آخر تحديث :الخميس-09 مايو 2024-03:54م

ملفات وتحقيقات


تقرير: علاقة الانتقالي بالسعودية.. إلى أين؟

الأربعاء - 26 أغسطس 2020 - 10:04 ص بتوقيت عدن

تقرير: علاقة الانتقالي بالسعودية.. إلى أين؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يرصد أسباب ودوافع الهجوم على السعودية وتأثيراته على مشاورات الرياض..

هجوم أطراف محسوبة على الانتقالي على السفير السعودي والمملكة والتحالف..
ما دوافعه؟

بعد الشرعية.. هل يبحث الانتقالي عن شماعة أخرى لتعليق إخفاقاته؟

هل انتقادات الأطراف المحسوبة على الانتقالي ضد المملكة واقعية؟

ما الذي يمنع السعودية من التعاطي مع انفصال الجنوب؟

هل هناك علاقة مستقبلية يمكن أن تنشأ بين السعودية والانتقالي؟

الانتقالي أكد على متانة علاقته بالمملكة .. فهل ما يحدث تصرفات فردية؟

 تقرير / القسم السياسي بـ(عدن الغد):

لا تبدو علاقة المجلس الانتقالي الجنوبي بالمملكة العربية السعودية في
أحسن حال، كما كانت علاقة المجلس بالقطب الآخر للتحالف العربي المتمثل
بدولة الإمارات العربية المتحدة.

تجلى ذلك واضحاً من الحالة الإعلامية المعبرة عن المجلس الانتقالي، عند
حديث إعلاميي هذا الأخير عن ممارسات الرياض في عدن.

فبعد أن غادرت دولة الإمارات بقواتها وعتادها وكل ما جلبته معها إلى عدن،
تسلمت السعودية إدارة المدينة، واتخذت من مبنى التحالف في مديرية البريقة
غرب عدن، مقراً لها، غير أنها تسلمته خاوياً على عروشه بعد مغادرة
أبوظبي.

كانت الإمارات تحظى بالشكر والتأييد من إعلاميي وأنصار الانتقالي حتى بعد
مغادرتها عدن، غير أن السعودية لم تنل ذات النصيب من التأييد، رغم أنها
هي قائدة التحالف العربي الذي يضم الإمارات في قوامه.

هذا التحالف الذي تقوده الرياض كان هو من ساعد الجنوبيين في تحرير
مناطقهم من مليشيات الحوثي، غير أن هجوم الانتقالي لم يترك لهذه الذكرى
مكاناً، ولم يكن هناك أي عرفان لهذا الدور.

كل ذلك أكدته المنشورات الأخيرة التي ينشرها أنصار الانتقالي على المواقع
الإخبارية والتواصل الاجتماعي، والتي طالت قيادات سعودية، وحتى كيان
التحالف ذاته، ممثلاً بالمملكة.

تاريخ العلاقة المتوترة

كانت أحداث ومواجهات أغسطس 2019، بداية حدوث التوتر في العلاقة بين
الانتقالي والسعودية، فبحسب مراقبين فإن نتائج المواجهات جعلت من قوات
الانتقالي تسيطر على معظم مرافق ومؤسسات الدولة.

وعقب صدور بيان السعودية المندد بالخطوة، ونتائج المواجهات في عدن،
والمتضمن دعوات لقوات الانتقالي إلى الانسحاب من كافة المؤسسات التي سيطر
عليها، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث.

ورغم إرسال الرياض العديد من اللجان العسكرية والفرق المتخصصة للإشراف
على الانسحابات، إلا أن كل محاولات تلك اللجان باءت بالفشل، بعد تعنت
قوات الانتقالي ورفضها التسليم.

وهذا ما كان بداية التوتر الحقيقي والعلاقة غير المستقرة بين الانتقالي
والسعودية، والتي لم تتحسن منذ ذاك الحين.

ولم تقف المسألة عند هذا الحد، بل تفاقمت مع منع السعودية لعددٍ من أعضاء
لجنة التفاوض التابعة للانتقالي، برفقة مدير أمن عدن السابق، بالمرور من
مطار عمان في الأردن والعودة إلى عدن، في مارس الماضي.

