آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-01:51م

أخبار عدن


دراسة .. محمد علي باشراحيل ورهانات الحداثة والتنوير

الجمعة - 29 ديسمبر 2017 - 10:55 م بتوقيت عدن

دراسة .. محمد علي باشراحيل ورهانات الحداثة والتنوير

عدن (عدن الغد) خاص:

كتب / الدكتور قاسم المحبشي

التاريخ الذي لا يكتب كالأحلام التي لا تفسر. ق. م.

ملخص الدراسة:

تنطوي مبادرة مركز عدن للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر وندوته المكرسة لدراسة سيرة حياة محمد علي باشراحيل على أهمية مزدوجة؛ إذ هي من جهة تسلط الضوء على رمز يعد من أهم رموز عدن الوطنية الإعلامية والسياسية المدنية الحداثية، وهو لذلك جدير بالتذكير والاعتراف والإنصاف. والندوة بذلك العمل الجليل تسدي خدمة مفيدة للثقافة المحلية والعربية والإنسانية في جمع وبحث وحفظ وإشهار تحفة وثائقية رائعة كاد يطويها الإهمال والنسيان والتغييب المتعمد للأسف الشديد الذي تسبب في ضياع بعض نصوصها وتشتتها في إضبارات وقصاصات متفرقة، ومن جهة أخرى تقدم الندوة فرصة ثمينة للباحثين والدارسين المهتمين بالتاريخ المدني الثقافي لمدينة عدن للوقوف عند حقبة تاريخية حاسمة ومفصلية في مسار تاريخ الجنوب العربي ،حقبة المواجهة والاصطدام مع قوى وأدوات وقيم الحداثة الغر بية بصيغتها ال كولونيالية في أو انتصارها ،إذ إن واقعة الحداثة تعد بلا شك أعظم وأخطر حدث تاريخي وثقافي في حياة الشعوب العربية الإسلامية الحديثة والمعاصرة. كما تعد هذه الندوة مناسبة ممتازة للاطلاع على البدايات الأولى ليقظة الوعي الوطني الحداثي (ما بعد الكولونيالي) في جنوب الجزيرة العربية؛ الوعي الذي تشكل في ظل مواجهة الاستعمار البريطاني، وكيفية جرى استشكال ذلك الوعي المستيقظ عند النخب المثقفة؟ ولما كان الراحل باشراحيل يعد رمزا ثقافيا مدنيا محوريا في مدينة عدن فإننا بدراسته نضع يدنا على آواليات الأدب مابعد ال كولونيالي في عدن والجنوب العربي خاصة واليمن عامة. فمحمد علي باشراحيل يعني لحظة الإعلام الحديث في عدن، كما يعني بداية تأسيس التعليم الحديث، وبدايات العمل المدني والتنظيم المهني ولحظة تأسيس النقابات المهنية، والنوادي والجمعيات الثقافية والأهلية، ومعه شهدت عدن استيقاظ الوعي السياسي وتشكيل الروابط والكيانات السياسية، ومعه بدأت الحركة النسوية التحررية في عدن وغير ذلك من عناصر وعلاقات وممارسات وبنيات وقيم ورموز الحياة الحديثة. فمتى ولد ونشاء وكيف تعلم وعمل فقيدنا الراحل محمد علي باشراحيل؟ وماذا واجه من تحديات خاصة وعامة وكيف تصدى لها؟ وكيف عاش واشتغل ودبر لقمة عيشه وعائلته؟ وماذا فعل وفكر وقال وماذا كانت اهتماماته في حياته؟ وماهي رهاناته الاستراتيجية المتاحة التي جمعته مع رفقا جيله في مواجهة الاستعمار والنضال من أجل نيل الحرية والاستقلال الوطني؟ وكيف كان يعي ويفهم المشهد العالمي وقواه الفاعلة وقواعد لعبته الدولية وإبعادها المحلية والقومية في فترة الحرب الباردة؟ في سياق تلك الأسئلة وما يتصل بها من موضوعات سوف تكون مقاربتنا البحثية الموسومة (محمد علي باشراحيل ورهانات الحداثة في عدن).

