آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-01:37ص

أدب وثقافة


قصة قصيرة: غزلان وغدر الزمان

الخميس - 31 أكتوبر 2019 - 05:48 م بتوقيت عدن

قصة قصيرة: غزلان وغدر الزمان

بقلم: مريم محمد الداحمة

في ظلمة الليل وتحت ضوء القمر تسحبت غزلان بصمت تود الهروب من منزل أبيها إلى منزل أمها الذي يوجد بقرية لا تبعد كثيرا عن قرية أبيها ،وقد أخذت الوقت الكافي للتفكير في الهروب، وماذا يمكن أن تكون عواقبه، وتيقنت إيقانا تاما بأن والدتها لن تتركها وستحتضنها بين زوايا منزلها المتواضع، وشعرت بالسعادة كونها ستتخلص من إجرام زوجة أبيها الشريرة ومن أبيها الذي يتبع كل ما تقوله زوجته وتأمره بفعله، لم تشعر قط بالراحة في منزل أبيها الذي اعتبرته حبسًا وغربةً عن العالم.

تمكنت من الهروب من المنزل، لم تكن ترى أمامها شيئا غير الوصل إلى حضن والدتها ومعانقتها واستقبال إخوتها لها.

استمرت بالركض حتى وصلت إلى باب منزل والدتها، قرعت الباب بهدوء كي لا يسمعها أحد من الجيران، لم يسمعها أحد وقررت أن تظل بجانب الباب إلى حين طلوع الضوء، شعرت بالخوف من عواء الكلاب وتسطحت بانزواء وأغمضت عيناها حتى استيقظت على صراخ رجل يركلها بقدمه قائلا: من أنتِ أيتها المتسولة؟ وكيف تسمحين لنفسك أن تبيتي بجانب منزلي؟

نهضت مسرعة وكشفت عن وجهها، وعند رؤيته لها عرف من تكون، ولم ينطق بأي حرف، أشار بيده لها بالدخول فدخلت مسرعة تنادي على أمها، استغربت الأم من وجود ابنتها في هذا الوقت الباكر، وسردت لها ما جرى معها وعن سبب وجودها عند أمهما، التزمت الصمت الأم وأمرتها أن تدخل كي تستريح، سعدت جدا غزلان وتخيلت حياتها كيف ستكون بصحبة إخوتها وأمها!

انفردت الأم بزوجها كي تخبره بما حدث مع ابنتها وبأنها تود الاستقرار عندهم، صرخ زوج الأم بشدة رافضا وجود غزلان بينهم، وأعطى الأم مهلة يومين إن لم تجد حلاً لتصريف غزلان من منزله سيطرد الأم وابنتها، لم يكن بيد الأم شيء غير الانحناء لأمر زوجها والتخلي عن ابنتها.

بينما كان منزل أبي غزلان يعج بالأصوات العالية والصراخ وأين ذهبت غزلان وتساؤلات عديدة تدور هناك، بدأوا بالتحري عنها والسؤال هنا وهناك، وانتشرت الإشاعات السامة بين أهل القرية، وكانت زوجة الأب هي من تشيع الإشاعات، ولا بد أن يذهبوا إلى منزل الأم إن كان لديها خبر عن ابنتها. عند ذهابهم إلى هناك وعند قرع الباب كانت غزلان هي من فتحت الباب، عندما رآها أبوها لم يتمالك نفسه وأخرج جميع قوّته في تلطيخ جسد غزلان بالضرب المبرح، لم يتدخل أحد أو يرحم صراخ غزلان، فسحبها بسرعة فائقة إلى منزله ليكمل ما تبقى من الضرب هناك!

وفي اليوم التالي تقدم أحد تجار المدينة كي يطلب يد غزلان وكان عمره يفوق عمر أبيها، حيث كان عمر غزلان 17سنة وعمر الرجل يفوق الـ50عاما، تمت مراسيم الزواج بإجبار غزلان وهي ليست راغبه الزواج من ذلك الشايب الذي تزوج قبلها ثلاث نساء وهي ستكون الرابعة.

تزوجت غزلان، ومن أول ليلة لها عاشت المر ولم تذق طعم السعادة، رضت بما كتب الله لها وصبرت على الذل والإهانة والمعاناة والتعب متيقنة بأن الله سيُحدث بعد ذلك أمرا.

وفي يوم من الأيام شعرت بالدوران الغثيان وعند الكشف عنها عرفت بأنها حامل.

لم تلقَ أي رحمة ممن حولها وظلت تعاني حتى حان وقت المخاض، تعسرت الولادة كون جسدها ليس في سن يسمح للحمل والولادة، وكونها لم تلقَ الراحة الكافية اضطروا إلى وضع عملية قيصرية.

يا ترى ما الذي سيحدث داخل غرفة العمليات؟

تمت العملية بنجاح، وخرج الجنين وكانت فتاة، وليس الجنين وحده مَن خرج بل وروح الأم خرجت معه! نعم إنها غزلان وافاها الأجل في لحظة خروج الجنين وارتاحت من غدر الزمان وغدر البشر التي لا تعرف للرحمة طريقاً.