الخميس - 16 أبريل 2020 - 11:32 ص بتوقيت عدن
(عدن الغد)خاص:
أزمة كورونا بين عدن ودولة حضرموت!القسم السياسي بـ(عدن الغد):يبدو أن إرث الدولة الذي عاشته حضرموت والممتد منذ آلاف السنين حتى قبيل"إلحاقها" بجمهورية اليمن الديمقراطية، لم يندثر بعد.فقبل أن تصل سلطات الجبهة القومية عقب تمددها من عدن نحو أقاصي شرقاليمن، كانت حضرموت تعيش في متنفس من السلطة الذاتية.فثمة دولتان أو سلطنتان عرفتا بالسلطنة الحضرمية الكثيرية والسلطنةالقعيطية الحضرمية، وهي مسميات رسمية معتمدة دولياً، وفق وثائق مجموعةالكومنولث الإنجليزية، تمتعتا بممارسات ومراسيم وبروتوكولات لا تختلف عماهو حاصل اليوم في تعاملات الدول، فكانت تضرب العملات باسم الدولةوالسلطنة الحضرمية، وتطبع طوابع البريد الخاصة بها، وترسل البعثاتالعلمية والدراسية إلى أصقاع الدنيا.وهو ما منح حضرموت حظاً ونصيباً وافراً من العلم، وسلّحها بالمتعلمين منأبنائها في مختلف التخصصات، والذين لم تجد جمهورية اليمن الديمقراطيةسواهم حتى توسد إليهم مسئولية وزاراتها وإدارة شئون البلاد ما بعدالاستقلال.ذلك الإرث.. بقيّ ظاهراً في نفوس أبناء حضرموت في مختلف المراحل السياسيةوالوطنية ليس في الجنوب فقط بل وفي اليمن عموماً.فأنجبت حضرموت الوزير والاقتصادي فيصل بن شملان، والمهندس حيدر العطاس،والخبير الاقتصادي الدولي فرج بن غانم، والسياسي ورجل الدولة عبدالقادرباجمال، وعبدالرحمن بافضل، وغيرهم الكثير في مختلف القطاعات والتخصصات.تلك الأسماء وغيرها، اشتهرت بتمكين مبادئ الدولة في أعمالها ومهامها،وحافظت على سير الأداء المؤسسي في مختلف المناصب التي تقلدتها، وقدمتمثالاً ونموذجاً لنجاح وترسيخ قيم المؤسسية.ما يؤكد أن حضرموت أثبتت أنها مصدر لثقافة الدولة ورجال دولة، كشفوا عنجدارة واضحة في الاضطلاع بالمسئوليات الكبرى؛ ربما قد يعود ذلك إلى الإرثالذي تمتعت به منذ قرون، وحافظت عليه في أذهان وجينات أبنائها الوراثيةحتى اليوم.وهو ما تجلى كواقع ملموس خلال فترة ما بعد الحرب وتحرير عدد من مدنحضرموت من سيطرة التنظيمات المتطرفة الإرهابية وتولي أبنائها مسئوليةإدارة شئونها.حيث كان الاستقرار الأمني بالتوازي مع الاستقرار الخدمي أحد أبرز الملامحللنجاح الكبير الذي حققته حضرموت طيلة السنوات الخمس الماضية.فرغم تلاطم الأمواج والكوارث السياسية التي تحيط بحضرموت شرقاً وغرباً،تبدو المحافظة كجزيرة هادئة وديعة وسط محيط من الأحداث والمواجهاتوالنوائب، والوقائع غير المستقرة.واستطاعت حضرموت تجنيب نفسها الولوج في مماحكات سياسية كما حدث في جارتهاالشرقية محافظة المهرة، ونجحت في النأي بذاتها عن المواجهات المسلحة كماحصل مع جارتها الغربية محافظة شبوة.بالإضافة إلى أنها لم تنغمس في غياهب الفوضى والاضطرابات المتتالية كماحدث مع نظيراتها الجنوبيات في عدن وأبين والضالع وحتى محافظة لحج.كان تماسكاً لم تنجح أي من المحافظات المجاورة لحضرموت بتحقيقه، راهنتفيه المحافظة ذات الإرث المؤسسي وثقافة الدولة على تاريخها وما تمتلكه منكفاءات وكوادر واعية، وكان واضحاً في التعامل مع أزمة كورونا الأخيرة.نجاح حضرميكان تعاطي السلطات الحضرمية مع أزمة فايروس كورونا، مؤسسياً وتميز بفرضهيبة وسلطة الجهات المعنية، حتى قبيل اكتشاف أول حالة مصابة بالوباء ليسعلى مستوى المحافظة بل وفي اليمن عموماً.