آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-01:23ص

ملفات وتحقيقات


تحليل سياسي: كيف أثرت الصراعات على الوضع العام في عدن؟

الأربعاء - 22 يوليه 2020 - 10:27 ص بتوقيت عدن

تحليل سياسي: كيف أثرت الصراعات على الوضع العام في عدن؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل يتناول الجهات المتورطة بجعل مدينة عدن تعاني من انعدام الخدمات العامة...

عدن.. تدفع الثمن !

- كيف أثرت الصراعات على الوضع العام في عدن؟

- لماذا تركت جميع الأطراف مدينة عدن تعاني؟

- كيف دفعت المدينة الثمن بعد إخراج الحكومة؟

- هل تتحمل  الحكومة جزء من مشكلة تعطيل الخدمات.. وما دورها تجاه الانهيار الحاصل؟

- ما هو تقييم فترة سيطرة الانتقالي على المدينة؟

- الإدارة الذاتية.. ما الذي قدمته لعدن؟

- أين وعود التحالف.. ولماذا يتجاهل النهوض بالخدمات في عدن؟

تقرير/ بديع سلطان:

كالمعتاد.. وكعادتها السباقة في كل شيء، عرفت مدينة عدن الكهرباء قبل نحو مائة عام، كأول مدينة في شبه الجزيرة العربية والخليج تمتلك هذه الخدمة.

ففي منتصف عشرينيات القرن الماضي، ولجت عدن عصر الكهرباء والطاقة الحديثة، خلال الاحتلال البريطاني، الذي كان سبباً في كل إنجازٍ شهدته عدن، وهي إنجازاتٌ منذ ذلك الحين، ولم يطرأ عليها أي تطوير أو تحديث، كحال كل ما بناه الإنجليز وتركوه.

فلا المصفاة البريطاني تم تحديثها، ولا المطار العسكري الذي أنشأه الإنجليز تطور، ولا حتى البنى التحتية من الكهرباء وآبار المياه وغيرها.

وكل ما تميزت به عدن خلال تلك الحقبة، بقيَ على حاله رغم التكاثر السكاني والتوسع العمراني، الذي تضاعف مئات المرات خلال الستين عاماً الماضية.

الأمر الذي جعل من التَرِكة البريطانية اليوم متهالكة وغير صالحة (للاستخدام الآدمي)، إن جاز التعبير، وأكبر دليل على ذلك خدمة الكهرباء، التي أدخلها الإنجليز قبل قرن كاملٍ.

وقد يقول البعض أن عدد السكان، ومتطلبات الحياة حينها في عدن عقب خروج البريطانيين لم تكن تستدعي مزيداً من التطوير أو التحديث لكل ما ورثته الدولة الجنوبية الوليدة آنذاك؛ لذلك تُرك كل شيء على حاله.

لكن في المقابل يعتقد كثيرون أن النظام السياسي الذي سارت عليه الدولة الوريثة في الجنوب اليمني لم يكن يسمح بأي تطوير أو تحديث للبنية التحتية في عدن، حتى مع التزايد السكاني الذي شهدته المدينة نهاية وبداية الثمانينيات.

وهو السبب الذي يبدو أنه دفع الرفاق في الجنوب حينها للاستجداء من حليفهم الأيديولوجي حينها، الاتحاد السوڤييتي، لإنشاء محطة كهرباء استغرق الانتهاء منها عقد كامل ولم تفلح في تغطية الطلب المتزايد للطاقة.

لم يكن الأمر مناطا بالدولة التي ورثت الإنجليز، بل أن دولة الوحدة 1990، شكلت عبئاً إضافياً على البنية التحتية للطاقة في الجنوب، وقامت بربط مدن الشمال بشبكة الكهرباء المتهالكة أصلاً في الجنوب.

كما أن نظام الوحدة اعتمد على سياسة الطاقة المشتراة، لمواجهة الطلب المتزايد والتوسع العمراني نتيجة التزايد السكاني في الجنوب والشمال على السواء، ولم يسع إلى توفير بدائل حقيقية للطاقة.

ونتيجة لهذه السياسة كان الوضع الخدمي يزداد سوءاً مع أبسط مشكلة فنية أو تقنية تضرب محطات التوليد المتهالكة والمنتهية الصلاحية، بالإضافة إلى أزمات الوقود التي كانت تشل عمل محطات الطاقة المشتراة.

لكن.. في كل الأحوال لم تصل الأوضاع من ناحية التردي والتدهور الحاصل في خدمة الكهرباء، خلال الحقب والأنظمة السياسية المتلاحقة إلى هذا المستوى من الانحطاط الذي تعاني منه كهرباء عدن وخدماتها العامة والبنى التحتية بشكل عام.

