الأربعاء - 05 فبراير 2020 - 10:37 ص بتوقيت عدن
(عدن الغد)خاص:
- ما الذي يحدث في مأرب؟- هل يمكن أن تسقط مأرب بيد الحوثي خصوصاً بعد هجومه الأخير؟- أين قيادات الإصلاح.. وهل هم فعلاً متخاذلون؟- ما حقيقة الصفقة الدولية للتخلص من الإصلاح؟- كيف أثرت انقسامات الشرعية على سير المعارك في مأرب؟- هل حانت لحظة المدينة.. أم أنها أزمة عابرة سترتد على الحوثيين؟- أين التحالف والشرعية مما يحدث في مأرب؟- هل ما يحدث هو بسبب التحالف.. أم أنه قام بكل ما يستطيع وقدم كل شيء؟مأرب.. آخر معاقل الشرعيةالقسم السياسي بـ(عدن الغد):عُرفت مدينة مأرب (وسط اليمن)، بأنها معقل القوى التقليدية في البلاد منذثورة سبتمبر مطلع ستينيات القرن الماضي.وكثيرًا ما كانت هذه البقعة المتواجدة شرق الدولة الوليدة في الشطرالشمالي من اليمن، خارج نطاق الجمهورية الفتية.كان ذلك نتيجة العديد من الأسباب؛ على رأسها انتشار القبائل هناكوإمساكها بزمام الأمور، وربما لتمسكها بالسلطة التقليدية التي تداولت علىحكم اليمن لنحو عشرة قرون.فكان من الصعب ترويض مأرب وقبائلها واستقطابها في صفوف الجمهورية، وظلتلعقودٍ طويلة بعيدةً عن تدخلات الدولة، وهو وضعٌ لم تكن مأرب تتميز بهبمفردها، ولكنه كان طابعاً عاماً لكل المحيط القبلي الذي يُطوّق عاصمةالجمهورية الفتية في شمال اليمن حتى يومنا هذا.وفي الواقع فإن الدولة هي ذاتها لم تكن متحمسةً لاقتحام تلك البيئةالقبلية المغلقة، درءً لأية مشكلات أو أزمات أو تداعيات قد تتسبب بها تلكالتوجهات، غير أن هذه الحالة لم تستمر طويلاً، ولم تلتزم بها الأنظمةالمتعاقبة بشكلٍ كلي.فقد حاولت الأنظمة الأخيرة بكل جهودها احتضان مأرب، وإخراجها من عزلتهاوضمها إلى الدولة، وبدأت تلك المحاولات في منتصف ثمانينيات القرن الماضي،الذي لم يكن لينتهي إلا وقد أصبحت مأرب مدينةً نفطية وغازية بامتياز؛بفضل التنقيبات الحكومية.هنا فقط بدأت مأرب تجد لها موطئ قدم في الاهتمامات الحكومية، وبدأتبالفعل تنغمس وتشارك في الدولة والجمهورية والنظام العام.معقل الجمهورية والشرعيةغير أن الأحداث التي مرت بها البلاد خلال السنوات الخمس أو الست الماضيةكشفت تغيرًا جذرياً في فكر أهالي مأرب وقبائلها، وأوضحت تلك التغيرات مدىالتحول في توجهات وانتماءات وميول المأربيين، الذين لم تعد القبيلة-بانتماءاتها الضيقة- تؤثر على انتمائهم الواسع للوطن الكبير.كان ذلك جلياً وواضحاً في فترة ما بعد سقوط صنعاء في سبتمبر 2014، حيثكانت محاولات الحوثيين وقوات حليفهم صالح حينها، تنصدم بصمود قبائل مأربودفاعهم عن "الجمهورية"، هذه الجمهورية التي أخذت وقتاً طويلاً للولوجإلى قناعاتهم وأفكارهم.لم تخضع قبائل مأرب حينها لهجمات الحوثيين ومقاومتها، ومنعتهم من دخولالمحافظة، وقاتلت جميع القبائل هناك في صف الجمهورية والحكومة الشرعية.بل حتى أنها احتضنت رموز الدولة والجمهورية ممن نزحوا إليها فرارًا منبطش واقتحامات واعتقالات الحوثيين.وباتت مأرب، بفضل هذا التوجه والالتزام بالانتماء والولاء للوطنوالجمهورية أحد أهم معاقل الحكومة الحالية التي تقاوم وتواجه مشروعالحوثيين.وفي حقيقة الأمر فإن الناظر إلى واقع الأوضاع الراهنة المشتعلة، يتأكد لهأن مأرب هي الحصن الأخير لحكومة الشرعية، خاصةً بعد سيطرة قوات المجلسالانتقالي على عاصمة الشرعية المؤقتة عدن، وخنق الحوثيين وحصارهم لمدينةتعز.ما الذي يحدث في مأرب؟