للحضارمة موقف معادٍ من نبتة القات، فهم يأنفون مضغها باستثناء قلة قليلةمنهم، على العكس تماماً من ثقافة القات المنتشرة في بقية أرجاء اليمن،حتى أن أسواق هذه الوريقات كانت تتموقع خارج عاصمة المحافظة، مدينةالمكلا.وساعدت هذه الثقافة الرافضة للقات في حضرموت على تنفيذ قرارات إغلاق ماتبقى من الأسواق المتواجدة في أقاصي المدن؛ عقب التهديدات التي شكلتهامخاوف انتشار وتفشي فايروس كورونا.لم تكن قرارات منع القات وحدها هي التي نجحت، ولاقت قبولاً عند مواطنيحضرموت، بل حتى القرارات المتعلقة بمنع وحظر التجوال في شوارع المدنالرئيسية وجدت آذاناً صاغية من الجميع.وبدت شوارع ومدن حضرموت خاوية على عروشها، أو أقرب لمدن الأشباح بمجرددخول القرارات حيز التنفيذ؛ ما يؤكد أن ثقافة أهالينا في حضرموت تتسمبالكثير من الوعي والإدراك تجاه مخاطر المرض والولاء الذي يجتاح العالم.وضربت المكلا والشحر وسيئون وغيرها من مدن الساحل والوادي أمثلةً حضاريةفي الالتزام وكأنها تنقل صورة مدن الغرب الملتزمة بالحظر تماشياً معمخاطر الفايروس الوبائي.وبحسب مراقبين كثر، فإن أزمة كورونا كشفت عن قدرة الحضارمة، سياسيينوقيادات، بالإضافة إلى المواطنين، على الالتزام والتعاطي المسئول معمتطلبات التهديد الصحي الذي شكله الفايروس.حتى أن الحالة المكتشفة التي تم الإعلان عنها قبل نحو أسبوع كان التعاملمعها تعاملاً مسئولاً، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى حدوث نكسة وتسجيلحالات إصابة بأرقام تضاعفية مهولة بمجرد الإعلان عن أول حالة إصابة في أيمكان من اليمن.حتى ذهب بعض الخبراء الصحيين والأطباء للحديث عن الإيجابية في التعاطي منقبل السلطات في حضرموت مع الحالة، مشيرين إلى أن هذه الحالة لو كانتاكتشفت في مدينة أو محافظة يمنية أخرى لكانت الكارثة مضاعفة، لا سمحالله.كيف نجحت حضرموت؟لم يكن بمقدور حضرموت أن تنجح في احتواء الحالة المصابة بالفايروس، لولاالانصياع للتوجيهات وتنفيذ الإجراءات الاحترازية والوعي الذي تميز بهمواطنوها.غير أن ما يراه المراقبون ويعتقدون أنه كان سر الاستقرار والنجاحات التيتحققت في حضرموت وجنبها حتى الصراعات والمواجهات، يكمن في وجود قياداتمرجعية، وشخصيات أجمع عليها الحضارمة.وهذه الجزئية هي ما افتقدته محافظات يمنية عديدة، افتقرت إلى وجود قياداتتوحد كافة أطياف التيارات والانتماءات المتباينة والمتناقضة أحياناً داخلتلك المحافظات.كما أن حجم الوعي ومستوى التعليم والثقافة التي يتميز بها الحضارمة ساعدتالقيادات المحلية والأمنية وحتى العسكرية في حضرموت على النجاح في تنفيذالتوجيهات الصادرة عنها.ولا ننسى أن نشير إلى انعدام وجود منافسين أو أنداد ينازعون قياداتحضرموت السلطة كما هو موجود في كثير من المحافظات الجنوبية الأخرى.حيث كان التعامل مع الأزمة في حضرموت واسع النطاق، وشمل كافة القطاعاتالمحلية في المحافظة، شاركت فيه جميع القيادات الأمنية والعسكرية، وحتىالتجار ورجال الأعمال والاقتصاديين والتربويين، وتم استيعاب كل تلكالقيادات وتسخير ما يقع تحت مسئولياتها من طاقات في سبيل تنفيذ خطةمواجهة كورونا.لقد تكاتف الجيش مع المؤسسات الأمنية والتعليمية والجامعية وحتىالمخترعون الحضارمة والعاملون في المنظمات الإنسانية والمتطوعون الشبابوالناشطون، وتكللت كل الجهود بمحاصرة الوباء في حالة واحدة، رغم مرورأسبوع كامل على اكتشافها.