آخر تحديث :الإثنين-29 أبريل 2024-06:35م

ملفات وتحقيقات


"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( القطار .. رحلة إلى الغرب ) للرئيس علي ناصر محمد (الحلقة 18)

الخميس - 06 فبراير 2020 - 07:11 م بتوقيت عدن

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات  ( القطار .. رحلة إلى الغرب  ) للرئيس علي ناصر محمد (الحلقة 18)

عدن (عدن الغد ) متابعة وترتيب / الخضر عبدالله ::

أسواف حلب تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد

يواصل الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد  حديث الذكريات عن رحلته , وفي هذا العدد يحكي لنا  تفاصيل  سفره من كونبهاجن إلى  أوسلو على السفينة اسكندنافيا .. حيق يقول :"  تعود أصول أسواق حلب إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وتعرضت للحريق عام 1868 فأمر الوالي العثماني بترميمها واعادة بنائها مع نوافذ سقفية، حيث أقيمت المحلات التجارية على طرفي الشارع المستقيم الممتد بين القلعة وبباب انطاكية، وقد كانت تجارة حلب القديمة متمركزة في الأسواق والخانات وتعتبر أسواق حلب من أجمل أسواق مدن الشرق العربي والإسلامي لما تمتاز به من طابع عمراني جميل إذ تتوفر فيها نوافذ النور والهواء فتؤمن جواً معتدلاً لطيفاً يحمي من حر الصيف ومن أمطار وبرد الشتاء , و يبلغ تعداد أسواقها 37 سوقاً ومجموع أطوال هذه الأسواق على الجانبين 15 كم ومساحتها 16 هكتار .

أختم حديثي عن كوبنهاجن بالاشارة الى دور يهودها أو بالاصح الصهاينة منهم بدعم الحركة الصهيونية خلال الحرب العالمية الاولى (مكتب كوبنهاجن) لاستعمار فلسطين وإحلال بعض يهود العالم محل أهلها الأصليين عبر نشاط طال يهود فرنسا وبريطانيا والمانيا في المقام الأول وكانت حكومات ألمانيا وبريطانيا واميركا تتسابق في اظهار التعاطف ثم الدعم لإنشاء كيان يهودي محتل في فلسطين العربية.

من كونبهاجن ... إلى أوسلو على السفينة اسكندنافيا

ويتابع  حديثه بالقول :" كانت وجهتنا التالية كانت مدينة "أوسلو" أو "كريستينا" الأسم السابق لها على ظهر السفينة "اسكندنافيا" بدلاً من القطار... السفينة تتكون من 11 طابقاً، يعلوها برج عال ومداخن شامخة وتتسع لمئات المسافرين.

انطلقت رحلتنا البحرية الجميلة الخامسة مساء

الركاب ينتشرون على أسطح السفينة العملاقة يأكلون.. يشربون.. ويدخنون ويتحدثون، ويلتقطون الصور، وعلى الشاطئ تظهر سلسلة من الجزر الخضراء على كلا الجانبين... إلى الشمال والى اليمين. تلاحظ أنهم بدون هموم يعيشون اللحظة ويستلقون باسترخاء ويستمتعون بوقتهم، وإجازاتهم، ولاتشغلهم هموم كالتي تشغلنا نحن اليمنيين المشغولين لا المشتغلين أغلب أوقاتنا، إن لم يكن جل حياتنا بالخلافات والصراعات والحروب وهموم الحياة اليومية..

السفينة تبحر قريباً من الشاطيء... بوسعي أن أشاهد على اليمين الشواطئ الساحرة... القرى المتناثرة.. الأبنية... المصانع... المزارع... القوارب تتحرك بسرعة نحو الشواطيء تشق البحر... علمنا أن هذه الأراضي تابعة لمملكة السويد، ولايفصل بينها وبين كونبهاجن سوى جسر واحد معلق، وقد التقطنا صوراً له ونحن نغادر كونبهاجن.

