آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-04:18م

أدب وثقافة


حياة النساء فـي اليمن أسـرار رصدتها كلودي فايان

الأحد - 09 يونيو 2013 - 07:57 م بتوقيت عدن

حياة النساء فـي اليمن أسـرار رصدتها كلودي فايان

شبكة الرافد

ريـّـا أحمد

كانت وما تزال حياة المرأة العربية في شبه الجزيرة العربية تحديدا مثيرة للإعلام الغربي على وجه الخصوص، بحيث يتلهف الآخرون هناك لمعرفة ما سيكشفه الإعلام عن هذه المرأة الغامضة وعن حياتها وتفاصيل أخرى تتعلق بخصوصياتها.

(حياة النساء في اليمن، حكايا صديقتي فرانس هوس لـكلودي فايان) هو كتاب الأسرار التي تخص المرأة اليمنية في فترة زمنية محددة تبدأ من قبل الثورة اليمنية السبتمبرية وتنتهي في فترة السبعينيات.

كلودي فايان صاحبة الكتاب هي ذاتها صاحبة الكتاب الشهير «كنت طبيبة في اليمن»، والذي ترجمه إلى العربية الأستاذ محسن العيني، وتحدثت فيه كلودي فايان عن تجربتها كطبيبة في اليمن في الحقبة الزمنية التي سبقت ثورة 26 سبتمبر 1962.

وكتابها الجديد الذي قام بترجمته من الفرنسية إلى العربية بشير علي زندال هو عبارة عن حوارات أجرتها فايان مع فرانس هوس وهي فرنسية من مواليد 1914 في شمال فرنسا وبعد أن تعرفت في شبابها على مهاجر يمني اعتنقت الاسلام وغيرت اسمها إلى (نجيبة).

واستقرت في اليمن منذ 1948 كمترجمة وممرضة. وكانت مساعدة للطبيبة كلودي فايان في المستشفى.

اعتمدت المؤلفة في تأليف الكتاب على ثلاث مراحل هي:

المرحلة الأولى: هي الفترة من 1965 إلى 1969 خلال زيارة كلودي فايان الثانية لليمن، التقت فيها فرانس هوس التي دعت النساء إلى بيتها وقامت هي وكلودي فايان بإجراء حوارات غير مباشرة مع هذه النسوة وقد ترجمت فرانس هوس كل الحوارات وأضافت الكثير من الحكايات التي عاشتها مع مريضات في المستشفى أو نساء تعرفت عليهن عن قرب. 
المرحلة الثانية: عام 1979، أوردت كلودي فايان حوارا مع فرانس هوس حول وضع المرأة لأنها تعيش في اليمن منذ 1948، وقد عاشت التغيرات التي شهدها وضع المرأة.

المرحلة الثالثة: عام 1989 أوردت كلوي فايان ملخصا لنتيجة كل جهود الحكومة اليمنية منذ نهاية الحرب الاهلية في اليمن عام 1979 لتحسين وضع المرأة فيما كان يعرف حينذاك باليمن الشمالي.

ويمكن إمعان النظر في فصول الكتاب كالتالي:
فصل فتيات قاصرات:
في هذا الفصل أوردت الكاتبة نتائج إحصاءات لحالات الزواج المبكر في صنعاء (قبيلة حاشد) في عامي 1970 - 1969، ثم تورد المؤلفة حكايات روتها لها فرانس هوس لنساء عرفتهن تزوجن زواجا مبكرا، وجاءت العناوين بأسماء الشخصيات و قد تحتوي العناوين أكثر من اسم.

سعيدة: عمرها ثلاثون، شابة جميلة كانت قد تزوجت في سن العاشرة من بنَّاء عمره ثلاثون لم تصل سن البلوغ إلا بعد عامين من زواجهما ورغم ذلك انتظمت علاقتهما الزوجية قبل بلوغها بعام وقد أنجبوا ثلاثة اطفال صحتهم جيدة الآن. 
مات زوجها وعمرها عشرون، ولكن سعيدة التي كانت تحبه جدّاً، لم ترغب أبدا أن تتزوج بعده وهي لا تعمل، فعائلة زوجها الميسورة تعطيها ما يكفل لها تربية أطفالها والحياة بشكل متواضع.

فصل الضُّرر والمطلقات:
ثمانية عناوين لعشر شخصيات نسائية عشن تجربة الضرائر، تجارب مختلفة لشخصيات مختلفة، أدرجت المؤلفة حكايتهن لكشف سر من أسرار المرأة في اليمن.

