آخر تحديث :الجمعة-17 مايو 2024-02:47م

ملفات وتحقيقات


اتفاق الرياض.. يعزز مكاسب الشرعية أم يلغيها؟

الأحد - 03 نوفمبر 2019 - 10:05 ص بتوقيت عدن

اتفاق الرياض.. يعزز مكاسب الشرعية أم يلغيها؟

القسم السياسي

كشفت أحداث أغسطس / آب الماضي بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي، عن خارطة الحاضنات والنفوذ، والقبول الشعبي والجماهيري في محافظات جنوب اليمن، التي كانت ساحةً دامية لتلك المواجهات العنيفة.

ولعله أمرٌ طبيعي أن تستند أية قوى عسكرية كانت أو سياسية على حاضنة داعمة لها، وربما حتى رافعة تعتمد عليها للحصول على مكاسب، تُقوي نفوذها ومواقفها.

كانت نتائج المواجهات التي عاشتها عدن وأبين وشبوة مؤخرًا، دليلاً على اتكاء أطراف الصراع على تاريخٍ من الانتماء لمناطق بعينها، تعطيها زخمًا في معاركها الميدانية أو السياسية، وتركن عليها عند الحديث عن مصالحها.

وواقعياً، فإن الحاضنات الشعبية كثيرًا ما تعطي دافعًا نحو الاستمرار في مسار معين، والتمسك بمواقفها مهما كانت صعبةً.

وباستثناء عدن، مثلت محافظتي الضالع ولحج، خلفية لانطلاق القوات الموالية للمجلس الانتقالي، والمدعوم إماراتيًا، ولم تشهد أي مناوئة أو معارضة لمشروع الانتقالي، وفق نظرة تاريخية لباحثين ومهتمين.

ومرة أخرى: باستثناء عدن، مثلت محافظات أبين وشبوة، وحتى حضرموت موئلاً لكل ما يمثل الدولة، والقوات الموالية للحكومة، ووجدت الدولة - في كل مراحل الجنوب التاريخية والسياسية - سلاسةً في الاندماج والذوبان في تلك المناطق.

كان استثناء عدن من المشهد مقصودًا هنا من قبل المراقبين، الذي يرون أن عدن أضحت منذ ما قبل الاستقلال وإعلان جمهورية اليمن الجنوبية مسرحاً للصراعات؛ باعتبارها رمزًا للدولة، وعاصمةً لها في كل مراحل النزاع، ولم يكن لأبناءها دور محوري في توجيه الصراع.

تمهيد تاريخي

يُلفت المؤرخون نظرنا لشيءٍ مثير للاهتمام في التاريخ القريب لجنوب اليمن، يتمثل في أن مبادئ الجمهورية والدولة بدلالتها العصرية الحديثة وجدت لها صدى وقبولاً، بصورة مبكرة، في مناطق عمق أبين، وحمل تأسيس ما سُمي ذات فترة ب"جمهورية دثينة" إشارات ودلالات على انجذاب الجمهور والمواطنين هناك إلى نظام الدولة بمعناه العصري، رغم المحيط المتخم بالسلطنات والمشيخات، ووصاية الاحتلال البريطاني.

وحتى ولو لم تنجح تلك التجربة واقعيًا، لكنها مثّلت - بحسب مؤرخين - بدايةً مبهرة ولافتة، وربما هذا ما يبرر أن تكون أبين منطقة ولادة للرؤساء والسياسيين "المدنيين"، أكثر منهم "العسكريين".

ذات الوضع ربما قد ينطبق على حضرموت، التي عرفت شكلاً متطورًا من السلطنات، اختلف كثيرًا عن مثيلاتها من المشيخات المجاورة لمستعمرة عدن، ولهذا اشتهرت حضرموت، وربما شبوة بدرجة أقل، بتخريج الشخصيات السياسية والاقتصادية المتخصصة، كالمهندس حيدر العطاس، والاقتصادي فرج بن غانم، وعلي محمد مجور، وغيرهم، ولا غرو أن نرى أبناء شبوة وحضرموت هؤلاء يديرون الحكومات ورئاسة الوزراء في الجنوب وفي اليمن عموماً، بسبب توجههم نحو الجانب الإداري والاقتصادي في تسيير الدولة، ولم يتخصصوا أكثر عسكريًا.

على العكس تمامًا من مناطق شمال وغرب عدن، الضالع ولحج، التي توجه أبناؤها نحو السلك العسكري، وتقلدوا مناصب قيادية في الجيش والأمن خلال دولة الجنوب، ولاحقًا في الجمهورية اليمنية، فكان منهم أمثال علي عنتر وصالح مصلح، وعلي شايع هادي، وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك من تقلد مناصب خدمية أو مدنية، ولكننا نتحدث هنا عن الأغلب والأشهر، وفق باحثي التاريخ.