كان تناسق العمل بين القوات الأمنية ووزارة الصحة والسلطات المحلية فيالمجلس المحلي للمحافظة وانسجام كافة الجهود ملفتاً، ويستحق الإشادة،والاستفادة منه في محافظات أخرى.كما أن الملفت هو العمل الذي قامت به وزارة الصحة العامة والسكان فيحضرموت، وتواصلها السلس مع السلطات المحلية ومنظمة الصحة العالمية،بالإضافة إلى التنسيق مع مدراء المنافذ البحرية والبرية، حرصاً على عدمتفشي أو انتشار الفايروس، وإبقاء سجل اليمن عند حالة واحدة فقط منالحالات المصابة.حضرموت.. هل هي على الطريق الصحيح؟يعتقد مراقبون أن ما حققته حضرموت يعود إلى تمسكها بخيار الدولة،وتصميمها على عدم الانجراف نحو الفوضى كما حدث لعددٍ من المحافظاتاليمنية، التي عصف بها التنازع والصراع الداخلي.لم يكن هذا الأمر بسبب كورونا أو المستجدات الأخيرة، غير أن صفات الدولةمتجذرة في الحضارمة، وبدا ذلك في مختلف مراحل التاريخ السياسي المعاصرلليمن، وخاصةً ما بعد 2015 وتحرير المحافظة من تنظيم القاعدة في 2016.وانكب الحضارمة على أنفسهم يرممون حياتهم ومحافظتهم، ويبنونها من جديد،ويركزون جل جهودهم على التنمية والاستقرار، وهو ما تحقق فعلياً، وقدمتنموذجاً يقتدى به لفترة ما بعد الحرب.ولم يقف التكاتف الحضرمي عند هذا الحد، فبمجرد سيطرة قوات المجلسالانتقالي الجنوبي على عدن والمحافظات المجاورة، وطرد الحكومة منها حرصقادة حضرموت التاريخيون وسلطتها المحلية على التداعي لبلورة موقف موحد منالأحداث التي عاشتها عدن.وبالفعل.. خرجت حضرموت بموقف لم يجانب خيار الدولة، وأعلنت قياداتهاالتاريخية في الداخل والخارج النأي بنفسها عن أية صراعات تناهض الدولة.لماذا لم ينجح الأمر في عدن؟نجاح أي تعامل أو تجارب في مكان ما، ليس من العيب تكراره في مكان آخر، مادامت ستؤدي وتعطي نتائج إيجابية.كثير من المحللين يتساءلون عن أسباب عدم تحقيق نجاحات ملموسة فيما يتعلقبالإجراءات المتخذة بشأن انتشار وباء كورونا في عدن.ففي حين نجح حظر التجوال في مدن حضرموت لم يكتب له نفس القدر من النجاحفي عدن، بينما كان الفشل هو النتيجة الحتمية التي لحقت بقرار منع توريدوبيع القات داخل المدينة، والذي يتم خرقه بمجرد البدء بتنفيذه، وأحياناًمن جهات محسوبة على الأمن في عدن.وبرأي المراقبين فإن ثمة العديد من الأسباب التي أدت إلى هذا الفشل، أولنقل إلى هذا المستوى المتدني من نجاح القرارات.أهم تلك الأسباب والعوامل يكمن في تعدد الانتماءات العسكرية والأمنيةوعدم وجود قيادة موحدة للتشكيلات الأمنية المسئولة عن تنفيذ القراراتالصادرة عن الجهات المسئولة والمسيطرة على عدن.وللإنصاف فإن المجلس الانتقالي وقواته الموالية له، بما فيها قوات الحزامالأمني لم تتأخر أو تتوانى في الإعلان عن حزمة من القرارات والإجراءاتللحد من انتشار فايروس كورونا.وشملت تلك الإجراءات إغلاق أسواق القات، وزيادة ساعات حظر التجوال فيالمدينة، وإغلاق المولات والأسواق التجارية الكبرى، وتطويق المديريات،إلا أن ثقافة الناس في عدن أصبحت أقل من مستوى الوعي والانضباط الموجودفي حضرموت، وفق مراقبين.فالإجراءات والقرارات نفذت على استحياء في مناطق معينة، ولم تشمل كافةمدينة عدن، كما أن الأمر لم يتوقف عند حد الإجراءات الأمنية بل تعداهليشمل التجهيزات والاستعدادات الصحية.