آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-04:03م

ملفات وتحقيقات


(تقرير) .. لماذا أثارت تسريبات إعلان إقليم حضرموت كل هذا الجدل؟

الأربعاء - 10 فبراير 2021 - 11:26 ص بتوقيت عدن

(تقرير) .. لماذا أثارت تسريبات إعلان إقليم حضرموت كل هذا الجدل؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يبحث في أسباب وأبعاد الرفض والترحيب بإعلان نظام الأقاليم

هل كشفت الاعتراضات عن هيمنة جديدة يراد فرضها على حضرموت؟

هل هذا الإقليم إنصاف حقيقي لأبناء حضرموت أم أن الوقت ليس مناسباً؟

كيف تعاملت القوى السياسية المختلفة مع مجرد التسريبات فقط؟

أليس من حق الحضارم أن يكون لهم كيان خاص بهم؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

"يطالب الجنوب بالانفصال، بينما هو منفصل عن بعضه".. قد تكون هذه الحقيقة
صادمة ومؤلمة، لكنها واقعية إلى حدٍ كبير، بالنظر إلى الجغرافية السياسية
لهذه المنطقة.

فبحسب الصحفي الجنوبي، علي منصور مقراط، فإن الوضع الحالي في الجنوب
"مأساوي وكارثي"، وهو وضع غير متوقع، ولم يكن في خيال أو حسبان أحد من
أبناء الجنوب الصادقين الشرفاء.

وقال رئيس صحيفة الجيش الإعلامي المخضرم علي مقراط: "إن المشهد في الجنوب
قد تحول إلى العكس، ففي السابق كان الشعب الجنوبي يطالب بانفصاله عن
الشمال"، معتبرًا أن "الوحدة الاندماجية التي أعلنت في مايو أيار 1990،
فاشلة، إلا أن الجنوب صار اليوم شبه منفصل عن بعضه".

مقراط كان يتحدث عن التشظي والانفصال السياسي الذي عصف بالمحافظات
الجنوبية، رغم الجغرافية المتصلة والمترابطة نظريًا فقط.

فكل محافظة من الجنوب اليوم تمتلك مشروعها الخاص بها، ونادراً ما نجد
محافظتين تتفقان على رؤية واحدة، وهذا الواقع هو ما يلمسه الجميع اليوم،
الأمر الذي يضع مستقبل الجنوب على المحك.

في مقابل أن هناك من ينظر لهذا التباعد الجنوبي بين المحافظات الجنوبية
بأنه يأتي نتيجة تأثرها بنظام الفيدرالية الذي دعا إليه مؤتمر الحوار
الوطني، الذي شاركت فيه بعض فصائل الحراك الجنوبي، وحالت حرب 2015 دون
تحقيقه.

لكن الأمر غير مرتبط بالتأثر بقرار أو نتائج مؤتمر الحوار، باعتبارها
رؤية سياسية جديدة، لم يعهدها الجنوب واليمن برمته من قبل.

بين القبول والرفض

الواقع الذي لم يكن خافياً على الصحفيين والسياسيين الجنوبيين، وراحوا
يؤكدونه في مقالاتهم ورؤاهم، تجسد جلياً خلال الأيام الماضية، حين بدأت
التسريبات حول إعلان إقليم محافظة حضرموت من قبل الرئاسة اليمنية، دوناً
عن بقية الأقاليم الأخرى التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني.

ورغم أن الأمر لم يعدو عن كونه مجرد تسريبات لم تتأكد بعد بشكل قاطع، إلا
أن التداعيات التي ترتبت عليه، وردود الفعل المتباينة تجاه مثل هذا
القرار، جسدت الواقع المتشظي في الجنوب.

فثمة من يرى أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، بما جاء به من نظام الأقاليم
والدولة الاتحادية، أغرى الكثير من المحافظات الجنوبية بالاحتفاظ
بخصوصياتها، لهذا نجد بعضاً منها متمسك بالفيدرالية والأقلمة.

