آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-06:40م

ملفات وتحقيقات


لماذا سميت أبين بأرض الحاس والحسحاس .. وما هو دافع الشحذ والمعن وهم في كل قرية ووادي يهيمون ؟!

الخميس - 02 يناير 2020 - 12:02 م بتوقيت عدن

لماذا سميت أبين بأرض الحاس والحسحاس .. وما هو دافع الشحذ والمعن وهم في كل قرية ووادي يهيمون ؟!

(عدن الغد)خاص:

عدن الغد تنفرد بنشر مذكرات ( الطريق إلى عدن ) الرئيس علي ناصر : الحلقة ( الثالثة والثلاثون )

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :

أرض الحاس والحسحاس

يشرح لنا الرئيس ناصر في هذه الحلقة عن عادات وحياة المعن والشحذ وكذا عن وصوله أبين فيقول :" لكن الذي عكر مزاجنا هو انتشار البعوض بأعداد كبيرة حول النار وحولنا ويسمونه في أبين "الحاس" (البعوض) ويكثر في هذه المنطقة بسبب كثرة المياه والمستنقعات واستصلاح الأراضي الجديدة في أبين. وعندما اشتكيت من لدغ البعوض قال العم سليمان: ما سمعت بقصة التاجر الذي سافر إلى عدن وكون ثروة فيها وعندما أراد العودة إلى بلاده وضع كل ثروته على الجمال وحط الرحال بوادي أبين (وادي بنا) القريب من زنجبار، وجاءته السيول القادمة من شمال اليمن، وفقد بضاعته وماله وجماله ورجاله، وقال هذا التاجر الغني الفقير (أبين أبين، أرطب وألين، أرض الحاس والحسحاس والكيد والنكد، والظلم الشديد، لا حيها سالي ولا ميتها شهيد، خيرها إلى الحجلين، وشرها إلى الأذنين، شابها معلول، وشاجعها مقتول).

اننا والحمد لله لم نحط رحالنا بوادي أبين حتى لا يصيبنا ما أصاب التاجر، والحاس في المسيمير أهون من مصيبة التاجر، فنحن مرتاحون وأنا أسمع الآن أصوات مزامير وطبول الغجر. وأفضل السهرات هي التي يحييها الغجر أو (المعن) كما يطلقون عليهم في دثينة، إن هؤلاء الغجر لا يقيمون في مكان واحد أكثر من شهر أو شهرين بعد كل موسم زراعي وقد سمعنا تلك الليلة أن مخيماً للغجر قد حل في المسيمير بعد أن انتقلوا من بيحان ودثينة والعواذل وزنجبار في طريقهم إلى دار سعد.

العم سليمان :
أن لا مكان لنا في هذه السهرات التي تتطلب الذبح والقدح والمال

ويواصل حديثة :" نصحنا أحد سكان المسيمير بالذهاب إلى الغجر "المعن" لقضاء ليلة جميلة في مخيمهم المتحرك وسط أنغام الشبابة والمزمار وصوت الطبل والمرفع، لكن العم سليمان قال أن لا مكان لنا في هذه السهرات التي تتطلب الذبح والقدح والمال والروح والمغامرة والسهر حتى شروق الشمس وسط منافسة بين العشاق، قال العم سليمان بطلوا هذا الكلام وامسهر مع امشحذ وخلونا نتكلم ونسمر وحدنا أفضل من السهر مع الغجريات الساحرات.
مضينا في غمار سهرتنا يلاحقنا عبق التمباك الحممي( 1)، وفي السماء البعيدة تلوح النجوم المشرقة والفرح يكتسي اللون الوردي وعطر النساء الممزوج بشذى الفل والكاذي والياسمين يملأ المكان.
أي رائحة للمرأة في هذا المكان الشاسع ذي السقف البعيد شديد الارتفاع.. أي رائحة يمكن أن يطلقها الخيال على عري هذه الأرض، كأنها السيل يجري في وديان صحراوية عطشى فيحييها بالخضرة.