على اليسار أشاهد عدداً من الجزر... الكنائس.. المدارس.. الأبنية.. الغابات.. أتأملها مذهولاً... لم أكن أتصور أن هذه الأراضي بكل هذا الجمال والروعة، لقد فاقت حين رأيتها وصف صديقي عمر كتمتو لها الذي حدثني عن رحلته من كوبنهاجن إلى أوسلو .. فازداد يقيني بالمثل العربي الذي لطالما سمعته "من رأى ليس كمن سمع!" حتى ولو كانت "الأذن تعشق قبل العين أحياناً" ولعل وصف عمر كتمتو لجمال هذه البلاد هو ما أغراني لزيارتها والمجيء إليها وإن لم يوفها حقها.

كان المشهد بالنسبة لي من أروع المشاهد التي رأيتها، ولعل السبب في هذا يعود إلى قسوة الطبيعة في بلادنا وندرة المساحات الخضراء فيها حيث تشكل الجبال والصحراء مساحات واسعة فيها لهذا فان مناظر الغابات والجبال المكسوة بالخضرة تعطي منحى إبداعياً مغايراً لما تعودنا عليه في كثير من بلداننا العربية.

أحد الأصدقاء في الرحلة قال لي أن ما نشاهده إلى اليمين هو الشاطيء السويدي الذي يمتد على مسافة طويلة حتى حدود النرويج..

منظر الشمس وهى تغرب وتطوي النهار يضفي ألوانا ًوظلالاً مفعمة بالغبطة على البحر، واحمراراً جميلاً في الأفق طالما أبهر الناظر إليه.

وقد ذكرني هذا المنظر البديع ببيت شعر للشاعر الراحل محمد سعيد جرادة وهو يناجي حبيبته ويقول فيه "والشمس قد عكست على وجناته شفق المغيب" وهو بيت من قصيدته الرائعة "وقفة" التي غناها واستهل بها ألحانه الفنان محمد مرشد ناجي في بداية حياته الغنائية في عدن في نهاية أربعينيات القرن العشرين.

الركوب على سطوح السفينة

ويستطرد قائلاً :" بعد المغيب هرع الركاب من سطوح السفينة إلى المطاعم والسوق الحرة والمقاهي والبارات الصغيرة الموزعة في أدوارها الأحد عشر.

حجزنا طاولة لتناول وجبة العشاء بعد أن انتظرنا طويلاً في الطابور .. أعطيت لنا بطاقة تحمل رقم الطاولة والوقت والاسم...

وعند دنو الموعد المحدد تحركنا إلى صالة الطعام لتناول العشاء من البوفيه المفتوح الذي حوى كل مالذ وطاب من المُقبلات، والوجبات الساخنة والباردة ولم تزد قيمة الوجبة عن 17 يورو للفرد الواحد أي ما يوازي نحو 23 دولاراً أمريكياً.

سلسلة المطاعم تستقبل وتودع أفواج المسافرين... السفينة العملاقة "اسكندنافيا" عالم كامل يضج بالحركة والحياة والحيوية وقد صممت لتحاكي مستوى الفنادق الراقية التي توفر نفس القدر من الراحة للمسافرين.

النزلاء يتنقلون بين المطاعم دور السينما أو يذهبون إلى الحفلات والمرابع الموسيقية بما تبقي من زمن الرحلة غير آبهين بشيء مما يجري في العالم فهم في إجازه وللنفس الحق في الراحة، على هذه السفينة العملاقة التي لا تشعر فيها بأدنى حركة اهتزاز ولو بسيطة وكأنك تقف على أرض ثابتة لا سفينة مبحرة ومثلما يعطون للعمل حقه في بقية السنة، فإن أيام الإجازات هي لحظات، للتخفف من أعباء الحياة وإيقاع العصر السريع وزحمة وضجيج المدن لإعطاء الجسد والفكر حقهما من الهدوء والراحة محطة الاسترخاء للتزود بوقود لقادم الايام.

