آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-06:23م

ملفات وتحقيقات


تقرير يتناول نجاح حضرموت في احتواء أزمة كورونا مقابل تعثر الإجراءات الوقائية بعدن

الخميس - 16 أبريل 2020 - 11:32 ص بتوقيت عدن

تقرير يتناول نجاح حضرموت في احتواء أزمة كورونا مقابل تعثر الإجراءات الوقائية بعدن

(عدن الغد)خاص:

أزمة كورونا بين عدن ودولة حضرموت!

القسم السياسي بـ(عدن الغد):


يبدو أن إرث الدولة الذي عاشته حضرموت والممتد منذ آلاف السنين حتى قبيل
"إلحاقها" بجمهورية اليمن الديمقراطية، لم يندثر بعد.

فقبل أن تصل سلطات الجبهة القومية عقب تمددها من عدن نحو أقاصي شرق
اليمن، كانت حضرموت تعيش في متنفس من السلطة الذاتية.

فثمة دولتان أو سلطنتان عرفتا بالسلطنة الحضرمية الكثيرية والسلطنة
القعيطية الحضرمية، وهي مسميات رسمية معتمدة دولياً، وفق وثائق مجموعة
الكومنولث الإنجليزية، تمتعتا بممارسات ومراسيم وبروتوكولات لا تختلف عما
هو حاصل اليوم في تعاملات الدول، فكانت تضرب العملات باسم الدولة
والسلطنة الحضرمية، وتطبع طوابع البريد الخاصة بها، وترسل البعثات
العلمية والدراسية إلى أصقاع الدنيا.

وهو ما منح حضرموت حظاً ونصيباً وافراً من العلم، وسلّحها بالمتعلمين من
أبنائها في مختلف التخصصات، والذين لم تجد جمهورية اليمن الديمقراطية
سواهم حتى توسد إليهم مسئولية وزاراتها وإدارة شئون البلاد ما بعد
الاستقلال.

ذلك الإرث.. بقيّ ظاهراً في نفوس أبناء حضرموت في مختلف المراحل السياسية
والوطنية ليس في الجنوب فقط بل وفي اليمن عموماً.

فأنجبت حضرموت الوزير والاقتصادي فيصل بن شملان، والمهندس حيدر العطاس،
والخبير الاقتصادي الدولي فرج بن غانم، والسياسي ورجل الدولة عبدالقادر
باجمال، وعبدالرحمن بافضل، وغيرهم الكثير في مختلف القطاعات والتخصصات.

تلك الأسماء وغيرها، اشتهرت بتمكين مبادئ الدولة في أعمالها ومهامها،
وحافظت على سير الأداء المؤسسي في مختلف المناصب التي تقلدتها، وقدمت
مثالاً ونموذجاً لنجاح وترسيخ قيم المؤسسية.

ما يؤكد أن حضرموت أثبتت أنها مصدر لثقافة الدولة ورجال دولة، كشفوا عن
جدارة واضحة في الاضطلاع بالمسئوليات الكبرى؛ ربما قد يعود ذلك إلى الإرث
الذي تمتعت به منذ قرون، وحافظت عليه في أذهان وجينات أبنائها الوراثية
حتى اليوم.

وهو ما تجلى كواقع ملموس خلال فترة ما بعد الحرب وتحرير عدد من مدن
حضرموت من سيطرة التنظيمات المتطرفة الإرهابية وتولي أبنائها مسئولية
إدارة شئونها.

حيث كان الاستقرار الأمني بالتوازي مع الاستقرار الخدمي أحد أبرز الملامح
للنجاح الكبير الذي حققته حضرموت طيلة السنوات الخمس الماضية.

فرغم تلاطم الأمواج والكوارث السياسية التي تحيط بحضرموت شرقاً وغرباً،
تبدو المحافظة كجزيرة هادئة وديعة وسط محيط من الأحداث والمواجهات
والنوائب، والوقائع غير المستقرة.

واستطاعت حضرموت تجنيب نفسها الولوج في مماحكات سياسية كما حدث في جارتها
الشرقية محافظة المهرة، ونجحت في النأي بذاتها عن المواجهات المسلحة كما
حصل مع جارتها الغربية محافظة شبوة.

بالإضافة إلى أنها لم تنغمس في غياهب الفوضى والاضطرابات المتتالية كما
حدث مع نظيراتها الجنوبيات في عدن وأبين والضالع وحتى محافظة لحج.

كان تماسكاً لم تنجح أي من المحافظات المجاورة لحضرموت بتحقيقه، راهنت
فيه المحافظة ذات الإرث المؤسسي وثقافة الدولة على تاريخها وما تمتلكه من
كفاءات وكوادر واعية، وكان واضحاً في التعامل مع أزمة كورونا الأخيرة.


