آخر تحديث :السبت-18 مايو 2024-02:55ص

العالم من حولنا


الاستعداد للأسوأ: هل تدفع تركيا حلف الناتو للتصعيد العسكري حيال سوريا؟

الجمعة - 25 يناير 2013 - 09:10 م بتوقيت عدن

الاستعداد للأسوأ: هل تدفع تركيا حلف الناتو للتصعيد العسكري حيال سوريا؟
تقارير غربية عديدة أشارت إلى أن حلف الناتو بات يمتلك بالفعل خططا جاهزة للتعاطي مع الأزمة السورية، تتضمن عددا من الخيارات والبدائل التفصيلية التي قد يتم اللجوء إليها بمقتضى تطورات الصراع العسكري على الأرض

((عدن الغد)) السياسة الدولية:

شهدت العلاقات التركية-السورية، خلال الشهور القليلة الماضية، تطورات دراماتيكية، نقلت هذه العلاقات من حيز التوتر السياسي إلى نطاق الاضطراب الأمني، وذلك بعدما تحولت المواجهة السياسية إلى مواجهة عسكرية محدودة أسفرت عن إسقاط طائرة تركية داخل المجال الجوي السوري، وسقوط عدد من القتلى والجرحى بفعل عمليات القصف المدفعي المتبادل وقذائف الهاون الذي تعرض له عدد من البلدات المختلفة على جانبي الحدود، على النحو الذي دفع تركيا إلى مطالبة حلف الناتو، بمقتضى المادة (5) من ميثاقه، بنشر صواريخ باتريوت - إصدار PAC-3 أمريكية الصنع- داخل الحدود التركية، وبالقرب من الأراضي السورية، استعدادا على ما يبدو للتطورات الأكثر دراماتيكية على ساحة إقليم الشرق الأوسط.


يرتبط ذلك بطبيعة التقديرات والتقارير المتواترة التي تشير إلى احتمال تصاعد التوتر خلال العام الراهن، ليس فحسب على صعيد الأزمة السورية، المرشحة لأن تفضي إلى أزمة دولية تشبه تلك التي سادت إبان الحرب الباردة، وإنما أيضا على الساحات المجاورة كالساحة اللبنانية، والإيرانية، والتركية، والتي غدت تتأثر بصورة مباشرة بمسار التطورات الأمنية على أرض العمليات في دمشق، وذلك وفق معطيات رؤية كل من إيران وحزب الله للأزمة السورية من منظور ما يعرف في الأدبيات السياسية بالنظريات الصفرية Zero-Sum Game. هذا بالإضافة إلى التخوفات الغربية من قيام النظام السوري باستخدام أسلحته البيولوجية، أو الكيماوية في لحظة بائسة، أو بنقلها إلى حزب الله لتغيير معادلات الأمن الإقليمي، أو بتصدير الأزمة إلى الأراضي التركية المجاورة، من خلال التصعيد العسكري باستخدام صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى كصواريخ SS-21 سوفيتية الصنع، أو صواريخ سكود-B القادرة على حمل رءوس حربية كيماوية.


خيارات الناتو تجاه الأزمة السورية


هذه التخوفات عكستها تقارير غربية عديدة أشارت إلى أن حلف الناتو بات يمتلك بالفعل خططا جاهزة للتعاطي مع الأزمة السورية، تتضمن عددا من الخيارات والبدائل التفصيلية التي قد يتم اللجوء إليها بمقتضى تطورات الصراع العسكري على الأرض. ويأتي ضمن هذا النطاق نشر صواريخ باتريوت على طول الحدود بين سوريا وتركيا، وفي عمق الأراضي التركية، من خلال الاستجابة للمطالب التركية من قبل الدول الثلاث التي تمتلك منظومة هذه الصواريخ ضمن 28 عضوا داخل حلف الناتو، وهى كل من الولايات المتحدة، وألمانيا، وهولندا. وهذه الاستجابة تختلف كليا عن موقف الناتو، حينما تم نشر هذه الصواريخ في تركيا عام 2003 إبان الاستعداد لغزو العراق، حيث أخذت المفاوضات بين الجانبين عدة أشهر في مباحثات مشتركة.

 

بيد أن تطورات الصراع على الساحة السورية، وترجيح امتداده للساحة الإيرانية دفعا الناتو إلى تلبية المطالب التركية سريعا، حيث طالبت تركيا، في 21 نوفمبر 2012، بنشر صواريخ باتريوت على طول الحدود مع سوريا، وتمت الموافقة على هذا الطلب في 4 ديسمبر 2012. وفي 14 من الشهر نفسه، وقع وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، قرارا بنشر بطاريتي صواريخ أرض-جو من طراز باتريوت في تركيا، ترافقها قوة قوامها زهاء 400 جندي.


