آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-05:47م

ملفات وتحقيقات


تقرير يتحدث عن تأثيرات الصراع السياسي في عدن على جهود مواجهة كورونا... كورونا.. بين الوهم والحقيقة!

الجمعة - 08 مايو 2020 - 04:25 م بتوقيت عدن

تقرير يتحدث عن تأثيرات الصراع السياسي في عدن على جهود مواجهة  كورونا...  كورونا.. بين الوهم والحقيقة!

عدن(عدن الغد)خاص:

 

ما زال الجدل في عدن يخيم على حقيقة انتشار أو حتى وجود حالات مصابة بفايروس كورونا، كوفيد - 19 المستجد، الذي اجتاح كل بقعة من العالم.
دواعي هذا الجدل نابعة من المخاوف التي يدركها الجميع في عدن، وعلى رأسهم المواطن البسيط الذي لا يثق بمستوى النظام الصحي في المدينة، بل أنه يؤمن إيماناً عميقاً بأن الأوضاع الصحية في عدن، لن تقوى على مواجهة الفايروس الجامح.
لهذا يحاول المواطنون التقليل من صدق أي أنباء أو أخبار يتم تداولها عن وجود كورونا في عدن؛ حتى أن البعض ذهب ليشكك في الإعلان الرسمي الصادر عن اللجنة الوطنية العليا للطوارئ ومواجهة كورونا.
ولتكذيب ذلك الإعلان، هرع كثيرون إلى الحديث عن أن عدن تعاني فقط من مرضٍ غريب ناتج عن استمرار ركود الأمطار والسيول التي شهدتها المدينة قبيل شهر رمضان المبارك، ولا علاقة له بكورونا.
رغم أن الجميع بما فيهم هؤلاء المواطنين البسطاء كانوا قبل أشهر يشككون في خلو عدن من الفايروس؛ عطفاً على هشاشة الاحترازات والإجراءات الوقاية، وعدم التزام المواطنين أنفسهم بها.
لكن وبمجرد الإعلان عن الفايروس، تراجع الكثيرون منهم واتخذوا موقفاً مناقضاً ورفضوا الاقتناع بتواجد الفايروس بينهم.
كل ذلك الجدل لم يمنع الحقيقة التي أكدتها السلطات الصحية الرسمية، سواءً من جهة الحكومة اليمنية، أو السلطة المحلية بعظن، أو حتى من سلطات للمجلس الانتقالي المتحكم بالمدينة.
وهي حقيقة جسدها مركز الحجر الصحي، والمخصص لعزل الحالات المصابة بكورونا، والواقع في مدينة البريقة، غرب عدن، والذي استقبل الحالات الثلاث التي كانت على قيد الحياة، والمعلنة من السلطاتةالصحية، قبل أن تتوفى إحداها قبل أيام.
غير أن الوهم ما زال يسيطر على تفكير بعض المواطنين الرافضين وعدم المقتنعين لفكرة وجود كورونا في عدن، ربما بسبب الرعب والهلع الذي صنعه هذا الوباء في نفوس سكان العالم.

*ارتفاع الضحايا*
قد يكون هناك مرض آخر ينافس كورونا في محاولة السيطرة على مدينة عدن، ويعمل على غزوها، وهذا المرض الآخر قد يكون هو من يحصد أرواح مواطني عدن ممن ازدحمت بهم المقابر.
إلا أن اللجنة الوطنية العليا للطوارئ ومواجهة كورونا مستمرة في الإعلان عن أرقام مرتفعة تتزايد كل يوم بالفايروس المستجد، وتؤكد أن هؤلاء المصابين يتواجدون في المحجر الرئيسي بعدن، في مديرية البريقة.
كما أن أخبار الوفيات في أوساط المصابين بكورونا مستمرة بالانتشار بحسب مصادر من داخل المحجر نفسه، ويؤكدها زملاء المتوفين وذويهم وأهاليهم.
هذه الوقائع التي يلمسها أهالي عدن بأنفسهم، تمنع أية اعتبارات مناقضة أو معارضة لاحتمالية عدم وجود الفايروس بين أظهرنا، بل تؤكدها، وتجعل من الاحتراز والوقاية أمراً لا بد منه، ليس فقط من قبل المواطنين أنفسهم، ولكن من السلطات الصحية والمسئولة على المدينة قبل أي جهة أخرى.
ولكن يبدو أن تلك الإجراءات الواجب اتخاذها تحتاج إلى مؤسسات دولة جادة وحازمة حتى تجد طريقها نحو التنفيذ.

