرج الشاعران في مساجلاتهما عن المعايير التقليدية للشعر الشعبي اليافعي, فجميعها تتميز بالاستهلالة الدينية التي تتكون من عدة أبيات, يُذكر فيها اسم الله أو التذكير بقدرته وطلب عفوه ومغفرته ، وكذا الصلاة والسلام على النبي الكريم وإيراد المواعظ الدينية ذات الصلة أحيانا بمضمون وغرض القصيدة ..الخ.

 

ولا بد من وصف الطريق المؤدية إلى قرية الشاعر أو بيته, ثم تبليغ السلام والتحية مقرونة بالروائح العطرة, ثم الولوج في موضوع القصيدة وصولا إلى خاتمتها التي تنتهي بذكر الرسول والصلاة والسلام عليه. وفي كثير من المساجلات الشعرية المشابهة اعتدنا أن يأتي شاعر (البِدع) بلغز شعري، يعرف بـ"المِحْزَاهْ"، لكننا لا نجد لذلك اثراً في مساجلات شاعِرَينا, لأن مثل تلك الألغاز تأتي على الأرجح للتسلية, أما الشاعران هنا فلا وقت لديهما للتسلية, والأمر بينهما في غاية الجدية.

 

إنهما يواجهان قضية حيوية هامة, هي الفتنة القبلية القائمة بين مَكتَبَيهُما, ويتفقان في ذمها والتحذير من تداعياتها لما لها من أثر سيء ومخاطر مهددة للأمن والسلام الاجتماعي بين جارين تجمعهما الكثير من وشائج القرابة وصلة الدم والنسب والمصالح والحدود والأراضي المتداخلة والمتجاورة. ولهذا سعيا لمعالجة أسبابها بروح الطبيب الذي يشخص المرض لاستئصاله, وبعقلية المحامي الذي يدافع عن الحق ضد الباطل, وكانت مواقفهما مجمعة على نبذ هذه الفتنة التي تحصد بنيرانها الأبرياء وقلَّما يقع فيها المتسببين باستمرارها.

 

 فمن عادة الفتنة أو الحرب القبلية أنها لا تميز القاتل, ولا تعرف القصاص الشرعي, بل تثأر القبيلة لقتلاها من أي شخص من خصومها, وقد لا تعترض للقاتل إن لم تَرَ فيه نداً لقتيلها لأية أسباب فتتعمد في هذه الحالة أن تترصد لقتل أفضل رجالاتهم.. ولهذا يذم عبدالقوي السعدي الفتنة التي نادراً ما يكون القاتل (الغريم) هو من تصوب إليه رصاصات الثأر. يقول في هذا المعنى:

 

طبع الفتن كُلَّه المَهْرَا طَفَف

بُدَّك من ازْكَنْ على رأس الغريم

 

وكان قتل النساء أو التعرض للمزروعات أو قتل الرعيان الذين يرعون قطعانهم (البوش) التي تسرح وتمرح في المنحدرات والشعاب الجبلية وفي الأودية عملا مستهجنا ومستنكرا في العُرف القبلي. وقد استنكر بن شيخان مثل هذه الأعمال وحذر من عواقبها إذا لم يحكِّم الناس عقولهم ويتراجعون عن الخطأ, حيث قال في جوابه مخاطباً السعدي:

 

أكبر مَشَقَّه وبين القبيله نُقدَه

           قطع الخضيره وضرب البُوش والنسوان

عادك تشُوف الطوارف با تقع كُوْدَه

           من بعد زَقر الثمر وعلى جمل جبران

ماشي بلاش آيقع كُلاً وبه سَردَه

              لا مَحَّد ازكن بعقله وابعَد الشيطان

 

إن من مآسي هذه الحرب القبلية تخريب المزروعات, وحرمان الناس من مصدر عيشهم .. وكانت مزارع آل يزيد على مرأى عيون خصوصهم وفي مرمى أسلحتهم, لكونها تقع على مقربة من أطراف الحدود بين المكتبين, فيما مزروعات آل سعد بعيدة بعض الشيء وتختفي وراء الآكام والجبال.. لذلك كان يلجأ أهل يزيد إلى بذرها وحصدها خلال أوقات الليل والسهر عليها لحمايتها من الخراب.. ومع ذلك يحدث أن يغفل الحراس, أو يترصد آل سعد لتخريب هذه المزروعات وقلعها, إمعانا في إيذاء خصومهم بغية جرهم إلى خط المواجهة للأخذ بالثأر الذي تبقي لهم, خاصة وأنه قد مرت أشهر وأعوام دون أن تُتاح لهم فرصة للنيل من خصومهم والأخذ بثأرهم. وهو ما عبر عنه عبدالقوي السعدي في مخاطبته لبن شيخان بقوله:

 

نهار الحرب لا حد جِيْك يذرع

            فلا تِغلُب ولا هو سُوق مقصور

وذا قولي وقُل للناس تقنع

             من الوديان كلّم كل مَحضور

لحتى شوكة الميزان ترجع

               على معتادها وا كُل مغرور

 

