كتب:وديع الفقير
( قطعة خبز ) و ( كأس من الشاي العدني ) حملتني لمسافة 3500 كيلو متر !! .
يغادر المغترب بيته ، ولا يعود حتى يشتاق لكل شيء ، ليس في بيته وحسب ، بل في وطنه بأكمله .
يشتاق لرائحة وسادته ، للشمس التي تدخل من نافذة غرفته ، لصخب السوق ، ولعب الأطفال ، وتكبيرات العيد التي تصدح من مآذن المساجد ، بل حتى الأصوات المزعجة كأصوات ( المُترات ) يشتاق لها !! ، لكل شيء دونما استثناء .
اليمن عالمٌ جميلٌ وغريبٌ من الفوضى والإنسجام .
في البيوت هناك ( ضحكة الأطفال ) و ( رائحة الخبر والسمك ) _ الباغة بالذات _ ، ولون الشاي الأحمر ومذاقهُ المختلف .
في الطرقات هناك ( السلام عليكم ) تلك التحية التي نفتقدها هنا ونكاد لا نسمعها .
حتى ( الغبار ) العالق على أقدمنا نشتاق له .
الفوضى والإنسجام والتعايش هي السمات المميزة لحياة اليمنيين .
في أزقة البيوت تتهامس النساء ب ( الحشوش ) عبر الشبابيك والأبواب :
_ ( نعم يقولوا راحت عند أهلها ) .
_ ( الله يستر لايكون طلقها ) .
_ ( نسيت لاقولك لك نعم الكيلو الثمد اليوم من خمسة ألف ) .
_ ( الله يقلعها من حكومة ) .
هكذا تمضي الساعات و ( الحشوش ) مستمر ويزداد كثافة .
في ( مجالس القات ) تسيطر المواضيع السياسية والمعيشية على بداية النقاش دائماً ، ثم يستتب الوضع ويغادر كل شخص بأفكاره بينما جسده لازال رهين المحبسين ( الفرش والمدكى ) .
حياة اليمنيين لا تشبهها حياة ، وطريقتهم في تجاوز كل المحن والمنغصات لا تستطيع كل شعوب العالم أن تفهمها ، حتى أنا أحيانا _ بالرغم إني واحد من هذا الشعب _ لكني لا أستطيع فهم مقدرتنا على تجاوز كل هذه النكبات !! .
..
حديث ( قطعة الخبز وكأس الشاي العدني ) يطول ، لكنني حاولت الإختصار تجنباً للملل .