وحتى نحن في البلدان العربية وبلدان العالم الثالث عموماً حيث نخلط بين كل الأوقات، ويختلط عندنا الحابل بالنابل، ويضيع العمر في ركض بلا جدوى، فلا نعرف كيف نعطي العمل حقه، ولا كيف نعطي النفس حقها من الراحة وأنا لا استثني نفسي من ذلك لأننا وحتى ونحن في هذه الرحلة الجميلة كنا نتابع عبر الهاتف مايحدث في وطننا اليمن، فلم تتوقف المكالمات التي تمطر علينا أخبارها المزعجة، فهذه حالنا منذ بداية القرن العشرين وحتى نهايته، وها هي تسحب نفسها على القرن الواحد والعشرين وإن وطننا ينزف ويعود إلى الوراء...

وقد زاد هذا النزيف خلال السنوات الأخيرة، ونأمل ألا تطول معاناة شعبنا الذي طالت أبناءه في الداخل كما في الخارج.

هذا ما يشغلني ويشغل كل غيور على وطنه وشعبه حتى في مثل هذه الأجواء.. فما يحدث هناك في بلادي يسرق مني أجواء الفرح.

لم يكن ينقصنا إلا رؤية القمر... وقد اعتلى كبد السماء، لكي يكتمل بضوئه بهاء الليل الاسكندينافي ونحن في شمال أوروبا.

وقد استأثر منظر القمر في تلك اللحظة من الليل خيال صديقي ورفيقي في رحلتي الدكتور لؤي صالح، فسارع إلى التقاط صورة له بكاميراته من خلف زجاج النافذة ...

وهو نفس مافعله ونحن على سطح السفينة عندما أخذ صورة للشمس لحظة الغروب الرائعة... تعرف الشمس كيف تطوي النهار وتختبيء منا في مكان ما، لتفاجئنا صبيحة اليوم التالي في إشراقة جديدة، وكأنها تمارس لعبة استغماية.

المتعة فوق البحر

ويضيف في الحديث :" الإيواء إلى غرفة النوم، ودفء الفراش، بعد نهار حافل، والإبحار فوق المياه والهواء المبلل بندى البحر، هو ما تحتاجه لتستقبل يومك الجديد... وهذا ما فعلته.

الضوء المتسلل من خلف أو من بين ثنايا ستائر الغرفة هو ما أيقظني في السابعة صباحاً بتوقيت اوسلو... لا اعرف العودة إلى النوم كما هي عادتي بعد أن أرى ضوء النهار.. وقد وجدت مؤخراً تفسيراً علمياً لهذه الظاهرة، فالضوء الذي يسقط على عينيك يعد من أعظم العوامل أثراً، نظراً للعلاقة التي ترتبط ما بين العين والنواة العصبية فوق التقاطعية... لهذا فان الضوء يستطيع التأثير على إيقاع النوم والاستيقاظ بشكل مباشر. بعد أن أديت صلاة الفجر فتحت ستارة النافذة فرأيت سلسلة من الخلجان على يساري بينما السفينة تواصل مسيرها عبر طريقها المعتاد عند الخيوط الأولى للصباح... كما ظهرت نفس الخلجان عبر الشاشة المثبتة في الغرفة والتي ترسم المسار المحدد لرحلة السفينة منذ لحظة انطلاقها من كوبنهاغن، وهي كتلك التي نراها في الطائرات الحديثة... وعلى الخارطة جسم أحمر صغير يتحرك ببطء يؤشر باتجاه الطريق التي تسلكها السفينة طوال الرحلة حتى محطة الوصول وتراها في أي مكان كنت في السفينة..