*إنكار الجهات المسئولة*
وفي الوقت الذي اجتاح فايروس كورونا العالم بطريقة قاتلة، وصلت إلى تجاوز حاجز الثلاثة ملايين مصاب، ومئات الآلاف من الوفيات، وهي أرقام مرشحة لأن تكون أضعاف مضاعفة، خاصةً مع غياب وانعدام لقاحات أو أمثال مضادة الفايروس حتى الآن، في ظل وضع كهذا ينتشر الاستهتار واللامبالاة في عدن واليمن عموماً.
واللافت في الأمر أن هناك من يسعى جاهداً لإنكار وجود الفايروس في أوساط اليمنيين، رغم ظهور حالات إيجابية بحسب التحاليل المخبرية في كل من عدن، وحضرموت وتعز، مع تكتم وتعتيم على حالات مشتبه فيها في صنعاء.
وبالنسبة لما يحدث في صنعاء، فإنه من المعروف توجه الحوثي إلى التعتيم حول موضوع كورونا؛ لأسباب وحسابات سياسية بحتة، ضاربين عرض الحائط مسؤولياتهم الصحية تجاه المواطنين.
غير أن الشيء الذي لا يقوى على استيعابه المراقبون سعي أطراف معينة إلى إنكار ونفي وجود الكورونا في عدن، وهي تصرف قد يكون مقبولاً ومبرراً في حالة صدوره من المواطنين؛ نظراً للمخاوف من المخاطر أو لقلة الوعي.
لكن أن يصدر هذا الإنكار من سلطات صحية بل وحتى أمنية ومسئولة عن تسيير شئون مدينة عدن، فهذا ما يثير الكثير من الاستغراب، ويوجه العديد من علامات الاستفهام.
لم يكن الإنكار الصادر من ذلك الطرف بشكل صريح أو علني، ولكنه انعكس من خلال الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة فايروس كورونا، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولم يرى المجتمع العدني أي حظر للتجوال أو منع التجمعات الضخمة في الأسواق أو المساجد وغيرها من الخطوات.
ولم يستطع مراقبون تصنيف هذا التقاعس عن اتخاذ اللازم سوى أنه إنكار لوجود الفايروس، رغم أن كل الشواهد والوقائع تؤكد تغلغله في أوساط المواطنين في عدن ومحافظات يمنية أخرى.

*لماذا الإنكار؟*
يدخل كورونا إلى عدن عقب أزمات كبرى عصفت بالمدينة خلال الفترة الأخيرة، كما أنه يتزامن مع واقع جديد في عدن تحاول بعض الأطراف السياسية والأمنية والعسكرية فرضه.
كل هذه البيئة المحيطة بالجائحة العالمية فرضت تعاملاً من نوع آخر مع الفايروس ومخاوف انتشاره المفزعة التي تترصد بالمدينة.
كان الإنكار حاضراً بقوة، انسحب على إجراءات مواجهة كورونا، والتي لم يكتب لها النجاح، فبعد أن أعلنت السلطات في عدن حظر التجوال ومنع التجمعات في المدينة، تراجعت سريعاً عن تلك الإجراءات، وشددت على ضرورة عودة الأوضاع إلى طبيعتها، وكأن شيئاً لم يحدث.
هذا التعامل مع وباء قاتل كهذا يرجعه مراقبون إلى مخاوف بعض الأطراف السياسية في عدن على انعكاسات سلبية ومؤثرة على حضور هذا الطرف أو ذاك داخل المدينة.
فمن المؤكد أن أية تداعيات سترتبط بالطرف المعني والمسئول عن تسيير شئون هذه المدينة أو تلك وستطال سمعته باعتباره المتواجد على الأرض؛ لهذا قد يبدو التعامل مع أخبار تفشي الوباء بأسلوب الإنكار هو الأنسب لأي طرفٍ وجد نفسه في مثل هذا الظرف.
وفي عدن.. لم تكن هذه النوعية من التعامل وليدة اللحظات الأولى لتفشي الفايروس، بل سبقتها منذ أشهر عديدة، حين كان الجدل محتدماً بين الأطراف السياسية والسلطات المتنازعة في المدينة، حول أحقية من يدير المركز والمحجر الصحي الوحيد في عدن القابع في مديرية البريقة.

