آخر تحديث :الإثنين-29 أبريل 2024-01:45ص

اليمن في الصحافة


هل يأفل نجم تنظيم "القاعدة" في اليمن؟

الخميس - 01 أكتوبر 2020 - 11:25 ص بتوقيت عدن

هل يأفل نجم تنظيم "القاعدة" في اليمن؟

عبد الرزاق الجمل ـ الأخبار اللبنانية

بعدما سجَّل حضورا طاغيا خلال السنوات التي سبقت الحرب السعودية على اليمن، تراجع نشاط تنظيم القاعدة بشكل كبير، كما تراجع الاهتمام الغربي بملفه، رغم أنه أكثر أفرع التنظيم خطورة، وفق تصنيف لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في العام 2010.

ومع أن ظروف الحرب توفر كل أسباب انتعاش وازدهار مثل هذه التنظيمات، إلا أن حرب اليمن بدت استثناء في هذا الجانب، حيث تراجع نشاط التنظيم العملياتي بشكل متدرج منذ العام 2015.

 

قبل الحرب

قبل العام 2015، وتحديدا في العامين 2014\2015، كان التنظيم قد نفذ أخطر العمليات منذ تأسيسه، أهمها اقتحام مقرات عدد من المناطق العسكرية في أكثر من محافظة يمنية، واقتحام مقر وزارة الدفاع في العاصمة صنعاء.

عمليات التنظيم في العامين المذكورين، جاءت بعد انسحابه من محافظة أبين ومدن في محافظتي شبوة والبيضاء، في وسط وجنوب اليمن الشرقي، والتي سيطر عليها خلال العامين 2012\2011، إبان أحداث ما عرف بـ"ثورات الربيع العربي".

وأتت عمليات السيطرة على مدن رئيسية في المحافظات الثلاث، بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تستعدان لإنشاء ودعم وحدات يمنية خاصة بمكافحة الإرهاب في خمس محافظات نشط فيها التنظيم بشكل كبير خلال العامين 2009\2010، وهو المشروع الذي لم ير النور؛ بسبب الظروف التي عاشها البلد خلال الاحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، مطلع العام 2011، في صنعاء وعدد من المحافظات.

هذا التصاعد المستمر في عمليات تنظيم القاعدة منذ العام 2009، وهو العام الذي اندمج فيه فرعا اليمن والسعودية تحت مسمى "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، أثار تساؤلات حول التراجع الذي شهدته عملياته ابتداء من العام 2015.. ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب.

 

1ـ تفاؤل بعهد سلمان

أواخر العام 2014، اخترق التنظيم التحصينات الأمنية السعودية على الحدود مع محافظة حضرموت، جنوب شرقي البلاد، ونفذ عمليات جريئة داخل مدينة شرورة.

سبقت العمليات الأخيرة بيانات وإصدارات تهدد بالانتقام للسجينات المحسوبات على التنظيمات في السجون السعودية، وتلاها بيان يتوعد بالمزيد.

غير أن عمليات شرورة كانت آخر ما نفذه التنظيم داخل الأراضي السعودية، رغم أنه لم يطرأ أي جديد على وضع السجينات، ورغم قدرته على القيام بعمليات مماثلة.

وفي مؤشر على استبشاره بعهد سعودي جديد، وافق التنظيم على إطلاق سراح نائب القنصل السعودي، عبد الله الخالدي، مقابل فدية مالية كبيرة جدا، بعد أن تخلى عن شرط الإفراج عن السجينات، الذي ظل متمسكا به طوال ثلاثة أعوام، وكان الدافع الرئيسي لاختطاف نائب القنصل.

إطلاق سراح الخالدي تم بعد شهر من تسلَّم الملك سلمان بن عبد العزيز لمقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، ولم يكن التنظيم حينها في ضائقة مالية تجبره على الرضوخ لظروفه على حساب الشرط الرئيسي في عملية التفاوض حول نائب القنصل.

غير أن التنظيم، وبحسب مصادر مقربة منه، كان متفائلا بمرحلة الملك سلمان، لانطباع خاص حول موقفه من الإسلاميين، مقارنه بسلفه الملك عبد الله.

وعلى ما يبدو، ساهمت عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في اليمن، ضد جماعة "أنصار الله" الحوثيين، في ترسيخ هذا الاعتقاد لدى تنظيم القاعدة، حيث جاءت بعد أن تصدر التنظيم ما أسماه "معركة الدفاع عن أهل السنة" إثر السيطرة الحوثية على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، والتمدد عسكريا إلى عدد من المحافظات.

بعد انطلاق العملية السعودية في اليمن، وجد التنظيم نفسه جزءا من المعركة ضد أنصار الله، والتي أصبحت رئيسية بالنسبة إليه، بعد سقوط نظامي صالح وهادي في العاصمة صنعاء، وتحقُـق ما كان قد أشار إليه أو تنبأ به في إصدارات سابقة بخصوص وجود رغبة غربية لتمكين الحوثي من السلطة في اليمن.