نجاح حضرمي

كان تعاطي السلطات الحضرمية مع أزمة فايروس كورونا، مؤسسياً وتميز بفرض
هيبة وسلطة الجهات المعنية، حتى قبيل اكتشاف أول حالة مصابة بالوباء ليس
على مستوى المحافظة بل وفي اليمن عموماً.

للحضارمة موقف معادٍ من نبتة القات، فهم يأنفون مضغها باستثناء قلة قليلة
منهم، على العكس تماماً من ثقافة القات المنتشرة في بقية أرجاء اليمن،
حتى أن أسواق هذه الوريقات كانت تتموقع خارج عاصمة المحافظة، مدينة
المكلا.
وساعدت هذه الثقافة الرافضة للقات في حضرموت على تنفيذ قرارات إغلاق ما
تبقى من الأسواق المتواجدة في أقاصي المدن؛ عقب التهديدات التي شكلتها
مخاوف انتشار وتفشي فايروس كورونا.

لم تكن قرارات منع القات وحدها هي التي نجحت، ولاقت قبولاً عند مواطني
حضرموت، بل حتى القرارات المتعلقة بمنع وحظر التجوال في شوارع المدن
الرئيسية وجدت آذاناً صاغية من الجميع.

وبدت شوارع ومدن حضرموت خاوية على عروشها، أو أقرب لمدن الأشباح بمجرد
دخول القرارات حيز التنفيذ؛ ما يؤكد أن ثقافة أهالينا في حضرموت تتسم
بالكثير من الوعي والإدراك تجاه مخاطر المرض والولاء الذي يجتاح العالم.

وضربت المكلا والشحر وسيئون وغيرها من مدن الساحل والوادي أمثلةً حضارية
في الالتزام وكأنها تنقل صورة مدن الغرب الملتزمة بالحظر تماشياً مع
مخاطر الفايروس الوبائي.

وبحسب مراقبين كثر، فإن أزمة كورونا كشفت عن قدرة الحضارمة، سياسيين
وقيادات، بالإضافة إلى المواطنين، على الالتزام والتعاطي المسئول مع
متطلبات التهديد الصحي الذي شكله الفايروس.

حتى أن الحالة المكتشفة التي تم الإعلان عنها قبل نحو أسبوع كان التعامل
معها تعاملاً مسئولاً، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى حدوث نكسة وتسجيل
حالات إصابة بأرقام تضاعفية مهولة بمجرد الإعلان عن أول حالة إصابة في أي
مكان من اليمن.

حتى ذهب بعض الخبراء الصحيين والأطباء للحديث عن الإيجابية في التعاطي من
قبل السلطات في حضرموت مع الحالة، مشيرين إلى أن هذه الحالة لو كانت
اكتشفت في مدينة أو محافظة يمنية أخرى لكانت الكارثة مضاعفة، لا سمح
الله.

كيف نجحت حضرموت؟

لم يكن بمقدور حضرموت أن تنجح في احتواء الحالة المصابة بالفايروس، لولا
الانصياع للتوجيهات وتنفيذ الإجراءات الاحترازية والوعي الذي تميز به
مواطنوها.

غير أن ما يراه المراقبون ويعتقدون أنه كان سر الاستقرار والنجاحات التي
تحققت في حضرموت وجنبها حتى الصراعات والمواجهات، يكمن في وجود قيادات
مرجعية، وشخصيات أجمع عليها الحضارمة.

وهذه الجزئية هي ما افتقدته محافظات يمنية عديدة، افتقرت إلى وجود قيادات
توحد كافة أطياف التيارات والانتماءات المتباينة والمتناقضة أحياناً داخل
تلك المحافظات.

كما أن حجم الوعي ومستوى التعليم والثقافة التي يتميز بها الحضارمة ساعدت
القيادات المحلية والأمنية وحتى العسكرية في حضرموت على النجاح في تنفيذ
التوجيهات الصادرة عنها.

ولا ننسى أن نشير إلى انعدام وجود منافسين أو أنداد ينازعون قيادات
حضرموت السلطة كما هو موجود في كثير من المحافظات الجنوبية الأخرى.

حيث كان التعامل مع الأزمة في حضرموت واسع النطاق، وشمل كافة القطاعات
المحلية في المحافظة، شاركت فيه جميع القيادات الأمنية والعسكرية، وحتى
التجار ورجال الأعمال والاقتصاديين والتربويين، وتم استيعاب كل تلك
القيادات وتسخير ما يقع تحت مسئولياتها من طاقات في سبيل تنفيذ خطة
مواجهة كورونا.

