آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-04:28م

أخبار وتقارير


تقرير: علي عبدالله صالح.. الرئيس المغامر

الثلاثاء - 04 ديسمبر 2018 - 05:47 م بتوقيت عدن

تقرير: علي عبدالله صالح.. الرئيس المغامر

عدن(عدن الغد)خاص:

تقرير: محمد فهد الجنيدي

 

ولد الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح في 21 مارس 1947 في قرية بيت الأحمر بسنحان خارج صنعاء لعائلة فقيرة من قبيلة سنحان وفقد علي والده مبكراً وتربى على يد زوج والدته في تلك القرية التابعة لقبيلة سنحان.

كانت أسرته تعمل بالزراعة وهو نفسه كان يرعى الغنم وتنقلت أسرته بين القرى أيام الجفاف بحثا عن المرعى.

التحق بـ"معلامة" القرية في سن العاشرة وهو تعليم يقتصر على حفظ القرآن وتعلم الكتابة والتحق بصفوف الجيش الإمامي في سن السادسة عشرة.

قبل التحاقه بالجيش، غادر صالح إلى مديرية قعطبة حيث يتواجد أخاه الأكبر وأراد الانضمام للجيش وهو في سن الثانية عشرة.

التحق بالجيش الإمامي إلا أنه رُفض لصغر سنه ولكن وساطة قبلية حسب ما يروي صالح بنفسه مكنته من الالتحاق بالجيش ومن ثم لمدرسة الضباط عام 1960 وهو في الثامنة عشرة من عمره.

مع قيام ثورة 26 سبتمبر التحق علي عبد الله صالح هو وباقي أفراد قريته إلى القوات الجمهورية وكان صالح سائق مدرعة وكُلف بحماية مواقع للجيش الجمهوري في صنعاء، ورقي إلى مرتبة ملازم ثانٍ عام 1963 شارك في الدفاع عن صنعاء بصف الجمهوريين أيام حصار السبعين.

تدرج صالح في حياته العسكرية، حيث التحق بمدرسة المدرعات في 1964 ليتخصص في حرب المدرعات، ويتولى بعدها مهمات قيادية في مجال القتال بالمدرعات كقائد فصيلة دروع ثم كقائد سرية دروع وترفع إلى أركان حرب كتيبة دروع ثم قائد تسليح المدرعات تلاها قائد كتيبة مدرعات إلى أن وصل إلى قائد للواء تعز عام 1975 .

 

الطريق إلى السلطة

تدرج علي عبد الله صالح في رتب الجيش الجمهوري وبرز نجمه عقب الانقلاب الأبيض الذي قام به الرئيس إبراهيم الحمدي لينهي حكم الرئيس عبد الرحمن الأرياني، تم تعيين علي عبد الله صالح قائدا للواء تعز برتبة رائد.

بدأت حكومة الحمدي ببطء ولكن بخطىً ثابتة، بناء مؤسسات وتنفيذ برامج إنمائية على المستوى المحلي والخارجي وكوّن حكومة من التكنوقراط لم تكن كل الشرائح المجتمعية سعيدة بتوجهات الحمدي ومحاولته تغييب البنى التقليدية السائدة والالتزام بالمبادئ التي قامت من أجلها ثورة 26 سبتمبر فتم اغتياله في ظروف غامضة لم يُبت فيها.

تولى أحمد الغشمي رئاسة الجمهورية عقب اغتيال الحمدي ولم تمض ثمانية شهور حتى اغتيل الرئيس الجديد بحقيبة مفخخة لا يُعرف مصدرها على وجه التحديد إلا أن تكهنات تشير بضلوع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الحادث انتقاماً لإبراهيم الحمدي.

بعد مقتل الغشمي تولى عبد الكريم العرشي رئاسة الجمهورية مؤقتا، فيما أصبح علي عبد الله صالح عضو مجلس الرئاسة رئيسا للجمهورية العربية اليمنية بعد أن انتخبه مجلس الرئاسة بالإجماع ليكون الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية في 17 يوليو 1978 برتبة مقدم.

 

الوحدة وصالح

في عام 1990، عارض علي عبدالله صالح جلب قوات أجنبية لتحرير الكويت ومرد معارضته هو خشيته أن تعرقل السعودية مسار الوحدة اليمنية فقد اعتقد صالح أن حليفا كصدام حسين سيمكنه من خلق توازن في العلاقات اليمنية السعودية ولم تكن نية صالح موجهة ضد الكويت فهو عارض الغزو العراقي ولكنه لم يوافق على جلب قوات أجنبية في نفس الوقت ولطالما كانت السعودية معارضة لوحدة اليمن بمختلف الأساليب والوسائل وعدم انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي مرده حساسية السعودية من النظام الجمهوري في اليمن.

