آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-05:47م

ملفات وتحقيقات


مذكرات الرئيس ناصر..عادات الزواج بدثينة خلو الزوجة من العيب والسرية التامة لمراسم الخطوبة .. فهل للفتاة دور في قبول العريس ؟

الجمعة - 06 ديسمبر 2019 - 05:46 م بتوقيت عدن

مذكرات الرئيس ناصر..عادات الزواج بدثينة خلو الزوجة من العيب والسرية التامة لمراسم الخطوبة .. فهل للفتاة دور في قبول العريس ؟

عدن(عدن الغد)خاص:

(عدن الغد) تنفرد بنشر مذكرات  ( الطريق إلى  عدن )  الرئيس علي ناصر :  الحلقة ( الثالثة عشر   )

 

 

 

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله : 

 

 

 

 

 

 

 

الزواج في دثينة:

 

تناهى إلى سمعنا أصوات الطبل والمزمار والشرح منطلقاً من قرية الوضيع وتمنيت أن أذهب وأشاركهم هذا الفرح، وأشهد عاداتهم وتقاليدهم في مثل هذه المناسبات لكن الظرف لم يكن يسمح، ولا الوقت. وكنت أخشى أن تفلت مني هذه الفرصة السانحة، ولما أدركت أن الذهاب إلى هناك لمشاهدة ما يحدث أمر مستحيل، ولن يوافقني العم سليمان عليه فقد طلبت منه أن يحدثني عن عادات وتقاليد الزواج في منطقتنا دثينة، التي كنت أعرف القليل منها في ذلك الوقت بحكم صغر سني، وكان يحدوني الفضول لمعرفة المزيد عنها..

قال العم سليمان:

- يا بوك.. شعنا تعبانين، وبكرة يومنا طويل، ويجب أن ننام ونرتاح، ونقوم.. عندما يطلع الفجر ونأبش.. (أي نبكّر) عندما يطلع الفجر.

ولكنني أصررت عليه..

وكانت الأشياء التي حكاها لي الرجل رحلة في عادات وتقاليد تكونت عبر الزمن، وكانت ذاكرة الرجل مذهلة وهو يروي أدق التفاصيل بلهجته الشعبية التي لا أستطيع أن أجاريه فيها الآن، وأنا أنقل كلامه من الذاكرة إلى الورق حتى لا يثقل ذلك على القارئ..

وأرجو وأنا أفعل ذلك ألاّ أفقده بساطته ومحتواه، لأنها تعبير عن شخصيته التي تكمن قوتها في بساطتها. وقد حاولت أن أوفق بين اللهجة الشعبية واللغة العربية المبسطة.

 

قال العم سليمان عوض:

تبدأ قصة الزواج، من اللحظة التي يبحث فيه أهل الشاب عن "حريوه" (عروس) مناسبة لابنهم.. هذه هي سنّة الكون. والإنسان خلق ليعمر الأرض, والزواج والإنجاب جزء من رحلة الإنسان لمواصلة الحياة وعمارة الكون..

أول ما يحرص عليه الأهل، وهم يبحثون عن زوجة مناسبة لابنهم، "بنت ناس"، هو أن تكون من أسرة ذات جاه، ومركز اجتماعي، يتناسب مع مركزهم الاجتماعي.

وأن تكون الفتاة نفسها ذات صحة، وشباب، وجمال، وقدرة على الإنجاب والعمل..

إذ إن على الفتاة بعد زواجها أن تعمل في بيت أهل زوجها في الطبخ والكنس وتربية الأولاد، وجلب الماء والحطب من مسافات بعيدة، أو المشاركة في أعمال الزراعة ورعي الغنم..

وطبقاً لعادات تلك الأيام، فلم يكن متاحاً للشاب أن يختار "حريوته" (عروسه) بنفسه، أو العكس. أو أن يتعرف أحدهما على الآخر ويرتبط معه بعلاقة حب إلا ما ندر فقد كان ذلك من الأمور المحرمة والمعيبة، ولكنها مع ذلك لم تكن مستحيلة الحدوث أيضاً.