مكاسب حكومية مذهلة

كان لا بد من الولوج إلى منعطفٍ تاريخي تحليلي، لإدراك أبعاد ودلالات النتائج التي ترتبت عليها أحداث عدن وأبين وشبوة خلال الشهرين الماضيين.

قد تكون القوات الحكومية قد فشلت في المعركة في عدن ومحافظتي لحج والضالع، نظرًا لتدخل الطيران الإماراتي ومعداته وآلياته على الأرض.

لكننا يجب ألا نُغفل تأثير الخلفيات المناطقية،  والحاضنات الشعبية، والفكر المتجذر لدى كل منطقة، وتقبل بعضها لفكرة الدولة والحكومة، وقبول المناطق الآخرى بفكرة التشظي والمليشيات والمواجهة مع كل ما هو مختلف.

لهذا السبب، يعتقد مراقبون أن مكاسب القوات الحكومية والدولة اليمنية في محافظات مثل شبوة وأبين وحضرموت وحتى المهرة كانت "مذهلة ولافتة"، وهي المناطق التي يقاتل أبناؤها في صفوف الدولة، مقابل عدم تحقيق مثل هذه النتائج في عدن التي يسيطر عليها الموالون للمجلس الانتقالي الجنوبي، والقادمون من مناطق شمال وغرب عدن.

وربما كانت هذه الدوافع التي رأينا من خلالها مكاسب كبيرة تتحقق للحكومة الشرعية في شبوة وأبين وحضرموت، حتى المناطق التي تم تسليمها في أبين للحزام الأمني تمت وفق تفاهمات بين المقاتلين، وسُلِمت بطريقة سلمية بعد وساطات، وعادت القوات الحكومية المنسحبة إلى شقرة لتقاتل في صفوف الدولة والحكومة.

ولعل ما تحقق في شبوة ييدو أكثر وضوحًا فيما يتعلق بمكاسب الحكومة هناك، واستماتة أبناءها بالوقوف إلى جانب الدولة رغم القوة الضاربة التي كانت تمتلكها قوات النخبة الشبوانية، المدعومة إماراتيًا، بالإضافة إلى أن القوات الحكومية التي كانت متواجدة في حضرموت كانت أكثر تماسكًا وهدوءًا.

انهيارات النخبة في شبوة وقوات الانتقالي بأبين

المتابعون لتطورات الأحداث في شبوة، لم يتمكنوا من السماح للانهيار اللافت والسريع لقوات النخبة الشبوانية خلال مواجهاتها مع القوات الحكومية في عتق قبل شهرين، أن يمرّ مرور الكرام.

فالقدرات التي أسستها الإمارات طيلة سنوات تواجدها في شبوة لم تكن هينة، ولهذا كانت النتيجة صادمة للإماراتيين قبل غيرهم، في ظل تفوق نوعي تحظى به القوات الموالية لها.

كما أن بقاء القوات الحكومية في منطقة العرقوب وقرن الكلاسي وشقرة، شرق أبين، لم يكن بالسهولة بمكان في ظل امتلاك الطرف المقابل إمكانيات عسكرية ضخمة، أبرز الضرب من الجو.

هذا إذا أدركنا أن كل تلك المناطق بما فيها شبوة وأبين كانت - نظريًا - مؤدية لتوجهات المجلس الانتقالي الانفصالية، باعتبارها أراضٍ جنوبية توّاقة لاستعادة الدولة الجنوبية، أو على الأقل كما يدعي مناصرو الانتقالي.

غير أن الإرث الذي يمتلكه أبناء شبوة وأبين - تحديدًا - المنتسبين للقوات الحكومية أثبت أن كل تلك الادعاءات لم تزد عن كونها مجرد ادعاءات، أكدتها المواجهات، التي دفعت بأبناء القبائل قبل عناصر الجيش من الدفاع عن الدولة والحكومة، وفق ما يؤكده مراقبون.

هل ستخسر الحكومة هذه المكاسب؟

"مكامن الدولة ثابتة في محافظات شرق اليمن" هذا ما أكدته الأحداث الأخيرة، كما أكدت أن الحكومة استطاعت العودة مجددًا، وأمسكت بزمام الأمور مرة أخرى.

وفي الوقت الذي يظن فيه بعض المراقبين أن الحكومة ستخسر في اتفاق الرياض ما كسبته خلال المواجهات في شبوة وأبين، خاصةً في ظل تفسيرات معينة لتصريحات صقور الشرعية المتواجدين في عتق، كوزير الداخلية أحمد الميسري، ووزير النقل صالح الجبواني.

