آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-12:44ص

أدب وثقافة


حلقات كتاب "الموروث الثقافي للمرأة العدنية" ((4))

الجمعة - 12 أغسطس 2011 - 02:03 ص بتوقيت عدن

حلقات كتاب "الموروث الثقافي للمرأة العدنية" ((4))
صورة غلاف كتاب الموروث الثقافي للمرأة العدنية

عدن ((عدن الغد )) خاص:

يواصل "عدن الغد" نشر سلسلة حلقات من كتاب الموروث الثقافي للمرأة العدنية لمؤلفته الكاتبة والباحثة في علوم الآثار والموروث بعدن د. أسمهان العلس.

 


 
وكان الكتاب قد صدر عن الهيئة العامة للكتاب في اليمن في نوفمبر من العام الماضي و يقع في 178 صفحة  ، وضم الكتاب إهدائيين الأول من الكاتبة لامها  والى عدن الحبيبة ، ومقدمة بقلم يوسف الحربي .


 
و  الكتاب مقسم لجزئيين فالأول الموروث الشفهي للمرأة العدنية متضمنا  200 من الأمثال والأغاني  قالتها المرأة أو قيلت عنها ، و الجزء الثاني  جسد العادات والتقاليد الاجتماعية للمرأة العدنية في مناسبات كثيرة كالزواج والولادة ، الوفاة والطب الشعبي وزيارات أولياء الله الصالحين التي كانت متبعة وتقاليد للمناسبات المختلفة وحرفا شعبية .


 
كما يحتوي الكتاب على نوعية الملابس وأدوات التجمل والزينة التي تميزت بها المرأة في الأفراح والأحزان والمصوغات الذهبية  ،  واستعمالها للزينة من عطور وطيب وبخور وخضاب وحنا، وهناك عدد من النساء يزاولن ومازلن  صنع الزينة  لاكتساب الرزق وتحسن مستواهن  الاقتصادي ، و الكتاب في طياته صورا  عن الموروث الثقافي للمرأة العدنية .


 
واستندت  د. أسمهان العلس في كتابها على عدد من المراجع و الرواية الشفهية  لشخصيات مقيمة في عدن من كبار السن باعتباره منهجا عالميا حديثا لتوثيق التاريخ و التراث .
 
والكتاب يعد مرجعا كبيرا للمهتمين بالتراث وتذكير للأجيال السابقة بالماضي وثقافته السائدة وتحفيز الأجيال الجديدة والقادمة للتعرف على الكثير من تلك الموروث منه مازال وبعضه اندثر مع الحداثة والعولمة .

 


 

المبحث الثاني : الموروث الثقافي للمرأة

أولا : العادات والتقاليد الاجتماعية


تشكل العادات والتقاليد مدخلا مهما لتأسيس علم الفولكلور الذي نحن بصدد دراسته.وتتنوع المفردات المستخدمة في التعبير عنه، إذ يستخدم البعض مصطلح العادات، ويذهب آخرون إلى تعريفها بالأعراف أو التقاليد. وتلتقي هذه التعريفات جميعها بأنها تعبير عن سلوك متكرر يقوم به الأفراد ويكتسبونه ويتعلمونه ويمارسونه ويتوارثونه اجتماعيا، ولا يشمل هذا التعريف العادات المرتبطة بالفرد، لكنها ترتبط فقط بالسلوك والممارسات والتفاعل الذي يتم بواسطة المجتمع وفي إطاره، وتضم عادات التحية وأساليب المحادثة وآداب الكلام، وإقامة الحفلات والمجاملة وطرائق الخطبة والزواج وعادات الولادة وتربية الصغار وتشييع الموتى وتقبل العزاء. ونشأت عن الانضباط في ممارسة هذه العادات منظومة النواميس والأسس التي تمَّ التعارف عليها والالتزام بها، واصطلح على تسميتها بالأعراف ([1]). وهذا التعريف للعادات والتقاليد يضيف مكونا جديداً لنواميس وضوابط الحياة الاجتماعية. التي ظلت وما زالت المحرك الأساسي في المجتمع العربي بشكل عام.

 

 وتكتسب ممارسة هذه العادات خصائص عديدة، إذ يسبق ظهورها الفرد نفسه ، كما تعتبر الممارسة التلقائية من أبرز خصائصها، لأنها تتكون بصورة غير واعية ، ولا مقصودة، أو محددة الهدف . وتكون المحاولة العشوائية أساس قيامها، لتلبية حاجة اجتماعية آنذاك، وكذلك ينشأ الإنسان وأمامه رصيد مدخر من العادات، فيسير وفقها وعلى أساسها دون وعي ، وفي الوقت ذاته تتنوع العادات والتقاليد من مجتمع إلى آخر بصورة تنسجم مع قيّم ومعايير كل مجتمع من ناحية الخير والشر، والصواب والخطأ. ولا نجد لهذا التنوع تفسيراً.

 

ويعود السبب في ذلك إلى أن أصول هذه العادات تبدأ بعقوبتها وبداياتها قد غُيبت في خبايا الزمان. وعلى الرغم من هذا التنوع، فإن الرغبة تبدو شديدة في كل مجتمع للتمسك بعاداته، والمباهأة بها، واعتبارها الأفضل. ويزداد حرص الإنسان على المحافظة عليها كلما انتقل خارج إطاره الجغرافي، واغترب عن واقعه الاجتماعي والثقافي رغبة منه في المحافظة على أسس التواصل مع جذوره، إذ يرى" سمنر" أنه لا يمكن تصور مجتمع منظم من دون عادات اجتماعية، لأن هذه العادات هي الدعائم الأولى التي يقوم عليها التراث الثقافي في كل بيئة اجتماعية، فهي الأصول الأولى التي استمدت منها النظم والقوانين مادتها، كما أنها القوى الموجهة لأعمال الأفراد وحياتهم.

