آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-09:54م

ملفات وتحقيقات


الجراد يرعب العالم ويرعبه اليمنيون .. فهل كان اليمنيون يعتقدون أن الجراد علاج لكل داء ؟!

الأحد - 22 ديسمبر 2019 - 09:55 ص بتوقيت عدن

الجراد يرعب العالم ويرعبه اليمنيون .. فهل  كان اليمنيون يعتقدون أن الجراد علاج لكل داء ؟!

(عدن الغد)خاص:

(عدن الغد) تنفرد بنشر مذكرات  ( الطريق إلى  عدن )  الرئيس علي ناصر :  الحلقة ( الثالثة والعشرون )

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :  
 
طريقة تحضير القهوة

يتابع  الرئيس  علي ناصر محمد  حديث ذكرياته في نقله  معلومات  عن العم سليمان عوض  ومسعود برطم  في رحلتهم  إلى عدن  ويتحدث قائلاً :" قلت لأحمد مسعود برطم الحطاب: أشرب قهوة من شان تواصل لنا الليلة قبل النوم قصة تحضير القهوة.
قال: رعني تعبت وعيوني حمراء ويحرقيني، خليها لبكرة.
قلت له: أرويها لنا باختصار.
فاستجاب مشكوراً لرغبتي وبدأ يحكي:
"أول ما كان" (في البداية) تجيب "منسانة" (المرأة) امبن وتدقه في "امنحاز" (الهاون) قليل لما يتكسر وبعدين تخرج القشرة في المقلى وتحركها بعود لما تحمر، وتجر المقلى من النار وتنسفه وتشب(1)  عليه بفمها من أجل (أن) القشر يوّلي (2) للمسرفة والحب الصافي يبقى في المقلى، وترد (تعيد) المقلى فوق "الصعد" (موقد النار) حتى ينجح الصافي أي حبات البُن.

واذا تناصف البن- لا هو محترق ولا هو ني- ربشته فوق القشر، وتدقه دفرة في المنحاز وهو من العود(3)  والعالي (4)  من حجر، وتورد الماء في الدلة وتنصبها على الصعد ولا قد فار بالماء نزلتها.

وتدق الحويج حقه: الزنجبيل والقرفة والهيل. وبعدين بننتها وترد الدلة على النار وتسكب الحوايج في صيني وتسكب عليه قليل قهوة وحوجت به القهوة. وحركت الدلة وتخوض القهوة وما تعريها إلا إن كان قليل من أجل لا تفوش القهوة ولا فاشت خرجت القهوة.
ولا قد حصلت القهوة قربتها وصرفتها في الصياني للموجودين لا هم من أهلها وأن كانوا غرباء تنديها واحد من الذين هم جلوس من أهلها يصرف امقهوة.
وعندنا يسوون قهوة كثير في الدلة من أجل يشربون لما يروون، ونقيس الماء على قدر البن. وأدوات القهوة عندنا هي الدلة(5)  والربعة والشط والصياني (6) والمنحاز (7)  والعالي (8)   والمقلى (9). أما في الحبشة فهم يضعون المقلى فوق النار ويحمصون البن لما تحترق القشرة ويطلع منها دخان ورائحة جميله ويبخرون بها الضيوف والحضور كمقدمة لشرب القهوة وتقوم بذلك امرأة تلبس ثياباً بيضاء كجزء من الطقوس في هذا البلد الجميل.
وكانت الفاتحة تقرأ قبل تناول القهوة والى روح الشاذلي والخاملي وكل صالح ولي.


مائدة من الجراد المشوي


توقف برطم بعد الحديث عن الزراعة والعلوب والقهوة وتثاءب وتثاءبنا معه، وكأنه وجه لنا رسالة بالنوم.
قال العم سليمان: يا بوك تعبنا من هذه امهاري.
كان يومنا طويلاً وغداً سيكون أطول وأصعب في سلسلة الجبال البركانية السوداء.. وعبر الطرق الوعرة الملتوية فكان علينا أن ننام.. وعند الصباح استيقظنا على أصوات السيارات فتيمننا لعدم وجود الماء وصلينا صلاة الفجر وغادرنا جربة الوبري.
الطريق ينحدر إلى الأسفل وكلما اتجه البصر إلى الأسفل ازداد الطريق انحداراً. طريق صعب متعرج، تتقاذفنا خلاله الصخور والحجارة السوداء، حتى أن حذائي تمزق على هذه الصخور الحادة. كنا نهبط وسط الصخور السوداء البركانية التي تحيط بنا من كل مكان، وكانت هي المشهد الوحيد الذي يحيط بنا من كل الاتجاهات، نتوتر ونحس بالتعب ونبحث عن مكان نرتاح فيه، فلا نجد مكاناً نستظل به من حرارة الشمس التي ترتفع فوقنا وتشوي أجسامنا.. ولم يكن أمامنا وسط حرارة الشمس التي كانت تحرقنا بسخاء إلا أن نواصل السير، وأن نشرب بحرص كلما شعرنا بالظمأ ونركب الجمال هرباً من حرارة الأرض والشمس, واضعين على رؤوسنا عمائم تحمينا من حرارة الشمس وتستظل تحتها.


