آخر تحديث :الأربعاء-08 مايو 2024-10:52م

ملفات وتحقيقات


من الكرة إلى السلاح: دوافع الدور القطري المتصاعد إقليميًّا وعالميًّا

السبت - 16 فبراير 2013 - 11:48 م بتوقيت عدن

من الكرة إلى السلاح: دوافع الدور القطري المتصاعد إقليميًّا وعالميًّا
امير قطر

المركز الأقليمي للدراسات الإستراتيجية

بدو أن قطر، ذلك النتوء البارز من اليابسة داخل الخليج العربي، ستظل مثارًا للجدل، لاسيما في ظل تصاعد دورها في الأزمات الإقليمية والعالمية. إذ لا تخلو أزمة في الشرق الأوسط حاليا من التواجد القطري، سواء تعلق الأمر بفلسطين أو دارفور أو حتى في منطقة الساحل والصحراء ، حيث لمحت بعض التقارير الغربية لدور قطري في دعم الفصائل المسلحة في أزمة شمال مالي.

 

وفي هذا السياق، تأتي أهمية التحليل الذي كتبته "جين كينينمونت"، كبير الباحثين في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بمركز تشاتام هاوس، في صحيفة الأوبزرفر، وتحاول فيه البحث في مصادر ودوافع الدور القطري على المستوى العالمي الذي بزغ منذ منتصف التسعينيات على خلفية إقصاء الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لوالده عن الحكم في 1994.

وبينما يعتبر البعض أن قطر تمارس أدوارا تفوق حجمها الجغرافي والسكاني، إلا أن آخرين يرون أن تلك الدولة الصغيرة اختارت لنفسها أدوات الكبار سواء تعلق الأمر بكرة قدم أو حتى دعم فصائل بالسلاح ، فليس غريبا أن يوقع لاعب كرة القدم الإنجليزي "بيكهام" عقدًا مع فريق "باريس سان جيرمان" المملوك لهيئة الاستثمار القطرية؛ بينما اشترت قناة الجزيرة القطرية فضائية "Current TV" الأمريكية، في صفقة قاربت الـ500 مليون دولار، وذلك لإطلاق قناة "الجزيرة أمريكا". أما في بريطانيا، فيملك المستثمرون القطريون ومنهم بنك قطر الوطني ما يقرب من 80% في برج "The Shard" في لندن، الأعلى في أوروبا، علاوة على تنظيم قطر مونديال كرة القدم في عام 2022.

مصادر قوة قطر 

يمكن النظر إلى القوة الاقتصادية، على أنها الركيزة الأولى التي ينطلق من خلالها الدور القطري، فمنذ تولي الشيخ حمد السلطة في البلاد، دخل في شراكات واسعة مع كبرى شركات النفط والغاز العالمية (إيكسون موبيل، وشيل) لاستخراج الغاز المسال، والمتوافر بغزارة في الحقل الشمالي، وتمثل عائدات الغاز المسال ما يقرب من 70% من الدخل الحكومي.

إلا أن قطر لا تنتوي الاعتماد الكلي على عائدات الغاز المسال، لاعتبارات تتعلق بأنه مورد غير متجدد، إذ تشير التقديرات إلى أن الاحتياطات تكفيها حتى 57 عامًا قادمة. بالإضافة إلى اكتشاف الغاز في الحجر الطفلي في الولايات المتحدة، والصادرات المتنامية لأستراليا للغاز الطبيعي، وكلها عوامل ستساهم في انخفاض سعره عالميًّا. علاوة على ذلك، فإن قطر فهمت الدرس جيدًا من تجارب دول الخليج الأخرى، بضرورة تنويع مصادر دخلها، وعدم الاعتماد على موردٍ سعره متغير عالميًّا.

الاعتبارات السابقة قادت قطر للاتجاه لتنويع قاعدتها الاقتصادية، وبناء قطاع مالي قوي يدير استثمارات بمليارات الدولارات في الخارج، بالإضافة للعبها دور المنقذ للعديد من المشاريع والمؤسسات المالية العالمية، فضلا عن زيادة حصصها بالشركات العالمية، ما يجعلها لاعبًا مهمًّا لاستقرار ليس فقط المنطقة العربية وإنما الاقتصاديات الغربية على حدٍّ سواء. أضف إلى ذلك استثماراتها في دول "الربيع العربي" ومساندتها للحكام "الإسلاميين" الجدد بها، وخاصة في مصر وتونس.

كما اتجهت قطر في الآونة الأخيرة إلى نوع جديد من الاستثمار في رأس المال البشري، من خلال استقدام الخبراء لتنمية اقتصادها وتدريب كوادرها، كما استقدمت "مؤسسة قطر" أفضل عشر جامعات أمريكية وجامعات أخرى إنجليزية وأوروبية لتكوين فروع لها في قطر.وتستثمر قطر في بنيتها التحتية بشكل موسع، ما أهلها لتكون مركزًا عالميًّا للقمم والمؤتمرات العالمية، واستضافتها لكأس العالم 2022، وما سيصاحبه من استكمال لمشاريع البنى التحتية.

