آخر تحديث :الثلاثاء-30 أبريل 2024-03:06ص

ملفات وتحقيقات


بمبادرة ذاتية من شباب الممدارة.. حديقة في شارع عام بعدن تضفي ألوان الطبيعة الخلابة وسط ركام الحرب والدمار

الثلاثاء - 05 نوفمبر 2019 - 09:20 م بتوقيت عدن

بمبادرة ذاتية من شباب الممدارة.. حديقة في شارع عام بعدن تضفي ألوان الطبيعة الخلابة وسط ركام الحرب والدمار

عدن (عدن الغد) خاص:

تقرير/ جعفر عاتق

 

بألوان الربيع الزاهية والتي يغلبها اللون الأخضر الزاي الذي يكسو المكان وسط ركام الحرب وآثاره القاتلة ومن بين التصحر في تربة المدينة، بدأت الحكاية من فكرة بسيطة وانتهت بإنجاز مشروع نال إعجاب ورضى واستحسان الجميع.

شرق العاصمة عدن وتحديدا منطقة "الممدارة"، تلك المدينة ذات الطبيعة الصحراوية والمليئة بلفيف وأطياف من المواطنين الذين ينحدرون من مختلف المحافظات الجنوبية، كان لدى عدد من أبناء المدينة همة عالية لوضع بصمات إيجابية في محيطهم البيئي.

 

النهوض من تحت الركام

 منطقة الممدارة الواقعة في إطار مديرية الشيخ عثمان بالعاصمة عدن نالت نصيبها الأكبر من الحرب الغاشمة التي شنتها مليشيا الحوثي الانقلابية في العام 2015، وقدمت خيرة شبابها خلال التصدي للغزو الحوثي ومن ثم تحرير كامل تراب عدن والجنوب من دنس المليشيا الغازية.

اليوم تبدأ منطقة الممدارة النهوض مجددا وتنفض من على كاهلها بقايا الدمار وذكريات الأحزان بعزم ابنائها وهمتهم العالية التي رسمت لوحة من الجمال مأخوذة من الطبيعة لتجذب انظار من يزورها او يمر في شارعها العام.

 

حكاية الفكرة

في منطقة الممدارة المترامية الأطراف وتحديدا على الشارع العام الفاصل ما بين حيي الطيارين ومنازل الجيش بدأت حكاية الفكرة التي كانت شبه مستحيلة ولكنها اليوم، معلم فريد في قلب المنطقة الواسعة.

قبل أكثر من عام ابتدأ العزم على تحقيق فكرة جميلة بمجهود شخصي من شباب المنطقة وبدعم وجهد كبير من الشخصية الاجتماعية ورجل الخير الوالد "محمد عبدالله الداعري" الذي يعرف بالمنطقة بجمال اخلاقه وطيب قلبه ومشاركته للصغير والكبير في الأفراح والأحزان.

بدأت فكرة مشروع يحمل العديد من الرسائل أن أهالي منطقة الممدارة خاصة والعاصمة عدن قادرون على النهوض مجددا رغم الصفعات التي تلقوها، وذلك حين بدأ بعض شباب الحي بأولى خطوات العمل لإنشاء اول حديقة ومتنفس عشبي لأطفال المنطقة وكل ساكنيها والزائرين.

 

ظهور الملامح 

على مدى عشرات الأمتار في الشارع الرئيسي بالممدارة بدأت ملامح الفكرة تتحول الى واقع ينجز في كل يوم امام الناس، حينما كانت الفكرة حلما يلامس عقول شباب المنطقة قبل أن يتحول إلى واقع ملموس يشهد عليه الجميع.

مربع عشبي باهي اللون مكتسي بالاخضرار أنسى أطفال الممدارة وأهاليها ذكريات مؤلمة من واقع مؤلم عاشوا فيه على مدى سنوات منذ اندلاع الحرب واستشهاد خيرة شباب المنطقة.

