آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-11:56م

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. لماذا أخفق البنك المركزي حتى اليوم في تنفيذ إصلاحات حقيقية للعملة؟

السبت - 16 يناير 2021 - 08:43 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. لماذا أخفق البنك المركزي حتى اليوم في تنفيذ إصلاحات حقيقية للعملة؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول الوضع الاقتصادي وتدهور العملة المحلية في ظل تخلي البنك
المركزي عن مهامه

محافظ البنك.. لماذا لم يعد إلى عدن منذ تعيينه ولم يباشر في مقر البنك حتى اليوم؟

كيف أخل البنك بأعماله وأنشطته ما اضطر جمعية الصرافين للقيام بمهامه؟

الوديعة السعودية.. كيف تم العبث بها.. وهل استفاد منها الشعب أم التجار فقط؟

لماذا ترفض السعودية إيداع وديعة جديدة؟

لماذا لا تستجيب الحكومة اليمنية لمطالب إنقاذ العملة المحلية؟

البنك المركزي.. الصندوق الأسود!

(عدن الغد) القسم السياسي:

قبل نحو أربعة أسابيع من اليوم، بدأت بوادر تعافٍ واضح للعملة اليمنية
مقابل العملات الأجنبية، إلا أن هذا التعافي سرعان ما تلاشى، رغم
التوقعات التي تحدثت عن استمراره.

كان دافع ذلك التعافي الطارئ، الأنباء الواردة من أبين عن توقف المواجهات
العسكرية بين قوات كل من الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي،
والتي سبقت إعلان تشكيل حكومة الكفاءات السياسية في 18 ديسمبر الماضي.

فقبل تلك التطورات العسكرية والعسكرية، كان سعر صرف الدولار الأمريكي قد
صعد إلى ما يقارب 930 ريالاً يمنياً، فيما اقترب سعر صرف الريال السعودي
أمام نظيره اليمني إلى 250 ريالاً.

لكن أداء الحكومة الوليدة اليمين الدستورية، وقبلها الانسحابات العسكرية،
والكشف عن عودة الحكومة إلى عدن، تسبب باسترداد الريال اليمني عافيته،
ليتراجع سعر صرف الدولار إلى ما دون 600 ريال، و160 ريالا يمنيا تقريباً
أمام العملة السعودية.

غير أنه، وبمجرد أن وطئت أقدام أعضاء الحكومة الجديدة مطار عدن، حتى عاد
الريال اليمني للتدهور مجدداً، عقب الهجمات الصاروخية الحوثية على
المطار، في إشارة إلى أن صعود العملة المحلية وهبوط غير مرتبط بإجراءات
مالية أو مصرفية، بقدر تأثرها الكبير بالمستجدات السياسية والعسكرية.

وبحسب متخصصين في الاقتصاد، فإن التأثير السياسي والعسكري قد يكون وارداً
وله الكثير من الاعتبارات الاقتصادية، غير أنه لا بد من أن تكون تلك
التأثيرات متواكبة مع تحركات مالية تقوم بها المؤسسات المصرفية المعنية
وذات الشأن، لتساير أية تأثيرات أخرى.

ومن الملاحظ أن الإجراءات الاقتصادية والمالية، لم تكن بذلك الشكل الواضح
والملموس، لوضع حد لهبوط وانهيار الريال، بل أن البعض يعتبرها منعدمة
وغير متوفرة من قبل المؤسسات المالية المعنية، والتي لم تتدخل أو تحرك
ساكناً لوقف تدهور العملة الوطنية، خلال موجات تراجعها الحاد الأولى
والحالية.

وما يؤكد ذلك، أن التأثيرات المباشرة على العملة المحلية، اقتصرت على
المستجدات التي شهدتها الساحتين السياسية والعسكرية فقط، دون أن عوامل
مالية أو اقتصادية.

فما الذي يجعل الحلول المالية والمصرفية لإنقاذ الريال اليمني غائبة؟،
وما دور المؤسسات النقدية المسئولة في البلاد تجاه هذه الأزمة الاقتصادية
التي انعكست على الحياة المعيشية للمواطنين؟، ولماذا تصمت الحكومة التي
تواجدت قبل أسابيع في عدن، عن التحرك إزاء هذا الوضع المتردي؟.

ولعل محور الإجابة عن تلك الأسئلة أعلاه، هو واحد، ويتمثل في الشخصية
الاعتبارية للبنك المركزي اليمني بعدن، والذي يعتبر المعني الأول بالتدخل
لإنقاذ العملة الوطنية، كونه الجهة الحكومية المختصة بهذا الشأن.

نظرة الحكومة لمركزي عدن

عقب عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، بيومين فقط، وفي ذروة تداعيات الهجوم
الصاروخي على مطار عدن، شرع رئيسها الدكتور معين عبدالملك، بالاجتماع مع
قيادات البنك المركزي اليمني.