كان يكفي، في إحدى المراحل التمهيدية أن، ينظر الشاب إلى عروس المستقبل خلسة من مكان لا تراه منه. ويتم إخراجها لهذا الغرض بالاتفاق مع أقاربها دون أن تدري ليتمكن الشاب من رؤيتها (1)، وهي تحمل ماء أو حطباً أو علفاً على رأسها، ويتأكد من خلوها من أي عيب، وتمتعها بالصحة والشباب والجمال طبعاً.. وهو ما يعني أنها قادرة على إنجاب الأبناء، وأداء الأعمال المنزلية، والعمل في الأرض..

وهذه الخطوة تأتي بعد أن يكون "الحريو" (العريس) المنشود وأهله قد تحققوا من فضائل الفتاة، ومكانة أهلها، وما يتمتعون به من كرم وشجاعة.

 

اختيار الزوجة ذات الصحة والشباب والانجاب :

 

ومضى الرجل في سرد قصته..

أهل دثينة يوظفون الزواج توظيفاً اجتماعياً خطيراً، والسبب في ذلك هو رغبتهم في توسيع المعارف، وعقد الأحلاف القبلية، بالترابط مع القبائل الأخرى بصلة النسب والمصاهرة. والأسر الكبيرة ذات المكانة والنفوذ تبحث لأبنائها عن زوجات من الأسر التي تماثلها في المكانة الاجتماعية، وتضاهيها في القوة والنفوذ، ولا تمانع أن تكون في مكانة أعلى منها طالما أن ذلك سوف يجلب لها مزيداً من الرفعة والقوة، ويسودهم الاعتقاد بأن النسل الذي يأتي من هذه الزيجات يحمل صفات موروثة جيدة مثل القوة والشجاعة والكرم، وغيرها من الصفات الحميدة التي يتحلى بها أهل الفتاة المختارة.. وهم في هذا لا يخرجون عما قاله الرسول (ص): "اختاروا لنطفكم فان العرق دساس".

وهذا الاعتقاد يصاحبه إدراك للدور الذي تقوم به الأم في تربية الأولاد، ونقل العادات والموروث الثقافي والاجتماعي الذي تربت عليه في بيت أهلها إلى أبنائها، وكذلك تأثير أشقاء الأم وأقربائها على أبنائها وتأثرهم، وأخذهم صفات أخوالهم.

 

إجراءات الزواج

 

اجتذبني حديث الرجل، وقصته المستمدة من الواقع، وحتى أشجعه لكي يمضي في قصته، ولا يذهب إلى النوم، كنا نصب له أقداح الشاي، و"نعمر" له المداعة ونضع عليها الجمر كلما خبت نارها..

قلت لنفسي: لن أتركه ينام هذه الليلة حتى أعرف منه كل شيء.. وهكذا سألته: حدثنا عن إجراءات الزواج يا عم سليمان:

فأجاب وهو يجتر أنفاساً من رشبته، وينفث دخانها في الهواء:

- يرسل والد الشاب، شخصاً موثوقاً به إلى أهل الفتاة التي وقع عليها اختيارهم، وأحياناً يقوم والد الشاب بهذه المهمة بنفسه، فيبلغهم رغبتهم في المصاهرة، والاتفاق بصفة أولية على موعد زيارة "الحريو" (العريس) المقبلة ليتم خلالها الاتفاق على موعد الخطوبة، وإجراءات، وشروط الزواج في حال قبل والد الفتاة تزويجها.

وأضاف العم سليمان أن والد الفتى بعد أن يحظى بالقبول، يقوم بصحبة عدد قليل من الأشخاص الموثوقين من أفراد الأسرة بزيارة والد الفتاة في بيته، ويذبحون (رأس غنم) أمام البيت..

وعادة تتم هذه الزيارة بعد صلاة العصر، وخلالها يتم الاتفاق بين الطرفين على موعد الخطبة، وشروط "الحراوة" (الزواج)، وموعده، وإجراءاته.

 

"الحريوة".. آخر من يعلم!

