آخر تحديث :الإثنين-29 أبريل 2024-07:22م

ملفات وتحقيقات


تطويق الجيش لمدينة الشعب وتوتر الصراع مع القيادات العسكرية وقرار الرئيس قحطان الشعبي لمحاكمة المتهمين بالتمرد.. ما سبب كل هذه التطورات؟

الخميس - 15 أكتوبر 2020 - 01:51 م بتوقيت عدن

تطويق الجيش لمدينة الشعب وتوتر الصراع مع القيادات العسكرية وقرار الرئيس قحطان الشعبي لمحاكمة المتهمين بالتمرد.. ما سبب كل هذه التطورات؟

متابعة وترتيب / د / الخضر عبدالله :

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة (الثامن والعشرون)

 

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها الالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات التي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة  ) للرئيس علي ناصر محمد .

 

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

 

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس  من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

 

حيث يذكر لنا في مذكراته  عن  وقائع وأحداث وتغيرات  المت  بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م )  حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات  نسردها في أثناء السطور  وإليكم  ما جاء فيه

 

 توتر الصراع العسكري لهذا السبب ! 

عقب حديث الرئيس الأسبق  حول تعقيد  الأمور في لحج بسبب تصاعد الصراع بين المؤسسات التنفيذية، وبخاصة بين الجيش والحرس الشعبي الذي تناولناه في العدد الماضي .. وفي هذا العدد يحكي لنا سيادته عن تطويق الجيش لمدينة الشعب وقرار الرئيس الشعبي لمحاكمة  المتمردين  .. بقية التفاصيل يحكيها لنا فخامة الرئيس ناصر فقال :"  في صباح اليوم الثاني، كانت وحدات من الجيش تطوق مدينة الشعب وتزحف إلى مرافقها وموقع التمرد. لم يكن الجنود بصدد أن يقاوموا بعد أن أدركوا حدود إمكاناتهم، فاضطروا إلى إنهاء تمردهم والفرار خارج المعسكر، فيما واصلت وحدات الجيش أعمال المداهمة والاعتقال والسيطرة على المواقع.

اعتقل الجيش في إطار حملته هذه عدداً من الذين اتُّهموا بالتورط في العصيان، أو التنسيق مع الجنود المتمردين. ومن المعتقلين: محمد سرور، سالم علي السعدي، أحمد عوض معرج، الخضر طماشة،، حيدرة صالح السعدي ومحمد سكين. ومن الطلاب: هادي أحمد ناصر ومحمد صالح قرعة. وفي السياق، قرر الرئيس قحطان الشعبي محاكمة المتهمين بالتمرد، وكان على رأسهم محمد سرور، الأمر الذي أثار استياءً وغلياناً في الشارع، وكذلك بين المعتقلين، فتضامنوا مع المتهمين، وقرروا عدم تسليمهم للمحاكمة، والاستعداد لخوض معركة ضد الشرطة والحكومة.

ويضف في حديثه :" من مدينة الشعب، إلى عدن، إلى سجن المنصورة، شقّ التوتر طريقه، وراح الجو السياسي يتلبد بفعل الصراع العلني مع القيادات العسكرية، والخفي مع قيادة قحطان الشعبي ومجموعته في القيادة العامة. ضربت قوات الجيش حول السجن حصاراً محكماً، وهددت بإخضاع السجناء بالقوة وبفوهات الدبابات. كان الهدف إجراء المحاكمة بأيّ ثمن، ولو في مواجهة إرادة الشارع والجماهير. مرة أخرى، شارف الوضع على الانفجار واحتمالات اندلاع حرب أهلية، وكاد أن يبدأ من حادثة احتكاك القوة العسكرية بالسجناء الذين تعاطف معهم الشعب. غير أنّ تراجع الرئيس عن قرار إجراء المحاكمة بدّد الغيوم وأشاع نوعاً من الهدوء في النفوس، عززها القرار التالي بإطلاق سراح المعتقلين المتهمين بأحداث مدينة الشعب، ولو على فترات متلاحقة.

