آخر تحديث :الأربعاء-08 مايو 2024-08:07م

حوارات


عاشق عدن د. مبارك حسن الخليفة و حديث من القلب قبل مغادرته لها

الأحد - 14 أغسطس 2011 - 08:14 م بتوقيت عدن

عاشق عدن د. مبارك حسن الخليفة و حديث من القلب قبل مغادرته لها
يعتبر د. مبارك حسن الخليفة احد ابرز الشخصيات الاكاديمية التي منحت عدن الكثير خلال عقود طويلة

عدن ((عدن الغد )) ينشر بالتزامن مع صحيفة الطريق:

حان الرحيل يا صاحب "الرحيل النبيل" يا السوماني  الأول و عاشق عدن ،عدن التي احتضنتك كما هي عادتها تحتضن الجميع ، يا ود الخليفة  بادلتها الحب والإخلاص والعشق والهوى سودانيا يمنيا اجتمعا معا ومعززا العلاقة الأخوية القوية بين الخرطوم و عدن .

مرت السنوات وجل عمرك الطويل وأنت في خدمة اليمن و من صرحها الجامعي درست علمت وجهت نسجت علاقات طيبة مع شرائح واسعة من أبنائها و صرت علما من أعلام عدن .

 

فتحوا  حبتك القلوب والعقول لك ، و بادلتهم الود و أكثر مشاركا الكثيرفرحهم وترحهم وأمسياتهم الثقافية ومجالس منتدياتهم ،ميزتك لهجتك و عمامتك وجلابيتك السودانية البيضاء البسيطة دون تكلف يا شيخ الشباب ،و تأكيدا لحبك لعدن   بقيت فيها صامدا  وفي أحللك  ظروفها ومنعطفاتها السياسية التاريخية  .  

 

حانت مغادرتك الاختيارية لوطن الجدود  و غصة قوية في قلبي ومن عرفك لفراقك،   والوادع دائما صعب ، و لابد منه للعودة  لوطن الجدود  السودان الجديد اليوم بخارطة وحدود ،  ويبقى  السودان و شعبه  الأقرب لليمنيين للعلاقات الطيبة  بينهم  في الغربة بالعمل أو الدراسة، و على ارض السودان و اليمن .

حاورته / لبنى الخطيب  

-ماذا تقول لشقيقك شمس الدين وصديقك كامل بعد مرور وقت لمناشدتهم بعودتك للسودان ؟

حينها رديت بأبيات :

 

 لابد للوطن بعد ابتعادي أعود

لكن في اليمن أنا لي عشق وعهود

ما كان خطأ مرساي في أرض اليمن

عشت المودة الصافية والحب في اليمن

وألان أقول لشقيقي شمس الدين و كامل عبدالماجد صديقي  وكل الأهل والأحباب والأصدقاء  أنا في طريقي إليكم والاستقرار بصورة نهائية في السودان ، و حقيقة أنا أسافر من اليمن من عدن وملء نفسي حزن وأسف شديدين ،لقد عشت هذه المدة الطويلة 34 سنة   ،بين من أحبوني و أحترموني و أعطوني كثيرا من مشاعرهم سواء كانوا طلابي و طالباتي أو زملائي ،أو من يعملون بوسائل الإعلام المرئية و المسموعة أو  المقرؤة ، و لذلك لولا ظروف خاصة جدا لما رحلت عن اليمن و أنا في طريقي إليكم إن اشالله قريبا جدا ، و الله الآن تموج أشياء في نفسي ما قادر امسك بها من الفراق من اليمن  واللقاء الذي سيكون في السودان أشياء كثيرة داخل النفس.

 

-لماذا اخترت عدن دون بقاع العالم ؟

  أنا كنت اعمل في ثانوية دبي 1974- 1977م، و كنت حاملا لرسالة الماجستير و حينها وصلتني رسالة من صديق كان يعمل في عدن و   الآن في جامعة الحديدة  د. محمد أمين ودودا  ،   قال  فيها:"    كلية التربية جامعة عدن محتاجة إلى من يدرس النقد و الأدب ،وأنت تحمل الماجستير وتعمل في مدرسة ثانوية " ، و ما صدقت  على طول رحلت من دبي  وجئت إلى عدن ،  في الأول من سبتمبر 1977م وقعت عقد العمل مع الجامعة   كان رئيسها   الأستاذ أبوبكر باذيب .                    