 

وتحاط هذه المرحلة، من مراحل الزواج وهي مرحلة الاستعدادات للخطبة تحاط بالسرية. ولا يتم إعلام الناس بأمرها. وبعد الاتفاق على الخطبة، يتم إخبار الفتاة التي هي آخر من يعلم،  بأمر الخطبة والاتفاق الذي تم مع أهل العريس، و هنا لا يشترط أبداً رضى الفتاة، أو موافقة أمها، يكفي أن يوافق الأب لتتم الزيجة، وعادة ما تكون موافقة الأب وفقاً لشروط وضوابط معينة تتعلق بمكانة أسرة الشخص الذي تقدم لخطبة ابنته، ومدى ما تتمتع به من نفوذ، وخصال من كرم وشجاعة. ولا بد أن تتناسب مكانة أسرة العريس مع مكانة أسرة العروس فإن كانت مكانة أسرة العريس أدنى فلا مجال للموافقة على الإطلاق. والأب، حينها يتعلل بمئة عذر، كأن يقول: بنتي لا تزال صغيرة أو أنها غير ماهرة في أعمال المنزل، أو أنها غير جميلة، أو أن ابن عمها تكلم بشأنها، وطلب يدها، وغيرها من الأعذار.

أما إذا وجد أن مكانة المتقدم للزواج من ابنته مناسبة ومشرفة من وجهة نظره فإنه يعطي موافقته بلا تحفظ.

وأنشد العم سليمان قول الشاعر الشعبي حسن ابن حيدرة:

بنت امحصون امعالية لنته تباها

راض أبوها وأمها ولا ترضاها

 أما البدوية لنته تباها راضهـا

وأبصر وين مأواها وممســاها"

أي إذا طلبت بنت الأشراف المحصنة فاسترضِ أباها وكن مطمئناً، وأما البدوية فهو يعرفها من خلال رؤيتها لها مباشرة وهي ترعى الأغنام أو غير ذلك.

قبائل دثينة المستقرة التي تعمل في الزراعة، وتعيش في قرى، وفي بيوت وحصون مبنية من الحجر، لا توافق أن يكون لبناتهم دور في قبول العريس المتقدم للزواج منها. هم أكثر تحفظاً، وتزمتاً في العلاقات الاجتماعية، وخاصة ما يتعلق منها بعلاقات الرجال بالنساء, على عكس بعض القبائل الرحل في هذه المنطقة، الذين يتمتعون بحرية أكبر في هذه المسألة ولديهم تسامح في نظرتهم إلى علاقات الحب والغرام، حيث تتمتع المرأة بحريتها الشخصية، خاصة الفتيات غير المتزوجات، والنساء الأرامل والمطلقات، ولا يرون ما يستحق أن يبعث على الرقابة الصارمة أو الاستنكار حتى وإن أقمن علاقات مع رجال من غير قبائلهن، وهناك ثار قبلي مع قبائلهم، خاصة أثناء مواسم الصلح بين القبائل، التي تتبع هطول الأمطار ووفرة المراعي وذلك بحكم التنقل من منطقة إلى أخرى حيث تقوم المرأة باستقبال الضيوف وتكريمهم ومسامرتهم في غياب زوجها بحكم العادات والتقاليد.

اقترحت على العم سليمان عوض أن يؤجل الحديث في هذه المسألة إلى ليلة أخرى. ويواصل حديثه هذه الليلة عن إجراءات الزواج في دثينة.

 

الأقارب والأصدقاء يقومون بمساعدة أسرة العريس

 

ونزولاً عند رغبتي وافق، ونظر إليَّ الآخرون بحنق إذ كانوا يرغبون أن يسترسل في الحديث عن قصص البدويات الساحرات ومغامراتهن الصريحة والجريئة قبل الزواج..

وأنا نفسي كنت تواقاً إلى ذلك.. لكني كنت أخشى أن يسرقنا الوقت فيداعب النوم أجفان العم سليمان، فلا يكمل حديثه عن الزواج في دثينة. فقال: يا بوك تعبنا من هذه "امهاري امخلية" (الكلام الفارغ)، ولكني استطعت أن أقنعه ليواصل أجزاء الحكاية ولكنه اشترط تعميرة بوري وقام أحمد مسعود برطم بتعميره و تقديمه له.