وقد جاء ذلك في سياق التوجهات الجديدة لإدارة أوباما الثانية، والتي تشير تطورات مواقفها حيال الأزمة السورية إلى أنها تخلت عن استراتيجية "بصمة القدم الخفيفة" Light Foot Print، التي تعاملت بها مع تطورات الإقليم على مدى السنوات القليلة الماضية، وذلك لصالح استراتيجية أكثر فاعلية بالتنسيق مع كل من حلف الناتو دوليا، وتركيا وإسرائيل إقليميا. يشير ذلك إلى موافقة واشنطن السريعة على صفقة أسلحة مع تركيا تقدر بقرابة 140 مليون دولار، ومن قبلها انضمام تركيا إلى منظومة الدرع الصاروخية، ثم الإقدام على نشر صواريخ باتريوت، وإعلان تركيا موافقتها على انضمام إسرائيل إلى أنشطة حلف الناتو غير العسكرية لعام 2013، وسماح تركيا للناتو بتحويل قاعدة أزمير الجوية التابعة للحلف إلى مركز قيادة للقوات البرية للحلف في مدينة أزمير غرب تركيا.


جدوى التصعيد عسكريا


مجمل التحركات الغربية هكذا على مسرح عمليات المنطقة تستهدف تأكيد أن الاستعداد للأسوأ قائم، وأنه لا تركيا ولا واشنطن أو حلف الناتو سينتظر أي منها، حتى تصبح أطراف إقليمية أخرى متورطة في الصراع الإقليمي على نحو مباشر، دون أن يكون هناك رد فعل دولي، لا سيما أن القوى الغربية تعتمد حتى اللحظة على استراتيجية الصراع بالوكالة من أجل استنزاف كل الطاقات، سواء في شقها السياسي، أو في جانبها العسكري، حتى تنهك القوى، ويكون قرار التدخل العسكري وفق شروط اللجوء إليه لا يحمل الكثير من العواقب الأمنية، سواء على تركيا، أو إسرائيل، أو المصالح الغربية في المنطقة.


لذلك، فثمة خطوات تدريجية تُتخذ في هذا السبيل، يأتي على رأسها منظومة الدرع الصاروخية التي انضمت إليها تركيا، وتضمنت نشر رادارات متطورة قرب مدينة مالاطيا التركية بالقرب من الحدود الإيرانية، تستهدف تعزيز مراقبة الصواريخ الإيرانية، لا سيما أن انضمام تركيا إلى هذه المنظومة يمنح القوى الغربية ميزة القدرة على إسقاط الصواريخ الإيرانية داخل الأجواء الإيرانية، حيث يتم الرصد منذ لحظة انطلاق الصواريخ وقبل رصدها من قبل رادارات الناتو الموجودة في إسرائيل بزهاء ست دقائق. ونظرا لوجود النظام الصاروخي بالقرب من جنوب شرق تركيا، وباعتبار أن تركيا تحد إيران من جهة الغرب، فيمكن لهذا النظام- وفق تقديرات عسكرية- أن يوفر الحماية لنطاق جغرافي يمتد من داخل إيران إلى أغلب مساحة القارة الأوروبية.


وتكمن نقطة قوة نظام الدفاع الصاروخي "باتريوت" في مقاومة الصواريخ التكتيكية متوسطة وقصيرة المدى، وهو ما يجعل الدول الأوروبية في مأمن نسبيا من صواريخ "شهاب-3"، والتي يصل مداها لأكثر من 2000 كم. لذلك، فإن الناتو، على ما يبدو، يسعى لاستغلال الظرف الإقليمي الراهن، من خلال نشر منظومة الصواريخ التابعة له في المناطق المحيطة بإيران لاستخدامها في إطار الحرب المحتملة عليها.


كما أن قرب تركيا، من ناحية أخرى، إلى سوريا يوفر حماية أيضا من الصواريخ السورية، والتي لا يتخوف الغرب من أن يكون مصدرها النظام السوري فحسب، وإنما أيضا بعض التيارات المعارضة الإسلامية التي قد تصل الأسلحة السورية إلى قبضتها، وذلك في ظل التطورات المتسارعة داخل الأراضي السورية، وبروز حركات عسكرية ذات طابع إسلامي استطاعت أن تحقق تقدما كبيرا في مواجهة قوات النظام على مدى الشهور الخالية، وعلى رأسها "جبهة النصرة"، التي وضعتها الإدارة الأمريكية أخيرا ضمن قائمة الحركات الإرهابية على مستوى العالم.


وترى تركيا أن من شأن نشر منظومة الصواريخ والرادارات داخل أراضيها -وفق الصيغ الأمنية التي بدأت تنخرط فيها بعد تردد- تسهيل مهمتها في التوصل إلى توافق دولي حيال إنشاء منطقة حظر جوى فوق مساحات كبيرة من الأراضي السورية، بما يدعم عمليات نقل الأسلحة إلى قوات المعارضة، ويضعف من قدرة النظام على استخدام صواريخ سكود، أو قصف مواقع المعارضة بواسطة الطائرات العسكرية، كما من شأن ذلك توفير مزيد من الحماية لنقاط عبور اللاجئين، ومناطق تمركزهم بالقرب من الحدود.


