آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-04:02ص

أدب وثقافة


#جبان_الهوى #قصة_قصيرة

الأحد - 01 سبتمبر 2019 - 08:49 م بتوقيت عدن

#جبان_الهوى  #قصة_قصيرة

عدن ((عدن الغد)) خاص:

 

مرت ثلاث سنوات منذ أن تعرفت بها، كنت أحبها كثيرًا، وتمنيت لو أنها تبادلني ذات الشعور.. لم أقوَ على مصارحتها، لقد كان الحياء أقوى مني.. أعترف بأنني كنت ضعيفًا وجبانًا، لم أجرؤ على الإفصاح لها بشيء.. وفي كل مرة أقرر أن أكسر حاجز الخوف وأبوح لها تهزمني الضنون ويمعني جبني وحيائي فاتوقف عن فعل ذلك.
هي الأخرى مع أنها تُبدي لي اهتمامًا بالغًا عند كل حديث يجمعني بها لكنها لم تخبرني يومًا أنها معجبة بي أو تحبني.
كل حديثٍ معها يكون جميلًا وشيقًا لكنه يخلو من كلمة أحبك ويتوقف عند بعض التلميحات البعيدة.
بقيت على انتظار دائم لسماع كلمة أحبك منها دون أن أجرؤ بأن أكون أنا المبادر.. مضت الأيام وأنا أنتظر اليوم الذي سوف نعلن فيه حبنا دون خوف ووجل.. طال الموعد حتى كدت أصاب باليأس.. لكنها الأقدار شائت أن يأتي هذا اليوم الموعود...

كان ذلك في ليلة الأربعاء من شهر ديسمبر، الساعة الثانية فجرًا..
فتحت جوالي أتصفح الوتساب فإذا بي أقف على رسالة منها.. كانت الرسالة غزلية بإمتياز.. تألفت من سطرين.. لكنها حوت كل كلام الغزل بداخلها.. قرأتها فلم أتمالك نفسي، كدت أطير من شدة الفرح.. قرأتها مرة ومرتين وثلاث.. وفي كل مرة أقرأها أبتسم وأفرح، شعرتُ بأني أسعد إنسان في العالم.. نعم! أنا أسعد إنسان في المجرة كلها..
لكم كنت أحلم بأن أسمع كلامًا كهذا من فتاة تملكت قلبي وسكنت أحشائي ذات صدفة؛ ولم تفارقني بعدها للحظة.. هذه كانت أمنيتي التي لطالما تمنيتها، هذا هو مبتغاي، ها قد تحقق كل شيء الليلة.. يا الله لكم أنا شخص محظوظ.

ولأنني كنت مرتبكًا لم أرد سريعًا على رسالتها.. أو بالأصح لم أجد جوابًا مناسبًا لهذه الرسالة المفاجئة.. جلست أفكر برد يليق بما أرسلته.. لكنها كانت قد بعثت لي رسالة أخرى.

- أين أنت.. ما بك صامت.. هل نمت؟!

- جاوبتها سريعًا.. لا لم ولن أنم، وكيف يمكنني ذلك وأنا أقرأ هذا الكلام الجميل المبهج.. صراحةً أنا لم استطع تمالك نفسي حيال ما كتبتيه برسالتك.. وَجَدَتَنِي ضائعًا تائهًا مرتبكًا بين هذه الحروف السحرية، فوقفت أبحث وأفكر عَلّي أجد ردًا مناسبًا يسعفني للايفاء لك.. حقًا لقد أسعدني كلامك كثيرًا، وفي الوقت نفسه كان مفاجئًا جدًا.
أهكذا قلتيه دون سابق إنذار، أهكذا بهذه السهولة؟.. إنني لم أرَ نفسي سعيدًا كما أراها الآن، لم أفرح في حياتي قط كفرحتي الليلة.. شكرا لكِـ لقد كنت بانتظار هذا الكلام منذ زمن بعيد.. وها قد أتى الليلة، أتى ولكن كيف أتى!.. أتى دفعة واحدة لينعشي ويرويني بعد أن كدت أصاب بالذبول والضمئ.. كلامك يا سيدتي فعل بي كما يفعل الانعاش الكهربائي حين يعيد نبضات القلب بعد أن يتوقف عن العمل.. مثله تمامًا.. أعاد إلى قلبي الحياة بعد أن كنت على بعد خطوة من اليأس وفقدان الأمل.