المحطة الرابعة

بعد جهد جهيد، ويوم قاس طويل، وصلنا وقد بلغ بنا التعب أشده إلى "السملول" حيث قررنا أن نبيت ليلتنا في هذه المحطة الرابعة، قابلنا عند المغيب سيارات قادمة من دثينة في طريقها إلى شقرة وعدن. وقد دعاني البعض ممن عرفوني أن أصعد معهم إلى السيارة، لكني رفضت هذا العرض المغري برغم كل ما أحس به من تعب، وفضلت أن أواصل رحلتي مع رفاق الرحلة مهما كان فيها من مشاق وتعب. كان من بين ركاب السيارة الذين عرفتهم الشيخ علي محمد بن علي شيخ الذي ينتمي إلى منطقتنا ذاتها وقريتنا امفرعة، وهو رجل قصير سمين يملك معصرة للزيت ودكاناً صغيراً للتجارة أسفل منزله. وأذكر أنه كان يجلس في محله على صندوق خشبي هو كرسيه وخزينته التي يضع فيها ريالات (ماريا تريزا).
كان الشيخ علي يقف خلف ميزان معلق إلى سقف الدكان وأمامه قطع من الحديد(الأوزان) المختلفة كالفراسلة والنصف والربع فراسلة والرطل, والأوزان الأقل حتى الأوقية ونصف الاوقية. وكان الدكان مستودعاً فيه كل شيء من الدقيق والسكر والشاي والبُن إلى البصل والثوم وعلب الطماطم (الصلصة) والسمن وحتى الملابس، وما تتزين به المرأة من أقراط وحتى الذخيرة والبنادق.
وكان الرجل ظريفاً ويحب المزاح ويعشق النكتة – ويعجبه سماع القصص خاصة تلك التي تميل إلى الخرافة أو المغامرة، وكان مخزون دكانه من البضائع يكفي لشهر أو شهرين, يتوجه بعدها إلى عدن لشراء متطلبات القرية التي لا ينافسه فيها إلا دكان جديد لأهل فرحان. وكانت عبارته المشهورة التي دائماً ما كان يرددها عندما يسأله الزبائن السؤال التقليدي: ماذا لديك؟ هو القول: عندي كل شي.. كل شي وتمر. كان التمر في تلك الأيام فاكهة الناس وحلواهم وخاصة التمر "الحجري" (نسبة الى وادي حجر بحضرموت) في رمضان.  

وكما سبق أن أسلفت فقد رفضت عرض ركاب تلك السيارة بالصعود معهم، ومواصلة ما تبقى من الرحلة على ظهرها، وعوضاً عن ذلك طلبت منهم أن يعطونا بعض الماء وبعض الأكل. وكانت السيارة قد توقفت في ذلك المكان ليستلم سائقها الأجرة من المسافرين. والسائق يعرف أن الراكب سيدفع له أجرته رغم أنفه كما يقال وإلا تركه لمصيره في هذا المكان المقفر. ويجمع الأجرة من الركاب صبي صغير يسمونه "الجريش بوي" أو معاون السائق. وعادة تجد هؤلاء الركاب محشورين على ظهر هذه السيارات العتيقة وهم واقفون وماسكون بأيديهم بودي السيارة لأنه لا يوجد مكان للجلوس والمكان الذي يوجد فيه كرسي للجلوس يقع الى جانب السائق في مقدمة السيارة ويتسع فقط لاثنين أو ثلاثة وكانت أبوابه الأمامية حينها مفتوحة. ومع ذلك تجدهم مفعمين بالمرح والفرح لأنهم سيذهبون إلى بندر عدن التي كان الشعراء يتغنون بها، ومنهم المواطنون من شمال اليمن:
"يا ليت عدن مسير يوم  
   شا سير به ليلة ما شرقد النوم".
وكذلك قالوا:
عدن عدن لك بحر تغرقي به
يا من دخل لك نسي حبيبه

