آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-04:19م

أخبار المحافظات


إهمال في الحديدة يشلّ قطاع الصحة ويضاعف معاناة السكان

الإثنين - 11 مايو 2020 - 10:04 م بتوقيت عدن

إهمال في الحديدة يشلّ قطاع الصحة ويضاعف معاناة السكان

الحديدة(عدن الغد)متابعات:

رغم توسُّلات أقارب المواطن اليمني «ن. و» لعناصر الجماعة الحوثية في أحد مستشفيات محافظة الحديدة اليمنية (غرب) لإنقاذ حياته، فإن محاولتهم باءت بالفشل في ظل استئثار الجماعة بالعناية الصحية لأتباعها ولمن يمتلكون نفوذاً أو صِلة بمشرفي الميليشيات.
المريض الذي اكتفى ذووه بالإشارة إلى رمز باسمه، وهو في العقد الخامس من العمر، كان يعمل حارساً في مرفق حكومي خاضع للجماعة الحوثية. غير أن ذلك لم يشفع له في الحصول على العناية اللازمة، لا سيما وهو يعاني من أمراض الضغط والسكر والفشل الكلوي دفعة واحدة.
في نهاية المطاف تعرض المريض (بحسب أقاربه) لجلطة أفقدته بعض أطرافه، ومع ذلك رفض المشرفون الحوثيون إدخاله إلى غرفة العناية المركزة في مستشفى الثورة العام لأنه لا يمتلك الوساطة اللازمة للحصول على الرعاية أو التطبيب اللازم، وهي القصة التي انتهت أخيراً بوفاته.
وبحسب ما أفاد به عاملون في القطاع الصحي بالمحافظة الخاضعة للميليشيات، يعاني المواطنون الفقراء من سوء الخدمات الطبية وعدم توفير أبسط الرعاية لهم، ما يجعل كثيرين منهم يصارعون الموت، فضلاً عن مصارعة الضمائر الميتة داخل المستشفيات التي قصرتها الجماعة الحوثية على جرحاها في المقام الأول والمقربين من مشرفيها.
أحد أقارب المريض نفسه حكى لـ«الشرق الأوسط» كيف انتظر أمام غرفة العناية المركزة ومعه المريض من الساعة الثالثة فجراً إلى الثالثة عصراً متنقلاً بين مكاتب إدارة المستشفى يبحث عمن لدية ذرة رحمة في قلبه، لكي ينقذ حياة المريض بالسماح له بدخول غرفة العناية المركزة، ولكن دون جدوى.
ويضيف المرافق الذي رمز لاسمه بـ«ص. ف» بالقول: «حاولتُ الاستعانة بكل شخص يمكنه تقديم المساعدة، إلا أنني لم أتمكن من ذلك، وفي النهاية نصحني أحد العاملين المتعاطف معنا بأخذ المريض إلى منزله ليواجه مصيره، وهو ما حدث بالفعل».
احتكار وتضليل
مما يربو على خمسة أعوام، ومع احتدام العمليات العسكرية في المحافظة، ازداد الوضع الصحي في المناطق غير المحررة منها تدهوراً والمرافق الصحية أصيبت بالشلل في ظل عدم اهتمام الحوثيين باستقبال المرضى من الحالات الحرجة سوى من لديه وساطة لدى مشرف حوثي، في الوقت الذي غابت فيه الكوادر الطبية المؤهلة.
يقول عاملون صحيون تحدثوا مع «الشرق الأوسط» إن الأوضاع تزداد سوءاً كل يوم، لا سيما لدى الأمهات والأطفال وكبار السن، وكذا من يعانون من الأمراض المزمنة، إضافة إلى مرضى الفشل الكلوي الذي يفوق عددهم الخمسمائة مريض ويجري استقبالهم في المراكز الأربعة (مدينة الحديدة وزبيد وباجل والقناوص وجميعها خاضعة لسيطرة الحوثيين).
وتتسبب مشكلات الصرف الصحي وطفح المجاري في انتشار كثير من الأوبئة والأمراض القاتلة، مثل «الكوليرا والملاريا وحمى الضنك»، ناهيك بمعدلات سوء التغذية المرتفعة في المحافظة، إضافة إلى المخاوف الكبيرة التي ظهرت مؤخراً مع تسجيل حالات مؤكدة لوفيات ومصابين بفيروس «كورونا» (كوفيد 19).

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، يتهم مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة الحديدة، الدكتور علي الأهدل، الميليشيات الحوثية باحتكار الخدمات الطبية في مناطق سيطرتهم من المحافظة لأتباعهم، وبتضليل الرأي العام. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أن الحوثيين يُحاصَرون الآن بعض الحارات في الحديدة، وقد خصصوا أكثر من مستشفى لاستقبال حالات (كورونا)، فإنهم يكذبون فيما يتعلق بعدد الحالات المصابة بالمرض المستجد»، ويضيف: «في مستشفيات الحديدة مثل مستشفى الثورة والسلخانة يرفض الحوثيون إدخال المرضى في الحالات الحرجة ويخصصون الخدمة لهم ولمقاتليهم، حتى وإن كانت حالة المريض منهم لا تستحق، مِن خلال الضغط على الطواقم الطبية».