وها هو ذا يواصلها:

- بعد الزيارة التمهيدية، التي يتم خلالها الاتفاق على شروط وإجراءات الخطبة والزواج، يتم الاستعداد للخطبة، وتستغرق هذه العملية عادة أســبوعاً أو أســبوعين، ويقوم أهل العريس بإرسال "مخلاة" حب(شوال كبير) و"قرعة (2)" بن وزنجبيل، وكيلة ملح، و"بركالة" (3) سوداء مذبلة شغل أهل فرحان أو الصبن في مودية, ورطل هرد (4) وخمسة أو ستة رؤوس غنم، وبعدها يقوم أهل العروس بتوزيع الحب والبن والزنجبيل على البيوت، والأسر والقرى المجاورة، للمساعدة في "رهيه" (5) وطحنه، لأن من التقاليد أن الأقارب والأصدقاء يقومون بمساعدة أسرة العريس في الاستعداد للعرس. ويتم هذا بعد الاتفاق مع أهل العريس على ليلة الخطبة، ويتم إبلاغ الأسر التي قبلت المساعدة بموعد الخطبة حتى يتم إعداد الخبز الحامض (المخلّم) في هذا الموعد.

 

 

   (مهر )العروس ، في أواخر القرن التاسع عشر  بين 10 و40 قرش .. فهل يطبق  المهر على  فتيات   القبائل كافة ؟

 

 

اللحم والمخلم من أفضل وجبات العرس

 

وفي هذه الأثناء، يقوم أهل العريس كل من طرفه، بإبلاغ المدعوين لحضور الخطبة، ويتم تحديد واختيار عدد المدعوين بما يتلاءم مع عدد الذبائح بهذه المناسبة، حيث أن أية زيادة في عدد المدعوين من طرف العريس سوف يتسبب في إحراج أهل العروس، ويدفعهم إلى ذبح أغنام إضافية لتكفي الضيوف. ومع ذلك، فإن العادة قد جرت أن يقوم أهل العروس بذبح أغنام إضافية على سبيل الاحتياط، أو إظهار الكرم والحفاوة بأهل العريس (أصهارهم المقبلين).

وفي حالات نادرة، يذبح أهل العروس عدداً أقل من الأغنام التي أهداها لهم أهل العريس لكن ذلك يجعلهم محل سخرية الآخرين وتندرهم. وهذه الأمور تعود إلى المستوى الاجتماعي، ودرجة الثراء، وصفات الإنسان ومدى كرمه.

وفي ليلة الخطبة، وقبيل صلاة المغرب أو بعدها مباشرة يحضر أهل العريس (الحريو) والمدعوون من طرفهم إلى بيت العروس (الحريوة) يتقدمهم وجهاء القوم ومشائخهم وعقالهم وسادتهم وكبار الشخصيات في الأسرة والقبيلة بحسب مكانة الشخص الاجتماعية ودرجة ثرائه ويتم تقديم العشاء للضيوف.

والعشاء يكون عادة من اللحم والمرق والخبز الحامض "مخلّم".. وأحسن المرق الذي تعلوه طبقة سميكة من الدهن والشحم تسمى (الصفو) ويغمس الخبز المخلم في المرق قبل التهامه وتعتبر هذه الوجبة من أفضل وجبات الطعام في دثينة.

 

تقديم الطعام  لاكبر سنًا

 

ويتم توزيع أطباق الطعام المصنوعة من سعف النخيل "نخيل النبيذ" ويسمى العزف(6)  وفرشها وسط المجلس. ويقدم المرق للضيوف عدة مرات في الغرف والمحاسي (7)  المصنوعة من الخشب والطين المحروق وعادة يقدم المرق قبل نصف ساعة تقريباً من تقديم العشاء ريثما يتم تقطيع اللحم وتوزيعه على الأطباق، بعدها يتم إحضار "المخامر" (وهي أوعية خشبية مصنوعة من خشب الأثل) مليئة بالمرق وتوضع وسط "المسارف" (8).. وتوضع الأطباق، مشكلة دوائر متقاربة. وفي الوقت الذي يبدأ فيه الحضور بتناول العشاء، وغمس كسرات خبز "المخلم" بالمرق لترطيبها وتبليلها ليسهل ابتلاعها، يتم توزيع قطع اللحم على الحاضرين، مبتدئين بأكبر الضيوف مكانة، السيد، الشيخ، كبير القوم، أو الأكبر سناً.

