آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-02:04م

أدب وثقافة


خاطرة: في غيابك الوقت لي والزمان لك

الأربعاء - 27 مارس 2013 - 03:36 ص بتوقيت عدن

خاطرة: في غيابك الوقت لي والزمان لك
ماري القصيفي - كاتبة وروائية من لبنان.

لبنان((عدن الغد)) صالون ماري الأدبي:

 

كنت أحسب أنّ بُعدَك عنّي سيتيح لي الفرصة لأعمل ما يلهيني وجودُك عن فعله:
كأن ألتقي الأصدقاء 
أقرأ الكتب 
أشاهد الأفلام
أهتمّ بشكلي 
أستعيد هوايات كنت أمارسها في انتظار لقائي بك 
وغير ذلك كثير من الأمور التي كنت أتّهمُ وجودَك بحرماني منها
ولكنّك حين تغيب في ازدحام العمل والناس ويخلو المكان إلّا من انتظار عودتك 
اكتشف أنّ كلّ ما أريد أن أفعله هو ما نقوم به معًا 
ولكنّي من دونك 
وفي غيابك 
أنتظر عودتك لأخبرك كيف فهمت معنى أن يكون الوقت ملكي والزمان ملكك 
وأن يخلو لي المكان وأن أمتلئ بك 


***


تعبٌ أنت من العمل والناس والحياة والانتظار 
قبلةٌ على عنقك
هل تزيل التعب؟ 
أنتظر على باب بيتنا أن تصل 
أن تعود من معركة حاربت فيها الأشرار وانتصرت 
أن تترجّل من سيّارتك وأنت تحمل حكايات الناس التي لملمتها لي 
عن طرقات تنبت على جوانبها الأعشابُ والأزهار 
ويسرع عليها العابرون إلى الغياب 
لم تقطف لي زهرة بريّة 
لأنّك تعرف أنّني أريد لها أن تبقى حيث هي كي يراها سواي وسواك 
ولم تحمل لي هديّة من متجر توقّفت عنده لتلقي التحيّة على البائعة الشابّة فيه 
تلك التي حكيت لي حكايتها مرّة 
ولم تشترِ لي كتابًا يلهيني عن الكتابة إليك 
جمعتَ لي الحكايات 
وخبّأتها تحت قميصك 
حيث تعرف أنّني سأبحث عنها 
وأنا أزرع قبلتي على عنقك الدافئ 
لأقطف منها ثمار العشق 
متى استعادت شرايينُ الأرض دمَها الدافق 
***
هل أحضن تعبك أم تحضن انتظاري؟ 
هل تستطيع قبلتي المتسلّلة بصمت عند فتحة القميص الزرقاء 
إلى حيث أترك بصمة شفتيّ 
أن تغسل عنك وحدة الطريق وثرثرات العابرين؟ 
هل تستطيع قبلتان ناعمتان على عينيك التعبتين أن تمنحانك أمانًا 
لن تجده إلاّ متى خطرتْ على بالك عتبة بيتنا؟


***


شجرتُك أنا 
زيتونتُك العتيقة الباقية في الأرض المقدّسة المنتظرةِ حجَّك إليها 
جذوري تمتدّ نحو عمق روحك وتتشعّب لترافقَك أينما توجّهت 
وأغصاني ترتفع لتعانق أحلامك
بزيتي أمسح جبهتك المرتفعة أبدًا
وأضيء مصباحك 
فلا تطفئ نجمتك ريح 
ولا تحاصر دربك عتمة 
ولا تزعج سكينتك أشباح الليل 
وثماري الممتلئة خيرًا مؤونة خوابيك لشتائك البارد
والباقيةُ منها على الأغصان العالية طعام العصافير التي تؤنس وحدتك 
جذعي مِسندُك 
حين تتعب ويطيب لك أن تريحَ كتفيك 
على خشبة لن تكون يومًا صليبك بل مائدة خلاصك
وأوراقي خيمتك 
حين يطيب للشمس أن تمدّ خيوطها الذهبيّة حبالاً تؤرجح نومَك في حضنها


***


فيا رجلاً قدّسته آلام الناس الذين كفروا بالألم
كيف يفيض من كفّيك بلسم الشفاء وأنت حامل لوعتك؟ 
كيف تشعّ من عينيك نظرات المحبّة وأنت المتشوّق إلى الحبّ؟ 
كيف توزّع الكلمات الشافية 
وأنت الذي شفّت روحُه من العشق والشوق؟ 
حين أمرّ بأناملي على وجهي أشعر بأنّ أناملك هي التي تداعبني
أم هي أنامل يدي تداعب وجهك؟ 
أهذا أنا أم أنت؟ 
ولماذا أشعر بالغيرة إذًا من كلّ من يحيط بك؟ 
وأصير فجأة كائنًا غريبًا عنك لا يفرحه ما يفرحك 
بل يفضّلك حزينًا إن لم يكن هو سبب فرحك
كيف نكون واحدًا في لحظة 
ثمّ نتشظّى مشاعرَ متناقضة من الغضب والحيرة والعشق والرغبة؟ 
أثور في وجهك فأتألّم عنك
أصرخ بك غاضبةً وأرغب في الوقت نفسه في ألّا تجرحك كلماتي 
فأنزف بالنيابة عنك 
وحين أبكي من عجزي عن الوصول إليك


*** 


أشعر بعينيك تشتعلان من وهج الدمع في عينيّ 
هل يحتمل جسد واحد ضعيف كلّ هذا الحبّ؟ 
ماذا أفعل إن عجز جسمي عن البوح لك بمكنونات القلب والخيال؟ 
ماذا أفعل إن لم تستطع 
خلاياي أن تنضح بعشقها لك 
كما أتمنّى لها أن تفعل 
وصوتي أن يعلن اشتياقه 
كما أنتظر منه أن يفعل 
ومائي أن يسيل ليروي عطشك 
كما أرغب في أن يفعل؟ 
ماذا أفعل إن كان ما أشعر به نحوك 
أعظم من جسد 
وأكبر من لقاء 
وأجمل من الحياة حين تخلو الحياة من الحبّ؟



من: ماري القصّيفي (من كتاب أحببتك فصرت الرسولة)