أي إنه يبرر هذه الأفعال بالقول لخصمه: لا تطمعوا بزراعة أوديتكم والاستمتاع بثمارها حتى تستقيم شوكة الميزان بيننا وبينكم ويتساوى قتلانا بقتلاكم.. ونجد أن السعدي يُكرر دائماً في معظم قصائده التذكير بما لهم من ثأر يرمز إليه بـ(بُر حرقدي), أو ( قروش اسلاف) أو (ستِّه فرنصيه قروشاً مُنَقَّدي) عند إشارته إلى عددهم. ويأبى أن تتاح الفرصة لخصومهم أن يزرعوا أرضهم المجاورة للسعدي قبل تصفية الحساب بينهما فهو يقول:

 

وقل قال أبو عثمان لي بُر حرقدي

                    مُذلَّح بمَطْرَح عند وافي بلا مِحُون

ولا ما رضي يدّيه تِلْم المَجاندي

                     يكَفِّي وَنَا صابر لحتى تراجعون

ومن صابني صبته برأس المَعَامدي

              براسه وحقه وإن حَدَا صان با يصون

ومن قال أنا ذاق العناء لا يقع مَدِي

                   يقاتل ويُقتل كم هي أوجاه يقتلون

ويقول في قصيدة أخرى مخاطبا بن شيخان ويستعجله الأخذ بالثأر حتى تعود المياه إلى مجاريها ويتصالح الجانبان:

يستاهل الخوف مَن ظَلِّي مُعذَّب يحاَفد

                            وأمسي يجر امنهود

شهور وأعوام ندعيكم بشرع العوايد

                            للطارفه والحدود

وانتوا لمه ما تجونا لا قد الحرب واقد

                          نا بُو عِبِدْ بو حَمُود

ماهل على يوم لا قد وافق الله وساعد

                        وان رحْنَا أخوَهْ سدود

والمعنى أنكم تستحقون هذا الخوف الذي تعيشون في أجوائه وتعانون منه جراء منعكم من زراعة أرضكم وقطع طرق مروركم في حدودنا, وإلا تعالوا إلى خط المواجهة بيننا في الحدود لنأخذ بثأرنا وننهي هذه الفتنة المشؤومة ونغدو أخوة متفاهمين لا خلاف بيننا ولا خصومة (أخوة سِدُود).. ومن جانبه فأن بن شيخان يقول لصديقه الشاعر وخصمه القبلي في ردّه أن الأخذ بالثأر لا يُمكن أن يتم بهذه السهولة أو بالمناولة أو إرسال الناس لقتلهم, فساعة هذا الأمر وتوقيت مكانه وزمنه بيد الله سبحانه, وليس بعُدّة القتل (ريفل وعود):

لما تصل قل لبو عثمان ويش أنت عاقد

                               مُنَاوله وا كَدُود

رَعْ عادها بيد مَولى فوق سبعاً شدائد

                            ما هي بريفل وعُود

قلتوا لمه ما نجيكم لا قد الحرب واقد

                            مِحدَاد ما به حدود

لقد طالت الفتنة وهرمت وشاخت وأهرمت معها جيلا كاملاً بتبعاتها وشروطها المقيته, فاستحقت أن يصفها الشعراء بـ( العَودة) أي العجوزة المقيتة التي لا ينبغي الاستخفاف أو الاستهانة بها.. فهذا بن شيخان يتساءل متى سندفن هذه العجوز التي أخذت أفضل رجالنا (قروش منقودة).. إنها منا وتعيش بيننا وتجد من يأخذ بيدها ليطيل من عمرها وليس بنت زنوة لبدوي غير معروف, والقضاء عليها ودفنها نهائيا مسؤليتنا المشتركة:

قل لي متى عاد رحنا نقبر العَوْدَه

                شلّوا بها خِفْ خلق الله واِسْتِهْوان

كم عَدَّمتنا قروش انصاف مَنقوده

                ما قول هي بنت حد زنوه من البدوان

لم يُقيّض للشاعِرَين أن يشهدا نهاية هذه (العجوزة) ودفنها إلى غير رجعة. لكن أملهما تحقق بعد موتهما, وتحديداً عشية الاستقلال الوطني عام 1967م, الذي كان فاتحة عهدٍ جديدٍ أنهى الفتن والحروب القبلية سواء في يافع أو في عموم مناطق الجنوب العربي, التي انضوت جميع سلطناته وإماراته ومشيخاته تحت مسمى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.

 

وأصبحت أحداث هذه الفتنة وغيرها من الفتن والحروب القبلية في ذاكرة التاريخ, واستعادة ذكراها من خلال هذه الأشعار التي ارتبطت بها ليس إلا لمعرفة الأحداث التاريخية التي عاشها الآباء والأجداد لاستلهام العبرة والعظة وكذا للوقوف على جماليات الشعر الشعبي وأدب الحوار الذي كان يتسم به المتحاورون رغم الفتن التي فُرضت عليهم ووجدوا أنفسهم في معمعتها.

 

 المادة خاصة بـ(عدن الغد) نحذر من نقلها