ميمونة ومريم: أحيانا تتفق «الضُّرر» بشكل رائع. هذه حالة ميمونة ومريم المتزوجتين من نفس الرجل واللتين جاءتا معا لتحكيا لنا قصتهما.

لقد كانت ميمونة هي الزوجة الأولى وعمرها حوالي خمسة وعشرين عاماً ووالدها (سيد) من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم. رجل متعلم يصلي في الجامع ويكتب للناس أوراقهم لكنه فقير جدا وقد زوجها لتاجر بسيط (وهذا يعتبر انحطاطاً بالنسبة لسيد، وقد تضاءل هذا الشعور كثيرا في أيامنا هذه)، لكنها ترملت بعد سنتين. وزوجها والدها لتاجر آخر أنجبت منه طفلا ثم تزوج بأخرى (مريم) بنفس عمرها ولديها طفلان و يعيش الجميع معا ويتوافقون جيدا.

فصل الغيرة:
في هذا الفصل حكايتان فقط الاولى بعنوان (تقية) والثانية بعنوان (مريم) وكما هو مبين من عنوان الفصل الثالث فالحكايتان تتحدثان عن الغيرة.

تقيــــــــــــــة: «كانت تقية هي الطفلة الوحيدة، وكانت مدللة إلى أبعد الحدود، وبشوشة جدا، أما زوجها فقد كان غيورا جدا، فما كان يقبل بأن تبقى تقية كثيرا لتضحك مع صديقاتها أثناء إحضار الماء، وملت تقية منه وعادت للعيش مع والديها. لم يرد زوجها الطلاق، وكان يتوسل إليها بأن تعود، وفي أحد الايام انتظرها على طريق النبع، وقال لها: «لا تخافي، أريد فقط أن أقول لك بعض الكلام» فرفضت أن تكلمه، فأخذه فجأة غضب شديد امام رفضها، فضمها بين ذراعيه وعضها في طرف أنفها حتى اقتلعه بين أسنانه، وهرب قائلاً: «هكذا اصبحتِ قبيحة ولن تضحكي أبداً مع الآخرين، لقد انتهيت».

وكانت تقية تصرخ وتبكي، ووجهها مغطى بالدم، فسمعتها امرأة كانت تعمل في حقل قريب واصطحبتها إلى بيتها. 
أخذت صحتها تسوء، وبدأت تضعف، وبعد مضي عدة أشهر ماتت في المستشفى. 
بالنسبة للزوج فإنه ظل يغار عليها حتى بعد وفاتها، وبدوره تشاجر مع احدهم وقتل بطلقة من بندقية»

فصل الانتحار:
في هذا الفصل قصة واحدة فقط هي قصة نجيبة (فرانس هوس) نفسها مع زوجها مهيوب، حيث روت نجيبة لكلودي فايان كيف تزوج زوجها مهيوب بغية الأولاد، حيث إنها - أي نجيبة - لم تنجب، وكانت تشعر بأن ذلك مؤلم ويشكل حزناً على الرجل الذي لا شك أن سعادته ستكون غائبة بغياب الأبناء، ورغم علمها بأن زوجها مهيوب يحبها: «ولكني كنت أعلم أن الرجل لم يكن سعيدا بدون أطفال، وهكذا بعد أربع سنوات من الانتظار قلت له بأن يتخذ زوجة أخرى، لم نكن أغنياء، فتزوج من امرأة كانت قد تزوجت ثلاث مرات فلم تطلب مهراً كبيراً»

ومع أنها-نجيبة-هي من طلب من زوجها بأن يتخذ امرأة اخرى، بيد أنها لم تستطع تحمل امرأة اخرى تشاركها زوجها، ففضلت مغادرة البيت للعمل في المستشفى، حينذاك طلق زوجها زوجته الجديدة ولم يكن يعلم بأنها حامل في الشهر الثاني، وأنجبت طفلة توفيت بين يدي نجيبة حيث لم تكن والدتها تهتم بنظافتها وتغذيتها.

وتزوج زوجها امرأة أخرى إلا انها كانت سارقة: «أما الزوجة الثانية لمهيوب فقد كانت نهايتها مأساوية، لقد كانت سارقة، ولعدة مرات كنت أرى مفاتيحي تخرج من جيبها، وكان ينقص شيء من حقيبتي (كل امرأة في صنعاء تضع في حقيبتها كل أشيائها الشخصية وكنوزها الصغيرة)، لكني لم أقل شيئاً وذلك من أجل الطفل، وطلقها مهيوب، وفيما بعد حينما كانت حاملا من زوجها السابع اتهمت بسرقة إحدى الجارات وتم وضعها في السجن، وبعد مرور بعض الوقت اعترفت وطلبت اصطحابها إلى منرلها لتريهم المكان الذي أخفت فيه المجوهرات، وعندما وصلت إلى البيت توجهت إلى البئر، وقالت: إنها هنا، وجذبت بسرعة خمارها على وجهها وقذفت بنفسها إلى البئر وعندما أخرجوها كانت قد ماتت، ولم يجدوا شيئا في البئر». 