دوافع وأهداف الدور القطري

"إن امتلاك الكثير من الشركات متعددة الجنسيات حول العالم، يضمن عدم التضحية أو التخلي عنك وقت الحاجة". هذه المقولة التي رددها أحد الباحثين الغربيين تفسر دوافع السلوك القطري، خاصة الحفاظ على استقرار الاقتصاديات الغربية، فضلا عن الشراكات الاقتصادية مع دول الآسيان، علاوة على دورها المتنامي عبر تدفق استثماراتها ووساطاتها في المنطقة العربية، بما يجعلها شريكًا هامًّا لكل الأطراف.

وتقوم قطر بدور فاعل في مناصرة القضية الفلسطينية، في حين تتمتع بعلاقات طيبة مع إسرائيل حتى 2009، كما تعمل على استضافة الفرقاء على أرضها كما في الحالة اللبنانية، والفلسطينية، أضف إلى ذلك، دورها في أزمة دارفور، ومساندة تدخل حلف الناتو في ليبيا لإسقاط نظام القذافي، وتعبئة الدعم الدولي للتدخل في سوريا، ودعمها المعارضة السورية بالمال والسلاح لإسقاط نظام الأسد، فضلا عن التوسط بين طالبان وحكومة أفغانستان والولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، مارست قطر أدوارًا داعمة لثورات ما يعرف بـ"الربيع العربي"، وذلك عبر الوسائل الدبلوماسية، ومن خلال أداتها الإعلامية "قناة الجزيرة"، إلا أن القناة في المقابل سعت لتغطية انتقائية مقتضبة لأزمة البحرين، حتى لا تثير أشقاءها الخليجيين، كما لا تعطي قناة الجزيرة مساحة كبيرة لتغطية الحراك السياسي في السعودية والكويت، وبالطبع داخل قطر نفسها.

وفي السياق نفسه، ثمة تقارير تشير إلى تدفق المليارات القطرية على الحكومات ذات التوجه الإسلامي سواء في مصر وتونس، وهو ما يراه مراقبون انحيازًا يضر بالتوازن الهش بين القوى الإسلامية والمدنية في الدولتين، وهما أصلا في طور الانتقال السياسي بعد الثورات.

وعلى ذلك، يمكن صياغة بعض أهداف الدور القطري فيما يلي:

-    ضمان استمرارية الحكم الوراثي بالإمارة، عن طريق إيجاد شركاء وحلفاء على كل الأصعدة، سيحولون دون سقوط النظام، خصوصًا وأن النظام القطري قائم على وجود عائلة آل ثاني في الحكم.

-    رغبة النخبة الحاكمة في قطر وعلى رأسها الأمير ووزير خارجيته في الاضطلاع بدور في كتابة تاريخ المنطقة والتأثير في مجرياته.

-    قيام قطر بأدوار الوساطة، ونجاحها في بعض الأحيان فيما فشلت فيه قوى إقليمية كبيرة، يعزز من مكانتها كوسيط أمين، مما يعزز من مكانتها على ساحة التفاعلات الإقليمية والعالمية.

-    ضمان استمرارية النمو الاقتصادي القطري، والنظر لمرحلة ما بعد الغاز، وهو ما يتجلى في الاستثمارات القطرية سواء في رأسمالها البشري، أو في جميع أنحاء العالم.

تحديات أمام الدور القطري

بيد أن الدور القطري في المنطقة يواجهه بعض التحديات أبرزها ما يتعلق بمحدودية قوتها العسكرية، إلا أنها تستعيض عن ذلك بوجود أكبر القواعد الأمريكية على أراضيها، كما أن دورها الإقليمي والعالمي يصطدم بالسعودية كقائد لدول مجلس التعاون الخليجي، وإن كان التفاهم بين الدولتين الخليجيتين قد زاد في الآونة الأخيرة، ما تجلى في اتفاق وجهات النظر بخصوص ليبيا وسوريا، خصوصًا وأن إسقاط نظام الأسد يفقد إيران حليفًا محوريًّا في المنطقة، ما سترحب به السعودية.


كما أن دعم حكومات الإسلاميين في دول الربيع العربي يعد موقفًا مخالفًا لموقف دول الخليج بصفة عامة، حيث تتسم تعاملاتهم بالحذر تجاه النظم الوليدة بعد الثورات، إلا أنه وبصفة عامة فإن مدى التداخل الاقتصادي مع المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج العربي يشير إلى إمكانية تسوية ما قد يبرز من خلاف في وجهات النظر..

* من  جين كينينمونت