آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-05:54م

أدب وثقافة


من مُذكرات عاهر ..(قصة قصيرة)

السبت - 17 أكتوبر 2020 - 02:12 م بتوقيت عدن

من مُذكرات عاهر ..(قصة قصيرة)

(عدن الغد) خاص:

من مُذكرات عاهر ..(قصة قصيرة/للكاتب عبد الرقيب طاهر)

لم تسعفني ذاكرتي في أي مرحلة عُمرية أو دراسية كنتُ لكن على أغلب الظن فقد كنتُ في أواخر سنواتي الإعدادية في المدرسة ، وهي قمة مراهقتي العمرية آنذاك ، أخبرني منصور زميلي بالمدرسة أنه وجد عند مكب النفايات عشرون ريالاً من فئة العملة المعدنية ، و ذات مرة وجد فردة لحَلقة أذن مذهبة و ساعة يد مقطوعة ، فشجعني لذهاب بمعيته إلى مكب النفايات صباح كل جمعة للبحث عن لقُطات تقع سهواً من نساء الحي وربات المنازل بين أكياس النفايات في حِينا الكبير ، ولسوء حظي لم أجد شيئاً ذا قيمة يُذكر ، عدا مرة وجدتُ كيساً من النيلون ملىء بالكتب القديمة و الجرائد والأوراق الممزقة ، وبما أني نهم جداً في القراءة فقد شعرتُ بأنّ هذا الشيء بمثابة كنز ثمين عثرتُ عليه .

بضعة أعداد من مجلة العربي ، ورواية زقاق المدق لنجيب محفوظ ، وصحف كثيرة للجمهورية و الثورة والحوادث المصرية ، وبعض المجلات الإباحية و مجموعة من الكُتيبات الجنسية وعدد لا بأس به من سلسلة رجل المستحيل للكاتب نبيل فاروق ، وبضع مجلات مثل النهظة وزهرة الخليج ، وأشياء أخرى كثيرة تتعلق بالموضة والمرأة العصرية و كتاب متوسط الحجم منزوع الغلاف مهترئ الشكل ، مكتوباً بخط يدوي أنيق لا عنوان له ولا شيء يشير لأسم صاحبه ، تبقى منه على مايربو ثلاثين صفحة أو يزيد ..

كنت قد عزمتُ على إتلافه من ضمن ما أحرقتُ من الأوراق واللفائف الأخرى التي لا جدوى منها ، غير أني قد كنت قرأتُ منه قليلاً ، فلفت إنتباهي بعض مواضيعه الخطيرة بما فيها من إيحاءات جنسية صارخة و عبارات إلحادية خادشة للحياء تدل على تخبط صاحبها وقلة إيمانه ، وهي عبارة عن مجموعة من المذكرات لرجل يمني الجنسية غادر وطنه منذُ سبعينيات القرن المنصرم إلى أورباء يسرد بعض من مذكرات حياته البائسة ، سأورد لكم هنا مذكرة واحدة فقط من بين مذكرات هذا الكتاب الخطير ، والباقي سأحتفظ بها لنفسي وذلك لخطورتها على فئة الشباب والمراهقين ..

وحقيقةً فقد كانت جميع المذكرات بلا عناوين ، لذا فقد أحببتُ بأن أضع عنواناً لكل مذكرة ليسهل علينا فهمها .
وهنا سوف أقدم لكم إحدى هذه المذكرات مكتوبه بخط يده دون تحريف أو تبديل
..........................

لم تكن المعصية في يومٍ من الأيام إلا خزيُ وعار على صاحبها ولن تكون موضع شرف أو مباهه للإنسان مهما كان أصله ودينه وعِرقه ، وحين قررتُ كتابت جزء من مذكراتي ماقصدت فيها المجاهرة أو التشهير بمعصيتي بوجه الله وخلقه ، وماكان لي أن أتجراء أو أفخر في هذا الجزء المظلم من حياتي البائسة بل كان قصدي في هذا الكتاب أن يستفيد منه من يجول بخاطره الولوج إلى هذا الوحل الأسود لربما قراء مذكراتي فيرعوي ومن ثما يقلع عن هذا الأمر فلا يعود إليه ..

عزيزي لا أخاطبك هنا بصفتك الدينية أو أحاول أن أوخز نخوتك العربية بأنفتها المقيدة بخطوطها الحمراء التي لا ينبغي للمرء تجاوزها أوحتى الإقتراب منها ، بل تعمدت أن أخاطبك بصفتك إنسان فقط ، إنسان يقاسمني تلك الشهوات الملئية بالرغبة الجامحة التي تقودها النفس والشيطان، لست أدري ياسيدي إن كنت قد أستطعت أن أوصل جوهر هذه الفكرة أليك أم لا ؟ أعلم علم اليقين بأن الانسان مخلوق مميز عمن سواه ، فهو المخلوق الوحيد القادر على التمييز بين الخير والشر هذا شيء غير مشكوك فيه ، لكن هل سألت نفسك لماذا الذين يختارون طريق الشر هم الأغلبية الساحقة من البشر ؟!

لا أريد منك تفسيراً دينياً في هذا الموضع من السوأل أنا وأنت نعرف إجابات هذا السوأل جيداً ياعزيزي
إنها الشهوة و الرغبة الجامحة تقف وراء كل ذلك ...

لم تكن كتابة هذه المذكرات من باب التوبة أو الإقلاع عن الذنب ، لا ليس هذا ياعزيزي ، فالإنسان بحاجة للجنس بقدر حاجته لطعام والشراب ، بل كان السبب الوحيد هو أصابتي بمرض السيلان بعد أن تجاوزتُ عقدي الخامس وتدهورت صحتي النفسية والجسدية ، فكان من الضروري التوقف نهائياً عن ممارست الجنس وصار الإبتعاد عنه ضرورة حتمية تستدعيه نصائح وإرشادات طبية ، كان لزاماً الرضوخ والإذعان لمشئية القدر في مثل هكذا ظروف إستثنائية ...