كانت هناك مباحثات بشأن الوحدة من 1979 وكلها فشلت فقد أثرت السعودية على قرارات شمال اليمن حينها بشأن الوحدة في كل جلسات المفاوضات وكان عبد الله بن حسين الأحمر من أبرز المعارضين للوحدة وفي 21 مايو 1990 أجمع مجلس الشورى على ترقية صالح إلى رتبة فريق، ورقي إلى رتبة مشير في 24 ديسمبر 1997 بعد إجماع مجلس النواب على ذلك.

عقب الوحدة اليمنية عام 1990، توترت العلاقات بين السعودية واليمن لأن معاهدة الطائف التي وقعت عام 1934 نصت على ضم عسير وجيزان ونجران للسعودية حتى العام 1992 اتهمت حكومة علي عبد الله صالح "جهات أجنبية" عام 1992 و1993 بتدبير اغتيالات لمئات من السياسيين اليمنيين ردا على ذلك قامت السعودية ببناء قاعدة عسكرية في عسير وبدأت مشروعا بثلاثة بلايين دولار لتسوير الحدود وضخ الاستثمارات في جيزان ثم حاولوا عزل الحكومة اليمنية.

كان اليمن قد وقع اتفاقا حدوديا مع سلطنة عمان فقامت السعودية بإثارة خلافها القديم مع السلطنة ضغطا على مسقط لإلغاء الاتفاقية مع صنعاء، من ثم وقع علي عبد الله صالح على معاهدة عام 2000 ورسمت الحدود "رسميا" بموجبها.

عمل علي عبد الله صالح على إضعاف القيادات الجنوبية وتهميشها بحيث لا يكون للحزب الاشتراكي تأثير على البنية السياسية اليمنية وهو السبب الذي دفع الشطر الشمالي للبلاد بدعم من السعودية لنقض الاتفاقيات في عام 1972 ،1973 ،1979  و1980 ولم تنجح الوحدة في دمج المؤسسات وصياغة دستور موحد وسياسات علي عبد الله صالح المحسوبية ساهمت في تفاقم الخلافات ودخلت البلاد حرباً أهلية وزاد من صعوبة الوضع سياسة اقتطاع الأراضي لمسؤولين ونخب قبلية من المحافظات الشمالية عقب الحرب كان قرار الوحدة فردياً من علي سالم البيض وينتمي البيض إلى محافظة حضرموت التي لم يكن لأبنائها أي نفوذ أو مراكز قوى تذكر في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكان يخشى إزالته من أبناء لحج والضالع وأبين (محافظة عبد ربه منصور هادي) فرأى في الوحدة وسيلة للبقاء ولكن سرعان ما نشبت الخلافات بينه وبين علي عبد الله صالح والخلاف الأكبر كان على طريقة إدارة صالح للبلاد.

في يوليو 2005 أعلن علي عبد الله صالح أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية أخرى وأعاد نفس الخطاب أكثر من مرة. ولكن في مقابلة مع بي بي سي في 24 يونيو 2006 أعلن أنه سيرشح نفسه للانتخابات في شهر سبتمبر لأنها إرادة الشعب على حد تعبيره.

ورأى المراقبون أنها حركة لإظهار دعمه للديمقراطية أمام مؤسسة تحدي الألفية والبنك الدولي اللذين أوقفا دعم اليمن بسبب تهم بالفساد والمحسوبية وإنشاء ديمقراطية زائفة.

 

صالح والجنوب

شن الرئيس اليمني السابق بعد مضي أربع سنوات على تحقيق الوحدة اليمنية حربًا على الجنوب وصفت بالكارثية، شُرد إثرها السياسيون والأكاديميون الجنوبيون وحتى المواطنين العاديين، فضلًا عن مقتل المئات من الجنوبيين.

يرى الجنوبيون أن حرب صيف 94 جاءت لتدمير المنشآت الصناعية والعقارية، والبنية الأساسية للدولة، والمشاريع وكل ماهو جميل في الجنوب.

كان صالح وقوى الشمال طامعين في الاستيلاء على الجنوب، كونه يحمل ثروة ضخمة فضلا عن أن شعبه قليل بعكس الشمال.

انتصرت القوات الشمالية على الجنوب آنذاك، لكن الحرب خلفت مآسي جنوبية لم تنسَ حتى اليوم واللحظة، ولايزال الجنوبيون يستذكرون ذكرى نكبتهم.

 

صالح والجيش

اعتمد صالح في بداية حكمه على عدد من الوحدات العسكرية التي يقودها أقرباؤه وفي المقدمة منها الفرقة الأولى مدرع والتي ظلت حتى 2012 تحت قيادة علي محسن الأحمر، إلا أنه بعد ذلك اتجه لبناء وحدة عسكرية أخرى هي قوات الحرس الجمهوري بقيادة الرائد (لواء في ما بعد) علي صالح الأحمر، الأخ غير الشقيق لصالح، وكانت مهمة الحرس تأمين دار الرئاسة وتنقلات الرئيس، وجرى توسيع وتطوير تلك القوات حتى أصبحت جيشاً قائماً بذاته لتشمل كافة مناطق اليمن وأنشئت وحدات جديدة تابعة لها أطلق عليها الحرس الخاص والقوات الخاصة (التي حظيت بدعم أميركي مباشر وقوي)، وجمعت كلها تحت قيادة واحدة أسندها صالح إلى نجله أحمد بعد عزل علي صالح الأحمر من قيادتها.