 

 وتشكل ممارسة هذه العادات قواعد للتنظيم والضبط بين أفراد المجتمع، وتصبح الأعراف والتقاليد قانونا غير مكتوب ودستورا محفوظا في أعماق المجتمع. وليس غريبا أن تأخذ العادات الاجتماعية مكانها في علم الاجتماع، بل أن سمنر يعدها أهم موضوعاته، لأنها تمثل روح الجماعة، كما سماها، كاصطلاح مناسب لدراسة الآداب الاجتماعية والأعراف والاستعمالات والسنن.(

 

  وتتصل العادات والتقاليد بنواح أسطورية وعناصر خرافية منها كسر البيض أمام المولود والوالدة قبل دخولهما أو خروجهما من مدخل المنزل، ورش الملح وعادة دقٍ المسامير ورش بذور البسباس -الفلفل الحار- وماء المذاعة "النارجيلة" في مداخل المنازل وأطرافها لتطهير الأجواء من الشياطين، وصرف الحسد والتطير والفأل السيئ والعين. ويدخل في الإطار ذاته رمي الحبل السري للمولود إلى أعلى سقف المنزل لجلب الحظ له. كما تمتد هذه المعتقدات لتشمل عدم رؤية المولود مباشرة بعد زيارة الميت أو رؤية جنازته .

 وهذه العادات والتقاليد لها وظائف محددة، تتجلى مضامينها في تعميق ممارسة هذه العادات والالتزام بها والتمسك بها، حتى لا يصبح الخروج عنها نقصاً ملحوظاً يعاب عليه الفرد. وفي بعض الأحيان تتجه ممارسة بعض العادات إلى ترسيخ ضوابط مانعة أو اتجاهات واجبة ينبغي الاقتداء بها. وفي التحليل الأخير، فإن ما يمكن قوله إن هذه العادات قد شكلت منظومة من أساليب الانضباط والتهذيب للسلوك الاجتماعي، بحيث تصبح ممارستها والتقيد بها بمثابة دستور غير مكتوب ، وهذا ما يعزز قضية دراستها وإبراز أهميتها، لأنها تعكس مضمونا ثقافيا مميزاً، وتشكل ملمحاً رئيسياً من ملامح المجتمع .

1-    عادات وتقاليد الزواج:-


يأتي الزواج في مقدمة العادات والتقاليد الاجتماعية في أي مجتمع، التي يحرص الأهالي على التقيد بها وممارستها بأصولها ، ويعد الزواج من أهم النظم الاجتماعية وأخطرها في كافة المجتمعات البشرية، بل أنه يأتي في مقدمة المؤسسات التراتبيه، التي تنظمها الشرائع السماوية والمذاهب والأديان المختلفة، ويشكل الزواج الأساس المنظم للأسرة في الشريعة الإسلامية ، بل أن هذه الشريعة قد نظمت الزواج وكرمته ووضعته في المراتب المهمة في سلم العلاقات الإنسانية.

 

 ومن هذا الوضع المميز لهذه العلاقة نظم المجتمع العدني ضوابط الزواج على أساس روح الشريعة الإسلامية، مبتدئاً بتحديد سن الزواج لكل من العروس والعريس، حيث ذكر المكي أن الزواج في العادة يتم ببلوغ العاقدين وحريتهما ورضائهما، لكنه لا يصح إلاّ بحضور ولي من جهة المرأة يتولى عقد النكاح. ([4]) وهذا التحديد لسن الزواج يستقيم على قاعدة الشريعة الإسلامية التي وجهت باعتماد الزواج عند وصول الفتى والفتاة إلى سن البلوغ، وهي إشارة إلى أهليتهم جنسيا.

 

     وتجدر الإشارة إلى أن تحديد الزواج من قبل المسلمين العدنيين كان قد أعفاهم من طائلة المسائلة القانونية في أثناء الإدارة البريطانية لعدن، التي كانت قد أصدرت في عام 1939 قانون تنظيم الزواج منعت بموجبه زواج الأطفال، وحددت سن 18 سنة مناسباً لزواج الفتى، واعتمدت عمر 14 سنة دليلا على بلوغ الفتاة الأهلية للزواج، كما صنّف القانون زواج الفتاة ما دون هذه السن اغتصاباً([5]). وهذا التحديد يتفق مع ما عُهد في العدنيين إتباعه. إلاّ أن هذا الضبط لم يكن نهائيا، إذ أفادت أقوال الرواة أن التجاوزات لهذا التحديد كانت واردة، سواء قبل صدور القانون أو بعده، خاصة بين الأسر الوافدة إلى عدن، حيث تنتشر ظاهرة زواج الفتاة قبل البلوغ.

 

وتمر مراسيم الزواج بثلاثة مراحل: أولها الخطبة، التي تعد الخطوة الرسمية الأولى التي تلي ظهور الرغبة أو توفر النية بالزواج، سواء لدى الفتى أو تعبير الأهل له بنيتهم لتزويجه. وفي الوقت ذاته توكل المهمة لكبيرات السن في الأسرة بالبحث عن عروس، إذا لم يكن قد تم الاتفاق عليها من بين المرشحات في الأسرة أو المعارف. وفي هذا الاتجاه كان يتم الاستعانة بالخاطبة، التي يركن إليها المجتمع في هذه الحالة. وتلعب المقاييس الجمالية والأصل والسمعة الطيبة شروطا أساسية في المواصفات المطلوبة في العروسة.