بينما يعتقد سياسيون أن إصرار الحكومة على موقفها خلال محادثات جدة، وما تمخض عنه من مخرجات في اتفاق الرياض، والمتمثلة باستعادة مؤسسات الدولة ومعسكراتها ومرافقها العامة في عدن يؤكد أن الحكومة لا يمكن أن تتراجع عن مكاسبها المحققة.

بل يذهب متابعون إلى تفسير مخرجات اتفاق الرياض بأنها مكسبٌ إضافي للشرعية، من خلال بقاء مناطق شرق اليمن (المهرة، حضرموت، شبوة) تحت هيمنتها وهيمنة قواتها الموالية، مع ضمان دعم سعودي في تمكينها من عدن وأبين، بالإضافة إلى لحج والضالع (المعاقل الرئيسية وحواضن الانتقالي).

وفي تحليلٍ بسيط لبنود الاتفاق، يرجح المتابعون أن تذوب قوات الانتقالي تلقائيًا في القوات المدمجة تحت إشرافٍ سعودي صارم، ليس من مصلحته عودة الاقتتال وفشل الاتفاق.

غير أن المحللين لم يستبعدوا بقاء "حنين النعرات" المناطقية مشتعلاً في نفوس عناصر القوات الموالية للمجلس الانتقالي، لكنهم استبعدوا في المقابل أي تمردٍ جديد في ظل حرص الرياض على اعتبار اتفاقها بداية ونواةً لتسوية سياسية شاملة، يجب الحفاظ عليه.

كيف سيعزز اتفاق الرياض مكاسب الشرعية؟

بغض النظر عن حروب مواقع التواصل الاجتماعي حول من المستفيد الأكبر من اتفاق الرياض، الشرعية أم الانتقالي؟، وبعيدًا عن مناكفات إعلاميي كل طرف حول هذا الموضوع، يبقى من حق كل منهما اللعب على المتغيرات لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة.

وإذا اعتبرنا أن بقاء الشرعية في حضرموت وشبوة وشرق أبين، مكسبًا من الخطأ أن تفرط فيه الحكومة، فمن غير الممكن ألا تسعى إلى تعزيزه والحفاظ عليه، وكسب المزيد من المكاسب في عدن وباقي المحافظات الجنوبية الأخرى.

يؤكد محللون أن الشرعية تحاول التمسك بضرورة إخلاء المدن الرئيسية من المعسكرات، بحسب ما يتضمنه الاتفاق، ومن شأن هذا البند أن يجعل من مدينة كعدن مكسبًا إضافيًا من مكاسب الشرعية، باعتبار المدينة عاصمةً مؤقتة للبلاد، وينبغي تجنبيها أية صراعات مستقبلية.

نقطة أخرى لم يغفلها المتابعون، تكمن في أن الحكومة اليمنية توقن أن المرحلة القادمة، ما بعد اتفاق الرياض ستكون موجهة نحو الإنقلابيين الحوثيين، أو هكذا يجب أن تكون.

لذا تعتقد الحكومة أن دمج قوات المليشيات الموالية للانتقالي ضمن الجيش اليمني، وتوجيهها نحو جبهات القتال مع الحوثيين، وإخلائها من المدن والمحافظات المحررة، وتسخير إمكانياتها في تحرير بقية المحافظات اليمنية، من شأنه أن يجعل من الانتقالي بل قوة، ولا يمتلك وجودًا على الأرض إلا ضمن الجيش اليمني.

وتأتي مغادرة القوات الإماراتية عن المشهد، وانسحابها مؤخرًا، ضمن النقاط التي ستعزز الشرعية مكاسبها من خلالها.

ومن المؤكد أن تكون هذه النقطة هي التي دفعت بالمجلس الانتقالي إلى قبول اتفاق الرياض، عقب غياب الداعم والممول الأول والرئيسي له عن الساحة.

كما أن عودة الحكومة الشرعية إلى مدينة عدن التي طُردت منها في أغسطس الماضي يعتبر، بحسب مراقبين، من المكاسب المعززة التي تُضاف إلى مكاسبها في البقاء على قواتها ونفوذها في حضرموت وشبوة وأبين.

جميع الظروف تقف إلى جانب الحكومة الشرعية التي يرون متابعون أنها يجب ألا تتنازل عن أي مكسب قد تسعى إلى تحقيقه، خاصةً مع التوافق الحاصل مع الرغبة السعودية في إعادة الاستقرار إلى عدن، كرمز لعودة الشرعية إلى عاصمتها المؤقتة؛ لترتيب الأوضاع استعدادًا لإقفال ملف الحرب، والتوجه صوب جبهات أكثر جدوى.

