آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-07:28م

ملفات وتحقيقات


تقرير يتحدث عن مآلات التقسيم الحالي للجنوب بعد وضوح صعوبة تطبيق اتفاق الرياض.. (جنوب الشرعية وجنوب الانتقالي)

الخميس - 23 أبريل 2020 - 02:54 م بتوقيت عدن

تقرير يتحدث عن مآلات التقسيم الحالي للجنوب بعد وضوح صعوبة تطبيق اتفاق الرياض.. (جنوب الشرعية وجنوب الانتقالي)

القسم السياسي بـ(عدن الغد):

- الجنوب الذي كان يحلم به المطالبون بالانفصال لم يعد كما كان

- الجنوب.. جنوب شرعية وجنوب انتقالي!

- هل أصبح التقسيم الحالي للجنوب أحد ملامح المستقبل؟

- بعد فشل تطبيق اتفاق الرياض.. هل سيستمر هذا الوضع لسنوات؟

- تأكد للجنوبيين أن المسار السلمي أضمن من المسار السياسي العنيف لنيل المطالب والحقوق

- لماذا فشل اتفاق الرياض.. وما مصير جهود الوساطة؟

 

 

تعلّق المطالبون بالانفصال من الجنوبيين على مدى عقدٍ ونصف، بحلم دولتهم المترامية الأطراف، والتي تمتد من المهرة شرقاً حتى باب المندب غرباً.

 

فكان أن خرج الحراكيون منذ الإرهاصات الأولى في 2007 وآمالهم معلقةٌ باستعادة دولة ما قبل مايو 1990، كاملةً دون تقسيم أو اجتزاء، أو حتى توزيع بين المتنازعين.

 

كان الحلم شاعرياً إلى درجةً كبيرة، ومشروعاً من الناحية المنطقية والنظرية، غير أن التطبيق العملي للحلم كان يصطدم بالكثير من الموانع التي حالت دون تحقيقه واقعاً.

 

كانت أحد تلك الموانع غياب الحامل الشعبي والجماهيري الذي يتوافق حوله الجميع، ويجتمعون حوله لتحقيق أحلامهم، خاصةً بعد افتراق وتشظي كيانات الحراك الجنوبي.

 

افتقر الجنوبيون المطالبون بالانفصال حينها للقيادة الموحدة، التي توزعت بين كيانات غلبت عليها في بداية تكوينها النزعة الحقوقية، ولم تنح أي منحى سياسي فعلي لانتزاع تلك الحقوق باستعادة الدولة.

 

انتظر أولئك الجنوبيون كثيراً حتى ظهر المجلس الانتقالي الجنوبي الذي بدا مختلفاً عن غيره، قوياً ومباشراً في طرحه، متجاوزاً المطالب الحقوقية التي ركزت عليها كيانات الحراك سنوات عديدة، وانتهج نهجاً سياساً، اعتبره مراقبون طفرة نوعية في مسيرة الجنوب ومطالب استعادة الدولة.

 

ربما ساعدت الانتقالي الظروف التي دفعت به نحو الواجهة، عقب حرب تحرير عدن من الحوثيين، وما أعقبها من تواجد أطراف إقليمية فاعلة دعمت توجهه وساندته.

 

تحلق الجنوبيون المطالبون بالانفصال حول هذا المشروع والكيان الوليد، علّه يحقق لهم أحلام الدولة المنشودة، لكن سرعان ما تبخرت أحلامهم، فأهداف هذا الكيان لم تكن متوازية مع أفق وأحلام الجنوبيين الشاسعة.

 

نتائج السياسة العنيفة

كانت مطالب الجنوبيين بالانفصال في مرحلتها الحقوقية التي استمرت من 2007 حتى 2014، تجد لها آذاناً صاغية وانتباهاً واهتماماً محلياً ودولياً.

 

غير أن المرحلة الثانية التي تميزت بالنزعة السياسية العنيفة "المسلحة" كان تأثيرها سلبياً على حلم الدولة الجنوبية، فتحولت النظرة الخارجية لمطالب الجنوبيين بأنها مقاومة لمشروع الدولة القوية في اليمن، خاصةً بعد مواجهة الكيان الجنوبي الوليد للدولة ومؤسساتها بقوة السلاح، في ظل احتياج المجتمع الدولي لدولة متماسكة في هذه المنطقة من العالم.

 

كما أن هذا النهج السياسي العنيف أثر على تماسك القضية الجنوبية، وأثر على حلم الدولة الجنوبية الواحدة الممتدة من المهرة شرقاً إلى باب المندب غرباً، وحتى سقطرى جنوباً.

 

بفعل هذا النهج وسياسة السلاح تراجعت القضية الجنوبية عالمياً كما تراجع سقف طموحات الجنوبيين، وهم يرون أن جنوبهم المنشود تمزق بين سلطات متنازعة، بسبب سياسة العنف، فأصبح هناك جنوب شرقي وآخر غربي.