فصل حب ورحمـــة:
خمس حكايات لخمس نساء مختلفات، عرف الحب والرحمة الطريق إلى حياتهن ليخفف عنهن قسوة الايام وجبروت الناس المحيطين بهن.

أمة الرحمن: «لقد كانت أمة الرحمن منذ ولادتها مشلولة القدمين، كان والداها قد ماتا، وكانت تعيش في المستشفى، ولكن رغم عاهتها فقد كان لديها من الإرادة ما جعلها تبقى دائما مرحة، فكان الجميع يحبها ويحاولون مساعدتها.

وأدخلنا في نفس الغرفة امرأة مريضة جدا، كان زوجها يأتي غالبا لرؤيتها، وكان يشتري أيضا بعض الأشياء لأمة الرحمن، وحين ماتت زوجته استمر بالمجيء لرؤيتها. وقال لها في أحد الأيام: «كما ترين أنا وحيد الآن فلا زوجة ولا ولد، وأنت أيضا وحيدة، أنا أكن لك المحبة، فلماذا لا نتزوج، سآخذك، لدي بيت صغير، وستعملين كل ما تستطيعين به، وسأقوم أنا بعمل الباقي» وافقت أمة الرحمن، فأخذها بين ذراعيه من المستشفى وتزوجها.

وبعد بضعة أشهر عادت لزيارتنتا في المستشفى يحملها زوجها بين ذراعيه، لقد حولها زوجها إلى امرأة مغناج وأنيقة، وكان يريد أن يرينا كم هم سعداء، وهو مستمر في هذا منذ عدة سنوات، حتى وإن بدأت الحياة تكشر عن أنيابها فلا بد أن لا نفقد الأمل.

فصل رفض الرجال:
في هذا الفصل حكايات لأربع نساء رفضن الزواج مفضلات الاستمرار في حياتهن بدون رجال، بطبيعة الحال غير نادمات على هذا القرار.

حمــــودة: «لقد طرد الجفاف حمودة من قريتها في بني حشيش قالت لنا: «لقد أغلقنا منزلنا هناك ولم يعد هناك أحد، لا بشر ولا بق ولا شيء وإلى أن ينزل الغيث سيظل المنزل خاويا الصحراء»
وهي ترفض الزواج رغم إلحاح شقيقها عليها، كما كان قدرها أن تصبح يتيمة وهي تكسب قوتها كما ترغب، إما بجني محصول البرسيم في الحقول المحيطة بصنعاء أو بحمل الماء إلى المنازل في المدينة، قالت لنا: «ما الذي تمتاز به النساء المتزوجات أكثر مني؟ إنهن يعملن حتى الموت من أجل أزواجهن وأطفالهن، أما بالنسبة لي فأنا لن أعمل إلا من أجل نفسي وهذا يكفيني». 
فصل عندما يقترب الموت:
تتناول الكاتبة في هذا الفصل نقلا عن الراوية (فرانس هوس) 
قصصاً لثلاث نساء توفين إما بالسل الذي كان منتشراً في حينه، وإما بقذائف الحرب بين الجمهوريين والملكيين.

عتيقة التي كانت ترقد في المستشفى لأنها مصابة بالسل فضلت ترك المستشفى لتذهب للبقاء مع أبنائها خوفا عليهم من تداعيت الحرب. 
«كنت أريد أن تبقى عتيقة أيضا بضعة أيام، لكن لا فائدة من إلحاحنا عليها. فأعطيناها إذنا لفترة محددة جدا للخروج، فتركت كل أغراضها في المستشفى وغادرت.

مر يومان وثلاثة ولم تعد ثم أتى زوجها حزينا جدّاً، وأوضح لنا بأنه لم تكن عتيقة بعيدة عن مسكنها حين سقطت قذيفة مدفعية على الطريق وماتت في نفس اللحظة.

لقد كانت تقول لي: «أنا حقا لا أفهم، يوجد شيء يدفعني، أنا متأكدة أن أطفالي بخير لدى أمي ولكن يجب أن أخرج مهما يكن». بالنسبة لي أعتقد أن ساعتها قد حانت ولو أني قد منعتها من الخروج فمن يعرف؟ لربما قد يحدث لها شيء ما! إنه القدر!!!»