 

توزيع اللحم حسب المكانة الاجتماعية

 

وبعد أن يتم وضع قطعة اللحم الخاصة بالضيف الأول أمامه يسأل من يتولى توزيع وتقطيع اللحم عن الشخص الذي يليه فيقال له فلان، فيختار قطعة لحم مناسبة له، وهكذا حتى يصل التوزيع إلى الأطفال الذين يتم وضعهم في مكان خاص بهم حتى لا يحدثوا الضجيج والضوضاء. وكلما تدنت مكانة الشخص صغرت قطعة اللحم التي تقدم له، أي أن اللحم يوزع حسب المكانة الاجتماعية للشخص، فأفضل القطع يحظى بها الأعلى مكانة وهكذا. لكن ذلك ليس شرطا في كل الأحوال حيث يتم إكرام بعض الأشخاص وإن كانوا من مرتبة اجتماعية أدنى كالشاحذ والخراز والدوشان تجنبا لألسنتهم وذمهم. وبسبب كثرة الضيوف، يحصل أحياناً ألا ينال الأطفال نصيبهم من اللحم، وربما يذهبون خمص البطون.. لكن ذلك يحدث نادراً خوفاً من الفضيحة، حيث يطوف الأطفال بعد مغادرتهم بالقرى المجاورة وهم يرددون الكلمات الحانقة التي تشهر بأهل الفرح كقولهم:

"الحراوة داخشة والعشاء...(..)الحمار" وغيرها مما يردد في مثل هذه المواقف.

 

 

بعد الطعام تقدم اقداح القهوة

 

سكت العم سليمان لحظة ليرى إن كنا نتابع حديثه باهتمام، وعندما وثق أننا نتابعه بشغف واصل الكلام:

- بعد العشاء، تقدم أقداح القهوة اللذيذة الممزوجة بالزنجبيل والهيل والحليب.. ويتخلل ذلك تبادل أحاديث المجاملة، وتداول الأخبار والأحاديث عن المواسم الزراعية، وخبرات الزراعة، وقصص الأجداد، وهموم الحياة وغيرها من الأمور، التي يستدعيها التعارف والمجاملة.

 

كبار  الضيوف يخاطبوا اهل العروس بتخفيظ المهر

 

ثم بعدها، يقوم أكبر الضيوف مكانة أو سناً فيأخذ زمام الحديث قائلاً:

- اذكروا الله يا أهل بو فلان أو يا فلان أو يا أخوان.

فيرد الحاضرون عليه:

- حق، لا إله إلاّ الله.

 

ويتوقف الحاضرون عن الأحاديث الجانبية، وينصت الجميع إلى ما سيقوله كبير الضيوف. فيبدي سعادته بهذا الزواج الذي سيربط بين الطرفين، وكيف أن المصاهرة شرف لأهل العريس والعروس، ويستعرض العلاقات الطيبة التي كانت تربط بين الأسرتين في السابق، والتي سوف تتعزز وتقوى بالزواج الجديد في المستقبل. وفي الأخير يتمنى للجميع الخير والسعادة.

 

ثم يتوجه بحديثه إلى أهل العروس وإلى والدها بالذات، أو ولي أمرها إذا كان الأب متوفياً أو غائباً. فيطلب منه أو منهم أن "يطرحوا" (يخفضوا) له إكراماً لمكانته جزءاً من الشرط المتفق عليه (مهر العروس والهدايا) حيث يقول:

- أيش با تطرح لي من امشرط (الشرط) يا فلان؟ مخاطبا والد العروس.

فيرد عليه: والله إنك كبير عندنا يا فلان وحضورك شرف كبير لنا طرحنا لك من امشرط كذا.. وقد يكون ذلك عشرين قرشاً، أو خمسة قروش، أو عشرة قروش (9). وعدد من الغنم، وعدد من مكاييل الحب، بحسب مكانة الشخص ومدى ما يحظى به من احترام.

 

ويجيبه كبير الضيوف:

-وفيت يا فلان.. وأكرمت، وهذا ظني(10) فيك.

ويتلوه في الحديث الشخص الذي يليه في المكانة، فيكرر الكلام السابق ذاته، ويتكرر الرد نفسه، وهكذا حتى لا يبقى من "امشرط" إلا اليسير اليسير الذي لا يجرؤ الضيوف على طلب تخفيضه أكثر من ذلك، وإلا عُدّ تصرفهم نوعاً من الإحراج، وقلة الذوق، وقلة الأصل..