 

وبحسب محللين، فإن النهج الحقوقي للحراك منح القضية الجنوبية الكثير من المميزات والصوت المرتفع، وتجلى ذلك في مؤتمر الحوار الوطني الشامل 2013 - 2014، ونال بموجبها الجنوب العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية وفي مجال الحقوق والحريات فاقت وتجاوزت تلك التي كان يطالب بها الجنوبيون.

 

جنوب جديد

الجنوب الذي نشاهده اليوم لم يعد هو نفس الجنوب الذي حلم به المطالبون بالانفصال خلال فترة نضالهم الحقوقي، فاليوم نشهد تفرقاً وانقساماً في الخارطة الجنوبية على الأرض.

 

فهناك جنوبان، الأول يمتد من الأجزاء الشرقية لمحافظة أبين ويشمل محافظات شبوة وحضرموت والمهرة، ويخضع لسيطرة القوات الحكومية والشرعية، وتتواجد فيه سلطات الحكومة الشرعية بقوة وفاعلية.

 

بينما الجنوب الثاني يمتد من الأجزاء الغربية لمحافظة أبين ويضم محافظات عدن ولحج والضالع، ويخضع لسيطرة القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي.

 

وهذا ما يجعل الجنوب التاريخي الذي عرفناه من قبل وعرفه العالم منذ نوفمبر 1967 وحتى مايو 1990، لم يعد موجوداً بشكله السياسي والجغرافي المتعارف عليه.

 

وذهب كل جنوب، مما سبق، بما تحت يديه من أراضٍ يسيطر عليها ويتحكم بها، بل ويسخرها في خدمة توجهاته وأجنداته ومصالحه التي لا تخدم توحد الجنوب أو لم شمله.

 

لهذا نرى اليوم جنوباً جديداً أبرز ملامحه أنه عبارة عن جنوبين متنازعين ومتقاتلين يتصارع كل منهما لإثبات جدارته واستحقاقه لتمثيل ملايين المطحونين والمتضررين.

 

تقسيم فرضته الصراعات

التماسك الذي بدت عليه خارطة الجنوب وحتى الجنوبيون أنفسهم منذ أكثر من عقدٍ ونصف لم يعد له وجود اليوم، بفعل سياسة الصراع والمواجهات التي حكمت السنوات الثلاث الأخيرة.

 

وهذا الصراع الذي تتحمل مسئوليته الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي على السواء أفضى إلى هذا الوضع الذي يعيشه الجنوب اليوم.

 

فالطرفان مسئولان عن ضياع تماسك الجنوب، على الأرض وفي نفوس الجماهير أيضاً، فعدم الانصياع للتوافق أو حتى للتصالح والتسامح، واللجوء للغة العنف والبحث عن السيطرة على الأرض كل ذلك نتج عنه وضع مزرٍ ومنقسم يعيشه الجنوبيون الآن.

 

لكن المخاطر قد لا تقف عند هذا الحد أو عند هذا المستوى من التشظي، فالأمور يبدو أنها مرشحة لمزيدٍ من السوء والتطور غير الإيجابي، عطفاً على استمرار الصراع والنزاع ورفض القبول بالآخر.

 

فاستمرار الصراع معناه استمرار التشظي والانقسام، وتمزيق الخارطة الجنوبية إلى "مقاطعات ضيقة"، بسبب انفراد كل جهة أو كل محافظة بما تحت يديها من خيرات ومنعها عن غيرها.

 

واقع يمهد للمستقبل

وفي ظل انقسام أرض الجنوب والمتمثل في توزيع مناطق السيطرة غرباً وشرقاً، وانقسام الإنسان المتمثل في تفرق الولاءات وتعدد الانتماءات السياسية لهذا الطرف أو ذلك، يحذر مراقبون باستمرار مثل هذه الانقسامات على المدى البعيد.

 

ويعتقد أصحاب هذا الطرح أن عدم التوافق بين المتصارعين قد يهدد ببقاء هذا الوضع من الانقسام أعواماً عديدة، ويستمر لسنوات طويلة.

 

بل أن محللين يرون أن التقسيم الحاصل اليوم يُمهّد لرسمٍ جغرافي معتمد لمناطق سيطرة كل طرف يتم اعتمادها رسمياً، على أن تستمر وتشكل أحد الملامح الرئيسية لمستقبل الجنوب.

 

هذا المستقبل الذي يصفه كثيرون بأنه "قاتم" في حالة استمرار الصراع والاعتماد على العنف والسلاح لحل المشكلات، وعدم اللجوء إلى لغة العقل.

 

ويُرجع المحللون هذا التهديد الذي قد يستمر لسنوات إلى الفشل في تطبيق اتفاق الرياض، الذي ظل حبراً على ورق طيلة الأشهر الستة الماضية، وهي الفترة التي كُتب فيها ورسمت خلالها خارطة التقسيمات الجغرافية الماثلة اليوم على الأرض الجنوبية.

