آخر تحديث :الثلاثاء-30 أبريل 2024-03:06ص

أخبار وتقارير


فنان يمني يجابه آثار الحرب برسم وجوه البسطاء

السبت - 25 يوليه 2020 - 07:47 م بتوقيت عدن

فنان يمني يجابه آثار الحرب برسم وجوه البسطاء

عدن ((عدن الغد)) صالح البيضاني:


يحفل السجل الفني للتشكيلي اليمني زكي يافعي بالعشرات من المشاركات الفنية والمعارض اليمنية والخارجية، حيث استطاع أن يحفر اسمه كفنان ملتزم بالتراث المحيط به، إذ اشتهر بلوحاته التي تصوّر الوجوه والأمكنة وتنقش التعابير على وجوه الزمن.



 يرى الفنان اليمني زكي يافعي أن الفن التشكيلي في اليمن جزء لا ينفصل عن حضور اليمنيين في صناعة الحضارة والموروث، كفنون الغناء والرقص والعمارة، ويشير في حديث لـ”العرب” إلى الارتباط الوثيق بين الفن التشكيلي ومختلف الفنون الأخرى التي برع فيها اليمنيون عبر التاريخ، انطلاقا من الإحساس الفني كرابط مشترك يجمع المشتغلين بهذه الفنون المختلفة.



وازدهرت هذه الفنون في اليمن عبر التاريخ، وكوّنت إرثا جماليا وثقافيا تركت بصمته الواضحة في المشهد التشكيلي اليمني، الذي يؤكّد يافعي أنه يزخر اليوم بالنجوم الذين يستحقون عن جدارة الانتقال لمصاف العالمية.



تحديات فنية
يكافح زكي يافعي التحديات التي أفرزتها الحرب اليمنية، ويقضي معظم وقته في مرسمه بصنعاء في إصرار منقطع النظير على مجابهة كل التحولات المتسارعة التي ألقت بظلالها المعتمة على المشهد الثقافي اليمني في زمن الحرب.



ويعترف في حديثه لـ”العرب” بالآثار التي تركتها الحرب وتداعياتها على المشهد التشكيلي اليمني، والتي يصفها بأنها عدو شرس لمشاعر الجمال والإبداع التي يستمد منها المبدع قدرته على الإنجاز الفني.


ويضيف “الحرب أنهكت اليمنيين وأول من تأثر بها الفنانون، نتيجة لموجات الهجرة والنزوح التي طالت هيئات وجهات كانت تقدّر منجزهم الفني وتقتني أعمالهم، لذلك توقف العديد من الفنانين عن الرسم ولجأوا لممارسة أعمال أخرى، وفي ظل الحرب افتقدنا لأمور كثيرة بما في ذلك الخامات الأصلية التي تؤثر سلبيا على نتاج الفنان”.



ويقسم يافعي الفنانين التشكيليين اليمنيين إلى ثلاثة أصناف من حيث التأثر بالحرب، حيث استسلم بعضهم ولم يستطع مقاومة الظروف في اليمن وفضل البحث عن طريق مختصر للنجاح، بينما واصل فضل صنف ثان البقاء في اليمن والاغتراف من جمال الأرض والإنسان، في الوقت الذي توقف البعض كليا عن الرسم.



وعن الدور الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في تخفيف آثار العزلة التي أصابت المشهد الثقافي والفني اليمني، يقول “من خلال مواقع التواصل وصل الفن اليمني لمرحلة جيدة، ولكن للأسف بجهود ذاتية، وهنا يجب التنويه إلى غياب الإعلام اليمني عن دعم معركة بقاء الفن والثقافة اليمنية في ظل انشغال معظم وسائل الإعلام بالمناكفات السياسية، متناسين أن الوجه المشرف لأي بلد هو الجانب الثقافي والإبداعي”.