الجراد آفة الزراعة .. وآفة الجراد اليمنيون

مع حلول الظلام شاهدنا أسراب الجراد( 10) تهبط من السماء لنلتقي معها على صخور هذه الجبال السوداء، وشاهدناه وهو يحط على بعض الأعشاب الصغيرة والصخور السوداء. ورأيت أسارير بعض رفاق الرحلة وهي تنفرج.. وهم يستعدون لاصطياد أسراب الجراد التي اضطرت للمبيت في هذه الجبال مثلما اضطررنا نحن- وبدأوا يجمعونه بكميات كبيرة وكأنه هبة الله ساقها لهم في الوقت المناسب كما قال البعض منهم. دب في البقعة الهادئة نشاط عجيب. النار والمشاوي من الجراد، والشاي والقهوة والمداعة والقرم وغير ذلك من الأشياء التي تعودنا عليها منذ بداية رحلتنا. لكن الجراد هو الوافد الجديد إلى مائدتنا وسهرتنا هذه الليلة السعيدة.. فكان لحمنا وشحمنا في هذه الأمسية التي طاب لنا فيها الأكل والسمر.. ومن المعروف أن أسراب الجراد كانت تدمر المزروعات ولم يكن لدى المزارعين من الوسائل لمكافحتها سوى الدخان المتصاعد عن حرق الحطب والأشجار، وقرع الطبول حتى لا يستطيع الجراد الهبوط والتهام محاصيلهم.

قصة اليمنيين مع الجراد

يقال إن الجراد آفة الزراعة في بعض البلدان.. وآفة الجراد اليمنيون. حيث ينتظرون وصوله إلى أراضيهم بشغف ، ولا يدخرون جهداً من أجل الحصول على أكبر قدر منه، فهم يصطادونه ويشوونه وأحياناً يغلونه ليخزنوه ويأكلونه لفترات طويلة كالجمبري لدى سكان الساحل. وأحياناً يعرض الجراد المجفف في الأسواق لبيعه كأي سلعة، ولهم في ذلك عادات وتقاليد، وفنون طهي أيضاَ وبسبب الجراد مات بعض الناس عند خروجهم ليلاً لصيده وجمعه بسبب لدغات الأفاعي السامة. فقد جرت العادة في الأرياف حين يعلم أحدهم بالمكان الذي توجهت إليه أسراب الجراد أن يخبر باقي عشيرته وأهله، فيجهز الأهالي الفوانيس والشوالات الفارغة، وتنطلق إلى مكان نزول الجراد، وتحرص أغلب الأسر على المشاركة بأكبر عدد ممكن من أفرادها - رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً - فيسيرون في موكب احتفالي حاملين الفوانيس معهم، حتى إذا بلغوا المكان فتحوا شوالاتهم، وباشروا بصيد الجراد بأكفهم ليعودوا بعد ساعات محملين به، فتتولى النساء في اليوم التالي تجهيزه للأكل (11).

الرئيس علي عبدالله صالح : الجراد هو الجمبري

وبعد هذا الحديث عن الجراد أتذكر أنني كنت في صنعاء برفقة الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان يقود بنفسه وخلفه رتل من السيارات وعندما شاهد مكاننا لبيع الجراد توقف وأمر بشراء شوالين من الجراد وانتقلنا الى دار الرئاسة واقترشنا الارض وقاموا بتفريغ على بطانيات خاصة وشكلنا حلقات حول الجراد لنأكله والناس يضحكون وعلي عبدالله صالح يردد هذا هو  الجمبري المشوي.

الجراد وقد تم جمعه في الشوالات

الجراد يرعب العالم. ويرعبه اليمنيون حيث إن اليمنيين كانوا يعتقدون أن الجراد علاج لكل داء، للنظر والسكر ومرض القلب ولكل شيء.. فلذا قرر اليمنيون أن الجراد جدير بالأكل وليس بالرعب والخوف، وأن الجراد يتغذى بأفضل انواع  النباتات. والتهامه يوفر لآكله مادة البروتين

-----------------------------------------------------
هوامش /
1 - تنفخ.
 2- يذهب.
3-العود: من الخشب.
  4-- العالي: من الحجر
5-يطبخون فيها القهوة
  6- فناجين صنع الصين.
  7- يطحنون فيها البن
  8- يدق فيها البن.
  9- يحمص فيها البن.
10- آفة الزراعة الجراد وآفة الجراد اليمنيين الذين يأكلونه.
11-الجراد يرعب العالم. ويرعبه اليمنيون  الأيام» 1/9/2007   أمجد عبداللاه باحشوان