 

ذيول الحادثة السياسية من سبهها ؟

ويستدرك حديثه :" إلّا أنّ ذيول الحادث السياسية لم تصفُ تماماً، لكونها مرتبطة بنسيج عريض من التراكمات، يتصل في ما يتصل بالقيادات وطبيعة التنافر بينها. كان الرئيس قحطان الشعبي حريصاً على تكريس الأجواء النفسية الإيجابية التي أشاعها وقف التدهور السياسي عقب أحداث مدينة الشعب، وكان يأمل من الطرفين المتصارعين: القيادات العسكرية من جهة، والمجموعة القيادية المتصلبة من جهة أخرى، أن يقتنعا بأنه يصعب على أيٍّ منهما إلغاء الآخر أو تهميشه، ما يوجب عليهما أن يقبلا بتسوية تقوم على اعتبار الجميع مسؤولاً عمّا جرى، واستئناف العمل المشترك على أرضية المصالحة التي لا مفرّ منها.

كان الرئيس يعرف أنّ حلاً مثل هذا سيعزز نفوذه ويجعله في قلب القرار المطلق، ولكنه لم يكن يدرك استحالة تحقيق ذلك في الظرف الذي كان سائداً.

وسط هذه "الطموحات" أصدر الرئيس في الخامس من أيار/ مايو 1968م بياناً أورد فيه "أنّ ما جرى في العشرين من مارس كان خطأً أُريد به معالجة خطأ في الجبهة القومية"، ونفى الشائعات التي تتحدث عن "مخططات انقلابية" أو "مخابرات أجنبية"، أو "وجود شيوعيين في صفوف الجبهة القومية". ثم أعلن البيان عفواً عاماً عن كل من شارك في خطأ 20 مارس "بشرط أن يلتزم خط الثورة"(*)، غير أنّ هذا القرار بدلاً من تهدئة الأمور، أضحى بمثابة الزيت الذي صُبّ على نار تحت الرماد!

 

تسرّب الغليان من الشارع إلى الثكنات، وإلى كل مرفق لماذا ؟

ويردف بالقول :" انقلبت "الطموحات" التي داخلت سريرة الرئيس قحطان الشعبي إلى ضدها. ففي اليوم الثاني من البيان وإعلانه "عفا الله عمّا سلف"، دارت الأحداث على نفسها، وتسرّب الغليان من الشارع إلى الثكنات، وإلى كل مرفق: من الاحتجاج العفوي، إلى التحدي في وحدات الجيش والحرس الشعبي وقطاع الفدائيين بمواجهة القيادات العسكرية التي نفذت تحرك 20 مارس وما زالت في مواقعها. وردّت تلك القيادات على التصعيد والتحدي بإجراء حملة تضييق ومداهمة واسعة تركزت في العاصمة، تعرض خلالها علي عنتر للتفتيش والمساءلة في نقطة دار سعد، وأُوقف سالم ربيع علي في نقطة العلم للتفتيش الاستفزازي، في وقت كانت الأوضاع تمرّ فيه بتوتر وحساسية مفرطة. وعندها، راح كل من علي عنتر وسالم ربيع يبشّران  بآراء تفيد بأنْ لا حلّ للوضع دون معالجة حاسمة.

 

استقالتي من المحافظة لهذا السبب !

ويتابع حديثه :" كنتُ لا أزال في تلك الأيام محافظاً للحج، كانت معاناتي بسبب موقف وزير الإدارة المحلية السلبي تجاهي تتزايد، إضافة إلى تعقّد الأمور وتداخل الوضع السياسي وانعكاساته على المحافظة، وغياب العلاقات السليمة في القيادة وازدياد مظاهر التشقق فيها، وبروز أكثر من رأس وقيادة، وغياب المسؤولية، سواء في لحج أو المحافظات الأخرى. هذا كله وضعني أمام خيار صعب، هو مراجعة موقعي ومواقفي وما يمكنني أن أُنجزه في مثل هذه التداعيات المضنية التي انعكست على صحتي ونفسيتي، فوجدتُ مخرجاً مؤقتاً يتمثل بالسعي لترك عملي في المحافظة. تقدمتُ إلى وزير الإدارة المحلية في 6 أيار/ مايو 1968م بطلب الموافقة على توفير منحة علاجية لي في الخارج، غير أنّ الوزير بدلاً من الموافقة على هذا الطلب، ردّ - بمباركة أوساط من بعض القيادات - بإنزال إشاعة (أخبرني بتفاصيلها ناصر عمر فرتوت) تزعم أنني وراء أحداث مدينة الشعب، وأنني أزمع السفر إلى الخارج تهرّباً من احتمالات افتضاح تورطي بالأمر، وأنّ قرارات رسمية صدرت بعدم السماح بمغادرتي البلاد!

