آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-10:23ص

ملفات وتحقيقات


من مذكرات الرئيس علي ناصر محمد: ما هي أسباب الخلاف بين الرئيس قحطان الشعبي ووزيري الداخلية والدفاع محمد علي هيثم ومحمد صالح عولقي ؟

السبت - 07 نوفمبر 2020 - 11:01 ص بتوقيت عدن

من مذكرات الرئيس علي ناصر محمد: ما هي أسباب الخلاف بين الرئيس قحطان الشعبي ووزيري الداخلية والدفاع محمد علي هيثم ومحمد صالح عولقي ؟

(عدن الغد)خاص:

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( الثامنة والثلاثون )

متابعة وترتيب / د / الخضر عبدالله :

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد .

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيه ..

 

القيادة التي عجزت عن إعادة بناء التنظيم

تناولنا في العدد الماضي كيف كان القضاء يوكَل إلى رؤساء العشائر أو قضاة شعبيين يكون لهم الفصل في المنازعات بين الناس،.. وما هي شهادة أحمد مسعد .. وكما عودنا السيد الرئيس ناصر ان يتحفنا بكشف مذكراته التاريخية التي تحمل في طياتها الكثير من المعلومات الهامة التي توضح الأحداث والوقائع التي شهدتها جنوب اليمن .. وفي هذا العدد يحكي لنا السيد الرئيس حول صدور القيادة العامة للجبهة القومية "تعميماً داخلياً" في إعادة بناء التنظيم السياسي.. وكيف كانت الجبهة القومية تسعى لتعزيز مركزها السياسي والاجتماعي في المجتمع فنترك الحديث للسيد الرئيس حيث يقول :" في 29 نيسان/ أبريل 1969م، أصدرت القيادة العامة للجبهة القومية "تعميماً داخلياً" في إعادة بناء التنظيم السياسي. وعُدّ ما جاء فيه من أهمّ الوقفات التنظيمية، لكونه بدأ يمسك بإحدى أهمّ الحلقات الأساسية في حركة التطور الحزبي والاجتماعي. تعرّض التعميم الذي حمل عنوان "تعميم داخلي حول الأوضاع التنظيمية في هذه المرحلة" للحالة التي يمرّ بها التنظيم، واختلال المقاييس التنظيمية، مطالباً بعدم الانصياع لها. وانتقد المقولة التي سادت حينها، بأنّ "كل الشعب قومية"، ما يؤكد ويكشف المستوى المتدني الذي وصلت إليه الأوضاع التنظيمية، ويشير إلى الانفلات والتمزق المسيطرين في محافظتي عدن وحضرموت، بينما شباب الجبهة القومية في بقية المحافظات قد غرقوا في مهمات السلطة. وشكلت بعض القيادات شبه إقطاعيات لها، فلم يبقَ من الجبهة القومية سوى هيكلها التنظيمي. وينتقد التعميم القيادة التي عجزت عن إعادة بناء التنظيم، وحرصت فقط على بعض الأطر القيادية كالقيادة العامة، اللجنة التنفيذية، اللجنة التنظيمية، لكنها عجزت عن معالجة الأمور.
بعد أن انطلقت النقاشات، أقرّت القيادة العامة في أعقابها إعادة بناء التنظيم على النحو الآتي:
- تصحيح الوضعية الحالية المفككة والممزقة للتنظيم، وتهيئة كل الظروف الموضوعية والذاتية للانتقال إلى بناء الحزب.
- لمّا كان تصحيح الأوضاع دفعة واحدة وبشكل كامل (قيادةً وقاعدةً) أمراً صعباً، فلا أقلّ في هذه المرحلة من إعادة بناء القيادة بشكل صحيح وسليم، وإعادة بناء الأطر التنظيمية القيادية، ابتداءً بالخلية أو الخلية القيادية والأطر التي فوقها، مع لحظ أنّ هذه المسألة في غاية الأهمية. فإذا تمكنا من هذا، نستطيع في مرحلة ثانية أن نتوجه لإعادة النظر في وضعية القواعد التحتية حتى نستطيع بعد ذلك الاقتراب من الهدف المطروح في البرنامج(1).