و أنا سمعت الكثير عن اليمن ومتابع أخبار عدن  و لقبت بعاشق عدن .

 

-متى بدأت كتابة الشعر و بمن تأثرت ؟

 

بدأت كتابة الشعر  مبكرا  و أنا  في المرحلة المتوسطة  قبل الدخول  للثانوية  ، و ما كتبته من الشعر كان يحتاج إلى مساعدة و هناك أساتذة ساعدوني كثيرا لتقويم الأشعار و توجيهي للقراءة و الاطلاع .

و قرأت  في الشعر القديم  والحديث كثيرا ، و شاعري المفضل قديما المتنبي ،وشعراء كثر مفضلون في العصر الحديث وعلى رأسهم بدر شاكر السياب والشاعر السوداني محمد المهدي مجذوب و عبدالوهاب البياتي ،محمود درويش ،صلاح عبدالصبور ونازك الملائكة ، و كل هؤلاء قرأت لهم وتأثرت بهم وتوجهت إلى كتابة الشعر .

 

 

-عدد أعمالك الشعرية ؟

 

 1960م  صدر   ديواني الأول   "أغنيات سودانية" -  الخرطوم  ،والثاني  "الحان قلبي"   1964م  -القاهرة  ، و ديواني  الثالث " الرحيل النبيل" – عدن 1982م ،   و بمناسبة صنعاء عاصمة الثقافة العربية2004م  أعادت وزارة الثقافة اليمنية  طباعة إعمالي الشعرية الكاملة  .

 

- ديوانك" الحان قلبي "  قدمته  اللجنة السودانية في  مؤتمر كتاب  أسيا و إفريقيا بالقاهرة 1964م  كيف كان وقعه   عليك  ؟

كان شئ مريح للنفس جدا جدا  ،وكنت فرح جدا ومبسوط للغاية .

وصلت للعالمية بسرعة و بضحكة من القلب يرد د.مبارك بالإيجاب.

 

-أبنائك احتلوا حيزا في أعمالك الشعرية ؟

 

أبنائي أسعدوني كثيرا بعضهم كان مهتما  وما زال بالجوانب الإبداعية والفنية البكر  ماجد طبيبا و عازفا ممتازا على آلة  "الأورجن" وهاني الطبيب أيضا يكتب قصص وخطرات فنية و عازفا على "الأورجن" ، وحسن درس الموسيقى  في السودان وتخصص بالجيتار  ،بينما راشد درس الحقوق و أيمن اتجه للكمبيوتر .

 وناجيتهم بقصائد في مراحل مختلفة من حياتهم و للحفدة أيضا  نصيب من ذلك و لآية راشد  صغت في مولدها وذكرى ميلادها الأول أبيات ،  و ربي عوضني بحفيدات من   البنات و أنا أب لصبيان فقط .

 

-عدن احتلت جزأ كبيرا في نفسك و أعمالك ؟

 

بهذه المناسبة اقرأ قصيدة عن عدن  :

 

عدن توشح   بالغرام فتاها

 وبحبها بين الحسان تباها

في الساحل المسحور سطّر عشقه
حي الرشيد يشي بيوم لقاها

عدن هواها قد تملّك مهجتي

بالحب قد نلت المنى ورضاها

وشوشت للخرطوم ذوب مشاعري
وحكيت للنيل الحبيب صبابتي
النيل عودنا وبارك حبنا

ودعا فؤادي للهوى ودعاها

 

 

-و لحي الموردة مكان في قلبك أيضا ؟

أنا راجع  للموردة في أم درمان الذي ولدت ونشئت فيه ، و هو حي يمتاز بترابط أهله وتكاثفهم بالسراء والضراء، يرحبون بالموجود ويفتقدون الغائب ويدعونه إلى العودة ، و هنا اذكر  قصيدة من القصائد القديمة   :