 

يرتبط الاحتفال بالزواج بالعديد من الممارسات التقليدية التي يحددها التراث الاجتماعي لعادات الزواج في المجتمع العدني. وتأتي المعتقدات الشعبية في مقدمة أشكال هذا التراث. فقد دأب أفراد المجتمع على التفاؤل بعقد قران العروسين أو زفافهما في ليلة الخميس، باعتبارها ليلة مباركة. كما يحرص الأهالي على الابتعاد عن إتمام عقد القران في أيام ما بين العيدين - الفطر والأضحى- ويعتبرون ذلك سبباً في عدم نجاح الزواج أو التوفيق بين الزوجين.

 

وتؤدي الأمثال وظيفة تربوية إرشادية في تأسيس منظومة الزواج، سواء فيما يختص بأسس اختيار العروسة من حيث مقاييس الجمال المطلوبة، أو معايير وإجراءات الخطبة والالتزامات المالية تجاهها. كما أن هذه الأمثال لم تتجاهل صياغة منظومة كاملة من الأسس والإرشادات الداعية لأهل العروسين بالتدقيق في أصل ونسب بعضهما، واتجهت تحديداً بهذه الإرشادات إلى الرجل ناصحة إياه لتوخي الحذر باختيار النسب والمصاهرة، ضماناً لذريته اللاحقة "أبحث لأبنك على خال، أنسب الخال يأتيك الولد، شل الحصى وشمه، والبنت ترجع لأمه". وفي الوقت ذاته ، فإن أمثالا أخرى عكست اتجاهاً تحذيرياً، للرجل والمرأة على حد سواء من خلال من عاقبة سوء اختيار شريك الحياة. كما يقول المثل الأتي:

*من تزوج من الهيجا كان عمه الجبل

ومن خلال مضامين هذه الأمثال فإننا نقول أنها ليست مجرد شكل فلكوري خالٍ من العظة والاعتبار، إذ أنها في حقيقة الأمر نواميس وضوابط تعكس سلوك ومواقف الأفراد من موضوع الزواج وتقوم على قاعدة الإقتداء بالحديث الشريف عند الشروع بالزواج:

*تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس".

 

ويأخذ العيب والعُرف مكانه في تنظيم عملية الزواج، كمدلولين يعكسان مستوى الانضباط والالتزام في ممارسة العادات والتقاليد المتبعة في هذه المسألة، فقد جرى العُرف في المجتمع العدني على عدم تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى. كما انتشر بين السادة من الأسر العدنية عدم زواج الشريفة إلاَّ من زوج مماثل في وضعها، ولو أدى هذا الأمر إلى بقائها عانساً. لقد شكلت هذه الأعراف أسسا وضوابط تسبق في العادة عملية الخطبة وإجراءات الزواج، وتعارف على الإلتزام بها عند مختلف الفئات الاجتماعية.

 

  لا تبدو في الزواج العدني مظاهر التشجيع لزواج الأقارب، حيث يفتقر هذا الزواج إلى دوافع وأسس الزواج الريفي القائم في إيثار التزاوج في إطار العائلة، حرصاً على إبقاء الميراث في حدودها، والمحافظة على التماسك العائلي، والاعتزاز بالعصبية القبلية. وربما يعود غياب هذا النوع من الزواج إلى ضعف خاصية التملك الزراعي لدى أهالي عدن وسيادة السمة الكوسمبوليتية لمدينة عدن التي احتضنت شوارعها ومنازلها أعراقاً مختلفة تعايشت وتواصلت ببعضها في أجواء حميمة. وبسبب هذه الخاصية برزت فكرة الاستعانة بالخاطبة إلى سطح الحياة الاجتماعية، لتعطي مدلولا على دورها في تسهيل إنتقاء العروس من خارج إطار وشائج القرابة، بل أن هذه المهنة تضاف إلى المهن الاجتماعية التي اشتغلت بها بعض النساء العدنيات.

 

ويجري في مراسيم الخطبة الاتفاق على تفاصيل الشروط المالية لأهل العروس، وعادة ما يتم ذلك بحضور والد العريس وأقرب أقربائه، وكان المهر يحدد بما لا يقل عن خمسين دولاراً، كحد أدنى، وفي حالة الموافقة على ذلك يحمل والد العروس المال والهدايا، إيذانا بالموافقة والقبول، ويسمى المبلغ المسلم بالدفع –المهر-([6]). وفي العادة يميز أهالي عدن بين المال المدفوع في أول مراسيم الزواج وبين ذلك المدفوع في حالة الطلاق، وذلك بتسمية الأخير بالمهر، وهو مايعرّف عادة في الموروث العربي بمقدم الصداق ومؤخره. ويجري تقديم المهر في أول مراسيم الزواج تمييزاً للحقوق المالية للعروسة "باللهجة العدنية"وتسهيلاً لأهلها في تجهيزها باحتياجات الحياة الجديدة. 