لذا فقد قررت كتابة هذه المذكرات رغم تفهاتها لكن لعلى هناك من يستفيد منها ، بمعنى أن لا يقع كما وقعتُ أنا ، وإن كنت غير نادم على حياتي البائسة التي ذهبت أدراج الرياح دون فائدة تعود عليا بالنفع ، غير متعة زائفة وقتية كانت لم أعد أتذكرها الآن ..

أكتب هذه المذكرات من مدينة الجمال والأناقة مدينة الحب والعنفوان مدينة بروكسل الجميلة قلب أروباء النابض ، ومنذُ أن وطأت قدمي أرض هذه المدينة ، فقد خلت ثلاثة عقود أو يزيد حتى الآن ، كنت أعمل بوظيفة سائق لسيارة تقل الوفد البلجيكي الذي يعمل على تنقيب الآثار في بلادي اليمن في مدينة مأرب بالتحديد ..

منتصف الثمانينات من القرن المنصرم ، كانت مادلين فتاتي الجميلة ذات الشعر الأشقر والوجه المدور الأبيض كأنه فلقة قمر ، برفقة والديها الذان يعملان في نفس تلك البعثة ...

وقعت الفتاة في عشقي ووقعت أنا في حبها ، ومن أجل أن اتزوجها كان ينبغي عليا ترك ديني والدخول في دينها ، الدين المسيحي الكاثوليكي ..

عملت كل شيء من أجلها ولست نادم على ذلك فقد كانت مادلين تستحق وأكثر ، عشت معها في حب وسعادة أبدية وهجرت بلادي راحلاً معها إلى بلجيكاء فكانت المرأة التي وهبت لي الجنة في الحياة الأولى ..

أنا رجل طيب بالفطرة برغم كل تلك المعاصي والأثام التي تكبلني لكني أبقى شخص طيب للغاية ، لم أضمر لأي شخص في يوم من الأيام أي شرور ولم أزرع في طريق أحد الشوك .

منذُ كنت صغيراٍ أؤؤثر إخوتي في نصيبي من الحلوى والطعام وحتى ألعاب العيد ، رغم توسط عمري بينهم ، فيقع ترتيبي الخامس بين عشرة أبناء من أربعة زوجات كُنا في عصمة أبي ، الذي أشتهر بشبقه الجنسي لدرجة بأن الجيران كانوا يُعِيرونا آنذاك بأن والدنا باع كل ما حصل عليه من إرث بعد أبيه من أجل النساء ..

لعقد ونيف كانت وظيفتي حارس أمن ملهى ليلي وسط المدينة ، كما إني أملك عدد لابأس به من الأسهم في خمارة مشهورة وصالة للقمار تدر عليا بدخل جيد نهاية كل شهر ...

في هذه المدينة توجد أجمل الفتيات الأوربيات وهن جميلات وساخنات على الفراش ، حميميات للغاية فإذا قدر لك أن تكون في حظن إحداهن تشعر بأن هذه المدينة كلها في قبضتك ، إنهن يقدسنا الرجال ويقدمنا خدمة جنسية جليلة بالإحترام ..

بحكم عملي في الملهى أليلي فقد كنت محضوضاً وبارعاً جداً في إصطياد أجمل الفتيات ، لدرجة أنني لا أضاجع فتاة أكثر من مرة فقط ومن ثما أبحث عن أخرى ، ولم أذكر بأنني عاشرت إمرأة لمرة أخرى إلاء إذا كنت أنا من فضى غشاء بكارتها ، لم ينتابني الحزن على صنيع مافعلت ذلك إلا مرة واحدة فقط كان ذلك منذُ صباي ، عندما كنتُ في مقتبل العمر وعنفوان الشباب ، كنت أعمل سائق شاحنة تنقل البضائع من ميناء عدن إلى كل مدن اليمن ، في قيظ من شهر تموز صادفت فتاة تحمل طفلها عند محطة الوقود ، كانت فتاة لم تتجاوز ربيعها الثاني ، نحيلة العود ، شاحبة الوجه ضامرة الخدين .

يبدُ عليها الفقر من أسمالها البالية ، تحظنُ طفلها الصغير
في يد واليد الاخرى تحمل كيساً مليء بأسمالها البالية .
طلبت مني أن أحملها على طريقي إلى مدينة الراهدة ..
أظهرت لها التعاطف والإهتمام ، ووعدتها بأنها ستكون بخير ، لكني كنت بمثابة ذئباً بشرياً ووغداً أنانياً أو ربما كانت هي لعنة عظيمة أصابتني بمقتل أنني حين أتذكرها أصاب بنوبة من البكاء أحس إنها تطاردني لم أنسى ملامح وجهها ولم أنسى صراخ طفلها ، أنني لم أتجراء أن أتذكرها في مخيلتي ، فكيف فكرت أن أكتب قصتها هنا في مذكراتي ، آه يا إلهي هل غفرت لي ؟ بحق السماء .


********

هنا تنتهي الصفحة الثانية من هذه المذكرة وتليها صفحة أخرى كانت منزوعة من الكتاب كما تبين لي من ترقيم الصفحات ولم يتسنى لي قرأة نهاية قصة الرجل مع الفتاة ، حيث تليها صفحة أخرى كانت شبه مطموسة الخط بفعل سائل كالقهوة أو ماشابه ربما أندلق على الكتاب ليختلط الخط ببعضه البعض ، ليأتي حديث آخر مع مذكرات أخرى ....