لقد تكاتف الجيش مع المؤسسات الأمنية والتعليمية والجامعية وحتى
المخترعون الحضارمة والعاملون في المنظمات الإنسانية والمتطوعون الشباب
والناشطون، وتكللت كل الجهود بمحاصرة الوباء في حالة واحدة، رغم مرور
أسبوع كامل على اكتشافها.

كان تناسق العمل بين القوات الأمنية ووزارة الصحة والسلطات المحلية في
المجلس المحلي للمحافظة وانسجام كافة الجهود ملفتاً، ويستحق الإشادة،
والاستفادة منه في محافظات أخرى.

كما أن الملفت هو العمل الذي قامت به وزارة الصحة العامة والسكان في
حضرموت، وتواصلها السلس مع السلطات المحلية ومنظمة الصحة العالمية،
بالإضافة إلى التنسيق مع مدراء المنافذ البحرية والبرية، حرصاً على عدم
تفشي أو انتشار الفايروس، وإبقاء سجل اليمن عند حالة واحدة فقط من
الحالات المصابة.

حضرموت.. هل هي على الطريق الصحيح؟

يعتقد مراقبون أن ما حققته حضرموت يعود إلى تمسكها بخيار الدولة،
وتصميمها على عدم الانجراف نحو الفوضى كما حدث لعددٍ من المحافظات
اليمنية، التي عصف بها التنازع والصراع الداخلي.

لم يكن هذا الأمر بسبب كورونا أو المستجدات الأخيرة، غير أن صفات الدولة
متجذرة في الحضارمة، وبدا ذلك في مختلف مراحل التاريخ السياسي المعاصر
لليمن، وخاصةً ما بعد 2015 وتحرير المحافظة من تنظيم القاعدة في 2016.

وانكب الحضارمة على أنفسهم يرممون حياتهم ومحافظتهم، ويبنونها من جديد،
ويركزون جل جهودهم على التنمية والاستقرار، وهو ما تحقق فعلياً، وقدمت
نموذجاً يقتدى به لفترة ما بعد الحرب.

ولم يقف التكاتف الحضرمي عند هذا الحد، فبمجرد سيطرة قوات المجلس
الانتقالي الجنوبي على عدن والمحافظات المجاورة، وطرد الحكومة منها حرص
قادة حضرموت التاريخيون وسلطتها المحلية على التداعي لبلورة موقف موحد من
الأحداث التي عاشتها عدن.

وبالفعل.. خرجت حضرموت بموقف لم يجانب خيار الدولة، وأعلنت قياداتها
التاريخية في الداخل والخارج النأي بنفسها عن أية صراعات تناهض الدولة.

لماذا لم ينجح الأمر في عدن؟

نجاح أي تعامل أو تجارب في مكان ما، ليس من العيب تكراره في مكان آخر، ما
دامت ستؤدي وتعطي نتائج إيجابية.

كثير من المحللين يتساءلون عن أسباب عدم تحقيق نجاحات ملموسة فيما يتعلق
بالإجراءات المتخذة بشأن انتشار وباء كورونا في عدن.

ففي حين نجح حظر التجوال في مدن حضرموت لم يكتب له نفس القدر من النجاح
في عدن، بينما كان الفشل هو النتيجة الحتمية التي لحقت بقرار منع توريد
وبيع القات داخل المدينة، والذي يتم خرقه بمجرد البدء بتنفيذه، وأحياناً
من جهات محسوبة على الأمن في عدن.

وبرأي المراقبين فإن ثمة العديد من الأسباب التي أدت إلى هذا الفشل، أو
لنقل إلى هذا المستوى المتدني من نجاح القرارات.

أهم تلك الأسباب والعوامل يكمن في تعدد الانتماءات العسكرية والأمنية
وعدم وجود قيادة موحدة للتشكيلات الأمنية المسئولة عن تنفيذ القرارات
الصادرة عن الجهات المسئولة والمسيطرة على عدن.

وللإنصاف فإن المجلس الانتقالي وقواته الموالية له، بما فيها قوات الحزام
الأمني لم تتأخر أو تتوانى في الإعلان عن حزمة من القرارات والإجراءات
للحد من انتشار فايروس كورونا.

وشملت تلك الإجراءات إغلاق أسواق القات، وزيادة ساعات حظر التجوال في
المدينة، وإغلاق المولات والأسواق التجارية الكبرى، وتطويق المديريات،
إلا أن ثقافة الناس في عدن أصبحت أقل من مستوى الوعي والانضباط الموجود
في حضرموت، وفق مراقبين.

فالإجراءات والقرارات نفذت على استحياء في مناطق معينة، ولم تشمل كافة
مدينة عدن، كما أن الأمر لم يتوقف عند حد الإجراءات الأمنية بل تعداه
ليشمل التجهيزات والاستعدادات الصحية.

