كتب: طه العزعزي
أن تكتب عن صديقك ، يعني أن تشد على خيط من الحبر المقدس في ذات الورق ، ثم أن تترك أكثر من دمعة في رصيد الصداقة المفتوح عبر مرور الزمن ، وكذلك وأنت تكتب عن صديقك عليك أن تحك دماغك بالضرورة أكثر من مرة ، لأنَّك مهما قلت ستظل قاصراً، لكن لابأس أن يبتلع البحر ولو دمعة واحدة.
في ذات المكان ، وإلى ذات الشارع المؤدي إلى الشعر دوماً ، يقف الشاعر الشاب والصحفي محمد سلطان اليوسفي ، ضوءاً من البنفسج ، يهش (بعصا ساحرٍ ) ظلام ليل صنعاء ، ويحاول بجهد كبير وعلى ظهره صخرة "كسيزيف" ، وفي جرحه دمعة من ملح خالص ـ أن يفتح عبر الانسداد نافذة للنور، في حياتنا البائسة هذه ، والعادية حد الإبتذال.
قد يكون هذا القلم جديداً في بداياته ، ولكنه الأجد في نظري ، إنه جرئ بالدرجة الأولى ، ومثابر صلف لا يعرف التوقف ، فهو من القلة الذين لا ترتد بهم خطواتهم إليهم ، وليس يغلبهم سواهم ، لذا نجد أنهم لايتعثرون للوهلة ، بل أنهم يمشون قدماً حتى على الخراب ، محاولين أن لا يكرروا رقصاتهم ، وأن يحفروا أسماءهم بعمق في متحف الأدب و ناصية الزمن ، ولذا نجد أن أقلامهم الخضراء تشع في ذات الظلام الفوضوي.
".
لديوانه البكر(صمت الأضواء)، فرادة من نوع آخر ، فرادة ضمنت له عدم الوقوع في مستنقع المقولات النقدية ، التي يقع فيها شعراء شباب كثر ،حين ينساقون في قالب شعري واحد ، محافظين عليه ومصرين على عدم الخروج منه ، واقعين في عداء مع أصحاب الجديد، ومع أجد الجديد في الشعر والإبداع ، وهؤلاء قد يكونون أيضا من أنصار الجديد في الشعر (التفعيلة - قصيدة النثر- الهايكو ) الذين لا يؤمنون بالعمودية ، وقد يكونون أيضا من أنصار القصيدة العمودية الذين لا يؤمنون بشعر (التفعيلة - النثر -الهايكو (أجد الجديد )) . نجد أن محد سلطان اليوسفي في ديوانه (صمت الأضواء)جمع القصيدتين (العمودية والتفعيلة ) إلا أن قصائده العمودية جاءت أكثر عدداً، وهو بذلك حين جمع القصيدتين ـ العمودية والتفعيلة ـ في ديوانه البكر يكسر المقولات النقدية التي لا تحترم الشعر بالدرجة الأولى ، وينفتح على أكثر من نوع ، وأظن أنه سيواصل ذلك .
يقول في قصيدة (أغلى وطن ):
" من أين لي ياموطني
لحنٌ
وأغنيةٌ وفنْ ؟
وعلى جبينِكَ يعتلي
ألمٌ
ويرتسمُ الحَزَنْ
لا صوتَ لي
إلا البكاءْ
لا لونَ لي
إلا الدماءْ
لا ثوبَ لي
إلا الكفنْ
هذا مصيرُكَ يا يمنْ "
ويقول أيضا في قصيدة (دمعةُ الحرف):
صنعاءُ في كفنِ المأساةِ هامدةٌ
"ماذا أحدثُ عن صنعاءَ يا أبتي "
.
حزينةٌ في ثيابِ الحُزنِ ما نفضتْ
غبار ذل ولا استقوتْ بعاصفة
.
تحتاجُ صنعاءُ كي تحيا مكرمةً
وتستعيدَ ضحاها ألفَ معجزةِ
إنه بذلك يبكي الوطن المغدور الذي آخر حدوده قطرة دم ، وأول صوته رصاصة بندقية ، وما بين ذلك يتوزع الموت الكثير ولا سواه .
وفي ديوان (صمت الأضواء ) نجد أنَّ شاعرنا يحتفل بالمناسبات، ويواكب الحدث ، وهذا الواقع الحزين هو الذي فرض على الشاعر أن يرتد إلى ماضيه ، يحاور أجداده العظماء ويبث لهم شكواه ، إنه يكتب في ديوانه قصيدة "شكوى إلى سبتمبر" ، وقصيدة " فبراير المجد" ، و"يمن العروبة" ، يرسم على الماء صورة من تاريخ أجداده العظماء الذين نعيشُ الآن واقعاً كواقعهم الذي عاشوه جراء ظلم الإمامة ، وباهتمام الشاعر بالمناسبات والأحداث الواقعية يكون قد عاد بنا من خلال مصدر قصيدته إلى ذكرى زمن شوقي وحافظ وغيرهم من الشعراء العظام ، الذين كانت قصائدهم صدى الحادثات الكبار .