الفصل العين الخبيثة:
في هذا الفصل تتحدث نجيبة لكلوديا فايان عن اعتقاد شعبي وهو ما يعرف بالعين في الثقافة الشعبية، وهذا الاعتقاد انتقل إلى الفرنسية نجيبة (فرانس هوس) حيث تحكي عن تجربة مرت بها، كما تحدثت عن وردة وقصص أخرى كانت شاهده على حدوثها: «وقد شاهدت العديد من الحالات المتشابهة، إحدى هذه الحالات امرأة فقدت كل أطفالها فنذرت أن الطفل الذي سيأتي لن يكون ابنها وأن المرأة التي ستأخذه ستصبح أمه، وقد أوفت المرأة بالنذر ولكنها لم تنس طفلها وكانت تهتم به وترسل له بعض الهدايا. وهكذا عاش الطفل قد يساعد التطير على الحياة وفي الحقيقة ليس هذا سيئاً».

فصل مرض الشيطان:
تتحدث نجيبة في هذا الفصل عن (نورا) و (فاطمة) التي كان بها مس شيطاني؛ «في أصيل أحد الأيام، كنت امرُّ على الغرف لأتفقد كل مريضة قبل هبوط الليل، فطلبت مني الفتاة الصغيرة أن أضع (الموقد) بالقرب منها لأن الجو بارد. فوضعت فاطمة العجوز موقدها بالقرب من فاطمة الصغيرة. فجأة سمعت صرخة قوية فأسرعت إلى باب الغرفة وتسمرت من الخوف!

كان وجه الفتاة قد تغير، كانت قاطبة الجبين وجاحظة العينيين والفم ملتو وقد اتسع حتى الاذنين. كانت كأنها عجوز بشعة وكانت تضحك وكأن الشيطان فعلا قد تلبسها. ثم انكبت على الجمر وأخذته بيدها وأكلته. وسمعت قطقطة وقزقزة الجمر في فمها، ثم سقطت إلى الخلف وبقيت بدون حراك. أسرعت نحوها وفتحت فمها لأرى أن كان الجمر لا زال بداخله، لكن لا شيء!

كانت قد ابتلعت كل شيء. لا يوجد أي أثر لي حروق، لا على يدها ولا فمها، وقد حدث كل ذلك أمامي.

يا له من أمر لا يصدق! وقد بقينا حولها كالأصنام، وفي صباح اليوم التالي أتى الطبيب لرؤيتها. ولم يجد فيها أي أثر للحروق ولكن حالتها ساءت شيئا فشيئا إلى أن ماتت بعد شهر». 

فصل العصر الجديد:
هذا الفصل عبارة عن حوار مباشر مع فرانس هوس قامت بإجرائه كلودي فايان عام 1979 ومن خلال هذا الحوار تحدثت هوس عن الحياة والنساء تحديدا في ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 تحدثت هوس بإسهاب عن التغيرات التي حدثت والتي كانت هي شاهدة عليها على مستوى الناس والدولة في يمن ما بعد الثورة: «قديما كانت المرأة لا تأكل أبدا مع الرجل فهي تأكل في المطبخ أو في نفس الغرفة التي أكل فيها الرجال و لكن بعد أن يغادروا، أما اليوم فعلى الأقل أنه عندما يدعى أحدهم في إحدى العائلات فإنه من الملاحظ أن العائلة تكون مكتملة حول المائدة؛ الرجال مع النساء، وهذا يعتبر تطوراً كبيراً و عميقاً جداً».

وفي موضع آخر من المقابلة تتحدث هوس بحماس عن اجتهاد الفتاة وحرصها على التحصيل العلمي بل وتفوقها:
«إن أحد الأسباب التي دفعت الفتيات الصغيرات للاجتهاد في الدراسة هو رؤية أمهاتهن يعشن بالطريقة التقليدية. 
غالبا ما تأتي الفتيات الصغيرات (جاراتي) عندي في المساء ليستفهمن مني كيف كانت الأوضاع مسبقاً ويحكين لي يومهن في المدرسة، فأشرح لهن ما لم يفهمنه في المدرسة».
في نهاية الكتاب أدرجت المؤلفة قصيدة (على التلفون) للشاعر محمد الشرفي مع بعض القصائد الاخرى بالفرنسية، وذلك كي توضح للقارئ الفرنسي رأي الشعراء من قضية المرأة ومحاولاتهم الوقوف في صفها وقد أدرجتها على سبيل المثال.