أنا بك سعادتي مؤكدة

وبراك* حياتي منكدة

ما عندي مانع

حتى لو ضيعني ساكن الموردة

 - تقييمك لطلابنا  في التعليم الجامعي الآن ؟

 

في الحقيقة فرق كبير بين طلاب السبعينات والثمانيات و الآن ، كانوا الطلاب مهتمين جدا بالاطلاع والقراءة خاصة الطلاب الذين يأتون  من محافظة حضرموت ،لان المساجد هناك فيها مكتبات  يقرؤن  فيبدعون

، وعندهم نشاط ثقافي والعلاقات ممتازة  بين الجميع ، ولكن بكل أسف أقول في التسعينات تغيرت الحالة ،والمستوى لم يعد ذلك المستوى الجيد حتى العلاقات لم تعد هي  العلاقات  الممتازة  بكل أسف ، أرجو أن تعود أيامنا  في  السبعينات والثمانيات ، و  لا أعمم هذا على الجميع هناك عددا من الطلبة   لديهم  إبداع و هم على صلة بي ،    ويسلموني    أعمالهم لأصححها ولكنهم عدد قلة .

 

-لأنك عاشق للغتنا الجميلة تناولت في أعمدتك الصحفية بعض الأخطاء اللُغوية المتداولة؟

أنا نشأت في السودان في بيت تصوف بيت السادة الأدارسة الذين كانوا في نجران، لان والدي وجدي كانا خليفة لهم "رحمهما الله" و الخليفة ما يكون من الأسرة ولكن بيكون من المورديين ويرعى شؤون الأدارسة  الدينية والثقافية والاجتماعية، ولهذا لقبنا الخليفة .  و في هذا الحوش   الخلوة " المعلامة أو الكتاتيب " فيها يخلو الفقية بالعبادة ،و في هذه الخلوة تعلمت مبادئ القراءة والكتابة وحفظت أجزاء كثيرة من القران قبل أن التحق بالمدرسة الأولية  ،ومنها تشربت باللغة العربية .

وفي كل المراحل كنت مهتما باللغة العربية ،   وحينما سافرت إلى القاهرة للدراسة في عام 1954م التحقت بقسم اللغة العربية  كلية الآداب جامعة القاهرة  ،وبالمناسبة حينها  لم يلتحق بهذا القسم  إلا اثنان  أنا و عمي عبداللطيف   في الثلاثينات من القرن العشرين المنصرم ، غرفت هذه المعلومة من مدرس درسني في الجامعة كان زميل عمي  في الجامعة  ، لان  السودانيون يذهبوا للدراسة  لدار العلوم  أو  الأزهر.

و ما تناولته في الصحف من أخطاء لُغوية شائعة كثيرة في الحياة العامة أو عبر وسائل الإعلام واستوقفت أمامها ، و أسئلة وردتني من القراء لتعريف بعض المعاني ،  فعمودي في " الأيام " " كي لا نخطئ " مد جسور تواصل طيبة مع  كثير من القراء .

 

 

-جديد أعمالك الأدبية  ؟

قريبا سيطبع لي كتابين  مانشرته في " كي لا نخطئ " و" بيني  بين القراء" في صحيفة التحديث ، و أخدت موافقة كتابية من  رئيس جامعة عدن  د. عبدالعزيز بن حبتور لطباعته ، كما أمر د. حبتور بطباعة ديواني الأخير "لكني أسير هواك " حيث الطبعة الاولى  فاجئني بها  شقيقي الاصغر شمس الدين بإصدارها في السودان قبل سنتين ،  كما انتهيت من تجهيز  ديواني الجديد   ( حب و وفاء )  يكتب مقدمته  د.  عبد المطلب جبر ،ومتى وأين يطبع لا اعرف بعد  .