فرضية الدراسة :

تنطلق ورقتنا من الفرضية التي ترى أن الراحل محمد علي باشراحيل قد استلهم واقعة الحداثة الغربية بروح عقلانية نقدية بوعي تاريخي مدني تكنوقراطي وتمكن من امتلاك مفاتيحها وتوظيفها في تأسيس مشروعه الوطني التحرري، عبر مساري التنوير والتغيير المدني الليبرالي. وتأتي محاولتنا هذه في سياق انشغالنا الفكري الأكاديمي بالتاريخ المعاصر لمدينة عدن وسيرورتها الحداثية في ظل المحاولات الساعية لسلب تلك المدينة البحرية الجريحة مزيتها الاساسية التي تفردت بها على سائر مدن جنوب الجزيرة العربية بفضل موقعها الجغرافي واحتكاكها المباشر مع قوى وقيم الحداثة الغربية عبر الإدارة البريطانية التي حكمتهاطيلة 129عاما، وماكان لهذها لتجربة والخبرة الكولونياليّة من نتائج وأثار مادية ورمزية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية والجمالية والتربوية والتعليمية والفكرية والعلمية ..الخ لسكانها الأصليين والوافدين من مختلف البلدات والبلدان.

منهج الدراسة:

وذلك من منظور منهجي تاريخي نقدي مقارن، مع الاستفادة من المداخل المنهجية للدراسات الثقافية والنقد الثقافي التي ازدهرت مع ازدهار حقل الدراسات ما بعد الكولونيالية منذ منتصف القرن الماضي.

الإطار المرجعي:

تفتقر مكتبتنا الثقافية في عدن للكتب المتخصصة في قضايا الحداثة والتحديث في مدينة عدن، فضلا عن دراسة سير النخب الوطنية الثقافية الفاعلة في تأسيس المجتمع المدني الحديث، ومن المؤسف أن تكون عدن وهي المدينة التي خضعت للإدارة البريطانية وشهدت تأسيس أول غرفة تجارية في الجزيرة العربية، فضلا عن البنى التحتية والخدمات الحديثة في الاتصالات والمواصلات والعمران والماء وال كهرباء والتعليم والمهن والمجتمع المدني والإعلام والصحافة والتنظيمات والعلاقات وكل ما يتصل بأنماط ورموز الحياة الحديثة. لازالت تفتقد الى كتاب يحكي قصة الحداثة ومساراتها في عدن والجنوب العربي، على قرار كتاب عبدالله الغذامي، حكاية الحداثة في المملكة السعودية، الذائع الصيت. وهذا ما يضطرنا الى الاستعانة بالمراجع المختلفة فضلا عن كلمات عميد الأيام محمد علي باشراحيل، التي بقيت محفوظة في أرشيف العائلة الكر يمة، وهي هنا مصدرنا الوحيد. ورغم ذلك هناك عدد من الكتب والدراسات التي يمكن أن تساعد الباحث بهذا الموضوع ومنها: بيل اشكروفيت - جاريث جريفيث - هلين تيفين، دراسات مابعد الكولونيالية. إدوارد سعيد ، الاستشراق، جاك لوغوف التاريخ الجديد. أرثر ايزابرجر، النقد الثقافي. تاريخ الصحافة في عدن للمرحوم عبدالرحمن خباره، وكتب المحامي محمد علي لقمان، وكتاب أحمد القصير، التحديث في اليمن والتداخل بين الدولة والقبيلة، وكتاب ر.ج جافن، عدن تحت الحكم البريطاني، ترجمة محمد محسن العمري، وكتاب محمود السالمي، أتحاد الجنوب العربي، وكتاب صادق عبده علي، الخ برة السياسية البر يطانية في عدن 1955-1967م في ثلاثة أجزاء. وغير ذلك من الكتب فضلا عن الأبحاث والمقالات المنشورة في المواقع الالكترونية والمجلات والصحف السيارة. وتأتي مقاربتنا البحثية في أربعة محاور أساسية فضلا عن المقدمة والخاتمة هي:

أولا: حياة محمد علي باشراحيل وعصره.