وعن تجربته الفنية الخاصة والظروف التي ساهمت في استمرار إبداعه الفني في ظل محيط من الحروب والإخفاقات، يقول زكي يافعي “أنا إنسان بطبعي أعشق الرسم، كما أن عشقي لكل شيء أصيل وجميل في اليمن أفادني كثيرا في اختيار مواضيعي، وأنا أرسم بشكل يومي لأن الرسم هو الحياة واليوم الذي لا أداعب فيه المساحة البيضاء بألواني أشعر فيه وكأني مجرد ماء راكد، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ، وقد استطعت تحقيق حضور جيد في المشهد التشكيلي اليمني، ومثلت اليمن في العديد من المهرجانات، ووصلت أعمالي إلى أغلب دول العالم، والفضل في كل ذلك يعود لشغفي بالرسم وأني مازلت أرسم باستمتاع بعيدا عن كل المنغصات التي تحيط بي”.



وفي سياق حديثه، يشير يافعي إلى اتجاهاته التشكيلية، والخلفيات التي أثرت على إبداعه الفني، وجعلت البيئة الاجتماعية والثقافية والمعمارية اليمنية حاضرة بقوة في كل أعماله، قائلا “أنا من بيئة ريفية في الأصل، حيث عشت طقوس الفلاحة والبناء وخالطت كبار السن واستمعت لأحاديثهم واقتربت من جمال أرواحهم التي تعطي حتى النفس الأخير بكل طاقة إيجابية وعطاء ومحبة”.



ويضيف “اقترنت بمثابرتهم الفريدة وكفاحهم في تطويع الأرض وبناء المدرجات وتشييد السدود والقلاع، ومن خلال هذه الأجواء تشكل عشقي لضوء الشمس وهي تعانق الجباه المكللة بالتجاعيد وكأنها تقبلها، تعانق وتقبل جباههم، وقد انعكس ذلك بشكل ملفت على أعمالي الفنية إلى درجة وصفي من قبل وسائل الإعلام بالفنان الذي يسكن تجاعيد الكهول و’فنان البسطاء’ وهي ألقاب أعتز بها كثيرا، فالفنان يجب أن يكون متشبثا بأرضه وهويته”.



جماليات واقعية

يعتبر زكي يافعي أن الفنان الحقيقي يجب أن يكون متحررا من أي أفكار مناطقية أو طائفية، مؤكدا أنه لم يلحظ تأثير هذه الأفكار على الفن التشكيلي اليمني عموما، كما يكشف رفضه كل محاولات الاستقطاب غير الثقافية أو الفنية.



ويضيف “رفضت الكثير من عروض العمل لصالح قنوات وصحف تحاول توظيفي لخدمة هذه التوجهات المقيتة، وقلت لهم إن حزبي وطائفتي هي القيم الأصيلة للشارع اليمني والتراث المشبع بحب الأرض والهوية الوطنية لليمني البسيط، الذي كرست إبداعي لرسم قصص كفاحه وعناده وشموخه، والتعبير عن كل ما يجول في نفسي وفي تعابير الوجوه والأمكنة التي أقرأها في ثنايا الحياة الاجتماعية اليومية لليمنيين البسطاء وزوايا العمارة وأهازيج الأعراس”.



وعلى صعيد الأماني الفنية، يطمح يافعي لأن يتمكن من تجسيد لوحة تساهم في لملمة التهتك الذي لحق بالنسيج الاجتماعي، لتذكير اليمنيين بإرثهم الثقافي العظيم.



ويقلّل الفنان زكي يافعي من تأثير المدارس الغربية على الفن التشكيلي اليمني، حيث تهيمن الواقعية بنسبة 90 في المئة على الأعمال الفنية، كما للطبيعة كلمتها وبصمتها أيضا، إلى جانب التأثير الطاغي للإرث الثقافي والحضاري والعمارة اليمنية على الفن التشكيلي في اليمن، مشيرا إلى بروز أسماء فنية يمنية في هذا المجال ومنها: عدنان جمن وحكيم العاقل وطلال النجار، بينما يبرز في التجريد: مظهر نزار وآمنة النصيري.