طموح الجبهة القومية

ويتابع حديثه السيد قالرئيس قائلاً :" كانت الجبهة القومية تسعى لتعزيز مركزها السياسي والاجتماعي في المجتمع، وكان هذا أمراً مفهوماً وواضحاً، وهذه المرة ليس من طريق البندقية التي تقاتل المحتل، والتي أكسبتها الشرعية والشعبية وأوصلتها إلى سدّة السلطة، بل من طريق أساليب وطرق مختلفة. وكان صواباً أن تنطلق القيادة العامة، وهي ترى حالة التمزق السائدة، من إعادة النظر في بناء التنظيم السياسي الحاكم، ليصبح تنظيماً سياسياً حقيقياً قادراً على القيادة والتوجيه، والعمل من أجل التغلب على معضلات المرحلة الجديدة المختلفة تماماً عن إدارة حرب التحرير.
كان من شأن تلك الرؤية والقرارات أن تعطي دفعاً قوياً للعمل السياسي، لولا حدّة الخلافات بين أعضاء القيادة الذين لم يكن بعضهم يثق ببعضهم الآخر، وراحت الخلافات تشتد وتحتد قواها وأطرافها ويدخل فيها كل طرف بحماسة واندفاع، وبدأت اللقاءات والاتصالات والاجتماعات المنفردة تُعقَد بين العناصر المنسجمين في الخط السياسي أو في التكتيك.
كانت هذه اللقاءات تُعقَد في أجواء الخلافات السائدة، والطرفان المتصارعان يتدارسان كل بمفرده التكتيكات التي ينبغي اتباعها، ويناقشان السبل الكفيلة بحلّ الصراع. وكانت هذه الاجتماعات في طبيعتها استمراراً لبذور الأزمة التي نشأت من المؤتمر العام الرابع، والأحداث والتطورات التي تلتها، كحركة 20 مارس 1968م وأحداث 14 مايو 1968م و 27 يوليو 1968م، التي مهدت لقيام الخطوة التصحيحية في 22 يونيو 1969م فيما بعد.

بدأ الخلافات

ويستدرك الرئيس حديثه بالقول :" في نيسان/ أبريل 1969م بدأ الخلاف بين الرئيس قحطان ووزير الداخلية محمد علي هيثم بسبب ما سُمِّي حينها "مراقبة تليفونات رئيس الجمهورية". وكان هناك خلاف آخر نشب بين الرئيس ووزير الدفاع محمد صالح عولقي، وخلاف خفي بين وزيري الداخلية والدفاع على عمل كل منهما ونفوذه في الوزارتين، والسيطرة على أوضاع الأمن العام والقوات المسلحة. وكان لكل منهما عناصره ومنطقته يدافعان عن بقائهما. كان لا بد من العمل لحلّ خلافات الوزيرين، ولهذا الغرض ذهبت مع حسين الجابري إلى وزارة الدفاع، في محاولة لحلّ الخلاف بين وزير الدفاع ووزير الداخلية، خاصة بعد أن توسّع وشمل العناصر المحسوبين على كل منهما. وبعد عدة لقاءات جانبية تمكّنا من تجميد الخلاف بين الاثنين، حيث لا تنعكس خلافاتهما على أوضاع المؤسسة العسكرية والأمنية والبلاد.
كان يتخلل هذه اللقاءات والنقاشات استعراض طبيعة الأوضاع الداخلية وخطورة ما يجري على مستقبل الثورة والنظام، ولا سيما بعد أن أصبحت بعض التحركات داخل الجيش والأمن تثير قلقنا، وتؤشّر على عدم قدرة الدولة على السيطرة على هذه المؤسسات مستقبلاً، إذا لم يجرِ التعامل معها منذ الآن على أساس الحرص والمصلحة العامة بعيداً عن العواطف والولاءات القبلية.