حيث يعتقد محللون أن تاريخ الجنوب الذي كان قائمًا على السلطنات
والإمارات المنفصلة عن بعضها، قد يعود من جديد عبر بوابة النظام
الإقليمي.

ففي الوقت الذي استبشر كثير من أبناء تلك المحافظات بعودة خصوصيتهم عبر
نظام الأقاليم، رفضت مكونات جنوبية سياسية التسريبات التي قيل إنها صادرة
عن رئيس الجمهورية، بخصوص إعلان إقليم حضرموت.

لماذا الترحيب؟

ردود فعل الترحيب بإعلان إقليم حضرموت، قد تكون نابعة من كون حضرموت
عُرفت منذ القدم كدولة مستقلة، وكسلطنة ذات سيادة، ليس قبل الاستقلال من
بريطانيا، ولكن حتى منذ مئات إن لم نقل آلاف السنين.

فكانت الأقلمة أسلوباً جديداً لاستعادة أمجاد حضرموت، التي دفعت ثمناً
غالياً منذ نحو سبعة عقود من التقييد والمصادرة لحقوقها وثرواتها.

الحديث هنا عن إقليم حضرموت الكبير الذي يشمل شبوة، المهرة، سقطرى، وكذا
محافظة حضرموت، الذي تتلاقى مناطقه بالكثير من قواسم الالتقاء، ثقافياً
وتاريخياً، وحتى في مجال الثروات الطبيعية.

وزاد على كل ذلك، المستجدات الأخيرة التي طرأت على البلاد، منذ ست سنوات
مضت، وما تلا 2018 من أحداث عسكرية ومواجهات، ودعوات لكيانات سياسية
جنوبية بضرورة فرض سيطرتها على جغرافية الجنوب بشكل كامل.

فكان أن قوبلت تلك الدعاوى بالرفض، خاصةً في شبوة وحضرموت والمهرة، والتي
رفضت أية فكرة للالتحاق بمشاريع مجربة لم تحقق لها أي انصاف، وتمت بأسلوب
عنيف وباستخدام القوة.

كما أن ترحيب أبناء حضرموت بالقرار واعتماد الإقليم حتى وهو في مراحل
التسريب، ينبع من رغبتهم في إنصاف تاريخهم الذي خضع للإقصاء والتهميش
طيلة العقود الماضية.

لماذا الرفض؟

ثمة من يرفض إلحاق محافظات الجنوب بأية مشاريع، غير مشروع الانعتاق من
دولة الوحدة، وإعلان الانفصال.

ويعتبر أصحاب هذا الطرح أن التلويح بعودة الأقاليم هو مشروع لإعادة
"الاحتلال اليمني"، بصيغة وأسلوب متحايل، يرسخ دولة الاحتلال ويلغي
التوجه نحو الانفصال.

لهذا كان الرفض صاخباً ضد استصدار قرار مشروع إقليم حضرموت، وهو ما زال
في مرحلة التسريب ليس إلا.

كما أن هذا الرفض ينبع- بحسب مراقبين- من خشبة أصحاب مشاريع الانفصال من
ضياع رغبتهم في الهيمنة والسيطرة على محافظات الجنوب وضمها لمصالحهم، وهو
ما قد يتحقق بالفعل، في ظل رفض أبناء بعض المحافظات التماهي مع دعوات
الانفصال.

غير أن ردود الفعل الرافضة لإعلان إقليم حضرموت، تأتي- بحسب محللين- من
مخاوف إلغاء مشاريع أخرى كانت مناهضة لفكرة الأقلمة والنظام الاتحادي،
ومن هنا كانت الحدة في رفض اعتماد إقليم حضرموت، حتى في مراحله الأولى
كمسودة لم تُقرّ بعد.

في المقابل، يرى البعض أن توقيت تسريب إعلان الأقاليم، لم يكن موفقاً، في
ظل الظروف والتوتر السياسي والعسكري الذي يعيشه الجنوب حالياً، وسط
مستجدات عاصفة.