  

ويتم الاحتفال بالزواج بصورتين، الأولى وهي الخاصة بأهل العروس، والتي كانت مراسيمها تبدأ بإقامة المخدرة -سرداق-([7]) بجانب المنزل، ودعوة الأهل والأصدقاء لحضور المقيل، وفيها تقام مراسيم الاحتفال مصحوبة بالطبول والأغاني. وقد كان إجراء عقد القران مفتتحاً لتلك الاحتفالات، وعادة ما كان عقد القران يتم صباحاً. وتتواصل بعد العقد جلسة المقيل والسمرة في المخدرة المنصوبة أمام المنزل. وكانت الجمال تستخدم كوسيلة لنقل احتياجات ذلك الحفل من القات والسجاير والماء، ويبدأ الاستعداد لها بتوفير تلك الاحتياجات منذ صباح يوم عقد القران على أن يتم إرخاء حمولتها مباشرة لتصل إلى يد المدعوين بعد إتمام عملية عقد القران .

 

وفي العادة كان يقف على مدخل المخدرة ضارب الطبل الكبير المسمى باللهجة الشعبية (المطرّب) للترحيب بالقادمين إلى المقيل، في استقبال طروب يُردد وقتها ترنيمة خاصة بالفرح

*يا جيد يا بن الجيد حياك وحيا بوك

ويعكس هذا الترحيب مقدار الفرحة بالقادمين، الذين كانت مشاركتهم تأخذ جانب المؤازرة والدعم المالي لأبي العروس، والاحتفاء بالحدث ذاته. وعلى الجانب الآخر كانت الاحتفالات بالعرس تمتد إلى أوساط النساء من أهل العروس، حيث تدشن أم العروس الاحتفاء بزواج أبنها منذ الليلة التي تسبق الزفاف، والتي تسمى في اللهجة العدنية "ليلة الهديَّني.

 والاحتفاء بهذه الليلة يمتد في بعض الأحيان ما بين يوم واحد إلى ثلاثة أيام.([8]) ويعتبر إقامة هذه الحفلة نوعاً من التهيئة والتحضير للحفل الكبير-الدخلة والصبحية – وعادة ما تتولى صديقات أم العروس وقريباتها مساعدتها في ليالي الهديَّني، وذلك بالغناء والرقص والعمل على تجهيز متطلبات حفل الزفاف والصبحية ، خاصة فيما يتعلق بتوفير مستلزمات غداء يوم الصبحية، والمساعدة في استكمال الاحتياجات المتعلقة بذلك، على سبيل المثال تنقية الأرز وتجهيز لوازم الطبخ  لذلك اليوم .

وتحرص أم العروس في هذه الليلة على تقديم العشاء للحاضرات. ويتخلل هذا العشاء الغناء والطبول والرقص. وقد تقوم أم العروس بالتزين بالخضاب ومعها المقربات لها، وإضفاء أجواء الفرحة على الحاضرات استعداداً للحفل الكبير. وبسبب ما تحمله هذه الليلة من ملامح مفرحة، فإن المرأة العدنية قد صاغت ترنيمة خاصة بها أسمتها (أغنية الهدَّيني) صوّرت من خلالها مضامين الاستعداد لحفلة الزواج بشكل عام وشعور الأطراف الرئيسية فيها، على النحو الذي تم استعراضه سابقاً.

 

وتختتم أسرة العروس الاحتفاء بمراسيم الزواج بيوم الصبحية في حفل غذائي يقام في اليوم التالي للزفاف "الدخلة" تتباهى فيه هذه الأسرة بإمكاناتها المالية وبحرصها على مظاهر الاحتفاء بالعرس. لكن هذا الحفل لا يخرج عن كونه سُنة أوصى بها رسول الأمة محمد صلى الله عليه وسلم بقوله (أولم ولو بشاة)([9]). وقد كان من عادة النساء في السابق أن يمكثن في منزل أبي العروس لمدة أربعة أيام، كنوع من تواصل مظاهر الفرح فيه. وفي بعض الأحيان يمتد بقاء بعضهن إلى اليوم السابع الذي يعتبر مختتماً لأفراح العرس([10])، حيث يتم تزيين العروسة بالخضاب، الذي لم تكن قد تزينت به من قبل. ويعد الاحتفاء بهذا اليوم علامة بالسماح لها بعد ذلك اليوم بالخروج لزيارة أسرتها.

 

وعلى الجانب الآخر، فإن مناسبة الزواج في منزل العروسة تأخذ طابعا مختلفا عما يحدث في العادة في منزل العروس. وفي العادة يبدأ الإحتفاء بالعروسة في الليلة الأولى المسماة "الزقرة"، والتي تدشن مباشرة بعد صلاة المغرب لتلك الليلة. وقد جاءت التسمية من طبيعة الحركة التي تقوم بها أم العريس أو من هن في عمرها بإلقاء الرديف الأخضر([11])، في حركة قنص أو خطف سريعة ومفاجئة للعروس.

 

 ومع هذه الحركة تتسارع الطبول والزغاريد بزفة العروس إلى مكان مخصص لها يتوسط مكان الإحتفاء بتلك الليلة. ومضمون هذه الليلة يعني أن العروس وكأنها لا تعلم بأمر تزوجيها، وأن هذه الحركة بمثابة خطف لها من داخل دارها وتظل العروس مرتدية الرداء الأخضر حاجبة وجهها حتى ظهر اليوم التالي، عندها يتواصل الحفل في شكل مختلف عما سبقه. ومن المعتاد في هذه الليلة أن تقوم أم العروس أو سيدة كبيرة في السن مشهود لها بالنجاح والتوفيق في حياتها الزوجية بزقرة العروس، لتصبح هذه الحركة رمزاً تتفاءل به هذه العروس. وتحيي المشترحة، وتسمى "الطبّالة"([12])، وهي إمرأة تتولى قيادة الدق على الطبول مع أخريات، وتنفرد هذه المرأة بالدق على الطبل الكبير، فيما تتولى ثلاث نساء أخريات مساعدتها بالدق على الطبول الصغيرة.

