آخر تحديث :السبت-18 مايو 2024-10:44ص

أخبار وتقارير


تحليل: ما بعد إيقاف الحرب .. كيف سيكون وجه اليمن القادم ؟!

الإثنين - 29 مارس 2021 - 01:55 م بتوقيت عدن

تحليل:  ما بعد إيقاف الحرب .. كيف سيكون وجه اليمن القادم ؟!

تحليل: مصطفى المنصوري

 

في واقع الأمر مازالت بواعث استمرار الحرب في اليمن قائمة الى اللحظة ، ومازالت كل الأطراف المتقاتلة يستشعر كل طرف فيها انه مستهدف ، 6 سنوات من الحرب والحزن والجوع والمرض والشتات والدمار والمستقبل المخيف ، اليمن حمل في اضلعه أكبر كارثة إنسانية ، ومجاعة صرخ من اجلها العالم ، دولة فاشلة ، وقادم يحمل معنى اللاحياة ، الأطراف اليمنية المتصارعة مازالت دون مستوى حاجة الوطن والمواطن ، دون قدسية الأرض والانسان ، صراعهم يوجهه الخارج ، مازالت المشكلة قائمة ، وجذورها الشيطانية ترسل اشاراتها كي تستمر الحرب .

لا يمكن إغفال ان التركيبة السياسية اليمنية بالغة التعقيد وان اطرافها عنيفة ، الدولة الحديثة لليمن التي انطلقت في ٢٢مايو ١٩٩٠م أسست لظلم اجتماعي وسياسي بالغ الخطورة ، ونشاء تباعا لذلك صراع معقد عنيف لم يتوقف بين الجنوب والشمال الى اللحظة ، وفي الاتجاه الآخر كان لنتائج حوار موفمبيك الموجه خارجيا دور عظيم في احراق ما تبقى من وجه اليمن ، هذه المخرجات تعد وقود الحرب اليوم ، وتدفع الى عدم ايقافها ، جذور المشكلة في أعماق خفية ، والوصول الى هذه الجذور يحتاج دراسة الواقع من جوانبه المختلفة وكذا دراسة البواعث التي تؤدي الى ارباكه ، وكذا دراسة القوة القادرة على إدارة المشهد بعنف دون توقف حتى يتم الوصول الى صيغة الحلول الناجعة والمستدامة .

افرزت الحرب التي أعلنت بتاريخ ٢٦مارس٢٠١٥م في اليمن واقعا جديدا ، وضربت حسابات السعودية بمقتل ، في الاصل عندما تدخلت السعودية عسكريا كانت تهدف الى حماية نفسها من تسارع نفوذ القوة الصاعدة المتمثلة بحركة انصار الله الحوثية المرتبطة بإيران ، إلا ان حساباتها في الحرب كانت خاطئة، الحركة تحولت الى سلطة سياسية وعسكرية قوية نافذة ، مقاتلة شرسة ، تملك قدرة تصنيعية وتطويرية للأسلحة رغم الحصار البري والبحري الجوي ، بعد ٦سنوات من الحرب اصبح الكل يرى الحرائق تنبعث من منشاءت السعودية الحيوية سواء مدنية او عسكرية بفعل الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية القادمة من اليمن . 

المفاوضات السياسية القادمة لن يقتصر دورها في تقاسم السلطة بل في شكل الدولة ونظامها السياسي ، هذا هو الصراع الحقيقي ، لم تأتي المبادرة السعودية التي أعلنتها الخارجية السعودية يوم الاثنين إلا نتاج تشاورات مستفيضة وعميقة مع بريطانيا ، محتواها في الأصل لا يخرج عن مبادرة المبعوث الاممي وكذلك مبادرة المبعوث الأمريكي ، الجديد في الامر ان عمان استصاغت هذه المبادرة ، عمان وسيط مؤثر على الحوثيين ، بل ان قيادات الحوثيين وعلى راسهم السيد عبدالملك الحوثي أشاد بدور عمان ، تتضمن هذه المبادرة إيقاف الحرب وفتح مطار صنعاء جزئيا وكذا ميناء الحديدة على ان يكون تحت الرقابة الاممية ، وإدخال المشتقات النفطية والغذائية والدوائية ووضع عائدات وضرائب الميناء والمشتقات النفطية في حساب مشترك في البنك المركزي ، كل هذا يتحرك اليوم من اجل تنشيط واحياء الحلول السياسية بعد إيقاف الحرب ، السعودية وضعت مبادرة شاملة إنسانيا وعسكريا وسياسيا ، نقطة الخلاف ان الحوثيين يشترطون خروج نهائي للسعودية من اليمن ووقفها دعم حلفائها شرعية يمنية وانتقالي جنوبي حتى تتبعه مباشرة المفاوضات بين الأطراف اليمنية .