- أجابت: الحقيقة أنني معجبة بك منذ فترة طويلة.. أحببتك من النظرة الأولى التي رأيتك فيها.. مذ شاهدتك ذلك اليوم في السوبر ماركت.. من حينها لم يفارق طيفك خيالي.. كُنتَ شاغلًا بالي طوال هذه الفترة كلها.. وحاضرًا معي بكل تفاصيلها.. لكنني لم استطيع أن أبوح لك بشيء، أخفيت ذلك بقية أن تأتي المباردة منك، كما يفعل أغلب العشاق مع حبيباتهم.. أعتقدت أنك ستعلن حبك لي يومًا ما.. كنت أعيش على انتظار دائم لهذه اللحظة.. لعلها ستأتي.. انتظرت انتظرت وانتظرت.. لكن شيء من هذا لم يحدث..
إلى أن قررت اليوم مصارحتك وإخبارك بكل ما في نفسي.. لقد أحسست بضميري يأنبني فأحببت أن تعرف حقيقة مشاعري تجاهك.. عزيزي: إن أصعب ما يمارسه المرئ بحق نفسه هو أن يحاول كبت مشاعره واخفاءها تجاه من يحب.. وها أني أقف بين يديك لأخبرك بكل ما في قلبي من مشاعر لطالما كنت أخفيها عنك..
أضافت..
أريد أيضًا أن أخبرك بشيء أخر..
بالمناسبة ستكون هذه هي المحادثة الأخيرة بيني وبينك.. لأنك لن تقرأ لي حرفًا واحدًا بعد هذه الليلة.. لن تسمع لي همسًا بعد الآن.. لذا كان من الضروري أن أخبرك بهذه الحقيقة المُرة قبل أن أغادر حياتك وإلى الآبد...

- معذرة!.. ماذا تقولين!، لم أفهم قصدك، ما هي الرسالة التي تريدين إيصالها بهكذا قول،
عن أي حقيقة تتحدثين.. وماذا يعني المحادثة الأخيرة؟!
كنت قد وجهت لها اسئلتي والحيرة تملؤني والخوف يتوجسني...

- ردت.. وكان ردها الأخير، عزيزي: أريدك أن تعرف أنني انخطبت اليوم.. تقدم فلان يوم أمس لخطبتي.. ذكرت أسمه "فلان ابن التاجر فلان" صديق أبي؛ لعلك تعرفه.. تقدم لي فوافقت على الفور..
أني يا عزيزي أحبك.. وأعلم أيضًا أنك تحبني رغم كتمانك لذلك.. والحب وحده يا عزيزي لا يكفي.. نعم الحب وحده لا يكفي.. إذ أنه بحاجة لأمور كثيرة لعلك تعلمها.. ثم إنني لا أريد ممارسة حب ليس له معالم.. لا أرغب في خوض تجربة بلا أفق.. لا أحب أن أسلك طريق لا أعلم له نهاية.
ولكم كنت أتمنى الزواج، وأعتقد أن الفرصة سانحة أمامي الآن ولا أريد التفريط بها..
لقد تمت الخطوبة، وسيكون الزواج بعد شهر من اليوم.. وقبل أن أغادر عالمك وأذهب لعالمي الآخر هناك حيث سأعيش مع زوجي، أردتك فقط أن تعلم أنني أحبك.. فقط هذا ما يهمني.
والآن عليك أن تعذرني، فإنني مضطرة لحظرك، احترامًا لمشاعر خطيبي.. فلتكن بخير.. أعتني بنفسك جيدًا.. باي
...