 

ومن أساليب عمل هذه المرأة أنه ما تبدأ بدق الطبل حتى تتدافع النساء للرقص، ويسبق هذا التدافع طرح النقط على شكل هبات مالية على مقربة من المشترحة. وتتسم أغانيها بنمط محدد من الأغاني المخصصة لهذه المناسبة. كما أن بعض الأسر كانت تستعين بفرقة هندية من تلك الفرق التي ذاع صيتها آنذاك في عدن لإحياء هذه الليلة. وقد اشتهرت هذه الفرقة بالعزف على آلة موسيقية تسمى "الارمونية"، وهي آلة هندية لا تستخدم إلا من قبل الفرق الهنديه، وهذه الفرقة تمزج في أغانيها ما بين الألحان الهندية والكلمات العربية، وتطلق على الحفل الذي يستخدم هذا النوع من الآلات مسمى (الجمت).

 

 وتعد حفلة الغسل من أهم مراسيم العرس في منزل العروسة، ومن العيب اجتماعياً التساهل فيها أو إلغائها، وتأخذ هذه الحفلة مظاهر متعددة، لعل من أهمها التجمع في الصباح في المخدرة المخصصة والتي تقام بجوار منزل العروسة، حتى يحين آذان الظهر عندما تصطحب الحاضرات العروسة في زفة كبيرة إلى الحمام لغسلها، وتتولى مساعدتها في الاغتسال سيدة من أقربائها، وفي العادة يستخدم في تحميم العروسة في ذلك اليوم مطحون الغسل الذي يستخرج من أوراق شجرة السدر المعروفة في اليمن، والتي يكثر استعمالها في الاغتسال من قبل النساء .

 

وتعد هذه العملية نوعاً من الطهور الواجب القيام به لهذه العروسة في هذا اليوم تحديدا، والتي ينبغي أن تشمل الشعر والجسم، وعادة ما يبدأ حمام العروسة في هذا اليوم بكسر بيضة في مدخل الحمام، ويصاحب هذه العملية التبخير بحبيبات اللبان الذكر، في اعتقاد معروف بين النساء بالرغبة بطرد الشياطين والأرواح الشريرة، ويشتمل جهاز العروس في ذلك اليوم من درع "ثوب طويل يخاط بطريقة خاصة" وله لون محدد وهو الأخضر القاني، ويصنع من الحرير الطبيعي المشغول بتطريز خاص لهذه المناسبة، وتستخدم في هذا التطريز خيوط القصب الذهبي الذي لا يصدأ مع الزمان، ويلبس معه غطاء خاص للرأس على شكل طرحة تغطي الرأس والوجه وتسمى "المقرمة"، ويجري إعداد هذه الملابس خصيصا لهذه المناسبة.

 

ولا ينبغي أن تلبسها غير العروسة. والمعروف أن طريقة تطريز هذه الملابس كانت تجري على النمط الهندي، وقد تخصصت بيوت معينة في عدن بهذا العمل، بعد أن كانت ترسل الملابس إلى الهند. ويعد تزيين الشعر جزءاً مهماً في تجميل العروسة في هذا اليوم. ويأخذ هذا التزيين شكلاً تقليدياً لا تحيد عنه كل الأسر العدنية، حيث يظفر شعرها على هيئة ظفيرتين، تجملان بالفل والمشموم، وتتدلى منهما حبات الصفا المصنوعة من الذهب الأصلي، على أن يتم تعطير الشعر مسبقا بالطيب والعطور والبخور. وتستقيم  مظاهر الإحتفاء بهذا اليوم على عملية غسل العروس وتجميلها فقط ولذلك أطلق اليوم بيوم "الغسل" وتكون هذه المناسبة اختتاماً لتجهيز العروسة التي كان قد بدء بها مبكراً منذ ما بعد عقد القران، إذ يجري العمل على تجهيزها وتجميلها، وذلك باستخدام الأعشاب والعطور، وتتولى هذه المهمة بعض النساء المشتغلات بها.

 

وبعد الانتهاء من تجهيز العروسة فإنها تخرج إلى مكان الحفل مصحوبة بزفة خاصة لهذه المناسبة تحديدا، وفي نهاية هذه الزفة تتوسط العروسة مكان الحفل، وتوضع في حجرها ملاية أو منديل كبير يتم فيه تجميع ما يمكن أن يهدى لها من الحاضرات. ويتوالى تقديم النساء لها هدايا بهذه المناسبة؛ وتأخذ هذه الهدايا أشكالا مختلفة: منها تقديم المبالغ النقدية كهدايا، ويُعد تقديم الهدايا بهذه الصورة عادة متبعة في عدن، وقد تكون هذه المبالغ بمثابة رد مالي لما قدم سابقاً من قبل أم العروسة لهؤلاء النساء. وعند تقديم هذه المبالغ ينبغي أن تذكر المرأة المقدمة لها أسمها على مسمع من الأخريات، حتى تتمكن أم العروس من معرفة المبلغ المُهدى إليها وتعمل على رده في أقرب مناسبة.