ضغوطات ومساومة

ويرجح بعض المراقبين أن تسريب قرار إعلان إقليم حضرموت في هذا التوقيت،
يأتي كرد فعل على تعثر تنفيذ اتفاق الرياض.

ويعتقد متابعون أن الرئيس اليمني تعمد التلويح بنقل عاصمة البلاد من عدن
إلى مدينة عتق بشبوة، وإعلان إقليم حضرموت بشكل متزامن، بهدف الضغط على
أطراف سياسية.

حيث يرتبط الأمر برفض الطرف المقابل الموقع على اتفاق الرياض تنفيذ الشق
الأمني والعسكري منه، والمماطلة في هذه القضية.

لهذا ينظر كثيرون إلى أن القرار مجرد ضغوطات ومساومة للتسريع في تمرير
تنفيذ بقية بنود وملفات اتفاق الرياض المتعثرة.

الأقاليم ضرورة أم بديل مؤقت؟

وبعيداً عن جوانب الرفض والترحيب، وتوقيت إعلان القرار في إنشاء إقليم
حضرموت دوناً عن غيره، تبدو فكرة الأقاليم لدى كثير من المحللين فكرة وحل
وسط للجنوبيين، في حالة تعثر إعلان استقلالهم واستعادة دولتهم.

فالواقع الذي أشار إليه سياسيون وصحفيون جنوبيون، مأساوي ومخيف، بحيث أن
الجنوب قد تقطعت أوصاله بشكل مرعب، بعد أن شهد منعاً لمواطني المحافظات
الجنوبية من التنقل بحرية بين مناطقه، رغم الدعاوى التي يتحدث بشأنها
البعض بأن الجنوب كتلة واحدة.

ففي الوقت الذي لا يستطيع معظم قادة الجيش في الشرعية وهم جنوبيون، وكذا
محافظو شبوة وسقطرى وحتى حضرموت والمهرة دخول عاصمة دولة الجنوب عدن
بأمان واطمئنان، لا يستطيع قادة الانتقالي كالزبيدي وبن بريك ومحسن عسكر
ومختار النوبي، وحتى لملس وسالم الدياني وغيرهم الذهاب إلى عاصمة شبوة أو
حضرموت والمهرة بأمان واطمئنان.

ويؤكد صحفيون جنوبيون أن الجنوب دخل أخطر منعطف، يسير نحوه بسرعة البرق،
منذ أن تفجرت أحداث أغسطس في العام 2019، وما تلاه من اقتحامات ومداهمات
مناطقية، بالإضافة إلى نهب منازل في مدينة عدن تابعة لخصوم الطرف
المنتصر.

كما أن المواجهات التي شهدتها أبين عززت من التمزق الذي عاشه ويعيشه
الجنوب، وكرست حالة الانقسام الكبيرة في المحافظات الجنوبية.

كل هذا الواقع المخيف الذي يعيشه الجنوب، ويهدد بمزيد من التشظي
والمواجهة والقتال، يدعو إلى إمكانية تبني مشاريع بديلة، خاصةً وأن مشروع
استعادة الدولة الجنوبية والانفصال ما زال بعيداً، ولا يحظى بدعم دولي أو
حتى إقليمي.

وأحد تلك المشاريع البديلة قد تكون الأقلمة، والتي توفر الكثير من
الخصوصية لمناطق الجنوب المختلفة، وتساعد حتى على التدرج في الحصول على
الانفصال الذي يطالب به الجنوبيون، بحسب مراقبين.

خاصةً وأن عددا كبيرا من المحللين المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني، من
ممثلي بعض الحراك الجنوبي، شهدوا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني بأنها
أنصفت الجنوب والقضية الجنوبية، ومنحتها الكثير من مطالبها، وإن لم تأت
أو تؤسس لفكرة الانفصال.

إلا أن مخرجات الحوار بما فيها نظام الأقاليم والدولة الاتحادية، تعطي
المحافظات كافة ثرواتها وخصوصياتها ومواردها، وتحررها من قيود المركزية،
وفق محللين.