كان هذا آخر ما ارسلته لي.. لكنني لم أصدق حينها.. على غالب الظن كنت أعتقده مقلب.. لتكن مزحة مؤقتة.. ماذا لو أنها كذبة ابريل؟،.. اللعنة فمساء الليلة يكون يسمبري!. ليس الأمر طبيعيًا البتة، هناك شيئًا ما..لابد وأنها تحاول أن تمثل عليَّ مقلب.. لكنها لم تكن يومًا ممن يهوى هذه الألعاب!!.
إذًا ماذا هناك.. ترى مالذي يدور في عقلها الآن.. ما الذي تحاول فعله؟
وجدت نفسي في جمة من التناقضات.. لم استوعب ما قالته لي.. ولا أريد أن أستوعب أصلًا..

ماذا، لم أفهمكِ.. انتظري لحظة.. لا تغادري أرجوك.. أريد أن أفهم الأمر.. أنا لا أحتمل.. ردي هناك شيء ما أريد أن أقوله لك.. عزيزتي ردي.. لو سمحتِ.. أرجوك؟

... للأسف، كانت قد غادرت وبالفعل قامت بحظري.. لم تصلها رسائلي الأخيرة.. غادرت وتركت الرسائل معلقة وما زالت كذلك حتى يومنا هذا.. تحول فرحي الشديد إلى حزن أشد.. تبدلت ليلتي البهيجة إلى كابوس ظل يلاحقني-وما زال-طيلة أيام حياتي.. تغيرت ملامح البهجة لديّ إلى مآساة ساحقة.. حلت الدموع مكان البسمة.. استوطنني الآلم بعد تلكم الراحة التي كنت أشعر بها.. تبددت آمالي، وخابت ضنوني.. ماتت الأحلام وهي في الأجنة.. انتهى كل شيء قبل أن يبدأ...

خمس سنوات كانت قد مضت على مغادرتها.. خمس سنوات والحزن يتربص بي، والآلم يعصر قلبي.. لكني دفنت كل ذلك في تخزيني الداخلي وأخفيته عن الآخرين فلم يعلم بمأستي هذه أحد.. وطيلة هذه الخمس سنوات وأنا أحاول أن أتجاهل.. أنسى.. أتناسى.. لدرجة أنني فكرت بالانتحار لأخلص نفسي من هذا الكابوس السحيق...

مرت خمس سنوات على تلكم الليلة..

صباح اليوم بينما كنت أحتسي كوبًا من القهوة التركية في كافية بأحدى مولات المدينة.. شاهدتها وهي تمشي في المول رفقة رجل وسيم كان يمسك بيده شنطة جلدية من الواضح أنه زوجها.. كانت تسير بجانبه وهي تحمل بين ذراعيها طفلًا صغيرًا.. كان غاية في الجمال.. إنه بمثابة صورة مصغرة لأمه.. نظرت لهذا الملاك الصغير وكأن بي أنظر لوجهها الذي افتقدت له كثيرًا.. كان يشبهها حد التطابق.. يبدو طفلها بعمر الـ 3 سنوات.
ذهبت بنظري نحوها.. أما هي فلم تكن تراني ولم تشعر بوجودي في المكان.. ظلت مشغولة بعائلتها.. نظرت لها برهة من الزمن.. تأملتها وتفحصها بدقة.. كانت قد زادت جمالًا وبهاءً.. تبدو وكأنها قطعة جبن مالحة دُهنت باللبن والسكر.

كنت أود لو أنني استمر بالنظر لها إلى الآبد.. أن تظلي واقفة أمامي إلى مالانهاية.. لكنني لم أتحمل المنظر وهي بجانب ذلك الرجل الغريب.. شعرت بالغيرة والحقد تجاهه.. وددت لو باستطاعتي تمزيقه اربا اربا.
قمت مسرعًا من على الطاولة وسلمت الحساب للكاشير.. ثم انسحبت من المكان مسرعًا..
انسحبت منه بكوم من الأحزان والآلام والأجواع والهموم.
غادرته وأنا أجر خلفي أذيال الهزيمة والانكسار.
كانت خمس سنوات منذ أن غادرت.
خمس سنوات من العذاااب.

عبدالقادر زايد