آخر تحديث :الخميس-09 مايو 2024-01:15م

أخبار المحافظات


صَنعاء التاريخ والفَرادة

الخميس - 20 أغسطس 2020 - 08:49 م بتوقيت عدن

صَنعاء التاريخ والفَرادة

صنعاء (عدن الغد) ساحة لقاء

صَنعاء وتَعني الحِصن في اللغة السبئيّة التي كانت عاصمتها مُنذُ القرن الرابع قَبل الميلاد حسب ما وُجدَ مَكتوباً بالخط المُسنَد، والتي كانت تَحكمها قبائل هَمدان، وخلال فترات تاريخيّة اتَخذَت صَنعاء عاصمة لدُويلات وهُمِشَت في فترات دُويلات أخرى إلا أنها ظلّت صَامدة في ظلّ الدولة الحِميريّة والرسوليّة والطاهريّة وعند دخول العُثمانيين وحتى في عهد الإمامة كواحدة من الحُصون التاريخيّة المُميّزة.

لقد جَنى الكثيرون على صَنعاء حيثُ نَشبت الصراعات القديمة والحديثة لإقامة دولة في اليَمن على مَرّ التاريخ وهي صراعات طبيعية للسيطرة والنُفوذ وتحديداً بشأن صَنعاء وما حَدثَ من اضطرابات قبليّة من وقتٍ لآخر، إلا أنّ الأئمة الزيديّة القادمين من صَعدة ومعهم القبائل الدَاعِمة لَهم لَم يَسمَحوا بإقامة دولة تحتَ أيّ غِطاء كان وتولوا الحُكم بشكلٍ غير مباشر وعملوا كمرجعية حتى تَنصيب الإمام يحي حميد الدين حيثُ كانوا بالمرصاد لكلّ من أقامَ صَنعاء عاصمة وحاولوا مراراً أن تكونَ العاصمة في صعدة.

سُكنت صَنعاء القديمة في عَهد الدَولة السبئيّة ولكنها بُنيت بشكلها القديم بعد الميلاد وغَلبَ عليها الطَابِع الحِميَري في المِعمَار والطرَاز عندما توسعت وتجددت في مَراحل مَختلفة منها عصر الإسلام وفي عهد العثمانيين ووصولاً إلى ما بَعد الثورة حيثُ جَرى ترميمها لكن بَعد أن زالت عدد من معالمها كالأبواب السبعة التي كانت على أسوارها فَلم يَتبقَ منها إلا بَاب اليَمن. وهُنا لا بد من أن يُذكر قصر غمدان والجامع الكبير والقليس الحبشي فكل مكون فيها وكل جزء فيها يُمثل تاريخ وحَضارة وآثار.

تُعد صَنعاء القديمة من أجمل مُدن العالم وهي ضمن قائمة التُراث العالمي لليُونسكو المُقرر في العام 1980 لتَميّزها الواضح في فَن العِمارة وأصَالتها في التاريخ العَريق على مَرّ العُصور، وبالنظر إليها تَرى لَوحة فَنيّة تَشكيليّة واقعية كآيةٍ من الجَمَال، صَنعاء التي إهتمت بها المؤسسات الثقافيّة العالميّة وأعدّتَها كعاصمة للثقافة العربيّة في العام 2004 وأكدّت أنها مَوطن للثقافة اليمنيّة القَديمة والحديثة.

قَالت العَرب ، لا بُد مِن صَنعاء ولو طَالَ السَفَر والمقصود بذلك زيارتها لِمَا وُصفَ مِن جَمالها وتَاريخها والعُلماء فيها وقد قِيلَت فيها الأمثَال والمَقولات المَشهورة، وقِيلَ صَنعاء حَوَت كُلِ فَن وهي إشارة إلى كُل ما يتعلق بالتَنوّع والتَعايُش وتَعدُد الأعمال الإنسانيّة والفنيّة والمُجتمعيّة والعلميّة ولأنها أيضاً جَمعَت كُل اليَمنييّن من كُل المناطق بتَعدُد مَشاربهم ومستويَاتهم؛ فإذا ذَهبتَ إلى صَنعاء اليَمن ولم تَزُر المدينَة القديمة التي تَتلاصق بناياتها وكأنها بَيتُ واحد وسُوقَ المِلح والجامع الكبير والسَماسِر الحِرفيّة التي فيها، وإذا لم تَستمتع بجولة في أروقتها فأنت لم تَزُر اليَمن ولم تَعرف التاريخ، إذا لم تَشرب فيها الشَعير وتَشرَب قَهوتَك على إطلالة من داخلها فزيارتك ناقصة.. صَنعاء التي تُدهشك بجوّها الرَائع والمُنعش المُعتدل صيفاً والبارد شتاءً وأمطارها الموسميّة التي تغسلها وتزيد من لطف مَناخَها، إذا لم تَتعرّف على عاداتها وتقاليدها والجلسات الاجتماعيّة في أعلى غرفة في مبانيها التي تُسمى "الطيرمانه" وتَستمع للأغاني الصنعانيّة الحُميينية والتُراثية ونَغمة العُود تُطرب رُوحك فستشعر بفقدان شيءٍ منها حيثُ صَنعاء هي قِبلَة السيَاحة الأثريّة والتاريخيّة المُتنوعَة، من الضروري أن تَنظُر إلى الجِبَال المُحيطة بها وعليك أن تخرج قليلاً إلى المناطق الريفيّة المُلتصقة بها التَابعة لمُحافظة صَنعاء حيثُ البُنيَة القبليّة وعاداتها ما زالت موجودة بقوة، وفي صَنعاء وما حَولها تَجد إكرام الضّيف وحُب الغَير واحترام الأجنبي والتعاون المُجتمعي.