بين ليلة وضحاها أصبح ذلك المربع العشبي ملاذا آمنا لأطفال المنطقة فرغم توسطه الشارع العام إلا أن سياجا يحيط به لتأمين الأطفال والحفاظ على حياتهم من السقوط تحت إطارات السيارات.

بدأ شباب الممدارة العمل في المشروع كخلية نحل متوزعين على مختلف المهام يقودهم رجل الخير "محمد الداعري" والذي قدم كافة الجهود لإنجاح المشروع وتوفير المال من جيبه الخاص لاستمرارية العمل لكي يصبح الحلم حقيقة.

 

الشروع بالتنفيذ

شرع شباب الحي بتنفيذ المشروع فيما قام الوالد "محمد الداعري" وعلى نفقته الخاصة بتمهيد الارض واصلاحها وحرثها ثم قام بشراء تربة زراعية لعدة ايام من محافظة لحج وبسطها على الارض واستقدم الحراثات لإزالة مخلفات البناء والقمامة التي كانت منتشرة بشكل كبير على جنبات الشارع العام.

 عقب ذلك بدأوا في بسط الارض بالتربة الزراعية المدعومة بالأسمدة لتصبح صالحة للزراعية، لتبتدئ عملية زراعة وتشجير المساحة التي اختاروها لإقامة الحديقة.

 

"الداعري".. دينمو المشروع

وقام الوالد "محمد الداعري" بعمل منظومة ري مكونة من خط انابيب من منزله الى كل ركن في الحديقة لسقي الاشجار والازهار والعشب.

وبعد عناء شديد ومجهود شخصي وانفاق مئات الآلاف من الأموال وسهر ليالي وأيام بدأت الازهار بالتفتح والاشجار بالنمو وتحول رماد الحروب وصراعاتها الى أجمل منظر قد تراه العين، وظهرت ثمار جهود شباب المنطقة بقيادة الوالد "محمد الداعري" لتلامس عنان السماء.

 

عزيمة وعمل دؤوب

ولكن الفكرة لم تتوقف والعزم لم ينتهِ بل ازداد الوالد "الداعري" وشباب الممدارة عزما ونشاطا ليبدأ العمل بإضاءة الحديقة ومد تيار كهرباء لها من منزل "الداعري" وعلى نفقته الشخصية لتضفي أنوار الكهرباء رونقا رائعا على الحديقة في كل مساء.

المساحة التي تم فيها إقامة الحديقة زُرع بها العديد من اشجار الزينة والورود والازهار وانشئت حديقة لأطفال وابناء الحي مزروعة ببساط عشبي ممتد لأمتار كثيرة، وتم إنشاء نظام ري ممتد لعشرات الامتار وسياج طويل يحمي الحديقة والاشجار من العبث ومن الحيوانات ويحفظ أرواح الأطفال من السيارات.

 

تحدي الصعاب

أكثر من عام حمل كل انواع الصعوبات والتحديات والتعب والسهر والخسارة المادية للوالد "محمد عبدالله الداعري" وشباب الحي لتصبح الفكرة واقعا ملموسا بجهود أهلية دون دعم من أي طرف أو جهة.

مبادرة شباب الممدارة في إقامة الحديقة كانت بقعة ضوء في ليل دامس، وإنجازا كبيرا في زمن الحرب وانتشارآلة القتل في العاصمة عدن، لتؤكد للجميع أن الفكرة تحتاج إنسانا يبادر ويتعب ويجتهد ويبذل كل ما يملك ليضفي الفرح لنفوس الناس ويدخل البهجة والسرور لقلوب الأطفال.

 

بهمة أبنائها.. عدن تبقى جميلة

عدن بكل ما فيها تُقدم الشكر لكل من ساهم في هذا المشروع الجميل، فشكرا لرجل الخير الوالد "محمد عبدالله الداعري" وشباب حيي منازل الجيش والطيارين وكل شباب الممدارة الذين أظهروا أن مدينة عدن جميلة وستبقى جميلة رغم كل الظروف ورغم البلايا والمحن.