الغابات... القرى... المنازل، تظهر ببطء وتتابع فوق التلال... وفي الأسفل.. حالمة، منذورة للفرح، تبدو مثل جنة أو أرض خيالية... لكنها أرض حقيقية لا متخيلة... أرض في الواقع، جنة أمام ناظريك الأمر الذي يشغلني في هذه اللحظة هو المقارنة غير العادلة بين الجنان الأرضية والجبال الجرداء والصحاري القاحلة المحروقة في بلادنا حيث الطبيعة القاسية والقوم الأشداء، القساة، الذين استعصوا على الطبيعة.. وعلى الحكام، وكأنهم يتوكأون على عكاز التعب الأزلي، ويخاصمهم الفرح ويخاصمون المستقبل.

رصيف الميناء

ويستدرك بالقول :" الشمس ترتفع رويداً رويداً... ونحن نتناول طعام الافطار على سطح السفينة العملاقة التي كانت تبطئ حركتها كي ترسو على رصيف الميناء... وتعود إلى الخلف.. وكانت النوارس في استقبالنا على سطح السفينة وخارجها وكأنها ترحب بنا وبمن معنا من الركاب والزوار الى هذا الميناء تفتح بوابتها الخلفية الكبيرة ليخرج أو يهبط منها مئات السيارات والركاب والمسافرين الذين كانوا في جوفها... ويصعد إليها مسافرون وركاب جدد بالمئات أيضا في رحلة معاكسة. وفيما الحضارة قد روضت (الفايكينغ) سكان البلاد الاصليين –القبائل- الذين كانوا قراصنة وغزاة عانت من هجماتهم كثيراً من دول اوروبا وينعمون اليوم بخيرات بلادهم بينما لم تستطع لا الحضارة بكل منجزاتها ولا المال ترويض اقوامنا الذين ظلوا على طبيعتهم وممارسة نفس وظيفتهم.

المفاجاة لم نجد الشخص الذي وجه لنا الدعوة إلى أرسلو

كان الجو جميلاً ودافئاً... ولكن رجال الجمارك بددوا فرحتنا حين أصروا على تفتيش حقائبنا دون بقية المسافرين.. وهذه هي المرة الأولى التي نخضع فيها للتفتيش منذ غادرنا دمشق... يبدو أن سحنتنا السمراء هي ما دفعهم إلى هذا... حيث يعدون كل أسمر أو يشكون أنه من منطقة الشرق الأوسط في عداد الإرهابيين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م... أو من المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون بوثائق مزورة أو بجوازات يمزقونها عند الوصول إلى عاصمة أي بلد أوروبي للحصول على الاقامة والجنسية فيها، ولكن بعد أن رأوا جوازات سفرنا الدبلوماسية التي لم تجنبنا التفتيش أعادوها إلينا، وسمحوا لنا بالدخول مع تمنياتهم لنا بإقامة سعيدة في أوسلو. وهنا تذكرت بعض أبيات من قصيدة (الحب لا يقف على الضوء الاحمر) للشاعر نزار قباني يقول فيها :

لا تسافر بجوازٍ عربي..

وانتظر كالجرذ في كل المطارات،

فإن الضوء أحمر..

لا تقل باللغة الفصحى..

أنا مروان.. أو عدنان..  أو سحبان

إن الإسم لا يعني لها شيئاً..

المفاجأة كانت أننا لم نجد في استقبالنا الشخص الذي وجه لنا الدعوة لزيارة أوسلو ورسم لنا عبر أحاديثه عنها صورة وردية وعن الرحلة وعن معالم المدينة وما حولها... الشخص المعني هو عمر كتمتو، وهو فلسطيني، وكان سفيراً لفلسطين في أوسلو ومتزوج من نرويجية، وتابع عن كثب مفاوضات اتفاقية أوسلو السرية 1993م التي وقعها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع إسرائيل.. وهي الاتفاقية التي قال عنها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إن كل بند فيها يحتاج إلى اتفاق... وكان صادقاً في رأيه وفي رفضه لها.. ( للحديث بقية ) .