آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-11:59م

أخبار وتقارير


صناعة الموت وعواقبه

الأربعاء - 19 سبتمبر 2018 - 09:22 م بتوقيت عدن

صناعة الموت وعواقبه

كتب / اماني مجمل

كان مستلقٍ على ظهره وهي ترش عليه الماء وكان كل من حوله يهلل ويكبر ويبارك له ، كان جميع من حوله فرحين مستبشرين وكان النور يشع من وجهه والفرحة لا تسعه .

لم يكن هذا الشاب يغتسل كونه عريس ، ولكن كان يغتسل غسلة الميت وهو مازال يتنفس و قلبه نابض بالحياة يعد نفسه ليكون شهيدًا ليدخل الجنة ، نعم الجنة التي عرضها السموات والارض كما أخبروه .

ناداه صوت قوي من الحاضرين .. يافتى لقد أُخْتِرتَ لتكون شهيدًا .. فطوبى لك الجنة والحور العين ، طوبى لك نعيم الجنان والقرب من رب العباد .

ويحدث الشاب نفسه ويقول :" وأخيراً سأعيش حياة الخلد وسأنعم بنعيم الجنة .. وأخيراً ستكون لي حورٌ عين .. وأخيرا ًسأتخلص من نظرة أمي الحزينة التي تشعرني بالإحباط كوني عاطلٌ عن العمل ، وسأتخلص مكلمات أبي الجارحة التي يعايرني بها بوضعي بأني عالة عليه ، و سأتخلص من وضع البلد والخوف من غدٍ والمستقبل .

وفجأةً ، قاطعه صوتٌ يقول :" يابني لن يخلصنا أحدٌ منهم إلا أنت ، نعم يا بني لن يخلصنا منهم أحدٌ سواك ، أقتل منهم أكبر عدد ممكن ، واجعل أشلائك تختلط بأشلائهم ، واجعل دمك الطاهر يتناثر على جثثهم النجسة لكي تطهرنا من هؤلاء ، هؤلاء الكفرة الأنجاس الذين يقفون ضد الإسلام .

لبس الفتى المغرر به ملابسه وتدجج بالعبوات والأحزمة الناسفة وانطلق الى مقر الجنود والعسكر ، انطلق وهو سعيدٌ كأنه يرى الحور العين فاتحات أذرعهن له ، ويشتم رائحة الجنة مع كل هبة ريح .

انطلق بدراجته النارية الى مقر تجمع العساكر ، وعند وصوله إلى هناك رأى من بعيد أخاه أحمد وابن عمه سعيد وجارهم علي ، ومجموعة من الشباب الذين يعرفهم ويحبهم .

وقف الفتى ودار في باله ألف سؤال في تلك اللحظة .. هناك أخي أحمد الذي لا يدع فرض إلا وأداه ، وابن عمي الذي لا ينشغل باله عن ذكر الله ويفعل الخير ، وجاري الذي هو بار بوالدته ويضرب المثل بدماثة أخلاقه والتزامه .

دارت به الدنيا , واشتعلت في رأسه حربٌ ، نعم حربٌ من التساؤلات والحيرة بين ما قيل له وبين ما هو يعرفه وماتربى عليه بأن الاسلام دين الرحمة والسلام وأن دم المسلم على المسلم حرام ، فكيف سيقتل مسلمين هم إخوته وجيرانه وأصدقاؤه .

شاهده أخاه من بعيد وناداه ، فالتفت إليه بحزن ، وقال سامحني يا أخي ، إني كنت سأنتزع روحك الطاهرة ، وأجعل أمي وأمهات كثيرة تتقطع قلوبهن على أولادهن .

بقي في حيرة من أمره ، ويفكر ويقول : " هل أسلم نفسي ..؟! ولو سلمت نفسي هل ستغتالني تلك الجماعة الضالة لكي لا أفضح أمرهم .

انطلق فجأةً بدراجته النارية ، وبدون تفكير أو تردد ، وتوجه صوب مقر صناعة الموت إلى مقر الإرهابيين الذين غرروا به وأدخلوه في نفق مظلم ومنعطف خطير وكانوا سيستغلونه في تنفيذ عملية استشهادية بشعة ، وفور وصوله إلى المقر دخل عليهم ، وحال رؤيتهم له أصيبوا بالذهول ، وسأله أحدهم ، ماذا جاء بك .. ؟ فلم يكملوا السؤال إلا وقد ضغط على زر الحزام الناسف وفجر نفسه بينهم ، ومات منهم من مات ، وانتقلت روحه إلى خالقها ، لكنه لم يقتل أبرياء كما أرادوا ، بل قتل صناع الموت وغاسلين أدمغة الشباب المسلم .