 

 

-مكتبتك العامرة الزاخرة بأمهات الكتب وكتب كثيرة   لمن ستتركها   ؟

 

على فكرة لمستي وترا حساسا ،   تبرعت لمكتبة كلية التربية عدن ثلاثة كراتين كبيرة معبأة بالكتب ، و هم  وعدوا  سوف يضعوها   في مكان محدد ويكتب عليها اسمي ،و جزء من المكتبة بأخدها معي و خاصة الرسائل العلمية التي أشرفت عليها أو ناقشتها  و  عبر صديق  سأشحنها بالبحر  إلى السودان.

 

- شريكة حياتك و قفت معك و تحملت الكثير  ؟

  زوجتي العزيزة نجاة عبدالوهاب  الخليفة ابنة عمي زاملتني  منذ مطلع الستينات ،وضحت بالكثير و عانت ما عانت خاصة عندما  اعتقلت  مرتين كل مرة ستة أشهر وعشرة أيام وفق  قانون الاعتقال التحفظي أيام حكم الجنرال جعفر النميري،  فشريكة حياتي و أم أولادي   تعبت جدا بين رعاية الأطفال  و المجئ لزيارتي  في المعتقل حينها ، و سافرت بعد ذلك معي إلى دبي ،ومنها إلى عدن و مرضت بالروماتيزم و تعاني معاناة كبيرة منه وهي معي  هنا في عدن وضحت بصحتها لإسعادي و بقائها بقربي .

ولها نظمت أبياتا  عندما ذهبت إلى دبي لوجدي وحينما جاءت  كتبت أغنية "نهاية الغربة والأحزان"  :  

بحس جنبك نهاية الغربة والأحزان

وبمسح من فؤادي مرارة الحرمان

براك  أنا كنت عائش  في صحارى الهم

ويوم هليتي زي واحة

بقيت جنبك أحس بالفرحة والراحة

أعاين ليك أشوف النيل وموجاته

وضحكاتك تقول يا السمحة ضحكاته

متين نرجع نكمل ريدنا   جنب النيل

وننسى الغربة والأحزان و سهر الليل

 

بالمناسبة هذه الكلمات بين يديي الملحن السوداني  عبدالطيف خضر ، و تحياتي لأم  ماجد ربنا يديها الصحة والعافية  وضحت كثيرا من اجلي.

 

بالحب والشوق وحرقة الوداع  و الدموع الصادقة وتنهيدة من القلب ختم عاشق عدن اللقاء   ، و بدرر  حملت  الكثير  من المعاني   لعدن واليمن وأهلها الطيبين ،كانت   ابلغ تعبير في  الكلمات والأحاسيس لقصيدة  صاغها بالعامية السودانية  "بحبك يا يمن "

 

بحبك يا يمن و أنا في هواك عليل

و بألمح في تبن   عشاق  شباب النيل

وجيتك يا بنا أنا للغرام عطشان

سقيتني من الهناء و أنا بهواك نشوان

في الغيل  يا صديق البهجة والأفراح

و الغيل ياصديق بلسم يداوي جراح

في شبوة ليا أحباب

في المهرة ليا أصحاب

لاقوني بفرحة لا قوني بترحاب

مديت إيديا مديتها ليك يا أزال

يا درة يا صنعاء يا قبلة الآمال

بحبك ياعدن زي  أمنا الخرطوم

ولازم يا زمن عشق الأحبة يدوم

برسم على صيرة وبنقش على شمسان

أجمل هوى لصيرة من موطني السودان

 

 

 

وفي الأخير الشكر الجزيل  لإبنتي العزيزة والعزيزة جدا لبنى على هذا اللقاء، واعتز بالجلوس معها والحديث إليها والحديث يطول ويطول ، و لكن في النفس حاجات وحاجات كثيرة جدا جدا،  أربعة وثلاثين سنة كافية أن تملأ النفس بذكريات جميلة وحبيبة إلى النفس، واكرر شكري الجزيل لك   و لأسئلتك الجميلة جدا   في مجالها وأنت مبدعة تمام إنها أسئلة المرحلة .

 

*براك باللهجة السودانية تعني "من غيرك "