آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-08:11ص

أدب وثقافة


«العاصفة» خلاصة مسرح وليام شكسبير

الجمعة - 07 يونيو 2013 - 05:37 م بتوقيت عدن

«العاصفة» خلاصة مسرح وليام شكسبير
العاصفة: صراع الأزل بين الخير والشر

((عدن الغد)) متابعات:

ميزة الأعلام الكبار أن أعمالهم كنوز لا تفنى، يجد فيها القارئ في كل عصر ومصر ما يشحذ فكره، ويعينه على تبيّن وجوده في هذا العالم، وفهم العلاقات التي تربط الناس بعضهم ببعض، فهي وإن كانت وليدة عصرها تصوّر مشاكله وتقلباته، منفتحة على الدوام، لما حوته من قضايا جوهرية، فضلا عن سبرها أعماق النفس الإنسانية. في هذه الورقة قراءة لمسرحية «العاصفة» لشكسبير التي تُعرض حاليا في مسرح «أحياء إيفري» جنوبي باريس.

 

وليام شكسبير (1564 – 1616) هو أعظم كاتب في الآداب الإنكليزية، بفضل أعماله الخالدة مثل «تاجر البندقية» و»الملك لير» و»ريتشارد الثالث» و»روميو وجولييت» و»هاملت» و»عطيل» و»مكبث»… فضلا عن «سونيتاته» الشهيرة، التي تبرز تمرّسه بالأشكال الشعرية والمسرحية، وقدرته على تمثّل ملامح الطبع البشري بأسلوب قلّ نظيره، ولا تزال أعماله حاضرة في الذاكرة العالمية من خلال ترجمات فاقت الأربعة آلاف، كما لا تزال مسرحياته تُعرض بانتظام في شتّى مسارح العالم، بلغاته المختلفة، وتُقتطف منها مقولات أثيرة كمرجع ومضرب أمثال.

 

طوباوية العالم الأفضل

«العاصفة» هي آخر أعماله التي تبلغ سبعة وثلاثين، وقد رأى فيها النقاد خلاصة فكره وتجربته ونظرته إلى الحياة، حيث تتجلى فيها كل القضايا التي شغلت عصره، كالإنسان في مواجهة الطبيعة، وطوباويّة عالم أفضل، نتُوق إليه دون أن نبلغه، والسلطة الحاكمة في بغيها وطغيانها وفي عدلها وحكمتها، وسطوة الدين على سلوك البشر، والمعرفة وحدودها… يقول يان كوط في كتابه الشهير «مُعاصرنا شكسبير»: «العاصفة هي سيرة شكسبير الذاتية وخلاصة مسرحه، هي مأساة الأوهام الضائعة والحكمة المرّة والأمل الهشّ والعنيد في الآن نفسه».

 

يرجع تاريخ تأليف هذه المسرحية إلى العام 1611، أي في فترة الاكتشافات الكبرى، والأحلام التي لا تخطر ببال، والجزر النائية التي لم يطأها إنسان، حين كان دا فنشي يبحث عن وسيلة للطيران في الجو كالعصافير، فيما كان كوبرنيكوس يخلخل المعتقدات الكنسية السائدة حول مركز الكون. وشكسبير، باعتباره متجذرا في بيئته وعصره، يكشف لنا عن هذا العالم الذي يتجاذبه قطبان، أحدهما درامي والآخر مدهش، يتبدى في أعطافه الإنسان في لحظات عنفوانه وبؤسه، فإذا طبعه البدائي ينافس توقه إلى الرقي والتقدم، مما يجعله يتعثر باستمرار في سعيه الدائب إلى الإمساك بأسباب المعرفة مستفيدا من عثراته تلك.

 

 وهو عصر شهد فيه الغرب تطوّر علم الفلك وتحوّل علامات الحضارة الأرضيّة إلى عالم ما ورائي مجهول، ومجال غير مسبوق هو الفضاء السرمدي.

 

أبطال «العاصفة» بشر تائهون بعد أن ألقت الأمواج بسفينتهم على ساحل جزيرة مهملة، خيانات، وأرواح سامية أو سافلة، وحب وجنون، وعجيب وغريب، وآمال قد تتحقّق. في فصول خمسة، تصوّر المسرحيّة صراع بروسبيرو دوق ميلانو ضدّ كل من خانه، بدءًا بأخيه أنطونيو الذي أزاحه عن عرشه ونفاه هو  وابنته إلى جزيرة مهجورة، سوف تصبح بدورها مسرحا للصراع والخيانة.