 

 وقد جرت العادة على تسمية الهدايا المقدمة في هذه المناسبة للعروسة سواء المالية أو العينية بمسمى "النقط". وفي أثناء عملية النقط يجب أن تظل أم العروسة قريبة من النساء اللواتي يتقاطرن لتقديم هذه الهدايا، حتى لا تغفل عن سماع أسماء النساء اللواتي يتسابقن لتقديم الهدايا لأبنتها، وتعمل على ردها في أقرب مناسبة وقد تلجأ بعض الأسر إلى تسجيل أسماء النساء اللواتي يقدمن الهدايا بهذه المناسبة، ونوع هذه الهدايا أو المبالغ، وذلك حتى لا تنسى أم العروس ديون الأخريات لديها. وقد ترجمت الأمثال الشعبية حساسية هذا الموقف، وكأن لسان حال أم العروسة يقول في تلك اللحظة:

*حق الناس مطروح بالطاقة

 وكما ورد في مقطع من أغنية الهديني:

*لاهو سلف سلفوني يا دون

 ولاهو هبة من عيوني يا دون

  وبعد انتهاء هذه العملية تجمع المبالغ والهدايا وتستلمها شخصيا أم العروسة. ويتميز هذا اليوم بتقديم الغذاء للمدعوات، والذي يتكون بالدرجة الأساسية من اللحم والأرز والبطاطس، في طبخة خاصة تقليدية ارتبطت بالمناسبات فقط، وتسمى "الزربيان" وهي طبخة ذات جذور هندية. ومن مكملات هذه الطبخة الحلويات الخاصة التي عادة ما تترافق معها. وقد تشد بعض الأسر عن هذه الطبخة، وتنفرد بتقديم نموذجاً غذائياً آخراً، لكنه لا يخرج في مكوناته عن الأرز واللحم، في طبخات مختلفة.  

 

وتتواصل حفلة الغسل مساء اليوم ذاته. ومن أبرز ملامحها في ذلك المساء دخول أم العروس وقريباتها من النساء حاملات الهدايا للعروس والمعروفة باللهجة الدارجة "المُكـْعس" الذي يتكون في العادة من عطور وملبوسات وشيذر وحذاء خاص، وقد جرى في الأوساط الشعبية تعريف المكعس بأنه "كبش وشيذر وحيش الناس".

 

تتميز حفلة الغسل كذلك بأنها بمثابة تشجيع للنساء على الرقص على أنغامها طيلة اليوم، وفيها تقدم النساء أنواعاً من الرقص الشعبي المتعدد الوجوه. ولا تخلو هذه الحفلة من بعض الرقصات الشبيهة بإيقاعاتها أحيانا بالزار([13])، التي تُثير بعض دقاتها النساء ذات العلاقة بعادة الزار، وتدفع بهن إلى وسط مكان الحفل للرقص الخاص بهن، عادة ما تنتهي هذه الرقصة بخروج المرأة عن وعيها كنوع من أنواع وصولها درجة المتعة في هذه الرقصة إرضاءً لسادتها من الجن.

 

وتجري مراسيم الزفاف "الدخلة" في جو احتفالي على مرحلتين: تفتتح الأولى بحضور العروس وأهله وأصدقائه إلى منزل العروسة، حيث يتم إعداد مجلس خاص بالرجال أمام منزل العروسة، وعادة ما يبدأ التجمع منذ ما بعد آذان العشاء. وفي الوقت ذاته ترافق النساء الرجال في الذهاب إلى بيت العروس، ويتم استقبالهن في مخدرة أمام المنزل أعدت لهذا الغرض، حيث يتولى أهل العروسة الاحتفاء بالجزء الأول من حفل الزفاف في منزلهم، ويعتبر الأهل ذلك تقليدا يجب احترامه، عندما يحضر العروس وأهله لنقل العروسة وجهازها إلى بيتها الجديد. ويلي هذا الحضور دخول العروس إلى مكان الحفل المخصص للنساء وذلك لنقل العروسة إلى مكان الحفل المخصص بأهل العروس.

 

ومن أبرز ملامح هذا الحفل دخول العروس إلى منصة الحفل وجلوسه بجانب العروسة وقيامه بمسح رأسها بمبلغ من المال، وتسمى في العرف الشعبي "بالمسحة". ويلي هذه المراسيم نقل العروسة إلى بيتها الجديد بحضور أهلها وأهل العروس، حيث تحمل على هودج خاص مهيأ لذلك الغرض. ويتم تجهيز هذا الهودج بواسطة عامل مختص بذلك، حيث يزين الجمل لهذا الغرض، ويجهز مقعد مريح للعروسين على ظهر الجمل، وعادة ما يوضع سرير خشبي يعرف شعبياً "بالقعادة"، ويقلب هذا السرير بحيث تصبح قوائمه بمثابة مساند يستند عليها العروسان في أثناء ركوبهما على الهودج، وموكبهما إلى بيت العروس.

 

وفي هذا الجو المليء بالمعاني العميقة تأتي الأغاني الشعبية تعبيراً صادقاً تعكس المضامين والأسس العامة التي يقام عليها مبدأ الزواج عند الطرفين، سواء في أسلوب اختيار الطرف الآخر أو تكلفة الزواج. فعلى سبيل المثال تعكس أغنية "قمري شل بنتنا" الذي سبق ذكرها، مضامين وضوابط تلتزم بها الأسر العدنية في تأسيس بيت الزوجية لأولادهم. كما كشفت هذه الأغنية عن مكنون المقاييس الجمالية التي تضعها هذه الأسر في أولويات اختيار العروسة. وللعروسة أغان ترددها في تلك الليلة، لكنها لا ترددها من منطلق الفرحة التي تعيشها في تلك الليلة. بل أن أغانيها في ليلة الدخلة تعكس موقفا خاصا بها تعبر عنه ضد العروس، فيما لو كان المبلغ المالي الذي مسح بها على رأسها أقل من وضعها الاجتماعي. وتعبر العروسة عن موقفها الحانق بتوجيه أغنيتها لسائق الجمل الذي يسوق ركب العروسين، قائلة له:

*ابّن دلابي ابّن دلابي

 كنّك مُعلّم وإلاّ تشى لي

 وتذهب هذه الأغنية بعيداً في تصوير إصرار العروسة على موقفها، بأن تقول، موجهة الكلام للأهل، في رد فعل مباشر لهذه العروسة على عدم اقتناعها بالمبلغ المقدم لها كمسحة.