بين عهدين

تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين- في ذروة أزمة الكهرباء بعدن- صوراً تبين الفارق بين وضع الطاقة في عدن خلال نظام ما قبل حرب 2015، والوضع الحالي في ظل العهد الراهن.

كان الفرق شاسعاً، حيث بدت مدينة عدن في الصورة الأولى، التي تحاكي وضع الكهرباء قبل نحو 15 عاماً، وكأنها مدينة لهو وترفيه، تماماً مثل لاس فيجاس الأمريكية، بينما في الصورة المقابلة ظهرت عدن وهي غارقة في ظلامٍ دامس، وكأنها عادت خمسة قرون إلى الخلف.

وهذه المقارنة أكدت أن مدينة عدن حتى وإن لم تشهد أي تطورٍ خلال الحقب السياسية المتلاحقة، سواء قبل الوحدة أو ما بعدها، إلا أن الوضع المتدهور للكهرباء لم يصل إلى ما وصل إليه اليوم في 2020.

وهو ما أثار الكثير من الحسرة والأسف، كان مصدره ناشطون ومتابعون للأوضاع في عدن، وكان مرد الحسرة يعود إلى ما تعرضت له المدينة من حرمان، في الوقت الذي تستحق فيه وضعاً أفضل مما عليه اليوم، بحكم مكانتها التاريخية والثقافية والاقتصادية.

الصراعات.. كيف أثرت؟

يُرجع كثير من المراقبين التدهور الحاصل في الكهرباء وبقية الخدمات العامة في عدن إلى الصراعات التي طحنت المدينة وتركتها فريسة سهلة للإهمال، وأحياناً يكون هذا الإهمال متعمداً، نكايةً بتاريخ المدينة وإرث سكانها العلمي والثقافي.

ويُقصد بالصراعات، ليس فقط تلك التي امتدت منذ عشية الاستقلال وما بعده حتى قبيل الوحدة اليمنية، والتي انشغل أطرافها في الاقتتال وأهملوا بنية المدينة، بل أيضاً الصراعات الخفية التي انتهجت سياسة حرمان عدن من أي تطوير أو تحديث في بنيتها.

لتستمر المدينة في التوسع والتزايد وارتفاع الطلب على الطاقة، يقابله حلول ترقيعية وليس استراتيجية لمواجهة هذا التزايد؛ بهدف إبقاء المدينة محرومة من أي تجديد أو تحديث في بنيتها.

بعد حرب 2015، ومع احتلال الحوثيين لعدد من مديريات عدن، ظلت المحطات الكهربائية البعيدة عن متناولهم في مواصلة تقديم الخدمة لبقية المديريات التي لم تصلها جحافل المليشيات الانقلابية.

حتى أن بعض المراقبين اليوم يستشهد بالكهرباء التي استمرت خدماتها متواصلة خلال الحرب حينذاك، والتي لم تكن متدهورة إلى الحد الذي لمسه أهالي عدن خلال الأسابيع الماضية، بل كانت في زمن الحرب أفضل حالاً من زمن التحرير الذي نعيشه.

وعقب تحرير عدن، استبشر مواطنوها بدعم دول التحالف العربي التي وعدت ووعدت كثيراً، لكن شيئاً من تلك الوعود لم ترَ طريقها إلى النور، وبقيت كهرباء عدن وبنيتها التحتية على حالها المتردي.

بل أن بعض دول التحالف مثل قطر والإمارات لم تدعم قطاع الكهرباء سوى بعددٍ من مولدات كهربائية متهالكة منتهية الصلاحية، لم تقوَ على الاستمرار، بحسب تصريحات صحفية لعدد من الفنيين في محطة الحسوة.

بالإضافة إلى أن منحة الوقود السعودية المخصصة لكهرباء عدن، والبالغ قيمتها 60 مليون دولار لم تدم سوى عامٍ واحد، وتوقفت في سبتمبر 2019، ولن يتم تجديدها بسبب مشكلات فنية في الشبكة المحلية.

بينما اكتفت الحكومة الشرعية بالوقوف عاجزةً أمام مسئولية تطوير وانتشال الكهرباء من هذا الوضع، خاصةً وأن مسئولي الكهرباء التابعين للحكومة متهمون بالتورط في عمليات فساد طالت وقود المحطات.