التداعيات السياسية لتحركات الناتو


هذه التطورات خلقت توترات كبرى مع كل من روسيا وإيران، إذ رأت كلتا الدولتين أن تحركات الناتو على ساحة إقليم الشرق الأوسط تنذر بتطورات وتداعيات أمينة خطيرة، كونها تمهد لتدخل الناتو فى الصراع في سوريا، في محاولة لاستنساخ تجربة إسقاط معمر القذافي في ليبيا. وقد تصاعد التوتر الروسي- التركي، رغم محاولة الطرفين إظهار ما بينهما من مصالح اقتصادية وسياسية، حيث نصحت روسيا أنقرة بعدم استعراض العضلات، عبر نشر صواريخ أرض-جو على الحدود مع سوريا، مؤكدة أن عسكرة الحدود ستفضي إلى تداعيات خطرة.


هذا فيما أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أن أي عمل استفزازي في المنطقة قد يقدح زناد صراع مسلح خطير جدا، قائلا "إنه بقدر ما نكدس من أسلحة بقدر ما يزداد خطر استخدامها". وخلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا في الثالث من ديسمبر 2012، أكد أن مراكمة الأسلحة على تخوم بلد آخر لن تفضي إلى تحقيق استقرار إقليمي، مشيرا إلى أنه "إذا كان هناك مسدس معلق على الحائط في بداية العرض، فإنه سينطلق بالتأكيد مع قرب نهاية العرض". كما أوضح أن صواريخ باتريوت لم تعد أفضل التكنولوجيا العسكرية الموجودة، كما أنها تضمن سلامة مشكوكا في تحققها.


وعلى الرغم من أن الأمين العام لحلف الناتو، أندرس فوج راسموسن، أشار إلى أن الانتقادات والمخاوف الروسية غير مبررة، وأنه تم التأكيد للجانب الروسي على أن "منظومة صواريخ باتريوت" تدخل في نطاق الدفاع عن الأراضي التركية، وليس في إطار استعدادات الهجوم على سوريا، فإن روسيا حاولت، من خلال تحريك بعض بوارجها في مياه المتوسط، وتحريك بعضها الآخر إلى مرفأ طرطوس السوري، أن تشير إلى أنها تدرك أن التصعيد من قبل حلف الناتو في هذا التوقيت يشير لاحتمالات تحول "الشتاء السوري القارص" إلى "صيف إقليمي ودولي ساخن"، إذا ما اتسع نطاق المواجهة التي قد تترتب على تجاهل المصالح السياسية لأي من الأطراف المعنية. وهى رسالة تحمل قدرا من التصعيد لتأكيد الرغبة في الحافظ على مصالحها في سوريا، وذلك انطلاقا من الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها دمشق في إطار منظومة الأمن والمصالح السياسية الروسية، أو لكونها سوق سلاح مهمة بالنسبة لموسكو، التي تحتل صادرات الأسلحة المرتبة الثالثة في قائمة صادراتها، بعد الغاز الطبيعي والنفط.


وقد تصاعد بالتوازي مع ذلك حالة التوتر بين إيران وتركيا، حيث أكد وزير الدفاع الإيراني، أحمد وحيدي، أن نشر منظومة صواريخ باتريوت في تركيا على حدودها مع سوريا لن يعزز من أمنها، وإنما سيضر بها. هذا فيما ألغي الرئيس الإيراني زيارة كانت مقررة إلى أنقرة في الشهر الماضي. كما أشار قائد القوات الجوية الإيرانية، أمير على حاجي زاده، إلى أن بلاده قد تستهدف منظومة الدرع الصاروخية التابعة للحلف في تركيا، حال نشوب أي صراع إقليمي في المستقبل. وهى تصريحات أفضت في مجملها إلى تصاعد حدة اللهجة التركية حيال السياسات الإيرانية، لا سيما بعدما كشفت السلطات التركية عن خلية تابعة لحزب العمال الكردستاني، اعترف أعضاؤها بتلقي دعم ومساندة طهران لاستهدافهم الأراضي والمصالح التركية.


ومن ثم، يمكن القول إن المشهد الإقليمي بات يزاد تعقيدا يوما بعد يوم، ويكتنفه غموض يشبه ذلك الذي ساد المنطقة إبان الحرب الباردة، وذلك في ظل تصاعد أدوار قوى دولية وإقليمية تريد أن تثبت أنها في حالة يقظة، وتمتلك خططا طارئة يمكن أن تضعها موضع التنفيذ، إذا ما تصاعدت الأزمة السورية، وتمددت إلى مناطق الجوار الجغرافي، بما قد يضر بمصالح هذه القوى، والتي يأتي على رأسها أنقرة، كونها تسعى لإعادة التموضع على مسرح عمليات الإقليم، بفعل تنامي حدة التوترات التي باتت تجمعها مع جوارها الجغرافي، سواء المباشر مثل إيران، والعراق، وسوريا، أو غير المباشر مثل روسيا، وهو الأمر الذي غدا يخلق بيئة أمنية تدفع تركيا لإعادة توثيق علاقاتها الاستراتيجية بحلفائها القدامى، تحسبا لتطورات أو توترات تجعل الجسد التركي يكافح من أجل الحفاظ على سلامته، إن لم يكن تماسكه.