ويرى مراقبون أن اجتماع رأس الحكومة مع مسئولي البنك، يحمل الكثير من
الدلالات والمؤشرات، التي تحدث عنها الاجتماع وتطرق إليها، دون مواربة أو
تورية.

رئيس الحكومة شدد خلال اللقاء بكوادر البنك المركزي، الذي نقلت تفاصيله
وكالة "سبأ" على أهمية التسريع بإجراءات "تكليف فريق تدقيق خارجي على
حسابات البنك المركزي اليمني"، وبحسب الدكتور معين، فإن ذلك "يتسم مع
إجراءات الشفافية وانتهاج مبدأ الحوكمة ومكافحة الفساد، باعتبار ذلك خطوة
ضرورية لضمان استمرار تطبيق المعايير والقواعد المالية الدولية".

ويعتقد مراقبون ومحللون لكلمة رئيس الوزراء أن الرجل كان يعني ما يقول،
بالتزامن مع مطالبات ودعوات من اقتصاديين ومختصين ماليين، بضرورة التحقيق
فيما يدور داخل أروقة البنك المركزي اليمني بعدن، من تجاوزات ربما، أو
فساد أثّر على تدخلات البنك لإنقاذ العملة المحلية.

فهناك الكثير من الدلالات للحديث عن فريق خارجي للتدقيق في حسابات البنك،
وإحداث "شفافية" في تعاملاته، خاصةً وأن هذا الأمر جاء بعد يومين فقط من
وصول الحكومة إلى عدن.

وهو ما يشير إلى أن رئيس الحكومة حمل معه تعليمات أن الدعم الخارجي
المتوقع للبنك المركزي لن يتم إلا بعد التخلص من البيروقراطية والغموض
وعدم الشفافية، والتأخر في الإجراءات المناسبة لوضع حد للانهيار الحاصل
في قيمة الريال اليمني.

إخفاق البنك

محللون اقتصاديون ينظرون إلى أن البنك المركزي اليمني بعدن، لم يقم بعمله
كما ينبغي خلال الشهور الماضية، والتي أدت إلى تدهور تاريخي وغير مسبوق
للريال، ويصفون الموقف المتفرج الذي اكتفى به خلال تراجع العملة المحلية
بأنه "إخفاق".

وخلال الشهور الماضية، قرابة عام كامل، ظل الريال اليمني ينهار بشكل
دراماتيكي، وسط سكون غير مبرر من المؤسسة النقدية الأولى، المتمثلة في
البنك المركزي بعدن، في وقت انتظر المواطنون والمراقبون تدخلاً حاسماً
لوقف سقوط العملة المحلية.

خاصةً وان هذا التدهور لم يبقَ حبيساً في أروقة البنوك أو محلات الصرافة،
ولكنه انعكس على قوت البسطاء، وعصف بالحياة المعيشية نتيجة ارتفاع أسعار
المواد الغذائية الأساسية، دون أدنى تدخل من البنك وسياسته النقدية.

ووسط هذا الغياب والإخفاق للبنك المركزي، بادرت ما تسمى "بجمعية صرافي
عدن" بالقيام بما لم يقم به البنك المركزي اليمني، التي أخذت على عاتقها
مسئولية التنسيق بين محلات الصرافة والشركات المالية، وتنفيذ إغلاقات
وإضرابات جزئية.

ورغم محدودية تلك الإجراءات التي قامت بها جمعية الصرافين، ارتأت فيها
إمكانية أن توقغ نزيف الريال اليمني، وتعيد إليه عافيته، لكن أياً من ذلك
لم يحدث، وبقيّت العملة المحلية حبيسة غرفة "العناية المركزة"- إن جاز
القول- حتى اليوم.

الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقة بين مركزي عدن وجمعية الصرافين، وسط
اتهامات متبادلة بالمسئولية خلف ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية
والمعيشية.

مسئولية مؤسسة البنك

وفق خبراء ماليين، فإن المسئولية الأولى لا بد أن تقع على كاهل البنك
المركزي، كونه المؤسسة المسئولة عن وضع سياسة نقدية متوازنة، تحافظ على
بقاء سعر الصرف في حدوده الآمنة.

غير أن البنك المركزي لم ينجح في هذه المهمة، وبات الريال في أدنى
مستوياته على الإطلاق، واقترب من الوصول إلى ألف ريال مقابل الدولار،
قبيل الإعلان عن تشكيل الحكومة اليمنية.

ويُرجع اقتصاديون هذا العجز الصادر من البنك المركزي بعدن، إلى عدة
عوامل، تتصدرها غياب السياسة النقدية، ربما نتيجة عدم تواجد الحكومة بشكل
فاعل خلال السنوات الماضية، أو بسبب انعدام موازنة للدولة، ووجود مشاكل
في تحصيل الإيرادات، وتوقف التصدير بالتزامن مع ازدياد عملية الاستيراد،
دون حدوث حركة مقابل للصادرات.

