آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-01:37ص

ملفات وتحقيقات


«بيغ بن» العدنية... حنين الرخاء وذكرى مرارة الاستعمار

السبت - 20 فبراير 2021 - 12:26 م بتوقيت عدن

«بيغ بن» العدنية... حنين الرخاء وذكرى مرارة الاستعمار
ساعة رمزية تشبه «بيغ بن» في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (الشرق الأوسط)

(عدن الغد)الشرق الأوسط:

بعد نصف قرن على خروج بريطانيا من جنوب اليمن لا تزال ساعة «بيغ بن» الصغرى في مدينة عدن العاصمة اليمنية المؤقتة ترمز إلى الحقبة الاستعمارية التي امتدت لأكثر من مائة وثلاثين عاماً، ولكن أيضاً حنين قطاع من سكان المدينة الذين عاصروا تلك الفترة الزمنية التي كانت خلالها المدينة أبرز موانئ ومدن الشرق، وعاشت فترة رخاء لم تكن تعرفه بقية مدن المنطقة.

تم تشييد برج الساعة على مرتفع جبلي صغير في مديرية التواهي اسمه جبل «البنغ سار» في عام 1890 وأُطلق عليه «برج ساعة هوغ»، أو «ليتل بن»، تيمناً بساعة «بيغ بن» الشهيرة في لندن، ويطل البرج على ميناء عدن، وتولى مهندسون بريطانيون تصميم البرج وبناءه، بمشاركة عدد من العمال المحليين، واستُخدم في بنائه الحجر الأسود المقاوم للملوحة والإسمنت الحجري، قاعدته وسقفه أشبه بمثلث متساوي الأضلاع مغطى بالقرميد الأحمر.

يبلغ قطر البرج الذي مضى على بنائه أكثر من 131 عاماً نحو متر من الجهات الأربع وعرضه 1,5 متر وارتفاعه 22 متراً، وبداخله سلم حديدي خفيف السماكة حلزوني الشكل، يمتد من القاع حتى الأعلى حيث وُضعت الساعة لتُطلّ على البحر مباشرةً ومنطقة التواهي التي كانت مركزاً للحاكم البريطاني والنخبة الإنجليزية في عدن.


ووفق ما يقوله السكان، فقد كانت الساعة تُصدر صوت رنين قوياً عند نهاية دورانها كل ساعة ويُسمع صداه في أرجاء المدينة خصوصاً في المساء حين يخيّم الصمت والهدوء ويقوم على حمايتها وصيانتها عمال متخصصون يعملون على تعبئة الساعة يدوياً، بعد كل ساعة، وفيما يقول البعض إنه ومع مر السنين تعرض المبنى لعوامل التعرية والإهمال فتوقفت الساعة عن العمل في النصف الثاني من الستينات، يقدم آخرون رواية مختلفة تماماً يؤكدون من خلالها أن الجبهة القومية التي تسلمت السلطة في الجنوب عقب خروج بريطانيا تعمّدت إيقافها على توقيت مغادرة آخر جندي بريطاني لعدن في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 1967.

ويذكر آخرون أن الساعة أُعيدت صيانتها في عام 1983 خلال حكم الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، وأُعيد تشغيلها مدة ثلاثة أعوام لكنها توقفت مجدداً بسبب المواجهات الدموية التي شهدتها المدينة في يناير (كانون الثاني) 1986 بين أجنحة الحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب، حيث توقفت الساعة عن العمل وتعرضت للعبث ومكوناتها للنهب. لكن رغم الإهمال الذي طالها فإن الساعة استمرت لعقود كرمز على الوجود البريطاني الذي امتدّ لأكثر من مائة عام، وكانت عدن من أهم موانئ ومدن الشرق ومع تردي الأوضاع الاقتصادية، والصراعات يجاهر الكثير من السكان الذين عاشوا في ظل الاستعمار بجنينهم لتلك الحقبة.


وأنت تتجول في الأحياء القديمة في عدن بإمكانك أن تلاحظ بقية المباني التي بُنيت على الطراز الإنجليزي، وبوابة الميناء والكنائس، كما أنك تسمع من كبار السن حنينهم إلى تلك الفترة، بل إن البعض لا يُخفي أمنياته لو عاد الزمان، ويعبّر عن ذلك كتابةً، مسهباً في الحديث عن الحياة والتعليم والنظام والقانون.

في فبراير (شباط) 2012 عادت ساعة «بيغ بن الصغرى» للعمل بعد أن أُعيدت صيانتها بمساعدة بريطانية، حيث تم استيراد مكوناتها من شركة بريطانية، وتم تركيب أربعة أوجه جديدة رئيسية للساعة من مادة الفايبر غلاس الأبيض وتركيب الأضواء الداخلية وعقارب الساعة وأداة للتحكم وتطوير الهيكل الخارجي، إلا أن التوسع العشوائي في البناء وامتداد هذه المباني إلى منطقة مجاورة لموقع البرج يجعل من الصعب رؤيتها من أي مكان مثلما كان في السابق، حيث تظهر من اتجاه الشرق وأنت في طريقك إلى بوابة الميناء، كما يظهر جزء بسيط من اتجاه الساحل الذهبي.