آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-07:14ص

أخبار المحافظات


منتدى الكوخ الثقافي بيافع يقيم صباحية شعرية جامعة التراث بالحداثة

الأربعاء - 03 أبريل 2019 - 06:21 م بتوقيت عدن

منتدى الكوخ الثقافي بيافع يقيم صباحية شعرية جامعة التراث بالحداثة

يافع (عدن الغد) خاص :

تحت رعاية مدارس المستقبل الأهلية بيافع، أقام منتدى الكوخ الثقافي والفني صباحية شعرية وثقافية يومنا هذا، الموافق ٢٠١٩/٤/٢م،  وذلك تكريماً للأستاذ القدير والشاعر الكبير حمود عبدالمحسن زين عبادل، وتعد هذه الصباحية التي احتضنتها إحدى قاعات مدارس المستقبل بلبعوس يافع، الأولى من نوعها، حيث جمعت نخبة من الشعراء والنقاد والمثقفين والأساتذة التربويين والأكاديميين والمحبين للشعر الشعبي اليافعي والشعر العربي الحديث وطلاب المدرسة، فكانت بمثابة التظاهرة الأدبية والنقدية الكبرى بما تخللها من أوراق نقدية وقصائد شعرية متنوعة منها حداثية وأخرى شعبية، والأروع ما في هذه الصباحية ندوتها  التي حملت عنوان: (تداعيات الأسطورة والرمز في القصيدة؛ تلاقح الحداثة والتراث)، حيث جمعت الأدب بالنقد، والشعر التقليدي العمودي بالحداثي، والشعبي بالأدبي، والعامي بالفصيح، والأسطورة بالرمز، هادفة إلى ملاقحة جماليات القصيدة  العربية الحديثة بموروثها الثقافي وأدبها الشعبي، الذي تنهل منه رموزه وأساطيره، وحكاياته الميثولوجية  والتاريخية  المؤسطرة.

-------------------------

 

بدأت الصباحية بالندوة التي أدارها الإعلامي المتميز والشاعر الحداثي بسام الحروري، رئيس منتدى الكوخ الثقافي والفني، وقد افتتحها بكلمة ترحيبية للحاضرين جميعاً، ثم استعرض في مستهل ورقته بنبذة تعريفية مختصرة عن المنتدى، وشاكراً رئيس مجلس إدارة مدارس المستقبل الأستاذ محسن علي الحربي، ومدير المدرسة الأستاذ محسن علي بن سماعة على دعوتهم الكريمة لإقامة الصباحية في المدرسة واستضافتهم لها.

بعدها كانت كلمة مدير المدرسة الأستاذ محسن علي بن سماعة، وبدوره رحب بالضيوف شاكراً إدارة الكوخ الثقافي على قبول الدعوة مشيراً إلى أهمية مثل هذه الندوات والفعاليات على المستوى الاجتماعي والتربوي والثقافي، ومنوهاً أنها تسير على خطى العرب بما وصلوا إليه من حداثة وشعر جديد يواكب  تطلعات المرحلة، فلكل عصر لغته وأدبه، وهذه الندوة تحاول أن تجمع بين الأصالة والمعاصرة، إشارة منه إلى إرساء قواعد ومداميك الحداثة الشعرية والفكرية العربية المعاصرة، لكي يواكب شعرنا هذه الحداثة، من خلال العودة إلى موروثه الثقافي الممزوج بوشائج الحكايات الشعبية والأساطير التي يمتلئ بها تراثنا اليافعي الأصيل.

بعد ذلك بدأت حيثيات الندوة، وكانت أول ورقة لمدير الندوة الشاعر بسام الحروري، وقد حملت عنوان:

  (الرمز والأسطورة في القصيدة العربية.. شعر أمل دنقل أنموذجا)، بدأها بتساؤل: لماذا لانؤسس لحداثة شعرية مرتكزة على أرضية خصبة، نستقيها من رموز تراثنا المحلي، وكذا من الأساطير والحكايات الشعبية ؟! وفي تساؤله هذا يشير الحروري إلى الغموض الذي يكتنف قصائد بعض شعراء الحداثة العربية كأدونيس، منوهاً أن هؤلاء  نهلوا من تراث غير تراثنا العربي وتشربوا بثقافات وموروثات إغريقية وأساطير لا تنتمي إلى الذائقة العربية، فبدا شعرهم كذلك، وأكد الحروري أن لدى العرب تراثها الشعبي وموروثها التاريخي الزاخر بالعطاء، الذي يحقق لها الحداثة بكل أشكالها دون أن ننسلخ من هويتنا، ودلل ذلك من خلال الأساطير والرموز التي يمتلئ بها الموروث الشعبي العربي، والتي تمثلها الشاعر أمل دنقل خير تمثيل، مستشهداً بقول الناقد الدكتور صلاح فضل في قوله: وجد أمل دنقل نفسه محاطاً بكم هائل من التراث الديني والصوفي والتاريخي، وكذا الأسطوري والشعبي وغيرها من مصادر التراث، وبذلك أخلص  دنقل مع موروثه العربي، فبدا شعره الحداثي أقوى من معاصريه، وهذا لايعني  أن  دنقل لم يتعامل مع بعض الرموز الإغريقية،  لكنه كان مقلاً إذا ما قارناه بجيل الرواد أمثال بدر شاكر السياب وصلاح عبدالصبور وأدونيس وعبد الوهاب البياتي وغيرهم ممن ذهبوا بشعرهم ناحية الرموز والأساطير الأجنبية الإغريقية والرومانية.

 

وأوضح الحروري أن دنقل استخدم في شعره الحداثي اللغة المحكية والتقاليد الشعبية وألعاب الأطفال والأغاني المحلية والمواويل؛ ففي مجال اللغة المحكية يستخدم الشاعر عبارة (كان ياماكان) التي يفتتح بها الناس حكاياتهم للأطفال، وفي قصيدة (طفلتها) يستخدم أغنية من الأغاني الشعبية التي يرددها الأطفال عندما يخلع ضرس لأحدهم، فيلقي به جهة الشمس صائحا : (ياشمس ياشموسة خذي سنّة العروسة

وهاتي سنّة الجاموسة) فيسقط هذه الأغنية على قصيدة إجازة فوق شاطئ البحر..

وخلص الحروري إلى أن توظيف الرموز والعناصر التراثية ، يساعد على تخفيف الغنائية والذاتية في الشعر العربي المعاصر، ويبتعد بالقصيدة عن البيان الخطابي والتعبير المباشر.

----------------------

كانت الورقة الثانية للدكتور أمين حسين القعيطي، أستاذ الأدب المساعد في كلية التربية يافع، وحملت ورقته عنوان: (توظيف الرمز والأسطورة في شعر حمود عبدالمحسن عبادل اليافعي)، وابتدأ القعيطي ورقته بإيضاح مفهوم الرمز، مشيراً إلى أن اللغة الشعرية لغة إيحائية تعتمد على الخيال، وتحاول قدر المستطاع أن تبتعد عن اللغة المعجمية، موضحا  أن الرمز وسيلة الشاعر عندما لا يجد وسيلة أخرى يعبر بها عن أزمته النفسية وفكرته وحالته الشعورية إزاء موقف معين من مواقف الحياة،  والناطر إلى شعر حمود عبادل من هذه الناحية، يلحظ أن الشاعر استدعى رموزا تاريخية كثيرة يتجاوز بها العالم المرئي والمحسوس إلى عالم التجريد ووظفها لقيم نفسية ودلالات كثيرة منها وطنية وقومية ومنها فكرية وسياسية، وظفها بما يتواءم مع رغباته وقناعاته مستعيناً في ذلك بخيال وثقافة واسعين مَكّناه من خلق تلاحم غير مسبوق بين الحلم والرمز والأسطورة والقصص التراثية الدينية أو التاريخية، وإعادة بنائها بتراكيب وصيغ جديدة تتداخل وتتحد مع تجربته الخاصة، أو يتخذها كقناع يخفي وجهه وراءه، سعياً منه إلى إيجاد عوالم مثالية لم يسبقه إليها أحد أو عاشها آخر، وقد اتخذ الرمز في شعر عبادل عدة أشكال كل شكل له دلالته ووظيفته الإسقاطية، منها الرمز الاستدعائي بغرض المشابهة، ليكشف بها مساوئ العصر، ويحاكم به حكامه وفاسديه، وقد استدعى كل رمز سلبي وأسقطه على بعض الحكام العرب، كمسيلمة الكذاب: (لمسيلمة أحفاد ما برحوا كما كان الجدود، نهضوا وسلوا خنجراً للغدر، ثم تجملوا بملابس التقوى، قرأوا نصوص الوحي، باتوا للعباد حماة دين)، وكذلك وظف رمز سجاح (أترى ستندمل الجراح، أم إنها موزة، كجدتها سجاح)، كما وظف رموز الحروب والفتن التي حصلت في الجاهلية، واستدعى (البسوس، وداحس والغبراء) إلى عصره ليكشف بها مساوئ عصره:

واليوم لا راية للحق خافقة.   تعلو سمانا ولا الباطل بمنصدع

إلا البسوس وناقتها بضرتها.    جرح ينزّ دماً للثأر فيه دعي

وتلك داحس لللغبراء ناظرة.   بعد الخداع وقائل كيف تنخدعي

والنوع الثاني من الرموز التي وظفها الشاعر هي رموز الإيجاب، وهذه تقنع بها، وقد تقنع بشخصية الشاعر زهير بن أبي سلمى:

أنا زهير

لم أجد في هذه الصحراء من يصغي لأشعاري

فما من حارث بين الجموع ولا هرم

وحاتم ترك الديار

فأين المكارم ولا كرم

 

وختم القعيطي أن الشاعر يلجأ إلى الأسطورة أو الرمز الديني المقدس لاستحضار البطولات الغائبة أو لتحقيق التطلعات القادمة، أو للتعبير عن الحنين لتلك البطولات وتوق لزمن طاهر ساكن نقي وتاريخ ناصع غير ملوث بالظلم والإستبداد والحروب والطغاة، سارداً عدة رموز أسطورية وشخصيات دينية وتاريخية بطولية مخلصة استدعاها الشاعر إلى عصره ليكشف بها مساوئ العصر ويقود بها ثورة رفضه وتمرده ضد التخلف الاجتماعي والقهر السياسي السائدين، وأبرز الرموز الأسطورية التي وظفها الشاعر، هي رموز حميرية تحمل صفة الخلاص والمقاومة، وترتبط مع الشاعر بعلاقة إنتماء إثني (كذي يزن وذي القرنين) وغيرهما من رموز الخلاص.

-----------

قدم الورقة الثالثة الدكتور غسان الحوثري، وخصها للرمز  والأسطورة في الشعر الشعبي اليافعي، وفي هذه الورقة سرد الحوثري كثيراً من الرموز والأساطير التي يزخر بها الشعر والموروث اليافعي، مستشهداً بنخبة من شعراء القصيد، على رأسهم يحيى عمر اليافعي وشائف محمد الخالدي، وسالم علي المحبوش، وكانت مداخلته قيمة فتحت كثيراً من الآفاق لدراسات كثيرة لنبش هذا التراث وإظهار جمالياته وقوة بيانه للعيان.

 -----------

 

هنا ختمت الندوة وسط تصفيق حار، بعدها بدأت مراسيم الاحتفاء بالشاعر حمود عبادل، الذي حظي بلفتة كريمة من قبل

مدرسة المستقبل ممثلة بمديرها الأستاذ محسن علي، ومنتدى الكوخ ممثلاً بمديرها الشاعر بسام الحروري، ليتم الاحتفاء بالشاعر وسط جو بهيج قدمت فيه زهرتان من براعم المدرسة ترديان الزي اليافعي باقتي ورود تكريماً، رمزية للشاعر وتكريماً له بما خدم به الموروث الشعري اليافعي بتأصيله وتوثيقه في مزايا الشعر الحداثي العربي، الذي اشتهر به الشاعر حمود عبادل، وبدوره أعرب الشاعر عن شكره وامتنانه لإدارة مدارس المستقبل والكوخ الثقافي بهذه اللفتة الكريمة، وفي الوقت ذاته تبادلت الإدارتان التكريم بشهادات تقديرية دعماً معنوياً لكل الجهود التي بذلت.

كانت الفقرة الأخيرة من الصباحية للقصائد الشعرية، أول قصيدتين كانتا للمحتفى به الأستاذ القدير والشاعر الكبير حمود عبدالمحسن عبادل، ثم قدم الدكتور غسان الحوثري قصيدة فصيحة على النمط التقليدي، نالت استحسان الحضور، تلاه الأستاذ ناصر الكلدي بقصيدتين من أروع ما يجمع به الشعر الفصيح بالعامي، وظف فيهما كثيراً من الإيحاءات والرموز، وقدم الشاعر بسام الحروري قصيدة حداثية، نالت الاستحسان، وتفاجأ الحضور بقصيدتين جميلتين جمعت صنوف البلاغة والفصاحة العربية فيهما وقع موسيقي يطرب القلوب ويستأثر الأسماع، قدمهما الشاعر أبو مروان عبدالرب السعيدي، وثمة قصيدة من قصائد البديع قدمها عبر الأثير معين الكلدي، المغترب في دولة قطر، وكان للشعر الشعبي مكانه أيضاً، حيث قدم الشاعران عفيف ناصر العفيف، ويونس عبودة، عدة قصائد نالت استحسان الجميع.

 

د: أمين القعيطي