وعلى الرغم من أن المعركة ضد جماعة الحوثي باتت رئيسية، إلا أن ذلك لم يكن يعني وجود معارك ثانوية أو أعداء مؤجلين للتنظيم، فمن كانوا خصوما بالأمس تحوّلوا إلى رفقاء سلاح يجمعهم هدف واحد، وإن اختلفت دوافعه.

لأجل ذلك، كان استهداف القوات الحكومية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي والمدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، أحد نقاط الخلاف بين تنظيمي "الدولة الإسلامية" و "القاعدة" في مدينة عدن عام 2016، حيث اعتبره الأخير عملا يتعارض مع السياسة الشرعية التي تقتضي تركيز الجهود على محاربة الحوثيين.

حماس تنظيم القاعدة لهذه المعركة، جعله يدفع بعدد كبير من مسلحيه، كأفراد، إلى جبهات المقاومة والجيش ابتداء من العام 2016. وبحسب القائد الميداني السابق، جلال بلعيدي المرقشي، شارك التنظيم في 11 جبهة قتال ضد الحوثيين، وهو ما أكده أيضا الزعيم السابق للتنظيم، قاسم الريمي، المعروف بـ"أبو هريرة الصنعاني".

غير أن مشاركة التنظيم في هذه المعركة، سهَّلت من عملية اختراقه، وإدارة عملية أمنية فاعلة ضده بعد ذلك.

 

2 ـ تصفية المؤثرين

مثلت السياسة الجديدة لتنظيم القاعدة فرصة بالنسبة إلى السعودية، لتوسيع دائرة الاختراق للتنظيم، والوصول إلى قاعدته الصلبة التي لم يكن من السهل اختراقها في وقت سابق، مع استمرار الاستفادة من مقاتليه في بعض الجبهات.

منذ العام 2015، بدأت قيادات التنظيم الكبيرة تتساقط كالذباب، بغارات جوية لطائرات أمريكية من دون طيار، رغم انهيار منظومة أجهزة الأمن والمخابرات في اليمن، بما يعنيه ذلك من غياب للتنسيق مع الجانب الأمريكي، بسبب الحرب.

بين العامين 2015\2019، قتل معظم قادة التنظيم الميدانيين العسكريين والدعويين والإعلاميين، أمثال ناصر الوحيشي، وإبراهيم الربيش، وحارث النظاري، ونصر الآنسي، وأبو حفص المصري، وجلال بالعيدي المرقشي، ومأمون حاتم، وغالب القعيطي، وقاسم الريمي، والعشرات من قيادات الصف الثاني والثالث، إضافة إلى مئات المسلحين.

كانت السعودية بأمس الحاجة إلى معلومات عن تحركات قيادات التنظيم المهمة خلال تلك المرحلة، لكسب الموقف الغربي، والأمريكي على وجه التحديد، من حربها في اليمن، بعد أن تعالت الأصوات المحذرة من استغلال التنظيمات الإرهابية للحرب لإعادة ترتيب صفوفها وتوسيع دائرة نفوذها.

وبالنظر إلى أن الطائرات الأمريكية المسيَّرة تتحرك بناء على معلومات يقدمها عملاء على الأرض، ومن داخل التنظيم تحديدا، يمكن القول إن كل المعلومات المتعلقة بالقادة الذين تمت تصفيتهم كانت سعودية بامتياز، وهو ما أكدته شبكة المخبرين التي أطاح بها التنظيم أخيرا، حيث أقروا جميعا أن المخابرات السعودية تقف وراء تجنيدهم، وفق ما جاء في الإصدار المرئي "هدم الجاسوسية" الصادر عن مؤسسة "الملاحم" قبل أكثر من عام.

وقد بدا واضحا تأثير غياب أولئك القادة على إدارة التنظيم لشؤونه، وعلى عملية استقطاب مقاتلين جدد، وحتى على إدارة الخلاف المستجد مع تنظيم "الدولة الإسلامية".

 

3 ـ انشقاق وخلاف ومعارك

إلى ما قبل العام 2013، كان تنظيم القاعدة في اليمن أقرب إلى تنظيم "دولة العراق الإسلامية" منه إلى تنظيمه الأم في أفغانستان وباكستان، وقد حاول استلهام تجربته الأمنية والعسكرية والدعائية بحذافيرها.

بعد سيطرة تنظيم دولة العراق على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية والسورية، وإداراتها تحت مسمى "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، قبل أن يعلن "الخلافة" في وقت لاحق، كانت كل التوقعات ترشِّـح قاعدة اليمن كأول المبايعين.

عزَّز تلك التوقعات موقف التنظيم في اليمن من الخلافات بين تنظيم "الدولة" و "جبهة النصرة" في سوريا، حين أصدر بيانا بعنوان "رسائل إلى الفصائل المجاهدة في الشام" حذَّر فيه من التصعيد العسكري، في اعتراض غير مباشر على المهلة التي أعطتها "النصرة" لـ"الدولة" للانسحاب من حلب أو مواجهة الحرب.