 

ويدفع التأخر في تنفيذ اتفاق الرياض الموقع بين الجانبين مطلع نوفمبر 2019 في العاصمة السعودية؛ إلى الإبقاء على هذا الوضع كما هو، بل أنه قد يستمر سنوات طويلة بفعل التباطؤ في تنفيذ الاتفاق.

 

وإذا سلمنا بفشل الاتفاق الذي يؤكده غير واحد من السياسيين والمراقبين فإن تمترس كل قوة في مناطقها الحالية دون أي تغيير لهذا الوضع قد يرشح استمراره سنوات، وهو ما لا يتمناه أحد.

 

لماذا أصبح هذا التقسيم واقعاً؟

رغم أهمية اتفاق الرياض، وضرورة تنفيذه لتجنب مزيد من التشظي والانقسام للأرض الجنوبية، ورغم اعتباره أساساً للحل وتجنب هذه المأساة، إلا أن ثمة العديد من الأسباب والعوامل التي دفعت إلى أن يصبح هذا التقسيم متصلاً أمامنا.

 

من أهم تلك العوامل تجذر ثقافة الصراع في عقول السياسيين والقادة الجنوبيين في كل طرف، والذين يحكمهم تاريخ النزاع السياسي وحتى القبلي والمناطقي بين أجزاء الجنوب.

 

ورغم أنها أسباب وعوامل عفا عليها الزمن، لم تعد تناسب عصر التكتلات التي يعيشها العالم اليوم، إلا أن كثيرا من المحللين يعتقد أنها ما زالت تسيطر على أفكار المتلاعبين بمصير الجنوب.

 

لذا يدعو المحللون إلى إلقاء نظرةٍ فاحصة على مناطق سيطرة كل طرف من الأطراف المتصارعة اليوم، حتى نستطيع أن نستوعب ما الذي يدور في الجنوب.

 

ردود فعل عكسية

لا يختلف اثنان على المطالب الحقوقية للجنوب والجنوبيين، كل الجنوب وكل الجنوبيين دون استثناء، غير أن مكمن الاختلاف يتمثل في فرض طرف معين أجندات سياسية على بقية الأطراف أو المكونات، سواء كان ذلك الطرف هو الشرعية أم الانتقالي.

 

وهذا الوضع قد يأتي بنتائج عكسية تماماً مهما كانت نية أو غاية كل طرف سليمة أو نبيلة، وهنا تكمن الخطورة التي نقصدها.

 

فبمجرد سيطرة المجلس الانتقالي على محافظات عدن ولحج والضالع، رفع سقف طموحاته للولوج والتوغل نحو الشرق والسيطرة على أبين وشبوة وما وراءها من حضرموت والمهرة.

 

هذا الفعل وجد له ردة فعل، نتج عنها توقف قوات الانتقالي عند الأجزاء الشرقية لمحافظة أبين، وفشله في دخول شبوة بعد قتال أبناءها.

 

غير أن الأمر لم يقف هنا، كان الأكثر خطورة من كل ذلك هي تداعي أبناء محافظتي حضرموت والمهرة إلى تكوين كيانات سياسية تناهض دعوات المجلس الانتقالي التوغل نحو الشرق.

 

فكان أن تشكلت كيانات تنادي بخصوصية كل محافظة في المهرة وحضرموت، ولم تقتصر تلك الدعوات على الداخل المهري أو الحضرمي بل تعداها ليصل صدى تلك التحركات إلى الخارج.

 

ما نريد قوله هنا: إن التمسك بتاريخ الصراعات لن يفيد أحدا، وأن رغبات الضم القسرية والتي شهدها الجنوب منذ الاستقلال الوطني في 1967، لا تصلح اليوم، بل قد ينتج عنها ردود فعل عكسية.

 

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

الخطر يكمن في مزيد من التمزق، إذا لم نعد إلى جادة الصواب، ونجعل الجنوب كتلة واحدة أرضاً وإنساناً، دون أي عصبية أو مناطقية.

 

وبرأي كثيرين فإن مثل هذا الحل قد يكمن في إحياء اتفاق الرياض وتطبيقه، وهو كفيل بحفظ وحدة الجنوب، كما أنه كفيل بضمان مصالح كل طرف سياسياً وحتى عسكرياً.

 

فلم يعد هناك متسع لمزيدٍ من الصراعات والانقسامات في الجنوب، وعلى القادة من كلا الطرفين الاعتناء بهذه الحقيقة وتجنيب الأرض الجنوبية أي تصدع آخر، ولعل أقرب الحلول للحفاظ على تماسك الجنوبيين هو الإسراع في تنفيذ اتفاق الرياض.

 

حتى وإن فشل الاتفاق عملياً، غير أن هناك إمكانية لإحيائه من جديد، متى ما توفرت الرغبة الحقيقية في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.