 

ولكن يحدث أحياناً –وإن كان هذا نادراً– أن يتجاوز الضيوف حدودهم في المطالبة بتخفيض الشرط، أو أن تستولي على والد الفتاة نشوة الكرم والمبالغة في إكرام الضيوف فيقوم بالتنازل عن شروطه. ويتكفل هو بتجهيز ابنته من جيبه الخاص.. وتعتمد هذه المسألة على شخصية طرفي الزواج.

 

- وتحدث أشياء أخرى في بعض الحالات..

- مثل ماذا يا عم سليمان؟!

- يحدث أن الأب بعد أن يسمع كلام كبير الضيوف، وبنوع من الذكاء والشطارة، ولكي يتجنب مطالب الضيوف يسأل كبير الضيوف إن كان يراد منه أن يطرح له من الشرط باسم الجميع؟ أو أن كل ضيف يريد أن يطرح طلبه بنفسه. وهنا تحدث أمور طريفة. فأحياناً يقبل الضيوف ما يطرحه والد الفتاة من الشرط إكراماً لكبير القوم ولهم في شخصه، وبذلك لا يثقلون على صهرهم. وقد لا يقبل الضيوف ذلك أحياناً فيقولون كل واحد "بوجهه" (تعبير عن المكانة المستقلة)، وأن كل واحد له طلبه، فالسيد يريد أن يكون له "وجهه" والعاقل له "وجهه" والشيخ أيضاً، وفلان من الناس يريد أن يكون له "وجهه".. وهكذا يقوم والد الفتاة بتوزيع شرط ابنته إكراماً للضيوف كل بحسب مكانته.

 

وكان شرط العروس (مهرها)، في أواخر القرن التاسع عشر حسبما قال لنا العم سليمان عوض بين 10 و40 قرش، إضافة إلى خمسة أكياس من حب الذرة (حوالي250كغ) ورطلين فضة لابنة الوجيه أو المتوسط المكانة، ورطل لابنة الأقل مكانة. ورطل الفضة كان يساوي 12 قرشاً، ومكيال ملح، و"فراسلة" زنجبيل، ومكيال بن، وكرعة(6)  سليط و"بركالة" (11)  سوداء. وبعض القبائل مثل قبيلة الجعادنة عشرين بكره (ناقة) وقعود صغير. وقد اختفت هذه التقاليد عندنا، ولكنها ما زالت باقية في جنوب أفريقيا والقارة السوداء، فقد دفع الرئيس نلسون مانديلاّ 60 ثوراً مهراً لعروسه الثانية لجراما ماشيل، وحسب التقاليد الإفريقية فإن المهر عادة يتكون من المواشي ولاسيما الأبقار والثيران.

 

 تخفيض  شروط العروس بالحد الذي لا يمكن تجاوزه

 

وبعد أن تنتهي مراسم تخفيض شرط العروس إلى الحد الذي لا يمكن تجاوزه، وبما يكفي لتجهيز العروس من المستلزمات مثل زينتها الفضية، وتتكون عادة من حزام من الفضة، وأخراص  (12)  وقلادة، وعضد وحجل وخلاخيل وغيرها وكلها مصنوعة من الفضة، من صنع منصور وسالم اليهوديين (13) ، إضافة إلى الأواني والتجهيزات المنزلية التي تقوم أم العروس بتجهيزها.

وقد أخبرنا العم سليمان أن الدفع الكامل يكون على الزوج مبلغ ثلاثمائة ريال فرنصة (ماريا تريزا) توزع على النحو التالي:

    200 ريالاً للأب والعقد فيها

    50 ريالاً مهر وفتحة

20 ريالاً ثوب الأم

5 ريالات للخال

5 ريالات للعم

5 ريالات للأخ

5 ريالات للشاحذ(ضارب الطبل)

5 ريالات للخراز (الجزار)

5 ريالات للثياب الأخرى.

 

كما يشترط توفير الأشياء التالية:

1- أربع غنم واحدة مدخل وثلاث شل.

  2- عشر اكيال حب.

3- الدهن والكساء شرع الزوج.

  4- سامان البيت على الحريو (العريس) يرسله مع الشل أو قبله.