كما اعتمد الرئيس السابق على إخضاع الجيش للولاء له، وبالفعل نجح في ذلك. وبات الجيش يخضع له بشكل مباشر.

 

ثورة نوفمبر

اندلعت في نوفمبر من العام 2011 احتجاجات على حكم الرئيس السابق وقادها الإصلاحيون او ما يعرفون بإخوان اليمن، ونادت الاحتجاجات برحيل صالح ومنظومته من الحكم.

أعلن صالح أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة ولن يورث الحكم لابنه أحمد، في 2 فبراير، لكن كل ذلك لم يكن إلاّ صورياً.

في 3 أبريل 2011 تدخلت دول الخليج لتهدئة ما سميت بثورة الشباب اليمنية التي نادت بخروج صالح، وذلك عن طريق ترتيب نظام نقل السلطة في البلاد، وانتهت تلك الجهود مع انتخابات رئاسية جديدة في فبراير 2012 ليتسلم الرئيس عبدربه منصور هادي الرئاسة خلفًا لصالح.

ومُنح الرئيس صالح بموجب المبادرة الخليجية آنذاك حصانة من الملاحقة القانونية.

 

الخطأ الفادح

وقع الرئيس اليمني السابق في خطأ تاريخي فادح كلفه حياته حينما تحالف مع جماعة الحوثيين الذين شن عليهم ستة حروب بحجة أنهم خارجون عن القانون.

بعد ادخاله الحوثيين الى صنعاء وتوسع قوات الحوثيين وصالح الى المحافظات اليمنية، استمر صالح منذُ العام 2015 في شراكة مع جماعة الحوثيين، الى ديسمبر 2017.

سيطر الحوثيون على مؤسسات الدولة وتركوا الرجل في زاوية ضيقة مع حزبه، ولم تمضِ اشهر على الشراكة حتى بدأ متضايقًا من الحوثيين ولم تكن لديه صلاحية كافية وقوة كي يفض شراكته مع الجماعة الحوثية.

تصاعدت حدة الخلافات والتهديدات بين صالح والحوثي إثر اتهام الأخير لصالح بـ"الاتفاق سرا" مع التحالف العربي للانقلاب على الحوثيين وإدخال أنصاره القبليين إلى العاصمة صنعاء، بغرض السيطرة عليها وفك الارتباط مع الجماعة في ديسمبر 2017.

أعلن صالح في الثاني من ديسمبر في كلمة متلفزة فض شراكته مع الحوثيين عبر فضائيته (اليمن اليوم).

ظن صالح أن المواطنين والجيش في صنعاء خصوصًا سينحازون له، لكنه ذلك لم يحصل.

قاوم الرئيس السابق ليومين متتاليين بحراسته الخاصة، قبل ان يتمكن الحوثيون من الدخول الى منزله بصنعاء وقتله.

ولا يزال جثمان صالح الى اليوم في أحد مستشفيات العاصمة اليمنية صنعاء لم يدفن ولم تعرف أسباب ودوافع ذلك من الحوثيين.

 

مصير حزب المؤتمر

بات مصير حزب صالح المؤتمر الشعبي العام يرثى له، بعد مقتل رئيسه وأمينه  العام، إذ شهد الحزب تشظيا كبيرا وانقساما مابين صنعاء وعدن والقاهرة.

ورأى سياسيون يمنيون، ان الحزب لم تعد لديه القدرة للقيام مجددًا، نتيجة مقتل رئيسه، اذا كان صالح يعطي الحزب دافعا معنويا وماديا كبيرا.

وعلى الرغم من ان الاولوية لنجل صالح الاكبر احمد علي لتولي قيادة الحزب واعادة لملمته الا ان الرجل بدا صامتا ومتعاطفا مع الحوثيين على غير المتوقع.

 

ماذا بقي من صالح؟

لم يبقَ من الرئيس الراحل إلاّ الذكريات التي يعيد اليمنيون تذكرها في كل يوم وشهر وعام.

وتمثل ذكرى مقتل صالح ذكرى حزينة لدى غالبية اليمنيين، على الرغم من أن الرجل مارس العنف والفساد لكن كثيرين يقرون أن فترة حكمه كانت أفضل مرحلة في تاريخ اليمن.

ويتذكر اليمنيون بكل أسى حضور الدولة وخطابات صالح التي تعطيهم دفعة معنوية كبيرة، حتى بعد مشاركته في الانقلاب وفي ظل تواجده مع جماعة الحوثيين.

وبات اليمن اليوم مشتتاً ومتشظياً جراء الحرب الاهلية المندلعة في البلاد، فيما لايزال اليمنيون يبحثون عن صالح آخر ينجيهم من الحرب والمجاعة الحتمية.