حتى أن بيان المجلس الانتقالي حينها، فيما يخص هذه الحادثة كانت لهجته
حادة، وارتقت إلى مستوى التهديد، وفقاً لوصف عدد من المحللين، الذين
ربطوا توتر العلاقة ولهجة بيان الانتقالي الشديدة وتعامل السعودية مع
أجنحة الحكومة الشرعية.

انتقاد علاقة الرياض بالشرعية

تركز الهجوم الإعلامي الذي لم يقتصر على الإعلاميين المناصرين للانتقالي،
بل تبناه عدد من قياديي الصف الثاني في المجلس، على تفنيد العلاقة بين
الرياض والحكومة الشرعية اليمنية.

حيث تصاعدت وتيرة انتقاد هذه العلاقة، وارتفعت مطالبات للسعودية بالتخلي
عن الحكومة تحت مبرر أن هذه الأخيرة متورطة بملفات فساد تنموي وخدمي وحتى
عسكري، كما بررت أصوات في الانتقالي دعواتها للسعودية بالتخلي عن الشرعية
بأنها تعمل على التنسيق مع الحوثي، وتسليم جبهات القتال دون أية مواجهات
حقيقية.

وبعيداً عن صحة تلك الاتهامات، يرى محللون ان الرياض لا يمكن لها أن
تتخلى عن شريكها الأساسي الذي ساعدها على التواجد في اليمن، ومقاتلة
مليشيات الحوثي.

كما أن المملكة تنظر للحكومة الشرعية بأنها "الدولة"، ودون ذلك من
المكونات والكيانات الخارجة عن إطار الدولة، وفقاً لتأكيدات المحللين.

ولم تتوقف محاولات وهجمات الانتقاليين ضد السعودية عند هذا المستوى، بل
أنهم اتهموا الرياض بنسج علاقات مع أجنحةٍ داخل الشرعية لها انتماءات
بجماعة الإخوان المسلمين، المتمثلة في حزب الإصلاح اليمني.

المستهدفون من الهجوم الإعلامي

مضت العلاقة المتوترة على هذا النحو بين السعودية والانتقالي، واتخذت
أشكالاً عنيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية الموجهة.

غير أنها تركزت لتنال مهندس اتفاق الرياض شخصياً، السفير السعودي لدى
اليمن محمد آل جابر، وهو ما اعتبره مراقبون بأن الهجوم على شخص آل جابر
هو هجوم على اتفاق الرياض ذاته.

فهذا الاتفاق خلق ردود فعل متباينة داخل اروقة المجلس الانتقالي ذاته،
فالبعض اعتبره انتقاصا لحقوق الانتقالي ومن ورائه الشعب الجنوبي، كما
يشير إلى ذلك قياديو الانتقالي وأنصاره.

فيما نظر آخرون إلى أن اتفاق الرياض يمنع الانتقالي من المضي قدماً نحو
تحقيق رغبته في التمكين المؤسسي داخل محافظات الجنوب، تمهيداً لنيل حقه
في تقرير مصيره واستعادة دولته.

فكان مهندس الاتفاق، السفير محمد آل جابر هو المستهدف الأكثر نيلاً
للهجوم الانتقالي من قبل إعلاميي هذا الأخير ومناصريه.

ومن وراء السفير تقف المملكة العربية السعودية.

يرجح مراقبون أن دوافع هذا التفاوت في علاقة الانتقالي مع طرفي التحالف
وقطبيه، هو أن المجلس ممتن للدور الاماراتي في تأسيس الانتقالي، بينما هو
يهاجم السعودية بحكم أن هذه الأخيرة تفضل التعامل مع حكومة ودولة
كالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.

وهذا ما يعطي الدافع للانتقالي وأنصاره للهجوم على السعودية، لأنه يراها
بعيدة عن الوقوف إلى جانبه، كما فعلت الإمارات من قبل، بحسب آراء محللين.

تصعيد الإدارة الذاتية

عند منتصف ليل السادس والعشرين من أبريل الماضي، أصدر المجلس الانتقالي
الجنوبي بياناً ندد فيه بالمؤامرة على القضية الجنوبية ومعلناً الإدارة
الذاتية وفرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء المحافظات الجنوبية.