                     حلفتُ ما نزل حلفتُ ما نزل

                    جيبوا المداعة والقات باسمر

 

  وتـُختتم مراسيم الاحتفاء بهذه الليلة بتمزيق منديل أم العروس الذي كانت تزين به رأسها في ليلة الدخلة. وتُصاحب هذه الحركة ترديد النساء لها أغنية خاصة ذات مدلول واضح "أم العروس سرنا بسرك، أم العروس قطعوا مصرَّك". وعلى الرغم من أن هذه العادة ذات علاقة بأم العروس، إلا أن ما جاء على لسان المبحوثات من النساء حول ذلك يفضي على القول: أن تمزيق هذا المنديل دليلاً على فض بكارة العروسة في هذه الليلة. وذهبت أخريات من المبحوثات بعيدا إلى تفسير يرى أن هذه الحركة على أنها رمز لوطأة كلفة الزواج التي دفعها أهل العروس في إقامة هذا الفرح ، ويأتي تمزيق المقرمة وكشف رأس أم العروس دليلا على كشف الحال.

 

ومن أصول تجهيز العروسة لهذه المناسبة أن تتولى سيدة مختصة بالتجميل والتطيب القيام بهذه المهمة. وتبدأ في العادة بتجهيزها من وقت مبكر للمناسبة ذاتها. وتتطلب العملية المداومة المبكرة على الاغتسال بالأعشاب المعروفة شعبياً، وبعضها ذات روائح عطرية، كما أن استخدام هذه الأعشاب تضيف النعومة إلى بشرة العروسة.

 

 وقبل موعد الزفاف بأسبوع على الأقل تبدأ السيدة المختصة بذلك بفرك جسم العروسة بمسحوق الذريرة والطيب يومياً، وغسل الشعر وتطييبه، ليصبح مهيأ للتجميل الخاص بمناسبة الزفاف، التي يحمل التجمل فيها لوناً خاصاً . ويتضمن التجهيز لهذه الليلة تمليس الشعر بالعطر الخاص، وتسريحه، على أن يزين هذا الشعر بقطعة من الذهب المغموس في مجموع من العطر والزباد المعمول، الذي سيتم الحديث عنه بالتفصيل لاحقا، ويوضع على مفترق الشعر باتجاه الجبهة، كشكل من أشكال الزينة الخاصة لهذه المناسبة. وتتدلى عقود الفل والمشموم من الشعر والعنق والصدر. وتتجمل العروسة في هذه الليلة بارتداء الثوب الأبيض وتوضع الطرحة البيضاء المحلاة بالكرانيش في أعلى الرأس متجهة إلى الخلف.

 

 وقد دأبت العادات العدنية أن ترسل الأسر سيدة كبيرة في السن مرافقة للعروسة في هذه الليلة, وتسمى المُكدّية Mukaddiyah، وتتولى تجهيزها وتهيئتها للمعاشرة الزوجية في ليلة الزفاف تحديداً. ويبدو أن هذه العادة قد استقامت في الأصل على صغر سن العروسين وعدم إلمامهما بأصول الحياة الزوجية.

وفي الوقت ذاته فإن الأهل يحرصون على مرافقة هذه السيدة للعروسة لتهيئتها للحياة الجديدة ، ونقل تفاصيل الليلة الأولى إلى أهل العروسين، الذين ينتظرون نتائجها باهتمام وقلق بالغين، لأن ما تحمله من أخبار عن تلك الليلة، يترتب عليه سمعة أهل العروسة ومستقبل علاقتهم، سلبا أو إيجابا، بالعروس وأهله. وفي العادة تحمل المُكدّية منديلاً أبيضاً أو قطعة قماش أبيض ملطخاً بالدم، هو ثمرة علاقة العروسة بعروسها في ليلة الزفاف. ويكون هذا المنديل مؤشراً لشرف العروسة وأهلها .

 

وحول دور المكدية في هذه الليلة يقول البيحاني "أن الحاجة إليها ظهرت نتيجة سيادة تقاليد اجتماعية تمنع العروس من رؤية عروسته منفردين قبل موعد الدخلة، وجاء دور المكدية لتسهيل مهمة التعارف"([14]). وقبل دخول العروس إلى عروسته في غرفة الزوجية يقدم المسحة للمكدية، التي تكون قد أتمت مهمتها في تجهيز العروسة، ويترواح مبلغ المسحة المقدم لها ما بين 20-3 شلن، ويسهم أصدقائه من الرجال بتقديم مبلغ من المال لهذه المكدية، وفي العادة لا يتجاوز 5 شلنات، وذلك حسب التقدير المالي لعام 1961([15]) وفي صباح اليوم الثاني للدخلة يعطي العروس للعروسة مبلغا ماليا يسمى " حق الصبحية " .