شحذ و ينادونهم مـعــــن

وينادونهم بالشحذ وكلمة "معن" تستخدم في دثينة وفي العواذل لوصف الشحذ بمعناها المذكر والمؤنث.. وللإناث يقال معنيات والشحذ في دثينة هم شحذ القبائل الذين يخدمون في الأفراح والأحزان ويقومون بإشعار سكان القرى عن طريق قرع الطبول والمناداة, ويسمى "مطرّب" (بضم الميم وفتح وفتح الطاء وتشديد الراء وكسرها ومعناها منادي) ويقرعون الطبول في الشرح والبرع, ويذبحون الأغنام وتحضير الموائد لضيوف القبائل, وهم مستقرون في دثينة وليس لهم صلة بـ"المعن" (الشحذ المتنقلين). وفي أرض العوالق تسمية معن تطلق على بعض القبائل النازحة أصولها من شمال الجزيرة وتعني أيضاً العوالق.
ويدعى الغجري شاحذ أي (دوشان) وهم يتنقلون بين دثينة والعواذل ومأرب وبلاد الرصاص بالبيضاء، وهم ينحدرون من مناطق خولان ومن مناطق أخرى في اليمن, فقد كان هؤلاء عبر التاريخ هدفاً للملوك اليمنيين القدامى، وكان مصدر رزقهم مدح الملوك والحكام والرقص للترفيه عنهم، وبمرور الزمن احترفوها كمهنة وشغل لهم.

الرقص مع المعن

ويتابع " حيثما تجتمع القبائل يبرز الدوشان (2)أو الشاحذ وفي يده رمح يلوح به في يده اليمنى أمام الشخص المهم حتى يمنحه بعض النقود أو الملابس. وأصبح هؤلاء الشحذ يتجولون بين القرى والمدن حيث ينصبون خيامهم السوداء وهي من شعر الماعز، ويعزفون ويرقصون. وعند سماع صوت الطبل والمزمار يتجمع الشبان والعشاق وهواة السمر حول هذه الخيام, يشاهدون الرقص والغجريات الفاتنات المبخرات المعطرات وهن ينضحن بالمسك، فيتنسم الهواء عبقاً مصحوباً بإثارة ذلك المساء مع سحب الغبار المخيمة على الساحة التي تتحول إلى دوائر أو دائرة تصول وتجول فيها أجمل الفاتنات اللاتي يلبسن الأحزمة والخواتم والحلي الفضية حول معاصمهن وسيقانهن "الحجول", وهن يقرعن الأرض دقاً ويقفزن على دائرة الزحام، تمسك إحداهن بيد الأخرى وتشكلان عقداً في الهواء، وقد تمسك الفتاة بقرط أذنها ويدها الأخرى ممسكة بطرف ثوبها، وفي المقابل يمد الرجل يديه أمامه وكأنه يهتف لحب الفتاة، وهو جزء من الطقوس. وأحياناً يمسك بمقبض جنبيتة (خنجره) وهو يرقص في تحدّ للفتاة حيث يقفز أمامها وهو يحاول تقبيلها بصورة خاطفة وسريعة ولكنه لا يتمكن من ذلك فالفتاة منتبهة وحذرة. وفي بعض المناطق لا يقبّل الرجل حتى زوجته.
ويكون الرقص مفعماً بالركض والمطاردة واللمسات المتكررة بالغزل والعاطفة، وتلجأ الفتاة إلى إدارة مرفقها حولها لتحاشي القبلة، إلا أن الرجل يعمد إلى مباغتتها وخطف قبلة منها ولكنها تبتعد عنه، وأحياناً تصده بمرفقها وعندما يرقصون تهتف الفتيات الغجريات سرى.. سرى.. سرى.. أي أننا نسري ونقضي وقتاً ممتعاً الليلة نبا (نريد) سمرة ويحضر السمير أو السمّار مع كل ما يملكون.

التنافس ودفع المال للرقص مع فتيات المعن

ويقول الرئيس ناصر مواصلا :" ويستمر الرقص ويسحب الرجل من جيبه أو كمره خمسة شلنات أوعشرة شلنات بل أحياناً أكثر ويرميها في سلة الطبالين. وهكذا يبدأ التنافس بالرقص وبالمال وتعود الفتيات إلى حلبة الرقص أكثر من مرة ثم يتراجعن إلى أماكنهن فيرتحن قليلاً ويعدن للرقص من جديد، ويستمررن حتى يشيخ الليل، ويجلس الرجال في الخيام وحولها، ويقومون بتوزيع بعض النقود للزوج والأم والأخت الصغيرة ويعطى المبلغ الكبير للفتاة للحصول على اهتمامها حيث يدفع لها ما لا يقل عن خمسين شلناً، وعندما يأتي رجل آخر إلى الخيمة يقول له الأخير البيت لك والخلاء لي دار.