عطفاً على ما استعرضناه سلفاً من تاريخ مأرب الماضي وواقعها الراهن،يمكننا أن نستشف ونسبر أغوار ما يحدث في المدينة والمحافظة التي وقفتلسنوات في وجه الحوثيين، غير أن أسوارها اليوم يبدو أنها تتهاوى أمامضربات المليشيات الانقلابية.وهو وضعٌ يدعو للريبة والاستغراب، ويمكن للمحللين والمراقبين أن يربطوهبالعديد من المواقف والأحداث التي شهدتها الفترة الماضية بين أهماللاعبين المؤثرين في الشأن اليمني.فالقوات التي انطلقت من مأرب في 2015 بعد صد هجمات الحوثيين ودحرهم،انطلقت في طريقها صوب صنعاء، وظلت قريبةً من تخوم العاصمة ومهددةً معقلالحوثيين الرئيسي، دون أن يخطر في ذهنها أن الحوثي يمكن له أن ينقلب علىهذا الوضع ويهدد معقل الجمهورية والشرعية في مأرب.لكن.. وعلى الأرض تم ذلك بالفعل، فالحوثي الذي عجز طيلة أربعة أعوامماضية عن زحزحة قوات الشرعية الرابضة على أعتاب صنعاء، ها هو اليوم يهددويقف على مقربةٍ من حصون مأرب وأسوارها التي باتت في المتناول، على مايبدو.صواريخ تقذف بها راجمات الانقلابيين الحوثيين مواقع عسكرية وأمنية فيغاية الحساسية والأهمية، دون أن تكون هناك ردة فعل مناسبة ومساوية.تقهقر للجبهات الموالية للشرعية، ليس في مأرب فقط بل حتى في الجوف،تعلنها المليشيات بفخرٍ واعتزاز، في ظل تعميم وضبابية من إعلام الشرعيةعن حقيقة ما يجري هناك.وما يزيد تلك الضبابية والحيرة، الصمت المعلن من قبل التحالف العربي إزاءما يدور من أحداثٍ ومستجدات ميدانية وعسكرية.مأرب الإخوانية.. هل هي حقاً كذلك؟تتلقى مدينة مأربٍ وقبائلها اتهاماتٌ بموالاتها لجماعة الإخوان المسلمين،ويقول البعض إن حزب الإصلاح اليمني يمثلهم في اليمن.وهي اتهاماتٌ نسمعها كثيرًا من إعلام المتمردين الحوثيين، وكل خصومالإصلاح، ويبدو أن هذه الصفة التي تتصف بها مأرب تجعل من استهدافها"مبرراً" في نظر كثيرين.في المقابل يحاول أهالي مأرب وحتى من الموالين للإصلاح نفي تلك التهم،والاكتفاء بأنهم فقط يعملون من أجل الوطن ودحر خطر المليشيات الحوثيةالإيرانية عن مأرب وسواها من المدن اليمنية.ويرون أن تلك الاتهامات ترتبط بوجود الكثير من القيادات السياسيةالموالية للحزب في قلب الحكومة اليمنية الشرعية، وهو ما ينظر إليه البعضبأنه سيطرة حزبية إخوانية على الحكومة.ولأن أغلب قيادات الحكومة، العسكرية منها على وجه الخصوص، تتخذ من مأربمقراً لها؛ فإن أعداء الحكومة الشرعية قد وجدوا لهم مدخلاً للقضاء عليها،تحت مبرر القضاء على الإخوان، وفق وجهة النظر تلك.وبغض النظر عن المبررات؛ إلا أن تلك التهم شكلت وبالاً على مدينة مأرب،وجعلت استهدافها أمرًا يجتمع حوله أعداء الشرعية وأعداء الإخوان وأعداءالانتقالي حتى.فالباحث عن الدمار والانتقام والخراب قد لا يعدمه المبرر في حالة إصرارهعلى استهداف جهة أو طرفٍ ما، وهو حال الحوثيين اليوم.ما حقيقة تخاذل قيادات الإصلاح؟رغم كل ما ذكرناه عن الاتهامات المتبادلة في وقوع مأرب تحت رحمة الإخوانمن عدمه، إلا أن هناك العديد من الرؤى تتحدث عن وجود تخاذلٍ من قبلقياداتٍ إصلاحية في الجيش الوطني المدافع عن مأرب.وتشير تلك الرؤى إلى أن تلك القيادات قد لا تنتمي إلى مأرب، لكنها منخرطةفي القوات المسلحة، كاشفةً عن ما أسمته "صفقات مع الحوثيين"، لتسليمجبهات غرب مأرب للمليشيات الانقلابية.