آخر تحديث :الإثنين-29 أبريل 2024-01:45ص

أدب وثقافة


" عن فتاة من مطر " ( قصة قصيرة)

الأحد - 30 يونيو 2019 - 07:36 م بتوقيت عدن

" عن فتاة من مطر " ( قصة قصيرة)

كتب/صلاح الحيدري

كانت الواحدة ليلا حين أستيقظت من نومي على طرقات باب دارنا القديم  ..

كان صوت الرعد المخيف يصدح, والبرق يضيء الأنحاء ,وكانت السماء حينها تعزف أجمل سيمفونيات المطر  ..

فتحت باب دارنا الخشبي القديم, لأجدها واقفة أمامه, ممزقة الثياب شبة عارية , والمطر ينزل من على وجهها وجسدها .

كان أثر السهاد يغطي عينيها المتلألأتين , وكانت آثار الجراح والخدوش تغطي وجهها الجميل وجسدها الفاتن , 

أما شعرها الغزير المبتل فكان منثورا بجانبها ليبدوا وكأنه  ظلها , او ربما صديقة لها تمشي بجانبها مرتدية فستانها الاسود .

لقد كان قاتم السواد تماما ك حقد أم فلسطينية احرق اليهود منزلها وقتلوا ولدها وزوجها امام ناظريها .

كانت رؤيتها في تلك اللحظات  أثقل من صدمة وأكبر  من مفاجئة, وأغرب من حلم , 

 تكبلت روحي في تلك الأثناء, وتجمد جسدي وعقدت لساني.

صرت تائها شاردا وكأنني في غيبوبة.

رغم ان المطر كان يفتك بها حين فتحت لها الباب لكنها ظلت واقفة ولم تدخل ..

وكأن كبريائها قد أبا لها الدخول دونما موافقة ,

لقد كان كبريائها أنيقا ك جمالها  ,لكنه كبرياء غريبا, كبرياء جعلها تفضل الموت مخنوقة بغزارة المطر, على الدخول دونما موافقة او دعوة ..

مرت دقائق ونحن نقف على أعتاب باب  دارنا القديم, وقطرات المطر لا زالت تتساقط بغزارة, على وجهها ومفاتن جسدها ,

لقد ظلت روحها لدقائق تصارع الآلام والهموم والتعب , وظل جسدها النحيل العاري يصارع زمهريرا تلك البرد الشديد وغزارة ذلك المطر القاتل الذي يكاد ان يخنقها,  

 إنه ومثلما كان لجمالها جاذبية كان ايضا لكبريائها جاذبية وكانت جاذبية كبريائها تضاهي جاذبية جمالها وحسنها .. 

ففي تلك الليلة وذلك المكان اختفى القمر وذبلت النجوم ولم يكن هنالك من منافس لجمالها سوى جمال كبريائها ..

في تلك الأثناء كان الصمت يحلق في الأرجاء وكانت الاجواء خالية من اي صوت, فقط  صوت شهيق انفاسها مع صوت زخات المطر ,

كان صوت المطر وصوت أنفاسها كأنهما سيمفونيتان "لفان بيتوهن" تتنافسان على الاداء الأجمل والأروع,  لتطغى وتفوز بعد ذلك سيمفونية انفاسها على كل سمفونيات الكون , ولم يكن هنالك من منافس لصوتها لا صوت مطر ولا عزف ناي ولا زغردة عصافير ولا اي صوت على هذا الكوكب .

وكأن شهقاتها يا ساده مطرا آخر, لكنه كان مطرا من موسيقى وفرح وليس من ماء فقط  ,,

كان المنظر جميلا جدا قبل ان ترعد السماء بقسوة, معلنة حنقها وغيرتها من تلك الهزيمة البائسة التي تعرض لها مطرها امام موسيقى انفاس تلك الفتاة , 

اما تلك الأنثى الملائكية فكانت تبدو جميلة حتى وهي في اتعس حالتها ..

كان حسنها لافتا وكان جمالها طاغيا عابرا للحدود, لا يستوعبه اي عقل بشري,  كانت جميلة لدرجة أنني جردتها وخلعتها من بشريتها, وأجزمت أن ملامحها لم تكن سوى ملائكية وأنها لم تكن سوى حورية ربما ظلت طريقها في السماء وسقطت مع قطرات المطر  .

كنت شاردا تائها في عينيها ,غارقا في ملامح وجهها الجميل وملامح جسدها الفاتن المثخن بالتعب وبآثار الخدوش والجراح ,,

رغم انها كانت في قمة تعبها ومعاناتها وتذمرها, لكنها كانت جميلة حتى بكل حطامها, 

كانت تبدوا فاتنة جدا بفستانها الممزق وبملامحها الطبيعية وبجسدها الشبه عاري من الثياب والعاري من كل انواع الخداع والزينة والتجميل ..

في تلك الأثناء وبعد دقائق من صمتنا ونظراتنا بدأت استعيد وعيي وذاكرتي, وبدأت افيق من آثار صدمتي وذهولي , وحين كنت على وشك ان اشير لها بيدي وأدعوها للدخول , استيقظت من حلمي في تلك الأثناء , وقمت مصدوما مذهولا ,

كانت فعلا الواحدة بعد منتصف الليل, وكان المطر يتساقط بغزارة في الخارج ,

خرجت مسرعا نحو باب منزلنا مطاردا آثار حلمي , فتحت الباب لكنها لم تكن موجودة,,

 خرجت رغم عنفوان المطر وغزارته باحثا عنها في الأرجاء علي اجدها  لكن دون جدوى , لقد اختفت فجأة وكأنها لم تكن سوى كتلة مطر تناثرت إلى قطرات ..

وفعلا هي لم تكن سوى فتاة من مطر , وقد عدت بعد ذلك  بكل يأس إلى فراشي لعلي أجدها منتظرة هناك على أعتاب حلمي , فقد خفت حقا ان أفقدها في حلمي كما فقدتها في واقعي ..