إذا أردنا أن نقدر القيمة الحقيقة التي ينطوي عليها محمد علي باشراحيل وإرثه الإعلامي والسياسي الثقافي فلا بد لنا من النظر إليه في السياق التاريخي الذي ولد ونشأ وازدهر وفكر في أرضه وفضائه. والسياق هو كامل الوسط الحضاري والثقافي والمدني في الوضعية الاجتماعية المشخصة.
ولد محمد علي باشراحيل مدينة عدن، كر يتر، حي العيدروس في يوم الجمعة الموافق 4 أبر يل 1919م وتوفى في يوم الأحد الموافق 21 فبراير 1993م في صنعاء، هو صاحب ريادات إعلامية وثقافية ومدنية وإبداعية حداثوية متعددة، إذ كان رائدا في الصحافة الوطنية بنشر أول صحيفة في عدن باللغتين العربية والإنجليزية صحيفة الرقيب عام 1956م ورائدا في الإعلام الإذاعي مع رفيقة دربه السيدة سعيدة بمشاركتهما في برامج إذاعة عدن منذ تأسيسها 1954م ورائدا في النشاط المدني الثقافي في مدينة عدن إذ كان مؤسسا لنادي الإصلاح العربي ونائبا لرئيس النادي في التواهي وشارك في تأسيس حلقة شوقي الأدبية وكان رائدا في تعلم وممارسة التنوير ونشر التعليم، ورائدا في ممارسة النشاط السياسي مع سالم الصافي وشيخان الحبشي ومحمد علي الجفري ورشيد الحريري عبده حمزة وغيرهم من الرعيل الأول من النخب الشبابية الوطنية الذين كان لهم الدور في تأسيس أول حزب سياسي في عدن حزب الرابطة الذي تدرج باشراحيل في عضويته من عضوية اللجنة التنفيذية إلى مركز نائب الرئيس. وفي سياق العمل السياسي الليبرالي كان باشراحيل من أوائل شباب عدن الذين تمكنوا من دخول مجلسين المجلس البلدي خلال الفترة 1958/52م والمجلس التشر يعي 1959/55م وأبلى خلال عضو يته في ذينك المجلسين بلاء ً حسنا ً من خلال اللجان العاملة (اللجنة المالية ولجنة الأراضي) وأنجز عددا ً من المكاسب للصالح العام والوثائق الرسمية ماثلة أمام الجميع وعزز أعماله من أجل الصالح العام بأن كان عضواًفي مجلس أمناء مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية التي جمعت بين عظمة مدرسيها وخريجيها من الطلاب. هذا على صعيد السياق المحلي، أما السياق القومي العربي والدولي العالمي فقد كان عصر باشراحيل يعج بالصراعات المتداخلة، الحرب الباردة، حركات التحرر الوطنية والثورات الاشتراكية، اغتصاب إسرائيل لفلسطين 1948م وحرب الهند وبكستان، وصعود القومية العربية بتياراتها المختلفة ...الخ.
وهكذا يمكن القول إننا إذ نقف اليوم عند محمد علي باشراحيل، فإننا نقف أمام حقبة فاصلة في تاريخنا، وحين يجعل البشر من تاريخهم موضع تساؤل فإنهم غالبا ما يتساءلون عن مصيرهم، أو عن حاضرهم كمصير، ومهما كانت الإجابات متنوعة في صحتها أو خطئها، فإن وعيا تاريخيا يتشكل يحمل في طياته مستوي وعي البشر العام بكل جوانب حياتهم.
ومن هنا تغدو العودة إلى لحظه يقظة الوعي المستنير في عدن ليست استعادة حلم استيقظنا على زواله بل عودة إلى تاريخ قريب شكل حكاية انتقال مجتمعنا من الحالة الاستعمارية الأجنبية الى الحالة الوطنية وتداعياتها المأساوية الراهنة . ومحمد علي باشراحيل في حياته وسلوكه وفكره وأحلامه إنما كان يؤرخ على طر يقته لتغير داهم طرأ في الأفق الروحي للعدنيين والمتصلين بهم من العرب الجنوبيين، ألا وهو ولادة طرق جديدة في التفكير والقيم والسلوك تتخذ من واقعة الحداثة في الغرب إحداثية أساسية لها.