ودعا الجماهير للالتفاف حول القيادة الجنوبية، وبدأ المجلس الانتقالي
بتنفيذ إعلانه عن الإدارة الذاتية في مقر البنك المركزي بعدن، وتولي
السيطرة على مداخل البنك الخارجية، وبقيت القوة السعودية مسؤولة عن حماية
المرفق داخل حرم البنك.

بينما بقي الأمر على حاله تقريباً في المدينة، وبدا الأمر كما لو أن
المجلس الانتقالي أعلن السيطرة على المُسيطِر عليه بالأساس، وفقاً لتوصيف
مركز اليمن للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.

تقرير المركز البحثي الذي اطلعت عليه (عدن الغد)، أشار إلى أن إعلان
المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية لقيَ رفضاً سريعاً من معظم السلطات
المحلية الرسمية في المحافظات الجنوبية.

هذا الرفض لم يقتصر على قيادات المحافظات الجنوبية، بل تماهت معه المملكة
العربية السعودية، في بيانٍ وُصف بأنه "ناعم"، إلا أنه تضمن دعوات
بالتراجع عن القرار وخطوات الإدارة الذاتية المتخذة من قبل الانتقالي.

وأبرز ما تضمنه البيان السعودي كان الإشارة إلى الإدارة الذاتية بأنه
"تصعيد غير مبرر"، استغرب اكثر المحللين إقدام المجلس الانتقالي على هذا
التصعيد المفاجئ، فيما آخرون اعتبروا مضمون البيان موجهاً نحو السعودية،
وتدهور العلاقات بين المجلس الانتقالي والرياض.

حيث تحدث نص البيان عن "مؤامرات"، وعن عدم دفع المرتبات لقواته العسكرية
والأمنية، وعدم دعم الجبهات بالسلاح والذخيرة والتغذية، وعدم رعاية
الجرحى وأسر الشهداء.

وكل هذه الأمور تتولى مسؤوليتها السعودية منذ توليها السيطرة الكلية في
عدن عقب انسحاب الإماراتيين من عدن وتوقيع اتفاق الرياض.

الانتقالي: السعودية تستهدفنا

وفي ثنايا أحاديث الانتقاليين وإعلامهم إشارات عن شعور المجلس الانتقالي
بأنه مستهدف من قبل السعودية، رغم أنه من المفترض بأن الخلافات التي أدت
إلى اشتباكات بينه وبين الحكومة اليمنية في أغسطس 2019، قد تم حلها من
خلال اتفاق الرياض.

وفي الواقع، نظرت قيادات وإعلاميون في الانتقالي إلى سعي الرياض لتفكيك
قوات المجلس الانتقالي على الأرض- تحديداً حول عدن- عبر مزيج من الخطوات
التي شملت شراء ولاء القادة العسكريين المحسوبين عليه، وإنشاء قوات
جنوبية جديدة يتزعمها قادة جدد موالون كلياً للرياض، وفرضهم لتولي
السيطرة على الأرض في عدن وغيرها من المناطق المهمة خارج المدينة.

كما اتهم بعض الانتقاليين السعودية بالتورط في حرمان القوات العسكرية
التابعة للمجلس الانتقالي من مصادر دخلها والمرتبات التي كانت منتظمة؛
يساعد في استقطاب المقاتلين لصالح تشكيلات عسكرية تُدفع رواتبها بشكل
منتظم، ما يغير معادلة القوة والنفوذ في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي.

كل ذلك جعل الانتقالي يعتقد أن المملكة العربية السعودية تستهدفه
مباشرةً، من خلال قطع المرتبات والدخل المادي الذي كان مستمراً خلال فترة
تواجد الإمارات.

ويبرر إعلاميون في الانتقالي أن جنوده لا يتلقون الرواتب، وأن عددا من
كبار مسؤوليه ممنوعون من العودة إلى عدن، والجبهات بلا دعم، وولاءات بعض
قياداته العسكرية تتغير، بالإضافة إلى أن قوات منافسة تتعدى على أراضيه،
والآن جماهيره في مواجهة معه بسبب تردي الخدمات العامة.