وهو ما نقله أحد قادة المليشيات عبر تصريحاتٍ إعلامية، أشار فيها إلىلقاءاتٍ وتنسيقٍ مع قادةٍ في الجيش وآخرين من القادة السياسيين والمحليينفي مأرب، على رأسهم محافظ المحافظة سلطان العرادة، والذي نفى كل تلكالمعلومات ووصفها بأنها "فبركات" إعلامية يقوم بها الحوثيون لتغطيةتراجعهم الميداني.ويرى متبنو هذا الرأي أن الإصلاحيين وقواتهم في نهم ومأرب والجوف يقومونبعملية ابتزاز للتحالف العربي الذي فتح ذراعيه لقوات "حراس الجمهورية"،وقائدها العميد طارق صالح.وهو ما يؤكده توقيت تحريك جبهات القتال في نهم وغيرها، والذي تزامن وأعقبلقاءاتٍ عقدها طارق صالح مع قيادات سعودية في الرياض.التخلص من الإخوان والإصلاحوعلى الجهة الأخرى يقول إعلاميون إصلاحيون: إن هناك توافقا وتنسيقا منجميع الأطراف السياسية والعسكرية والفاعلين في الشأن اليمني للتخلص منجماعة الإخوان في اليمن، ممثلاً بحزب الإصلاح.ويرى أولئك أن هذا التوافق ليس بمنأى عن ضوء أخضر دولي للتخلص من كل ماله علاقة بالإسلام السياسي، خاصةً بعد العديد من التطورات والمستجداتالسياسية والعسكرية على مستوى العالم والمنطقة.وأكدوا أن التسوية الجديدة التي يتم التحضير لها و"طباختها"، حد وصفهم،تقتضي إخراج حزب الإصلاح من المشهد، من خلال ضرب تواجده في أهم جبهاتالقتال في اليمن، والمتمثلة بجبهة شرق صنعاء.ويعتقد أصحاب وجهة النظر هذه أن هذا التوافق يعتبر خطأً استراتيجياً وقعفيه الجميع، خاصةً وأن قوات الإصلاح هي من تقود المعارك ضد الحوثيين فيمختلف جبهات القتال مع الحوثيين.وأن محاربة الإصلاح والتخلص من قواته، سيجعل ظهور الشرعية والتحالف معاًمكشوفةً لتقدم الحوثي وقواته في جميع الجبهات.الحوثيون يستغلون انقسام الشرعيةيهدد الحوثيون باقتحام معقل الحكومة الشرعية في مأرب، فبعد وصولهم إلىتخومها الغربية، واستيلائهم على معسكرات ضخمة واستعادتها من أيدي قواتالشرعية كمعسكر فرضة نهم ومقر المنطقة العسكرية السابعة، تبدو مأرب فيالمتناول.لكن.. ما حقيقة الرغبة الحوثية في دخول مأرب؟، وهل باستطاعتهم فعل ذلك؟،خاصةً في ظل الأنباء الأخيرة عن تعاظم قوة الحوثيين مؤخرًا، وتحديدًافيما يتعلق بقوتهم الصاروخية.ويؤكد محللون عسكريون موالون للحوثي أن قواتهم لم تكن بأفضل حالاً مما هيعليه اليوم، ويبدو أن بيئة الحرب التي عاشتها الجماعة المتمردة خلالالسنوات الماضية انعكست على تعزيز قواتها.في المقابل، يعتقد متابعون أن الحوثيين ليسوا أقوياء بقدر الضعفوالانقسام الموجود في الجانب الآخر، والمتمثل في الشرعية وداعميها، وأنهذا الضعف ساعد الحوثيين وأعطاهم الجرأة على "التنمر"، والاستقواء.فالناظر إلى واقع الشرعية يجد أن الصراعات تفتك بها، على مستوى العلاقاتبينها وبين دول التحالف العربي، وبينها وبين مكونات كان يمكن أن تستميلهاوتستقطبها في الداخل اليمني، وخاصةً في محافظات جنوب البلاد.وهذه الانقسامات والتناقضات في أوساط مكونات الشرعية؛ استغلها الحوثيونوبنوا عليها ومضوا نحو تحقيق أهدافهم وصناعة انتصاراتٍ حتى وإن كانتوهمية، إلا أنها وجدت من يروّج لها من بين صفوف الشرعية.هل حان وقت سقوط مأرب بالفعل؟بحسب رؤى لخبراء عسكريين فإن سقوط مدينة كمأرب ظلت لسنوات معقلاً للجيشاليمني، وخلفيةً داعمةً لتواجده في مناطق ذات أبعاد استراتيجية عسكرية،يبدو صعباً للغاية.فالمعنى الوجداني والعسكري للكثير من القيادات العسكرية والمحاربينوالمخلصين لفكرة مواجهة "المد الإيراني" لن يسمح بذلك.