كما لم تنجح الحكومة في إيقاف سيطرة لوبيات النفط على صفقات توريد الوقود، والذي كان يؤدي إلى توقف محطات الكهرباء عن العمل؛ نتيجة منع تفريغ السفن، ومطالبة التجار بتوريد قيمة الشحنات في ظل تقاعس السلطات الحكومية.

ولا ننسى الصراعات التي واكبت كل تلك الفترة، فالتدخلات من قبل فصائل مسلحة ومكونات عسكرية وأمنية في عدن، ووفق تصريحات حكومية، حالت دون أن تعمل هذه الأخيرة أي شيء في المجال التنموي أو الخدمي.

فالحكومة الشرعية كانت دائمة الشكوى من عرقلة مشاريعها التطويرية في مجال البنية التحتية، بسبب اندلاع الاحتجاجات تارةً، والمواجهات المسلحة مع قواتها تاراتٍ أخرى، بحسب وجهة نظر الحكومة.

في الوقت الذي يتهم الطرف الآخر الحكومة بالفساد والعجز عن فعل أي شيء لتطوير ومعالجة الأوضاع الخدمية في مدينة عدن.

وهذه الصراعات التي اشتركت فيها جميع الأطراف هي ما اعتبرها كثير من المراقبين بأنها أثرت فعلياً على الوضع الخدمي في المدينة، ولم تسمح له بالتعافي.

فترة ما بعد إخراج الحكومة

رسمت فترة تواجد الحكومة- المتقطع- في عدن خلال ما قبل 2019، خطاً بيانياً متأرجحاً في خدمة الكهرباء وبقية الخدمات العامة.

وكان هذا التأرجح سرعان ما ينتظم في خط مبرمج من التشغيل والانطفاء يحفظه الصغار قبل الكبار، في مشهد لا يخلو من السخرية والقبول بما جادت به الحكومة العاجزة.

غير أن أحداث أغسطس 2019، مثلت بداية لتهاوي الخط البياني لتشغيل الطاقة الكهربائية، والذي لم يعد يتصاعد بقدر نزوله المتواصل.

فبحسب محللين، فإن إخراج الحكومة من مدينة عدن في مشهد أشبه بالطرد، عقب مواجهات مسلحة عنيفة مع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وفصائله العسكرية؛ تسبب بانتظار كافة الخدمات في مدينة عدن.

تعليل هذا الوضع يُرجعه موالون للانتقالي إلى التعطيل المفتعل من قبل الحكومة الشرعية لكل الخدمات العامة في مدنية عدن، نكايةً بالمتسيد الجديد على المدينة والمتمثل بالمجلس الانتقالي، بحسب اتهامات الأخير.

حيث لم يقتصر الأمر على الكهرباء، بل طال حتى المرتبات الشهرية للموظفين المدنيين والعسكريين، وهو دفع الانتقالي للقبول بعودة فريق حكومي مصغر تحت حمايته في نوفمبر 2019، لصرف المرتبات والإشراف على عودة الكهرباء.

لكن.. سرعان ما تفاقمت الأمور أكثر فأكثر، بسبب عرقلة تنفيذ اتفاق الرياض بين الجانبين، والتأخير في تشكيل الحكومة الجديدة التي نص عليها الاتفاق؛ مما زاد من تردي الخدمات وتدهور الكهرباء.

ويبدو أن هذه الاتهامات بالتعطيل المتعمد من جانب الحكومة، قابلتها هذه الأخيرة بالرفض والإنكار، وبدورها اتهمت الانتقالي وقواته بالسيطرة على مؤسسات الدولة والمرافق الخدمية، والتي توقفت عن العمل بنسبة كبيرة عقب إخراج الحكومة من عدن.

ووفق وجهة نظر الحكومة والموالين لها فإن الوزراء والمسئولين غير قادرين على العودة إلى عدن ومزاولة مهامهم، في ظل سيطرة الانتقالي، محملين هذا الأخير مسئولية تدهور الخدمات وتوقف المرتبات في حينه.

وفي ظل وضعٍ كهذا.. لم يكن أحد يدفع ثمن كل هذا الحرمان سوى مدينة عدن وأهاليها المكتوين بنيران الصراعات.

فترة سيطرة الانتقالي والإدارة الذاتية

منذ أغسطس 2019، وحتى أبريل 2020، بدأت الخط البياني للخدمات بالتراجع بشكل لافت.

وفي الوقت الذي حمل كثير من المراقبين الحكومة مسئولية تعطيل الخدمات؛ بهدف إظهار المجلس الانتقالي بمظهر العاجز وتحميله فشل إدارة المدينة وطرد الحكومة، فإن البعض لم يستثن الانتقالي من المسئولية.