أما المرضى الذين لا يشكلون للجماعة أي أهمية، فتتم معالجتهم في ظروف بائسة، وفيما يخص الحالات الحرجة يقومون بعلاجها في المستشفى العسكري بكوادر لا تمتلك إلا مستوى ضعيفاً جداً من التأهيل، ولذا تظهر كثير من المضاعفات لدى المرضى.
الفشل الكلوي و«كورونا»
ويتهم الأهدل الميليشيات بإهمال مرضى الفشل الكلوي في مناطق سيطرتهم، وأشار إلى تسجيل ما يزيد على 15 حالة في المناطق المحررة من المحافظة، وجميعها انتقلت إلى محافظة عدن وإلى مناطق توافر الغسل، مستطرداً: «رغم مرور ست سنوات على الحرب، فإن مراكز الغسل لا تتلقى أي دعم من الميليشيات الحوثية، ولم تقم الجماعة بزيادة عدد الأجهزة الذي يحتاج إليه المرضى، نظراً لزيادة عددهم المترافق مع الزيادة السكانية ومع تدهور الوضع الصحي».
وأكد المسؤول الحكومي أن مرضى الفشل الكلوي في الحديدة يعانون معاناة شديدة، وأن المركز الخاص بعلاجهم أصبح متهالكا، بحسب تعبيره.
وأوضح أن «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» قدّم دفعة من مواد الغسْل الكلوي تكفي لإجراء 26 ألف جلسة غسل، فيما قامت «منظمة الصحة العالمية» بتوفير بعض أجهزة الغسل، كما توجد محطة غسل قديمة لكنها (بحسب قوله) تتعرض للأعطال والخلل في نظام عملها بشكل مستمر.
«منظمة الصحة العالمية» تقوم بتوفير جزء من المحروقات (الديزل) لمراكز الغسل الأربعة، غير أنها تحتاج لتوفير المزيد من الوقود، كما تحتاج إلى توفير أجور الكوادر العاملة»، ويتابع الأهدل: «وبسبب صعوبة التنقل، يلاقي المرضى صعوبة في الوصول إلى مراكز الغسل، كما أنهم يعانون من عدم توفُّر الحقن الخاصة بتحسين مستوى الدم، التي تُعطى لمرضى الغسل الكلوي عادة، كما يشكون من عدم وجود الأدوية الأخرى».
وتحدث المسؤول عن تدخل الميليشيات الحوثية في إدخال المرضى الموالين لهم، وسط وجود صعوبات دائمة أمام وصول مواد الغسل المقبلة من «مركز الملك سلمان» إلى المراكز الواقعة تحت سلطة الحوثيين.
وبينما تعاني محافظة الحديدة من مشكلات صحية وغذائية مركّبة، جاء انتشار فيروس «كورونا» إلى اليمن ليضاعف من حجم المخاطر التي تواجه السكان، لا سيما في ظلّ حكم الميليشيات الحوثية.
وفي هذا الصدد، يؤكد الأهدل أن من المضاعفات المحتملة للإصابة بالفيروس حدوث الفشل الكلوي، حيث إن ما يقارب ثلث الحالات التي تدخل العناية المركزة بسبب «كورونا» تحتاج إلى الغسل الكلوي أيضاً، وهو ما يحتّم الحاجة إلى زيادة عدد أجهزة الغسل، مع تزايد عدد الحالات المصابة بـ«كورونا».
ويتهم المسؤول الحكومي الميليشيات بالتكتم الشديد على العدد الفعلي لحالات الإصابة بـ«كورونا» في المحافظة، في الوقت الذي كشف فيه عن وجود استعدادات على جميع الأصعدة لمواجهة الوباء في المناطق المحررة من محافظة الحديدة.
وقال: «هناك استعدادات لمواجهة (كورونا) في مختلف المجالات، ومنها التثقيف والتدريب والرشّ والتعقيم وإنشاء مراكز للعزل بالتعاون مع (الهلال الأحمر الإماراتي) والمقاومة الوطنية، بجهود كبيرة ومشكورة، وهذا ما تم باختصار على مستوى المديريات المحررة وهي الخوخة وحيس والتحيتا والدريهمي والحوك والمناطق المحررة من مديرية الحالي»، وزاد: «ما زلنا بحاجة إلى تجهيزات تشخيصية للفيروس وأدوية للمرافق الصحية وتجهيز كادر وغرفة عناية مركزة لعلاج الحالات الصعبة من الفيروس لو ظهرت».