تسرب أخبار الخلافات واحتمال القيام بانقلاب
"توني بس" وطباخ ملك البحر الأحمر


ويواصل حديثه :" وُلد أنتوني بس "الأب" في السادس والعشرين من حزيران/ يونيو عام 1877م في كاركاسون بجنوب غرب فرنسا، ودخل الحياة العملية بلا مؤهلات تقريباً، وقد انتقل إلى عدن عام 1899م، بفضل رسالة من زوج إحدى أخواته، موجهة إلى شركة "جومين واندرارد" في ليون، يعلمه فيها بأنّ شركة باردي في عدن، التي عمل فيها الشاعر الفرنسي آرثر رامبو من عام 1880 إلى عام 1891م، تبحث عن موظف شاب. واستطاع أنتوني بس خلال سنوات عديدة أن يكوّن إمبراطورية تجارية ضخمة في عدن، أنشأ لها العديد من الفروع في آسيا وأوروبا وإفريقيا وأميركا، واستطاع أن يقتحم جميع أنواع التجارة، من تجارة الجلود التي كانت البداية لتجارته، إلى البن والبخور واللبان والصمغ والبهارات والملح، إلى الأقمشة والسيارات والكهربائيات. ودخل أيضاً حقل الفندقية والملاحة والطيران، ولم يحرم نفسه الدخول إلى سوق العملات. ومن الشركات التي أسسها أنتوني بس في عدن، شركة الخطوط الجوية العربية، وكان بعض الحضارمة يديرون فروع شركاته في بعض المدن اليمنية والإفريقية، مثل عمر باذيب في هارجيسا، ومحمد سالم شماخ في زيلع، وعمر باسودان في الحديدة، وباهارون في أديس أبابا. أنشأ بس المعهد الفني في المعلا، وأول مدرسة للبنات في الشيخ عثمان، ومركزاً نسائياً في كريتر. وجعل من أحد بيوته مقرّاً لجمعية الفنون في عدن، وكان يستضيف معظم الرحالة الغربيين القادمين إلى عدن، ويرتّب لهم رحلاتهم إلى المناطق الداخلية في جنوب الجزيرة العربية. وكان يسكن في فيلا جميلة بمعاشيق، الواقعة على هضبة مرتفعة في كريتر تطل على خليج عدن، وعمل معه طباخاً أحمد محمد علي شيخ منذ 16 عاماً، الذي أصبح صديقاً له، وقد تحدث معه في بعض المعلومات السرية عن محاولة انقلابية يقوم بها الجيش، وعن خطورة الوضع، وأنه مضطر إلى السفر حتى تتضح الأمور، وقال له إنّ أعضاء الجبهة القومية قدّموا مذكرة إلى رئيس الوزراء فيصل عبد اللطيف، تفيد بأنّ الجيش يُعدّ لانقلاب.
وأضاف بقلق:
- أنا أتوقع حدوث تطورات خطيرة خلال هذا الشهر (حزيران/ يونيو 1969م)، فإذا كانت هذه التطورات لمصلحتنا، فأنا سأعود إلى عدن، وإذا لم تكن لمصلحتنا، فلن أعود. وعليك أن تعتبر هذا لقائي الأخير بك بعد المرحلة الطويلة التي خدمتني فيها، وعليك أن تحافظ على البيت ومحتوياته من قطع أثرية نادرة جمعتها طوال حياتي في عدن.
وبعد أن صمت قليلاً أضاف:
- لكنني آمل أن ألتقيك مرة أخرى فيما لو حسم الموقف لمصلحة بقاء الجيش في الحكم والسيد فيصل. أما إذا جاء المتطرفون إلى السلطة، فإن هذه كارثة علينا عليكم، ولن أعود، مع أني أحب أن أعيش في عدن لأني وُلدتُ فيها.
من أين حصل "توني بس" على هذه المعلومات؟ كيف عرف أنّ الجيش يُعدّ لانقلاب؟ وكيف عرف أنّ بعض أعضاء التنظيم رفعوا برقيات يطالبون فيها باتخاذ إجراءات ضد العناصر (المتطرفين)؟ وقد كان واثقاً من صحتها، بدليل أنه عزم على مغادرة البلاد دون عودة.

------------------------------------------

هوامش /
(1)- صحيفة الثوري العدنية، مايو 1969م.