*صراع المحجر*
لم يقف التعامل مع وجود كورونا من عدمه في عدن عند مستوى إنكاره، بل ذهب إلى مستويات أعمق، تجلت في صراع المتنازعين سياسياً على الفوز بأحقية إدارة وتسيير شئون المحجر الصحي المخصص لعزل الحالات المحتمل تواجدها.
وفي هذا الصراع بدت التجاذبات السياسية واضحة للعيان دون أي مواربة، وظهرت كل الأطراف بمظهر مخزٍ وهي تتصارع من أجل الفوز لفتات الدعم الذي قد يحصل عليه المحجر من المنظمات الدولية.
كان صراعاً مادياً بحتاً، لم يلتفت إلى المخاطر المحدقة بالمواطنين والبلاد في حالة انتشار وتفشي هذا الفايروس القاتل.
لهذا تُرك المحجر على مدى أشهر عديدة بلا أية تجهيزات أو مستلزمات حقيقية تؤكد أنه خصص لهدف كبير وعظيم في استقبال الحالات المشتبه بها، بل بدا خالياً على عروسه بلا أي دعم، حتى جادت المنظمات الدولية بالشيء اليسير إدراكاً لضرورة تشغيله حتى يكون هناك مكان مخصص لاستقبال أية حالت مشتبهة، في ظل إغلاق عدد كبير من المستشفيات.
تركز الصراع حول المحجر الصحي على جزئية من الأحق بإدارته، فبين من يرى أن السلطات الصحية الحكومية هي المعنية، بين من يرى أن السلطات المسيطرة على الأرض هي الأولى بهذه المهمة.
لهذا تأخر تجهيز المحجر، ولم يتم إقفال هذا الجدل إلا في الأيام الأولى من شهر رمضان، أو قبلها بأيانٍ قليلة، لكن ظلت هناك مشكلة لم تحل، ومازالت مستمرة إلى اليوم.
ففي الوقت الذي لم يجهز المحجر بشكل كامل وكاف، ظلت الأطقم الطبية المفترض أنها ستستقبل المرضى والحالات المشتبهة بلا أية مواد وقاية أو حماية أثناء تعاملهم مع المصابين بكورونا.
ومثلت هذه الجزئية هاجساً مؤرقاً للعاملين والسلطات الصحية في عدن، في ظل تهديدات من الطواقم العاملة بعدم الالتزام وأداء واجبهم ما لم يتم توفير كافة الاحتياجات.

*نفي وتأكيد*
تميز تعامل كافة السلطات تجاه قضية وجود كورونا في عدن من عدمه، بأنه متفاوت ما بين المنكر والمؤكد،. لم يختلف كثيراً عن تعامل المواطنين العاديين المصرين على إنكار وجود المرض.
كانت أغلب إشارات الجهات الصحية تتحدث عن أمراض أخرى منتشرة في عدن، كالحميات من المكرفس وحمى الضنك وأخواتها الأخريات من الأمراض التي باتت مستوطنة، وما ساعد على هذه الفرضيات كارثة الأمطار والسيول التي ضربت المدينة مؤخراً.
وظل الوضع على حاله ما بين الإنكار والتأكيد، بالتزامن مع دعوات أطباء وناشطين بضرورة عدم الاستهتار ووجوب مواجهة الوضع على حقيقته، خاصةً مع تسجيل وفيات بالعشرات يومياً في مختلف مديريات المحافظة.
ولم تتراجع موجة الإنكار تلك حتى مطلع شهر مايو، حينها بدأت اللجنة الوطنية العليا للطوارئ ومواجهة كورونا بالحديث بمسئولية عن الحالات المكتشفة من الفايروس، وتخرج يومياً بأرقام تؤكد أنها تتزايد وترتفع في عدن ومحافظات أخرى.
هنا فقط.. بدأ شيء من استشعار المسئولية يتسرب شيئاً فشيئاً إلى الجهات والسلطات المعنية، لكنه ما زال خاضع لرغبات الصراع السياسي والتي ظلت متأصلة في تعاملات الأطراف السياسية وانعكست على الوضع الصحي وغيره من الأوضاع العامة.