تحميل السعودية مسئولية الفشل

يرى محللون أن المجلس الانتقالي يهرب من فشله في الجنوب، ويلقي
بالمسئولية على كاهل السعودية، في كل الجوانب الخدمية والمعيشية
والاقتصادية المتدهورة في المنطقة.

بالإضافة إلى أن انعدام وتأخر صرف مرتبات العسكريين لم تحدث إلا بعد تولي
المجلس الانتقالي مسئولية إدارة وتسيير شئون عدن، عقب أحداث أغسطس 2019،
وإعلان الإدارة الذاتية، وليس بفعل السعوديين.

ولهذا يستغرب مراقبون من اعتصام الجنوبيين أمام مقر التحالف العربي،
وتحميل هذا الأخير مسئولية صرف المرتبات المتأخرة، ويقترحون تحميل
الانتقالي المستولي على إيرادات عدن، وعلى البنك المركزي منذ نحو عام،
وعقب إعلان الإدارة الذاتية.

ولا يجد المراقبون أي تبرير لهذا الواقع سوى أن المجلس الانتقالي الجنوبي
يعلق إخفاقاته على شماعة التحالف والسعودية تحديداً، كما فعل من قبل حين
حمل الحكومة الشرعية مسئولية تردي الخدمات العامة واحتياجات المواطنين
عقب أحداث أغسطس 2019.

وهو ما يعتبره البعض سعيا حثيثا من قبل الانتقالي لتحميل غيره مسئولية
المهام التي كان يجب أن يضطلع بها خدمياً وتنموياً في عدن، عقب سيطرته
على المدينة، خاصةً وأن الانتقالي وقواته تسببت بإسقاط مؤسسات الدولة
ومرافقها العامة، فيما هو يبحث اليوم عن شماعة يعلق عليها خيباته.

وكل تلك المغامرات والمراهقات السياسية التي أقدم عليها الانتقالي هي
التي تسببت بقطع المرتبات وتدهور الخدمات والاحتياجات العامة، بعد ان
كانت الرواتب مستقرة إلى حدٍ كبير، والخدمات متوفرة في حدها الأدنى.

غير أن إعلاميي الانتقالي تناسوا تلك الإخفاقات والخيبات وتوجهوا تارة
إلى الحكومة الشرعية، وتارات أخرى إلى المملكة، وعلقوا عليها خيباتهم
الخدمية والعسكرية والتنموية.

لهذا يقترح المحللون أن يتجه الانتقالي وإعلامه إلى انتقاد سياسته
الخدمية والتنموية، وتقصيره في إنجاز أي شيء حتى الآن منذ سيطرته على عدن
قبل نحو عام، وإعلانه الإدارة الذاتية قبل أربعة شهور، قبل أن يتم مهاجمة
السعودية أو الشرعية.

بل أن مراقبين يرون أن السعودية أنقذت الانتقالي حين عملت على جمعه
بالشرعية والاتفاق على آلية تسريع اتفاق الرياض، مقابل تخلي الانتقالي عن
الادارة الذاتية التي لم تقدم أو تؤخر شيئاً في الشأن المالي والتنموي
والخدمي في عدن والجنوب.

مستقبل العلاقة

يتوقع محللون أن مستقبل العلاقة بين الانتقالي والسعودية غامض، عطفاً على
العديد من العوامل والدوافع التي تحكم هذه العلاقة.

أحد تلك العوامل تتمثل في كون الانتقالي عبارة عن مكون انفصالي في الأساس
يسعى إلى فك ارتباطه بالدولة والحكومة الشرعية، المعترف بها دولياً.

ويرى محللون ان هذه الصفة الأخيرة للحكومة الشرعية، هي من تعطي الحكومة
اليمنية أسبقية في تفضيل الرياض التعامل معها على حساب المجلس الانتقالي؛
الذي لم يتخلى عن أحلام الانفصال عن الدولة.

لهذا فإن الرياض قد لا تتعاطى بانفتاح أكبر مع الانتقالي، حرصاً على حليف
السعودية الرئيسي في اليمن، والذي يمنحها شرعية في تدخلاتها بالشئون
اليمنية.

ولعل توصيفاً كهذا هو من يحكم علاقة السعودية بالانتقالي، ويحدد ملامحها
المستقبلية، التي يبدو أنها لن تستمر طويلاً.