 

وعلى أساس النتائج الايجابية لليلة الأولى في حياة العروسين يتحرك موكب العروس وأهله في صباح اليوم التالي للدخلة متجهين إلى منزل أهل العروسة للسلام على أم العروسة تحديداً، حاملين لها الحلوى اللحجي([16]) رمزاً لحلاوة الحياة الزوجية التي ستنعم بها العروسة. وعادة ما يأخد العروس فطوره في يوم الصبحة "القراع" في منزل أم العروسة ..واعتادت الأسر العدنية بألايسمح لأم العروسة بحضور غداء الصبحية في منزل العروس ، ويكتفى بحضور صغيلرات السن ومن هن ذوات قرابة من الخالات والعمات فقط ، على ان تشارك أم العروسة في حفل الصبحية مساء فقط .

 وقد تأثر دور المكدّية في تنظيم العلاقة الزوجية بين العروسين بعاملي الثبات والتغير المؤثرين على العادات والتقاليد الاجتماعية، فقد أرخت عوامل التمدن والعصرية، وما رافقها من خروج اجتماعي للمرأة العدنية على تراجع كبير لهذا الدور واختفاء ملحوظ في ممارسة هذه العادة. خاصة وأن البيحاني كان قد وصف الاستعانة بالمُكدّية بأنها عادة قبيحة ناتجة عن عدم رؤية الرجل لعروسه إلاّ ليلة أن تزف إليه، حيث يعتمد في الاتصال بعروسته على خبرة أمه أو المكدّية.([17])

  وتولي الأسر العدنية عناية خاصة بجهاز العروس، ويعكس مستوى الجهاز الوضع الاجتماعي لأسرة العروس . كما تهتم العادات والتقاليد العدنية بجهاز العروسة وتوليه عناية كبيرة. ويحتل الصندوق الخشبي ركنا أساسيا في منزل الزوجية ، ويصنع هذا الصندوق في العادة من الخشب الصافي، وله أشكال وأحجام تحمل معاني ودلالات ذات علاقة بالوضع الاجتماعي لأسرة العروس. ويعد الصندوق أبو شجرة من أجمل صناديق العروسة ويصنع في العادة من الخشب الصافي المعروف بخشب السيسم .

ولهذا الصندوق مفتاح خاص مصنوع من المعدن الصلب الجميل، لهذا المفتاح ألوان منها الفضي ولون الصفر، وأصبح يدهن بلون الذهب لاحقاً. وهناك درجات وأنواع من هذه الصناديق، وتستخدمها الأسر الأقل دخلا، ويكون في العادة نوع من الصناديق السادة الخالية في واجهتها من أية نحت أو رسوم، وتطلى في العادة بصباغ عادي. للصناديق مستويات ، وتعد السحارة الخشبية نوعا من الصناديق الرخيصة التي تتناسب والمستويات الاجتماعية الفقيرة .

 

 وإلى جانب صندوق العروس يحتل الدولاب الزجاجي مكاناً في غرفة الزوجية ، ويُخصص لحفظ العطور والأطياب. وفي العادة يجهز بيت الزوجية بسرير زوجي خاص بالعروسين ويأخذ شكل السرير الناموسية – الخشب أو الحديد – الذي تنوعت أشكاله كثيرا . ولعل أبرز ما يميز هذا السرير هي درجة تزيينه في واجهته بالمرايا والزجاج الملون أو المرمر والرخام والرسوم في واجهته. ويتميز سرير العروسين بالقوائم العالية، التي تزيد من ارتفاع هذا السرير، كما يزين السرير بأذرع ترتفع من جوانبه الأربعة إلى أعلى ، بحيث تستخدم هذه الأذرع كرافع للستارة المعروف محلياً باسم– الشتري– التي تستخدم كعازل لستر العروسين.

 

 ولا شك أن التعرف على تقاليد الزواج في المجتمع العدني ورصدها وتحليلها يلقي الضوء على القيم والتقاليد التي كانت سادت في ذلك المجتمع، ودراسة هذه التقاليد تتيح لنا معرفة تجارب ذلك المجتمع ومواقف أفراده وتكوينهم الفكري العاطفي ومدى تأثره بالاتجاهات الخارجية المؤثرة في تكوينه العام.

 

 ومن خلال دراسة هذه العادات اتضح أن مراسيم الاحتفاء بالزواج قد ارتكزت على مبادئ وأسس معينة منها: سمات التعاون المادي والمعنوي التي يظهرها أفراد هذا المجتمع تجاه بعضهم ، وقد تجلى مضمونها في تقديم النقط ، كدين سابق واجب أداؤه أو دعم لاحق يتوقع تقديمه في الوقت المناسب، وتمارس هذه العادة برغبة من أفراد هذا المجتمع في خلق أسس التكافؤ المادي والاجتماعي في أوساطهم ، ويمارسها الرجال والنساء على حد سواء. كما لوحظ ضعف تأثير العصبية العرقية والجاه والمركز والجوار بين أفراد هذا المجتمع كمجتمع متمدن يتسم بسمات الانفتاح والتعايش والاندماج بين كل التجمعات العرقية المستوطنة في عدن. ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى الوسط الهاشمي "السادة" من أهالي عدن والتجمع اليهودي الذي كان يقيم في هذه المدينة، اللذين يعتبران وسطين مغلقين في ممارساتهما لعادات الزواج. وفي الوقت ذاته فإن التداخل والتمازج في المظاهر الاحتفائية للزواج المستمدة من خصوصية المجتمع العدني، كمجتمع كوسمبوليتاني، قد بدا واضحاً من خلال العديد من أشكال الفرح والموسيقى والملبوسات المستخدمة في احتفالات الزواج العدني.