*تجاهل الوباء*
لا يخفى على أحد نتائج الاستهتار والتهاون في التعامل مع وباء كورونا على مستوى العالم، والذي نتج عنه كوارث كان يمكن تجنبها لو كان كانت الإجراءات الوقائية أفضل مما كانت عليه.
ولم يكن النموذج الإيطالي عنا ببيعد، في كيفية الاستهتار مع الجائحة وكيف انقلبت إلى آلة حصد للأرواح في المدن التي دمرها الوباء.
وإذا كنا في اليمن عموماً نتميز بتجاهلنا واستهتارنا في مواضيع أقل، إلا أن قضية الاستهتار بلغت أوجها وقيمتها في حالة التعامل مع فايروس كورونا.
لم يكن الأمر متعلق بالمواطنين، الذين ما زالوا يتدفقون على الأسواق والمولات والمساجد، وأسواق القات بكثافة دون أية احترازات أو تجنب المخاطر المحدقة بهم.
بل أن الاستهتار تجاوز المواطنين وضرب السياسيين حتى، الذين جعلوا من كورونا فرصة لتكريس الصراع، من خلال إما تجاهل الفايروس، والتقليل من مخاطره أو احتمالات تواجده، وإما عبر استغلاله للحصول على امتيازات ودعم دولي وأممي باسم الجهات المسئولة.
وربما تناسى السياسيون أن مثل هذا التجاهل أو الاستغلال قد يؤدي إلى كارثة أسوأ، ليسوا بمنأى عنها وستضرب كل شخص في هذا البلاد المتخم بالأزمات والكوارث.
وفي حقيقة الأمر فإن صراعات السياسيين في اليمن دائماً ما تسببت بجلب الكوارث والحروب التي جمعتها تصرفات الأطراف المتنازعة، أما بالنسبة لكارثة ووباء كورونا فإن من المتوقع أن تكون الكوارث والتداعيات لا حد لها إذا ما استمرت حالة التجاذب والنزاع والتجاهل في التعامل مع هذا الفايروس الجامح.
فمواجهة الخطر أفضل بكثير من الاختباء والهروب والتخفي الذي يفاقم الخطر ولا يضع له حد.

*تصويب الاتجاه*
خطورة القضية تكمن في أن البلاد قد أنهكتها الأزمات والكوارث، فلا ينقصها مزيد من الملمات والنكبات التي لم يعد لها مكان.
كما أن الخطورة تنبع من أن العالم اليوم منشغل بذاته، فكل دولة منكفئة على نفسها تعالج جراحها، وتحاول التقليل والتخفيف من كوارث وتداعيات كورونا ولا تهتم سوى بنفسها.
لهذا.. لا يمكن أن يكون هناك أي رادع بفايروس كورونا في عدن وغيرها من المحافظات اليمنية إلا من خلال توحيد الجهود، وتجنيب الصراعات جانباً وتحييد المواقف السياسية والحزبية، وتشمير السواعد لمواجهة هذا الخطر.
فانتشار مثل هذه الأوبئة لا يستثني أحد، ولا يفرق بين انتماء سياسي وغيره، وهو ما يستدعي توفير ما يلزم للطواقم الطبية والمحاجر الصحية سواءً داخل المدن أو على المنافذ الدولية.
وكل ذلك لن يتم إلا بتوحيد حكاياتنا للمنظمات الأممية والدولية التي تحاول دعم جهود الدول في مكافحة كورونا.
ولأننا لا نملك جهة معنية واحدة يمكنها أن تخاطب العالم خاصةً في ظل تفرق كل منطقة يمنية بقرارها الذاتي؛ فإن من الواجب اليوم الالتفات إلى هذه الجزئية وهذه الحقيقة.
فاستعداداتنا وبنيتنا الصحية غير مهيئة ولا مستعدة لمقارعة ومحاربة هذه الجائحة التي عجزت عنها أعتى الأنظمة الصحية في العالم؛ لذا يبدو أنه لا مفر سوى تصويب بوصلة الاتجاه الحقيقي وتحييد الصراعات والالتفات نحو خطر كورونا.

*طرف ثالث*
ويبدو أنه لا مناص من تسليم قضية كورونا ومحاجره ومراكز العزل الخاصة به إلى طرف ثالث لا يعقد الأمور، ولا يشترط شيئاً في سبيل الحصول على المستلزمات والمعدات اللازمة.
ولعل الطرف الثالث ذلك متجسد في منظمة دولية كأطباء بلا حدود، باعتبارها منظمة غير مسيسة ولا حسابات أخرى وجانبية لديها باستثناء خدمة المواطنين وتوفير بيئة صحية مثالية ومناسبة تكافح الوباء وتحد من انتشاره.
وهو حل مرضٍ للجميع، بحسب متابعين، وحقق قبولاً شعبياً لدى المواطنين، بعد إدراكهم مخاطر تسييس إجراءات مواجهة المرض التي تمارسها الأطراف السياسية في البلاد.