تطورات الأوضاع الميدانية في أبين

مساء الخميس الماضي، أخذت الأوضاع الميدانية العسكرية تنحو منحنى مختلفًا في محافظة أبين، (شرق البلاد).

فبعد أكثر من شهربن من استقرار القوات الحكومية وسكونها في منطقة شقرة، واتصالها بخطوط امداد قتالية إلى داخل مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، تفاجأ المتابعون باندلاع مواجهات مسلحة عنيفة بين القوات الحكومية وقوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي.

المواجهات أسفرت، بحسب مصادر مستقلة، عن سيطرة الحكوميين على مدينة أحور، والتقدم في اتجاه مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين، في تطورٍ لافت للأحداث العسكرية.

وما يجعل الأمور مثيرة، هو أن هذه التطورات تزامنت مع أنباء عن تأجيل التوقيع على اتفاق الرياض الذي توصل إليه الطرفين، والذي كان مقررًا أن تشهده العاصمة السعودية، يوم الخميس الفارط.

الحكومة تعزز تواجدها على الأرض

هذا التطور لم يغفل عنه المراقبون، الذين ربطوا أحداثه بحرص الحكومة الشرعية على تعزيز تواجدها على الأرض في المحافظات التي سيطرت وتنوي استعادة السيطرة عليها مجددًا.

كما ألمح المراقبون إلى احتمال أن يكون هذا التقدم الحكومي نحو زنجبار ومحاولات السيطرة على كامل أبين يأتي في إطار استثمار الغياب الإماراتي في المحافظات التي كان قد سيطر عليها الانتقالي، بعد يومٍ واحد من إعلان أبو ظبي رسميًا سحب قواتها من عدن ومحافظات جنوب اليمن.

بينما رأى سياسيون يمنيون أن الحكومة اليمنية لعبت على متناقضات المشهد اليمني، والتغيرات التي شهدها هذا المشهد مؤخرًا، مؤكدين أن التأخير والمماطلة التي عاشتها حوارات جدة، قبل التوصل لاتفاقٍ في الرياض، جاء من باب كسب الوقت والذي أجادت الحكومة اليمنية اللعب عليه.

ويمكن أن يكون لهذا الرأي اعتبار إذا أدركنا الإمارات التي بدأت فعليًا في الانسحاب منتصف يوليو الماضي، لم تختر توقيتاً مناسبًا للإعلان الرسمي عن وصول قواتها إلى أبو ظبي إلا قبيل موعد التوقيع على اتفاق الرياض بساعات.

وهو ما يؤكد أن الإمارات كانت تخطط مسبقًا لتمكين آدواتها المتمثلة في المجلس الانتقالي وقواته الموالية وتثبيتهم في أية تسويات سياسية مقبلة قبل أن تغيب عن المشهد.

ويبدو أن الحكومة اليمنية هي الأخرى استطاعت اختيار وقتٍ مناسبٍ للإعلان عن حرصها على الفوز بأكبر مكاسب ممكنة في المحافظات المحررة، وأن بإمكانها استعادة مدينة عدن وعاصمتها المؤقتة مرة أخرى بمجرد غياب الإمارات عن الصورة.

ما أشبه الليلة بالبارحة

في المقابل أعادت التوسلات التي أطلقها عدد من قيادات المجلس الانتقالي إلى المملكة العربية السعودية للتدخل ووقف التحركات المفاجئة التي قامت بها القوات الحكومية في أبين، الخميس، أعادت إلى الأذهان دعوات الحكومة اليمنية للرياض بالتدخل خلال أغسطس الماضي لوقف استيلاء الانتقالي على مؤسسات الدولة في عدن.

وما أشبه اللليلة بالبارحة، غير أن الشيء المختلف في الأمر هو غياب الإماراتيين عن المشهد برمته، وتركيز كلا الطرفين - الحكومة والانتقالي - على السعوديين، الذين باتوا يتحكمون بالقرار اليمني بكل تفاصيله.

مكاسب إضافية للشرعية

والمثير في الأمر هو أن هذه هي المرة الأولى التي يستنجد بها قياديين انتقاليين بحجم هاني بن بريك وفضل الجعدي بالمملكة العربية السعودية، بعد أن كانت حليفتهم الأولى هي الإمارات، ولم يكونوا يحتاجون لغيرها حينذاك.

وهو تطور يحسب لمكاسب الحكومة اليمنية الشرعية التي التزمت جانب الرياض، أو ربما تكون الرياض هي من تمسكت بالحكومة اليمنية لأن هذه الأخيرة هي من ستعطي السعودية صفة الشرعية لتدخلها في اليمن.