نزاع السلطات في عدنمن العوامل والأسباب التي حالت دون تحقيق تنفيذ واضح وواسع لقراراتالانتقالي هو التنازع حول صلاحيات إدارة وتسيير مراكز العزل الصحيوالمحجر الرئيسي في عدن وبقية محاجر العزل في المطارات والموانئ والمنافذالبرية.وهو ما تجلى في نزاع السلطات بين الدائرة الصحية في المجلس الانتقاليالجنوبي في عدن، وبين وزارة الصحة ومكتبها في المدينة، وبقية المديرياتالخاضعة للحكومة اليمنية الشرعية.هذا النزاع أعطى إيحاءً لدى المنظمات الصحية والإنسانية العالمية بوجودتضارب في الصلاحيات، وتسبب ببطء الإجراءات والاستعدادات الاحترازيةالخاصة لمجابهة فايروس كورونا.كما أنه لم يساعد وزارة الصحة- باعتبارها الجهة الرسمية التي تتعامل معهامنظمة الصحة العالمية والمنظمات المشابهة- على العمل بحرية وأريحية فيعدن، مما أثر على التهيئة لمواجهة الوباء.وبينما كان الأمر يستدعي تجاوزاً لكل الخلافات والإشكالات التي قد تحد مناستعدادات مواجهة كورونا، زادت وتيرة الخلافات بين الجانبين وبالتاليتأثيرها على تجهيز المحجر والاستعداد لمواجهة كورونا.ويبدو أن غياب جهة أو مؤسسة موحدة في عدن، سياسياً أو أمنياً، وانعداموجود قيادات منسجمة ومتفهمة لطبيعة المرحلة؛ انعكس على مجمل مناحي الحياةفي المدينة، وأفقدها تماسكها وانسجامها مما تسبب بهذا الوضع الذي تعيشهعدن على مختلف الأصعدة.فالمشكلة لا تكمن فقط في آلية التعامل مع أزمة كورونا، التي نجحت حضرموتفي التعاطي معها، بينما لم يكتب النجاح لعدن في هذا الملف؛ عطفاً على عدمتجهيز المحجر الصحي الرئيسي في المدينة بعد، ولكن المشكلة تكمن في أكثرمن ملف وقضية.اختلاف وتناقضفحتى قبل وصول تهديدات كورونا إلى اليمن، كانت عدن تعيش وضعاً يختلفكثيراً عن الأوضاع العادية أو الطبيعية أو على الأقل الحد الأدنى مما قدتحتاجه أية مدينة تحاول أن تسعى نحو الاستقرار.وفي حالة عدن، فإن أحد أهم الأسباب لهذا الوضع هو عدم رغبة السلطات فيالتوجه مباشرةً وبجدية إلى خيار الدولة، واكتفائها بأسلوب سلطة الأمرالواقع، الأمر الذي أدى إلى هذه الحالة من اللا دولة في المدينة، والتنقلمن كافة المسئوليات التي كان ينبغي أن تضطلع بها تلك السلطات.وهو ما بدا واضحاً ليس في قطاع الصحة فقط، بل حتى في القطاعات الأمنية والعسكرية.وإنصافاً لسلطات عدن، فإنه رغم الإجراءات المتخذة من قبل المسئولينحالياً في المدينة إلا أن جزءا كبيرا من المسئولية يقع على عدم التزاموانضباط مواطني عدن بالتوجيهات والقرارات الأمنية لمواجهة كورونا.وهي نتائج واقعية يبررها محللون بتغير ثقافة العدنيين الذين طالما ضرببهم المثل في المدنية والنظام والقانون.حتى ذهب عدد من منتسبي القطاع الصحي الى التوقع باختلاف تعامل السلطات فيعدن مع ما قامت به السلطات الحضرمية من التعامل الجيد والصارم مع الحالةالمصابة بكورونا.وهو ما يكشف تغيرا ربما يكون ديموغرافيا أو فكريا، في ثقافة بعض القائمينعلى مدينة عدن دون أدنى مؤهل أو كفاءة قد تكون مستحقة.وبرأي المراقبين فإنه لا حل قد يلوح بالأفق لتحقيق الاستقرار في عدن،واستعادة روح المدينة وهويتها المدنية والمتعايشة، وتوحيد جهودهاوطاقاتها، إلا بوجود دولة قوية ذات هيبة، تفرض إجراءاتها وقراراتها، ولاتجعلها فريسة للأهواء أو الشخصنة تتلاعب بها، فتارةً تفرضها وتارةًتتراجع عنها.كما أن الحل الممكن والقريب حالياً في عدن يكمن في نسيان الخلافات،ورميها خلف ظهورنا، والالتفات ومواجهة العدو القادم بقوة، وتوحيد الجهودكما فعلت حضرموت.