يضاف إلى ذلك تصريحات القيادي في قاعدة اليمن، مأمون عبدالحميد حاتم، والتي جاهرت بمناصرة تنظيم "الدولة" وأعطت إيحاءات بقرب مبايعتها، دون اعتراض من القيادات العليا على تلك التصريحات في بادئ الأمر.

غير أن فرع قاعدة اليمن شرع في تهيئة عناصره لموقف آخر، بعد أن كانت مهيأة لسماع إعلان البيعة لـ"أبو بكر البغدادي". وقد ساعده في ذلك الحدةُ التي انتهجها تنظيم "الدولة" في إدارة خلافه مع القاعدة، والتي ظهرت بوضوح في كلمات ناطقه الرسمي "أبو محمد العدناني" خصوصا كلمة "عذرا أمير القاعدة" التي هاجم فيها أنور الظواهري، وهو ما اعتُبر إساءة وعدم احترام لـ"أهل السبق في الجهاد".

وعلى الرغم من التهيئة المكثفة التي استمرت أشهرا، وتخلي قيادات مهمة عن جزء كبير من احتياطاتها الأمنية؛ للاختلاط بالمقاتلين بغرض التأثير عليهم، إلا أن إعلان عدم شرعية "الخلافة" دفع مجموعة لا بأس بها إلى الانشقاق، وإعلان البيعة لـ"البغدادي".

الخلاف الذي بدأ سريعا بعد ذلك، بين تنظيم القاعدة والمنشقين الذين شكلوا النواة الأولى لتنظيم "الدولة" في اليمن، أخذ في التطور حتى وصل إلى الصدام المسلَّح، كحاله في سوريا.

المواجهات بين التنظيمين، والتي امتدت من العام 2017 إلى العام 2020، في مناطق مديرية "ولد ربيع" بمحافظة البيضاء، استنزفت الطرفين بشريا وماديا بشكل غير مسبوق، وسهَّلت من مهمة طرف ثالث داخل المحافظة.

في أواخر شهر أغسطس من العام 2020، شن "أنصار الله" الحوثيون هجوما على التنظيمين المنهكين في المديرية، وتمكنوا من القضاء على تنظيم "الدولة" بشكل كلي، وطرد عناصر القاعدة إلى مديريات أخرى في المحافظة.

 

4 ـ خلافات داخلية (انشقاق ثانٍ)

لعل أخطر ما واجهه تنظيم القاعدة أخيرًا هو الخلافات الداخلية، على خلفية الإجراءات الأمنية الخاصة بالتعامل مع الأعضاء والقادة المشكوك في علاقتهم بأجهزة مخابرات محلية ودولية، حيث رفضت مجموعة كبيرة، على رأسها القيادي البارز "أبو عمر النهدي"، بعض تلك الإجراءات، وقررت، في وقت لاحق، اعتزال التنظيم.

المجموعة قالت، في بيان لها، إن قيادات التنظيم توسعت في الشك في هذا الجانب، ونتج هذه السياسة سجن أبرياء كُثر بتهمة الجاسوسية، مشيرة إلى أن المتهمين، الذين أُفرج عن عدد كبير منهم بعد عام من الاحتجاز، تعرضوا لمعاملة وحشية خلال التحقيق معهم؛ بغرض انتزاع اعترافات.

وفي تصرف يؤكد فشله في إدارة خلافته الداخلية، أصدر تنظيم القاعدة، في يوليو من العام 2020، بيانا داخليا اتهم فيه مجموعة النهدي بالدفاع عن الخونة، لتتسع الهوة أكثر بينه وبين المجموعة التي طالبت برفع القضية إلى أيمن الظواهري، معتبرة كل قادة التنظيم في اليمن خصوما.

وبدا واضحا، من خلال لغة البيانين، أن الخلاف بين التنظيم والمنشقين الجدد عنه آخذ في التصاعد، ومن غير المستبعد أن يتطور إلى صدام مسلح مستقبلا، كما حدث مع تنظيم "الدولة"، خصوص في ظل التقارب المكاني بينهما، بعد انحصار تواجد التنظيم في محافظة البيضاء منذ أعوام.

الخلاف الأخير، وبغض النظر عن تطوره إلى صدام مسلح من عدمه، يعقِّد من وضع التنظيم المعقَّد أصلا، ويهدد وجوده بشكل جاد.

 

تخبط وتيه

يشير كل ما تقدم إلى أن فرع تنظيم القاعدة في اليمن، أو ما تبقى منه، يعيش حالة غير مسبوقة من "الضعف والتخبط والتيه"، من المتوقع أن تنعكس سلبا على حماس ومعنويات مقاتليه الذين لم يعد يحول بين كثير منهم وبين اعتزاله سوى الخوف من المصير الذي ينتظرهم في مناطقهم أو بلدانهم إن قرروا العودة إليها، وفق مصادر مقربة من التنظيم.