العالم بداء يستشعر خطورة حجز التحالف ناقلات الوقود في البحر ، انصار الله الحوثيين اكدوا ان ١٤ ناقلة موقوفه عرض البحر، والتحالف منع اعطاءها تصريحات دخول ميناء الحديدة ، الكثير من المحللين اتجهوا ان سماح السعودية ادخال ٤ ناقلات نفط بعد تقديم مبادرتها يعد نجاح للحوثيين في ظل بقاء ضرباتهم في عمق السعودية ، في الأصل التقارير الإنسانية الأممية حملت السعودية الكارثة الإنسانية في اليمن ، لأنها لم تسمح بدخول الوقود لمناطق سيطرة الحوثيين ، جيمس كليفرلي وهو وزير الدولة البريطاني لشون الشرق الأوسط وشمال افريقيا حذر من نفاذ مخزون الوقود واكد ان برنامج الغذاء العالمي قد لا يتمكن من توصيل الطعام الى ملايين من اليمنين الجياع ، وانه اجرى اتصالات مع مدير برنامج الغذاء العالمي حول حاجة حكومة اليمن لضرورة الافراج عن سفن الوقود في الحديدة لمنع المزيد من المعانة الإنسانية ، استبقت السعودية الضغوطات الدولية الإنسانية وقدم مبادرتها .

المشكل الأساسي ليس في فتح المطار او المنافذ البحرية ، في ظل التفاوض اليمني سيبقى المطار والمنافذ البحرية ترتب شؤونها اتفاقات اممية ، اتفاق استكهولوم سيسير اداء ميناء الحديدة ، وسيتفق الحوثيون والسعودية حول آلية عمل فتح مطار صنعاء ، القضية تكمن ان الحوار في هذة المبادرة سيكون قائم بين الحوثيين والسعودية برعاية اممية وأمريكية ، وهذا معناه أن الحرب في اصلها كانت تسير بين السعودية وصنعاء ، بالوصول الى هكذا مفترق تكون حركة انصار الله الحوثية قد قطعت مسافة كبيرة في أهدافها نتيجة المقاومة والقتال ، بعد الاتفاقات التي في اصلها تتم الان عبر قنوات خلفية غير رسمية في عمان تكون الشرعية اليمنية قد جردت من قوتها وستوضع مستقبلا على طاولة تفاوض أكبر من قدراتها . 

كثيرا ما يخرج جمال بن عمر وهو المبعوث الاممي الأول في اليمن يضع أفكاره في هذه الحرب ، يردد بن عمر كثير ان لولا ضربات السعودية المفاجئة في مارس ٢٠١٥م لكانت الأمور احسن حالا ، في لقاءه الأخير على قناة الجزيرة القطرية على برنامج بلا حدود قال " بدلا من مساومة الجانبين على وقف اطلاق النار ، يجب على الأمريكيين ان ياخذوا زمام المبادرة وان يقدموا رؤية بديلة قائمة على إعادة تصور الشكل الذي تبدوا عليه تسوية لتقاسم السلطة في اليمن . ان هم فعلوا ذلك فإن كل القضايا التكتيكية سوف تتبدد " وحذر بن عمر من أي شروط مسبقة وقال " التشبث الصارم بالشروط المسبقة هو بثابة الشجرة التي ستستمر في إخفاء الغابة " .. وبعيدا عن بن عمر هناك توجه امريكي اممي بضرورة وقف الحرب ، بضرورة احياء الموارد وادرة اليمنيين اقتصادهم ، بضرورة عدم التدخل الخارجي في شؤون اليمن ، بضرورة اختيار اليمنيين الشكل السياسي القادم لدولتهم ، لم يعد بإمكان السعودية فرض مبادرتها وآليتها ، وهي الآن تلملم نفسها لمغادرة اليمن ، ولم يعد أمام القوى اليمنية التي قاومت الحوثييين الا ترتيب البيت اليمني سويا مع الحوثيين .

الحوثيين قدموا ملاحظاتهم للعمانيين وترتكز في اصلها الى ضرورة مغادرة السعودية اليمن واكد محمد عبدالسلام ناطق الحوثيين ورئيس وفد المفاوض انه : " لا يمكن أن نعطي توقيعاً من طرفنا بالموافقة على الحصار" ، وذهب السيد عبدالملك الحوثي في ذكرى يوم الصمود الوطني وهي ذكرى التدخل السعودي في اليمن عسكريا الى القول انهم : "لو قبلنا باستغلال الملفات الإنسانية عسكريا وسياسيا لكانت خيانة لشعبنا، وكان اعتمد العدو على تبرير إعاقته لوصول الحاجات الإنسانية بحصول أي اشتباك ميداني" ، ايران اعتبرت ان السعودية ارتكبت بحق الشعب اليمني جرائم حرب يجب ان تعاقب عليها من قبل المجتمع الدولي .ووضعت رؤيتها بضرورة مغادرة السعودية وترك اليمنيين يتدارسون مشاكلهم ويحلونها بأنفسهم . 