 

الرئيس قحطان الشعبي لم يردّ على استقالتي .. ولماذا  جمّد الموضوع ؟

ويسترسل قائلاً :" لم أجد أمامي، احتجاجاً على ذلك، غير تقديم استقالتي محافظاً إلى رئيس الجمهورية في 11/5/1968م، ضمنتها عرضاً بالمسوّغات والجهود التي قمتُ بها والمسلكية التي انتهجتُها طوال عملي، مع تأكيدي أنني لن أتخلى، في أيّ حال، عن مهماتي النضالية في القيادة العامة. لكنّ الرئيس قحطان الشعبي لم يردّ على طلبي، سلباً أو إيجاباً، ولاحظتُ أنه جمّد الموضوع. غير أنّ تطوراً جديداً مفاجئاً كشف لي أنّ الأمر تحوّل من شائعة إلى ما يشبه التحقيق. فقد زارني بعد أيام في بيتي كل من الضابطين النقيبين أحمد سالم عيدروس، وأحمد ناصر الخادم، بتكليف من وزير الداخلية محمد علي هيثم، للتحقيق معي في ما ادعياه من علاقة لي بأحداث مدينة الشعب. وأوحت لي طريقة "التحقيق" والأسئلة بأنهم يعتبرونني "المحرض الرئيسي" للجنود الذين رفضوا تسليم أسلحتهم، والمشجع على تمردهم على قياداتهم، فكان ردي قاطعاً على "المحققين": "إنني عضو في القيادة العامة، ولذلك أرفض التحقيق معي هنا بهذه الطريقة، وعليكم إبلاغ الجهة التي كلفتكم ذلك"، فاستأذنا الحديث بالهاتف مع هيثم، وأبلغاه رأيي في التحقيق، فطلب الحديث معي مباشرة. وأتذكر أنّ الحديث الهاتفي جرى على الوجه الآتي:

 

قال هيثم: أنصحك بأن تقبل التحقيق في منزلك بدلاً من أن يجري في إدارة المباحث، لأن الناس يعرفون الموضوع، ولا نريد مشاكل لأعضاء القيادة العامة.

قلتُ: أنا أرفض هذا التحقيق، ولا علاقة لي بما حدث، وهذا صحيح، وليس من حق أحد أن يطلب التحقيق معي، لأني عضو في القيادة العامة، وهي الهيئة التي يمكن أن تجري فيها محاسبتي إذا ما ارتكبتُ أيّ خطأ.

بعد حديث قصير أصرّ وزير الداخلية خلاله على التحقيق، وأصررتُ أنا على رفض الامتثال له، أمر المحققَين اللذين كانا يتابعان معه السجال عبر الهاتف بمغادرة المنزل ومراجعته.

بالفعل، لم يكن بمقدور الوزير هيثم إجراء التحقيق معي قبل عرض القضية على القيادة العامة. ولكن، كان بمقدوره أن يمنعني من السفر، بأمر منه إلى الجهات المعنية، بوصفه وزيراً للداخلية. وقد أصدر، فعلاً، تعليمات بهذا المعنى إلى مدير الأمن العقيد عبد الله صالح سبعة، وقد علمتُ بها من العقيد السبعة نفسه الذي كشف لي أوامر الوزير في الوقت الذي دخلت فيه علاقتهما الشخصية في دورة صراع خفي، ولكنه وافق أخيراً على سفري، بحكم العلاقات الشخصية والتاريخية.

وهنا تذكرتُ هذه الأبيات للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، التي تحمل في مضمونها معنى الصداقة الحقيقية، ولكنها تحمل أيضاً العجب العُجاب في احترافٍ وصناعةٍ للشعر الغريب في هذه الأبيات، إذ إنــك تستطيـــع قراءتها أفقيــاً ورأسيـــاً:

ألــــــــــــوم صديقـــــــي وهـــــــــذا محــــــــــــــــال

صديقــــــــي أحبــــــــــــه كـــــــــــلام يقــــــــــــــــال

وهـــــــــــذا كـــــــــــلام بليــــــــــغ الجمــــــــــــــال

محــــــــــال يــــــــــــقال الجمـــــــال خيــــــــــــــــال