نزاع السلطات في عدن

من العوامل والأسباب التي حالت دون تحقيق تنفيذ واضح وواسع لقرارات
الانتقالي هو التنازع حول صلاحيات إدارة وتسيير مراكز العزل الصحي
والمحجر الرئيسي في عدن وبقية محاجر العزل في المطارات والموانئ والمنافذ
البرية.

وهو ما تجلى في نزاع السلطات بين الدائرة الصحية في المجلس الانتقالي
الجنوبي في عدن، وبين وزارة الصحة ومكتبها في المدينة، وبقية المديريات
الخاضعة للحكومة اليمنية الشرعية.

هذا النزاع أعطى إيحاءً لدى المنظمات الصحية والإنسانية العالمية بوجود
تضارب في الصلاحيات، وتسبب ببطء الإجراءات والاستعدادات الاحترازية
الخاصة لمجابهة فايروس كورونا.

كما أنه لم يساعد وزارة الصحة- باعتبارها الجهة الرسمية التي تتعامل معها
منظمة الصحة العالمية والمنظمات المشابهة- على العمل بحرية وأريحية في
عدن، مما أثر على التهيئة لمواجهة الوباء.

وبينما كان الأمر يستدعي تجاوزاً لكل الخلافات والإشكالات التي قد تحد من
استعدادات مواجهة كورونا، زادت وتيرة الخلافات بين الجانبين وبالتالي
تأثيرها على تجهيز المحجر والاستعداد لمواجهة كورونا.

ويبدو أن غياب جهة أو مؤسسة موحدة في عدن، سياسياً أو أمنياً، وانعدام
وجود قيادات منسجمة ومتفهمة لطبيعة المرحلة؛ انعكس على مجمل مناحي الحياة
في المدينة، وأفقدها تماسكها وانسجامها مما تسبب بهذا الوضع الذي تعيشه
عدن على مختلف الأصعدة.

فالمشكلة لا تكمن فقط في آلية التعامل مع أزمة كورونا، التي نجحت حضرموت
في التعاطي معها، بينما لم يكتب النجاح لعدن في هذا الملف؛ عطفاً على عدم
تجهيز المحجر الصحي الرئيسي في المدينة بعد، ولكن المشكلة تكمن في أكثر
من ملف وقضية.


اختلاف وتناقض

فحتى قبل وصول تهديدات كورونا إلى اليمن، كانت عدن تعيش وضعاً يختلف
كثيراً عن الأوضاع العادية أو الطبيعية أو على الأقل الحد الأدنى مما قد
تحتاجه أية مدينة تحاول أن تسعى نحو الاستقرار.

وفي حالة عدن، فإن أحد أهم الأسباب لهذا الوضع هو عدم رغبة السلطات في
التوجه مباشرةً وبجدية إلى خيار الدولة، واكتفائها بأسلوب سلطة الأمر
الواقع، الأمر الذي أدى إلى هذه الحالة من اللا دولة في المدينة، والتنقل
من كافة المسئوليات التي كان ينبغي أن تضطلع بها تلك السلطات.

وهو ما بدا واضحاً ليس في قطاع الصحة فقط، بل حتى في القطاعات الأمنية والعسكرية.

وإنصافاً لسلطات عدن، فإنه رغم الإجراءات المتخذة من قبل المسئولين
حالياً في المدينة إلا أن جزءا كبيرا من المسئولية يقع على عدم التزام
وانضباط مواطني عدن بالتوجيهات والقرارات الأمنية لمواجهة كورونا.

وهي نتائج واقعية يبررها محللون بتغير ثقافة العدنيين الذين طالما ضرب
بهم المثل في المدنية والنظام والقانون.

حتى ذهب عدد من منتسبي القطاع الصحي الى التوقع باختلاف تعامل السلطات في
عدن مع ما قامت به السلطات الحضرمية من التعامل الجيد والصارم مع الحالة
المصابة بكورونا.

وهو ما يكشف تغيرا ربما يكون ديموغرافيا أو فكريا، في ثقافة بعض القائمين
على مدينة عدن دون أدنى مؤهل أو كفاءة قد تكون مستحقة.

وبرأي المراقبين فإنه لا حل قد يلوح بالأفق لتحقيق الاستقرار في عدن،
واستعادة روح المدينة وهويتها المدنية والمتعايشة، وتوحيد جهودها
وطاقاتها، إلا بوجود دولة قوية ذات هيبة، تفرض إجراءاتها وقراراتها، ولا
تجعلها فريسة للأهواء أو الشخصنة تتلاعب بها، فتارةً تفرضها وتارةً
تتراجع عنها.

كما أن الحل الممكن والقريب حالياً في عدن يكمن في نسيان الخلافات،
ورميها خلف ظهورنا، والالتفات ومواجهة العدو القادم بقوة، وتوحيد الجهود
كما فعلت حضرموت.