وعلق الأهالي آمالهم على إمكانية تنفيذ اتفاق الرياض، حتى تعود الأوضاع للاستقرار ومعها تستقر الخدمات، إلا أن التأخير في تطبيق الاتفاق، ودخول فصل الصيف ومشاكله الخدمية أشعر المواطنين بمدى حرمانهم، ودفعهم لإعلاء صوتهم رفضاً للوضع الراهن.

فالانتظار كان ثقيلاً على الجميع، في حين كانت الخدمات تنعدم، أو تتدهور على الأقل، كما أن المرتبات توقفت في أكثر من مرفق منذ بداية 2020.

وكان لسيطرة المجلس الانتقالي على المدينة دون أن يقوم بأي خطوات للتدخل أكبر الأثر في تحرك واحتجاجات الناس، التي رأت أن الانتقالي لم يقدم أي شيء، ولم تختلف فترة سيطرته عن فترة تواجد الحكومة، وفق توصيف مواطنين.

وما زاد الأمر سوءاً كارثة السيول والأمطار التي ضربت عدم، وتفشي الحميات وفايروس كورونا، في ظل خدمات صحية منعدمة بسبب الأوبئة، وتردي خدمة الكهرباء وسط صيف شديد الحرارة.

في المقابل، كان الانتقالي يبرئ ساحته من أي تقصير، خاصةً وأنه لا يملك أية إيرادات أو موارد لتوفير الخدمات؛ وهو ما أجبر الانتقالي على إعلان حالة الطوارئ وفرض الإدارة الذاتية على كامل الجنوب، بحسب بيان الانتقالي.

غير أن أربعة أشهر من الإدارة الذاتية لمدينة عدن لم تأتِ باي جديد، بل أن الأسابيع الأخيرة شهدت انعداماً شبه كلي للكهرباء، وخروج المتقاعدين العسكريين للاعتصام مطالبين بصرف المرتبات، مقابل تأخر صرف مرتبات عدد كبير من المرافق، وعلى رأسها رواتب منتسبي قوات الانتقالي نفسه.

حتى التحسن الذي طرأ على الكهرباء خلال اليومين الماضيين، لم يكن سببه الإدارة الذاتية وجهودها، بحسب ناشطين، بل كانت قيادات وزارة الكهرباء التي تابعت شحنات الوقود المخصص للمولدات والمحطات، وقيادات مصافي عدن وشركة النفط.

بالإضافة إلى مهندسي محطة الحسوة الذي استطاعوا إدخال 35 ميجاوات من الطاقة إلى الخدمة، بجهود فنية شخصية.

وهو ما يرفض الانتقالي التسليم به، ويؤكد أن كل تلك الجهود التي أثمرت عن تحسن خدمة الكهرباء خلال اليومين الماضيين هي بسبب متابعة الإدارة الذاتية ومسئولي اللجان الخدمية في الانتقالي.

التحالف.. لماذا لا يتدخل؟

حتى الآن.. لم يستوعب كثير من المحللين الموقف الذي يتبناه التحالف العربي تجاه الخدمات والاستقرار عموماً في عدن.

فالبعض يرى أن من مصلحة التحالف تحسين كافة الأوضاع في عدن وجميع المناطق المحررة، حتى يبين للعالم ثمار وحصاد التحرير الذي قام به، وحتى يثق المجتمع الدولي بقدرته على مساعدة اليمنيين.

لكن صمت التحالف تجاه الخدمات في عدن والنهوض بها، يثير الكثير من التساؤلات، حول ما هي مصلحة التحالف من ترك الأوضاع تذهب نحو مزيدٍ من التدهور الخدمي ليس في عدن فقط، بل في كل المدن المحررة؟.

وبعيداً عن الأعمال الإنسانية التي قام ويقوم بها مركز الملك سلمان أو الهلال الأحمر الإماراتي أو البرنامج السعودي للتنمية وإعمار اليمن، وغيرها من مؤسسات التحالف، تبقى الخدمات العامة ذات أولوية بالنسبة لأهالي عدن.

فالمواطنون في عدن لن يلمسوا أي تحسن أو تغيير ما لم يطل هذا التغيير مجال الطاقة وخدمة الكهرباء والمياه واستقرار صرف المرتبات، فكل تلك الأمور تمس حياتهم اليومية.

ويبدو أن التساؤلات الموجهة التحالف لن يستطيع أحد الإجابة عنها سوى التحالف نفسه، وحتى ذلك الحين نتمنى ألا تدفع مدينة عدن مزيداً من الثمن في انتظار الخدمات الأساسية التي تأخرت كثيراً بسبب الصراعات.