الى هنا بداءت تتضح المعالم أن الحرب يجب ان تتوقف ، وان هناك اجماع اممي على ذلك ، وتوجه سعودي جارف في هذا الأمر ، لكن بتأمل بسيط حول توجيه اليمن الى هكذا حلول في ظل عدم توازن القوى اليمنية عسكريا يجعل الكفة ترجح باتجاه الحوثيين ، حتى إن لم تتوقف الحرب ، مازالت فوضوية إدارة المناطق المحررة ترسل رسائل للعالم فحواها يجب ان تخرج السعودية من اليمن ، مشهد حوار موفمبيك يتجدد اليوم ولكن بقوى سياسية وعسكرية جديدة ، تعتبر حركة انصار الله الحوثيين هي القوة الأكبر ، والأكثر تنظيم وسيطرة وفاعلية داخلية وخارجية ، والتوازن لن يكون الا بتفعيل آلية مشتركة وفق اجماع موحد سياسيا لكل القوى المناهضة للمشروع الحوثي ، الانسحاب السعودي من اليمن سيعقبه مشروع عسكري ضخم تحمي فيه امريكا السعودية وهو مشروع ( ثاد ) القبة الحديدية لحماية السعودية مستقبلا من أي صواريخ قادمة نحوها وهذا الامر متوقف الان حتى توافق إسرائيل على ذلك ، ستوافق إسرائيل لان استراتيجيتها الدفاعية القادمة مبنية على تحالفات خليجية سعودية عربية ضد ايران . 

بنظرة بسيطة ان كل القوى الدولية باتت تخاطب الحوثيين ليس كقوة عسكرية نافذة في اليمن فحسب بل قوة سياسية عنيدة سيكون لها التأثير الأكبر في رسم وجه اليمن القادم ، لذا تسعى السعودية في حيلتها الأخيرة قبل خروجها من اليمن الى فصل الحوثيين عن ايران ، هناك طمأنات حوثية في هذا الامر للسعودية والمجتمع الاممي ، لكن التكتلات والمواجهات القادمة بين الأقطاب العالمية تعزز هكذا اصطفاف حوثي إيراني ، مازالت اليمن بعيدة عن الاستقرار ، إيقاف الحرب ان لم تتعبه عملية سياسية تبتعد عن جرف الآخر ، ووضع مشروع سياسي وطني تعايشي متكامل سيبقى يمن تعيس تنخره الاغتيالات والمطاردات وفتح السجون . 

آلية وقف الحرب والجهة المراقبة لذلك والقوة التي ستمنع عودة الحرب مجددا بعد ان تم الاتفاق على ايقافها هي معززات للحل السياسي الأمثل ، بريطانيا اول دولة ابدت استعدادها توجيه قوات خاصة بها الى اليمن لمراقبة وقف الحرب وهذا مؤشر ان هكذا وضع يتم تدارسه الآن وقوات دولية تحل محل السعودية تحمي المستقر الهش وكذا تحمي القوى اليمنية الضعيفة التي يجب ان يكون صوتها مسموع في خارطة الحل السياسي يعد في الاتجاه الصحيح .

لن يتقدم الحل السياسي بالمطلق في ظل عثرات بل تدهور اقتصادي مخيف، إنعاش كل اليمن بوارداته وترشيدها لإحياء المواطن وإخراج الوطن من خطر المجاعة أولى خطوات سلم الاستقرار السياسي المنشود، لا يمكن ان يجلس المتحاربون على طاولة الحل والشعب في هيجان يبحث عن رواتبه وابسط مقومات حياته المعيشية من كهرباء وماء وتطبيب وقضاء وصحة، الاتجاه الى إيقاف الحرب وعقد ترتيبات ملزمة في ذلك يتطلب عقد التزامات ترتيبية سريعة وناجعة لإخراج المواطن من المجاعة والتبعات المعيشية الكارثية لانهيار العملة المحلية امام النقد العالمي ، خارطة جديدة لليمن قادمة ، سيرسمها اليمنيون انفسهم ، ووجه اليمن القادم ستحدده القوى المتصارعة على طاولة الحل السياسي الجديد .. يا ترى ؛ كيف سيكون وجه اليمن القادم ؟! .

من مصطفى المنصوري