ويتكون "السامان"(الجهاز) من الأغراض التالية:

 1- (2) "طسوت" (قدور) واحد كبير وواحد صغير.

 2- (2) "كتالي" (أباريق) واحد صغير وواحد كبير.

3- (1) "بالدي" (سطل).

4- (1) منخل. (غربال للطحين)

5- (4) صحون صغيرة وكبيرة.

6- (2) فوانيس.

7- (4) مطايب.

8- (1) صحن حق تصبون (غسيل الثياب).

9- (1) مقلاة.

10- (1) بجاد أو اثنين (أشبه بالسجاد من وبر الأغنام والجمل).

 

ويقوم والدا العروسين بالاتفاق على الإجراءات الخاصة بالزواج ومتطلباته، وموعده في مكان آخر، بعيداً عن الضيوف الذين يستأنفون أحاديثهم الخاصة. وعندما ينتهيان يعودان إلى المجلس ويقوم السيد "بـترتيب" الفاتحة (قراءة الفاتحة)، ومباركة الزواج. عندها يتفرق الضيوف ويعودون إلى منازلهم..

وحول ترتيب الفاتحة وارتباط ذلك في الذهنية الشعبية البسيطة بشرب القهوة أورد العم سليمان قصة طريفة جرت بين أحد السادة وأحد مشائخ قبيلة الجعادنة فبعد أن انتهت مراسيم الوليمة التي أقامها شيخ الجعادنة (وهي قبيلة تقع شرق وجنوب منطقة الحسين بدثينة) بأحد المناسبات قام بتقديم الشاي وطلب من السيد ترتيب الفاتحة فأستنكر السيد ذلك وقال أين القهوة حتى ارتب الفاتحة فقال له شيخ الجعادنة شعراً:

يا فارع الشر افرعه

يا الشيخ خل القربعة

إن شي تبا الشاهي شعه

المر عاده في سعه

(ويقصد بالمر هنا القهوة)

 وطلب منه ترتيب الفاتحة فوراً وبما يشبه الأمر.

وعاد العم سليمان ليواصل حديثه عن إجراءات الزواج في دثينة وقال: 

ومنذ هذه اللحظة، تبدأ التحضيرات، والتجهيزات للزواج الذي يتم بعد الخطبة بنحو شهرين، ولأن الزواج مناسبة مهمة لأهل العروسين ولأهل القرية كمناسبات الأعياد فإنهم يستعدون لشراء الملابس الجديدة وهي الزي الشعبي الذي يرتديه أبناء المنطقة، وكان يتميز باللون الأسود، وهو قماش مصبوغ بالنيلة  السوداء المائلة الى اللون الأزرق والذي يتكون من قطعتين هما المعوز والرداء.. حيث يتم صبغهما باللون الأسود، وبعد أن يمرا تحت الكمادة (المدق الخشبي) تظهر عليهما اللمعة ويسمونها"الصقلة".

 

-------------------------------------------------------

 

 

هوامش /

 

1- ويحصل أحياناً أن يطلعوه على بنت جميلة، لكنه يفاجأ ليلة الدخلة بأنهم قد زوجوه واحدة غير التي شاهدها، والسبب في ذلك يعود إلى أن الأب لديه ابنة كبيرة في السن يريد تزويجها قبل أن يفوتها قطار الزواج.

 2- وعاء من جلد الماعز

 3- ثوب أسود

 4- نبات يستخدم للزينة وهو أيضاً نوع من البهار ويعرف بالكركم أو الكركيّ أو الرهو.

5-رهيه: تليينه وطحنه بالمرهاة

 

 6- وهو يشبه سعف النخيل وأشجار الطاري في الحسوة بعدن.

  7- المحاسي: جمع محساة وهي آنية يحتسى منها المرق

  8- المسارف: أطباق مصنوعة من العزف، يوضع عليها الطعام

9- ريالات ماريا تريزا النمساوية. سكّت في عهد الملكة النمساوية تريزا. وهي من الفضة ولا زالت تتداول في اليمن وبعض بلدان الخليج بوزنها من الفضة.

10-العشم: الطمع والأمل المرجو .

11-وعاء من الجلد لحفظ الزيت

 12- ثوب أسود.

13- أقراط.