كما أن دور التحالف العربي- وإن تأخر- لن يكون بسيطاً ضد محاولات إسقاطمعقل الحكومة التي يدعمها والتي كانت سبباً في تواجده وتدخله.لهذا.. يحاول عدد من الباحثين والمحللين تسويق رؤيةٍ تبدو مغايرة، مفادهاأن الحوثيين لا يسعون إلى إسقاط مأرب المدينة، بقدر حرصهم وسعيهم لتحقيقانتصارات حقيقية على جبهة ذات أبعاد استراتيجية كالجبهة الشرقية لصنعاء،تأميناً وتمهيداً لأي تسويةٍ قادمة، تظهر بوادرها في الأفق.فالحوثيون يرون أنهم لا بد أن يؤمّنوا ظهورهم من جهة مأرب وجبهة نهم التيتهدد تواجدهم في عاصمتهم صنعاء، وهذا التأمين الذي يسعون إليه ربما كانأحد شروط موافقتهم على الانخراط في أي عملية تسوية تبدو جاهزة، وفقمحللين.وبناءً على ذلك، فإن تحركات الحوثيين صوب مأرب لا تعدو عن كونها الوصولإلى موقع قوة يمكنهم من التفاوض والحوار والظهور بمظهر المتماسك والثابتعلى الأرض.أين التحالف والشرعية؟وسط كل تلك المعمعة، يستغرب مراقبون من الصمت الذي يعتري مواقف المعنيينالرئيسيين تجاه المواجهات والتهديدات التي تعيشها مأرب منذ أسابيع.فاللاعبون الأساسيون المتمثلون في التحالف والحكومة، غائبون عن المشهد،ولا تتبادر إلى المسامع أية معلومات عن مواقفهم وتحركاتهم المضادة، فيمواجهة مواقف وتحركات الحوثيين.ويظن مراقبون أن التحالف العربي والحكومة الشرعية لم يكونوا على مستوىالأحداث الجسيمة التي ضربت جبهات مأرب ونهم، وأن احتمالات التقهقروالتراجع عن كل ما تم تحقيقه خلال أعوام لن يكون في صالح أيٍ منهما، مالم يسارعا في التحرك والتصرف ودعم الجبهات.بل إن البعض يذهب بعيدًا حين يحمل التحالف والشرعية مسئولية ما حدث ويحدثفي مأرب ونهم والجوف، وجبهات أخرى عديدة.في الوقت الذي يعتقد آخرون أن التحالف العربي وقواته لم يدخر جهدًا فيدعم الجبهات في مختلف المحافظات، عسكرياً وسياسياً منذ اللحظة الأولىلعاصفة الحزم، غير أن الضغوط الخارجية والتغير في السياسات الدولية حالتدون استمرار تلك الجهود.فالشيء المتوقع أن تقف قوات التحالف بتشكيلاته الجوية أولاً، خلفالمتصدين لتقدم الحوثيين، بينما ينتظر المراقبون من الشرعية أن تتحركلرفد الجبهات بالمقاتلين واختيار الشخصيات المحلية والعسكرية الفاعلةلمواصلة سياسة المقاومة.كما أن الاكتفاء بأدوار المقاومة والدفاع لم تعد مجدية حالياً في ظل ظروفمتدهورة ساعد في ترديها استمرار الحرب، وعليه لا بد من التفكير في رؤيةاستراتيجية مغايرة، يتبناها التحالف والشرعية تركز على الهجوم واستعادةالعاصمة صنعاء، لإنهاء مأساة الحرب، التي يتاجر بها الكثيرون.ربَّ ضارةٍ نافعةيعتقد متابعون أن الأحداث التي شهدتها مأرب، والتهديدات التي تواجهها فيظل قصور من قبل بعض الجهات، وتكالب أطراف أخرى؛ تمثل تهديدًا على مستقبلالبلاد برمتها.وذلك يعود إلى أن أية تراجع في مدينة مثل مأرب قد ينعكس سلباً على سيرالمعارك مع المليشيات الحوثية لصالح هذه الجماعة، كما أنه سينعكس علىجدية الأطراف الداعمة للشرعية، وسيكشف تخاذل الحكومة الشرعية نفسها.ولهذا يرى مراقبون أن الحل الوحيد لمنع حدوث مثل هذه الغاية التي يسعىإليها الحوثي وأعوانه، هو توحيد الجبهات ونبذ الانقسامات، وترميم الصفالداخلي لمواجهة هذا الخطر الحوثي الإيراني المتعاظم.وربما قد تكون الهجمات الأخيرة على مأرب جرس إنذار لتنبيه الجميع، ورصصفوفهم وإعادة تأهيلها لمواجهة جديدة مع المليشيات، و"رب ضارةٍ نافعة"تعود بالخير والنصر على البلاد.