وهذا كله يؤدي إلى فقدان الدورة الاقتصادية للسيولة المالية، نظراً لعدم
توريد شركات الصرافة العملات الصعبة إلى البنك، وغياب الصادرات التي
تستجلب معها العملات الأجنبية، وبالتالي انعدام الاحتياطات النقدية
الصعبة، وفقاً لخبراء.

وهذا كله من المسئوليات الأساسية للبنك، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر،
من خلال إلزام شركات الصرافة على توريد العملات، وتفعيل عملية تحصيل
الإيرادات المحلية من المرافق الإيرادية، وتشجيع عمليات تصدير المنتجات
الوطنية إلى الخارج.

غياب المحافظ

إضافةً إلى العوامل والأسباب الماضية، ثمة من يشير إلى أن تلك العوامل
ليست وحدها هي من تسببت بشلل تام لجهود البنك المركزي تجاه تحسين الوضع
الاقتصادي والمعيشي.

كثيرون يعتقدون أن العامل الإداري والتنظيمي غائب عن البنك، والمتجسد في
غياب محافظ البنك المركزي اليمني بعدن وعدم تواجه داخل المدينة، ومباشرة
عمله من داخل اروقة البنك، حتى يكون قريباً من واقع التدهور المالي
والمصرفي في البلاد.

فمنذ تعيين محافظ البنك، أحمد عبيد الفضلي في سبتمبر 2019، لم يتواجد في
عدن أو في البنك المركزي حتى لمرة واحدة.

وبعيداً عن التقليل من شخص محافظ البنك، وبمنأى عن استحقاقه لمنصب كهذا
وكفاءته وخبرته، خاصةً وأنه شغل مناصب أعلى من محافظ للبنك، منها وزير
المالية السابق، ووزيراً أسبق للتجارة، لكن الوضع الاقتصادي الراهن يحتاج
إلى تواجده بالقرب من المعاناة، والشروع بتنفيذ إجراءات تحمي الريال من
انهيار إضافي.

حيث يعتبر مراقبون أن غياب رأس البنك، يساعد على تصاعد وتيرة الأنباء
والشائعات عن وجود تجاوزات وربما فساد في مركزي عدن، وهو ما ألمح إليه
رئيس الوزراء ضمنياً في اجتماعه الأخير بقيادات البنك.

الوديعة السعودية

ثمة عوامل أخرى يعتقد محللون ماليون أنها شكلت سبباً أو جزئية مهمة تقف
خلف ما قد يدور من غموض في أروقة البنك المركزي، ويقصد بها "الوديعة
السعودية".

وهي التي أعلن البنك مؤخراً عن استيفاءها من خلال صرف الدفعة الأخيرة
منها للتجار ومستوردي المواد الرئيسية، والتي يبدو أنهم هم المستفيدون
الوحيدون من الوديعة، دون أن تنعكس فوائدها على الشعب والمواطنين والمواد
الغذائية الأساسية.

فرغم أن البنك يقوم بصرف دفعات الوديعة بسعر "مصارفة" أقل بكثير مما هو
موجود من أسعار صرف العملات في شركات الصرافة والسوق السوداء الموازية
للبنك، إلا أن التجار والمستوردين، يقومون ببيع المواد الأساسية بسعر
محلات الصرافة؛ مما يثقل كاهل المواطن البسيط.

لهذا ربما لا يستشعر المواطن فارق السعر في المواد الغذائية إذا انخفضت
أسعار الصرف او تحسن الريال بشكل طفيف، نتيجة أن التجار لا يتنازلون عن
أسعارهم رغم أنهم يحصلون على "أسعار تفضيلية"، كأحد حسنات الوديعة
السعودية المقتصرة على التجار ورجال الأعمال وحسب.

منعاً للإضرار بمعيشة الناس

كل تلك التجاوزات، سواء المتعلقة بعدم وجود إصلاحات حقيقية أو التدخل
الفعلي لإنقاذ الريال، أو فيما يخص بآليات التصرف بالوديعة السعودية، أو
بغياب التحرك الحكومي تجاه البنك، يجعل من الضرر الحاصل بالاقتصاد الوطني
مستمر؛ مما يزيد من معاناة الناس المعيشية.

كما أن هذه الممارسات تمنع تواجد وديعة سعودية جديدة، بعد أن استكملت
الوديعة السابقة، بسبب رفض السعوديين إيداع وديعة أخرى في ظل غياب
إصلاحات مالية ونقدية من البنك المركزي، وغموض كبير فيما يتعلق بالشفافية
والنزاهة والتعاملات.

وهي نقاط أشار إليها رئيس الوزراء في اجتماعه الأخير، وتحدث أن تواجدها
وتوفرها أمر لا بد منه حتى تحظى اليمن بوديعة سعودية جديدة، تنقذ الريال
وتنقذ الناس معيشياً، دون أن تتسبب بالإضرار بقوتهم الضروري.