 

 وبفضل السحر الذي حازه من كتبه، امتلك بروسبيرو قدرة عجيبة تمكّنه من السيطرة على الأذهان وعلى عناصر الطبيعة، خصوصا أريال، روح الهواء ونفَسُ الحياة، وكاليبان رمز الأرض والعنف والموت.

 

من ثالوث خائن إلى ثالوث متصالح

تنفتح المسرحية بإغراق أريال لسفينة الثالوث الخائن: ألونسو ملك نابولي، وأخوه سيبستيان وأنطونيو، صحبة فرديناند ابن ألونسو والعجوز الوفي غُنزالو، بإثارة عاصفة ألقت بهم على ساحل تلك الجزيرة، حيث استغل بروسبيرو طاقاته العجيبة للانتقام منهم، عقابا لهم على خيانتهم إياه. فيخضعهم لعدة اختبارات من أجل اكتشاف الحقيقة. حتى ميراندا ابنته كانت مدعوّة إلى تعلم التمييز بين الخير والشرّ، إذ انتهت إلى صدّ كاليبان ابن الساحرة سيكوراكس، والانجذاب إلى فرديناند الذي استطاع هو أيضا أن يُدرك الحقيقة بفضل العمل. وفي النهاية يتصالح بروسبيرو مع أخيه وملك نابولي ويزوّج ابنته لفرديناند ويسرّح أريال وكاليبان، ثم يتخلى عن السحر لاستعادة ملكه، وبذلك تنتصر قوى الخير.

 

هذه الرحلة ليست مغامرة ماديّة تنقل بروسبيرو من مكان إلى آخر، بقدر ما هي رحلة روحيّة ينتقل خلالها البطل من البراءة إلى الخبرة، ومن الجهل إلى المعرفة. هي رحلة لاكتشاف الذات، ومغامرة ليس لها من قبلة سوى أعماق النفس، حيث القوّة والضعف في صراع متّصل. من خلال ميرندا يقدّم لنا شكسبير رؤيته للإنسان، وتشوّفه لعالم يتجدّد فيه البشر والأرض داخل منظومة كونيّة قابلة للتجدّد هي أيضا. وهو واقع يجعل الإنسان قادرا على وضع العالم بين يديه، بدل تدميره وإذلاله مثلما اعتاد أن يفعل. يقول العجوز غُنزالو في نهاية «المسرحية: «لا أستطيع أن أجزم إن كان هذا واقعيا أم لا»، فقد تسامى خيال شكسبير على الواقع دون أن يهمل العقل، أو أنه قاد العقل والواقع وراء الحدود المتعارف عليها.

 

في هذا العرض، ساهم استغلال الفضاء الركحي والكيفيّة التي استُعملت بها الأضواء والصوت في إضفاء أبعاد عميقة لمضمون المسرحية، مما خلق عرضا فرجويا رائعا حمل لمسات المخرج فيليب آوات، الذي أدخل على النص الأصلي بعض تعديلات لم تُفقده قوّته وعمقه، واستعان بفرقة 14:20 المتخصصة في الخدع السينمائية ليخلق مشاهد مدهشة عن غضب عناصر الطبيعة في جو عاصف، حيث ومض البرق يعشي الأبصار وهزيم الرعد يهز القاعة، ويجعل المتفرّج يعيش ما يعيشه أبطال المسرحيّة.

أبطال رُفعوا اليوم إلى مقام أسطوري، حيث عادة ما يُستشهد بهم، وتُستلهم منهم أعمال فنيّة في الموسيقى والرقص والسينما والفنون التشكيليّة والآداب بأجناسها، بوصفهم رموزا للسلوك والمشاعر الإنسانيّة. وغالبا ما يُستغلّ أريال وكاليبان مثلا كرمزين للشعوب البدائية، التي أخضعها الاستعمار واستعبدها، فظلت ألعوبة بين أيدي المعمّرين، كما فعل إيميه سيزير في نصّه المقتبس عن «عاصفة» شكسبير.