صَنعاء التي سَكنها سَام بن نُوح حِينَ أُطلق على صَنعاء باسم مدينة سَام ، وحَكَم منها الملك سَيف بن ذي يَزن من قَصر غَمدان الشَهير الذي كان لفترة طويلة من أجمل القُصور في العالم كما قيل عنه من عَجائب الهندسة المعماريّة بتقييم تلك الفترة المُكوّن من عشرين طابقاً، ولا غَرابة أنّ تكون صنعاء من التُراث العالمي المعني بالتاريخ الإنساني للشُعوب نظراً لفَرادة مِعمارها حتى في نُقوشه المُستمدة من الخط المُسنَد وقمرياتها التي تَعلو نوافذها كعلامة مميّزة وبناءها الهندسي المُتماسك والذي شُيّد بهندسَة التعامل مع الرياح والبُرودة.

أصبَحت صَنعاء العاصمة السياسيّة لليَمن بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 وعاصمة دولة الوحدة اليمنية في العام 1990 حيث تَقع صنعاء الآن بقديمها وحديثها حيثَ أبدَع الشُعراء والتشكيلّيون بأجمل قَصائدهم ولَوحاتهم، وعن صَنعاء غَنّى الفَنانون أروع ما كُتب، وفي صَنعاء قصص نَجاح مُجتمعيّة وسياسيّة واقتصاديّة وفنيّة وإنسانيّة عَظيمة، وفيها تَتركز كُل مُؤسسات الدَولة والقِطاع الخاص والمطار الدولي والعمل المدني والمعاهد والجامعات والتعليم العالي ومراكز كبرى الشركات في اليمن وكان فيها السفارات الأجنبية.

صَنعاء اليَمن ثانية كما تَغنّى بها الكثير، تُغنّي صَنعاء ويُغني أهلُها طَرباً بلونها الغنائي الخاص بها الذي أُدرج ضمن التُراث اللاماديّ العالمي بقائمة اليُونسكو، وتَلبِس صَنعاء وأهلها الملابس الصَنعانيّة التُراثية منها النسائيّة المُزّينة والجميلة ومنها الجَنبيَة التي يَتزّين ويَتباهى بها الرجال، وهذه الرّوح مُستمرة على الرغم من أنّ صَنعاء تُعاني حالياً الأمَرّين المصطنع منها بالحَرب والطَبيعي منها بالكوارث والأوبئة التي تَعصِف بالسُكَان والمُمتلكات وبالتاريخ والحضارة التي يبكي عليها كُل يَمني "صنعاء مليحة عاشقاها السل والجرب"، وعلى الرُغم من كُل المبادرات التنمويّة والغطاء الإنساني بالمساعدات التي تُقدّم حالياً إلا أنّ الوضع ما يزال مأساوياً فصنعاء تَستحق أن تَكون أفضل ممَا كانت عليه قبل الحَرب.

وتأتي مع هذا المنشور قصيدة "لا بد من صنعاء" – د.عبدالعزيز المقالح

يومأ تغنى فى منافينا القدر لابد من صنعاء وان طال السفر.

لابد منها .. حبنا اشواقها تدوى حوالينا الى اين المفر.

انا حملنا حزنها وجراحها تحت الجفون فأورقت وزكا الثمر.

وبكل مقهى قد شربنا دمعها لله ما أحلى الدموع وما أمر.

وعلى المواويل الحزينة كم بكت أعماقنا وتمزقت فوق الوتر.

هى لحن غربتنا ولون حديثنا وصلاتنا عبر المناجم والسهر.

مهما تراما الليل فوق جبالها وطغى واقعى فى شوارعها الخطر.

ويستمر القيد القديم بساقها جرحا بوجة الشمس فى عين القمر.

سيكزق الاعصار ظلمة يومها ويلفها بحنانه صبح أغر.

هو ذا يلملمنا من الغابات من ليل الموانئ من محطات البشر.

ليعيدنا لك يامدينتنا وفى أفواهنا قبلا وفى الأيدى الزهر.

صنعاء إن أغفت على أحزانها حينا وطال بها التبلد والخدر.

سيزول فى وجة الظلام صباحها حتما ويغسل جدبها يوما مطر