تغزل الشباب بفتيات المعن

وإذا رغب شخص في امتلاك فتاة معينة لليلة واحدة يحضر خروفاً إلى الخيمة فتقوم بعضهن بطبخ الخروف ولا يحصل الضيف إلا على قطعة صغيرة، ويقضي الليل في الفناء داخل الخيمة، وإذا كانت الفتاة جميلة يعطى لها خمسة أو عشرة قروش ماريا تريزا وقد يحظى أو لا يحظى بما يريد، وقد يخسر الإنسان ماله وغنمه وأرضه في سبيل الوصول إلى قلب وحب عشيقته( 3)، وكان الشباب يتغزلون في الفتيات اللاتي أسماؤهن: بساط الريح و"أبو صليب" (اسم ساعة سويسرية) ولبنان ومرخة وخزنة، وكانوا يطلقون على أجمل فتاة "أوبل"( 4)وهي ماركة سيارات ألمانية مشهورة. ولعلها عادة يمنية عبرت عن نفسها في فترات لاحقة من خلال تسمية سيارات بأسماء فنانات مثل (ليلى علوي) و(مونيكا) و(مجري ماكينة وراء) وهو عبارة عن باص مجري ومحركه من الخلف فهم يتغزلون بأرداف ومؤخرات البنات وهو أمر لا يحصل في بلدان أخرى.

العم برطم : لماذا يسمي الشحذ بناتهم بأسماء اخرى

ويشير قائلاً :" قال برطم سمعنا عن بساط الريح وأوبل وأبو ساعة ولبنان لكن ليش الشحذ يسمون بناتهم بهذه الأسماء؟
قلت لهم: بساط الريح أغنية لفريد الأطرش تتحدث عن رحلة على بساط الريح إلى البلدان العربية يقول فيها: "بساط الريح يا بو الجناحين مراكش فين وتونس فين" والخ..
قال العم سليمان: والله ما فهمت شي من هذه امهاري بس قل لنا أيش معنى أبو ساعة؟
قلت: هذه ساعة جميلة أسمها أبو صليب ( 5) أتوا بها من سويسرا.

قال: وهذه ما فهمتها أيش دخل امساعة في امشاحذة؟ ولم أعلق عليه..
وأتذكر في أحد زياراتي لاحقا للشحر في "الاحتفال السنوي للشهداء السبعة الذين استشهدوا في مواجهة البرتغاليين" أن أحد الراقصات بالزي الشعبي كانوا يطلقون عليها "ام صليب" وكانت من أشهر راقصات الفن الشعبيي تلك الفترة.
ثم قال: ماهو معنى أوبل؟
قلت: هذه سيارة ألمانية جميلة وصلت إلى بندر عدن وجعلت الناس فيها يتمنون امتلاكها قائلين: با يفتح الله وبا نشتري أوبل!.

ما هي علاقة الشاحذة بالسيارة ؟

قال: وأيش دخل امشاحذة في امسيارة؟
قلت: إنهم يشبهونها بها لأنها جميلة.
قال: السيارة حديد والحرمة لحم ودم وأنا ما فهمت كلامك.
قلت: عندنا يقولون فلان أسد ونمر وذئب وكلب..الخ
قفز برطم وقال وأيش معنى لبنان؟
قلت: إنها جميلة مثل لبنان في بلاد الشام وأعتقد أنهم سموها بأغنية لبنان عروس الكون أي أنها جميلة وعروسة مثل لبنان.
قال: هذا كلام الشبان الطايشين الذين يسهرون مع الغجريات الشاحذات كل ليلة وهذا حرام عليهم وعلى أهلهم الذين يسمحون لهم.

هوامش 

1- كان معروفاً عند السكان بـ "الرقم واحد" وكان يأتي من غيل باوزير بحضر موت.
2- الدوشان وظيفة أخرى فهو يقوم بدور شاعر القبيلة المتخصص في نـشر أمجادها ومآثـرها عن طريق التـغني بها في المناسبات المتـعددة والمتـنوعة ” زواج ، خـتان ، أعياد .. إلخ ” وفي مثـل هذه الحالة يرفـع صوته عالياً بادئاً كلامه بكـلمات معـهودة هي: ”حيـك، وحيا أبـوك وجدك يامكرم الضيفان. ويا ...، ويا.... ” ويسترسل في ذكر محامد ومكارم الشخص الممدوح ومكارم والده وجده وقبيلته. ثم ينتـقل إلى مدح شخص آخر وهكذا حتى يكمل مديحه لكل من حضـر تلك المناسبـة3
2- وهذا حال الغجريات في كل مكان من العالم فهن لا يعشن لأحد.
4- كان وكيلها في عدن بول رايس الفرنسي
5- اسمها الحقيقي (ويست اند) westend