ثانيا: باشراحيل ولحظة وعي الذات وفهم الآخر.

قبل إطلاق أي حكم نافذ على مجتمع آخر لا بد أن يبلور الباحث موقفا واضحا قدر الإمكان تجاه مجتمعه نفسه. وسرعان ما سيكتشف أن الطريق الوحيد لتحقيق كشف المحجوب عن الذات إنما يتم بالدراسة ( المقارنة ) لذاته في أثناء إنهماكها برصد الآخرين ، وبأن يعي أنماط التشوهات التي ينطوي عليها هذا الموقف بالضرورة ، فرصد الآخرين وتأويلهم هو الوسيلة الناجعة إلى رصد الذات. وهذا هو بالضبط الموقف الذي وقفه ابن مدينه عدن الساحلية رجل الإعلام والسياسة محمد علي باشراحيل ، إنه موقف وعي الذات في لحظة اصطدامها بذات أخرى، ونقصد بالذات هنا المستويات المتعددة من الهوية الشخصية الذاتية الخاصة والسياسية العامة ، الانتماء إلى المدينة ( الحاضرة) عدن والهوية الوطنية الجنوبية ، والقومية العربية والدينية الإسلامية ، والجهوية الشرقية، هذه الدوائر المتداخلة من الهوية التي كانت تتبلور في عقل وضمير ذلك الشاب الموهوب الذي وعي نفسه أول ما وعي على عالم جديد وغير مألوف في التاريخ الشرقي الطويل، عالم الاستعمار الغربي الإنجليزي لمدنية عدن اليمنية العربية الإسلامية الشرقية. هنا يمكن البحث عن جدلية الموقع والموقف في حياة وفكر محمد على باشراحيل، فكما أن الموقع يفسر الموقف كذلك يضيئ الموقف عتمة الموقع، لقد وجد المثقف محمد على لقمان نفسه في موقفه العدني اليمني العربي المسلم السني الشرقي وهو موقع لا خيار له فيه ولا قدرة لديه على تغييره أو تبديله، في مقابل حداثة استعمارية حضارية ثقافية مدنية منتصرة، إنجليزية أوروبية غربية مسيحية علمانية عقليه علمية صناعية مزدهرة، فكيف واجه باشراحيل هذا الموقف الإشكالي الخطير؟؟ هذا ما سوف نكتشفه من خلال قراءتنا لمقالاته الافتتاحية في صحيفة الأيام المجموعة في ملف بعنوان (الكلمات الافتتاحية لعميد الأيام، محمد علي باشراحيل) والبالغ عددها 115 مقالا افتتاحيا للأعداد من 266 1965م الى 143 في 11 مارس 1965م في 117 صفحة من القطع الكبير.

ثالثا: رهانات الحداثة عند باشراحيل ( التنويروالتغيير).

يعد المثقف محمد علي باشراحيل واحدًا من أبرز المثقفين الوطنيين الذين تصدوا لمشكله الحداثة الغربية، وأهميته تكمن في كونه يمثل تجربة إعلامية وثقافية أصيله ومتفردة نشأت وتبلورت في خضم الحياة اليومية المعاشة وفي سياق المجابهة الحية بين الفكر والواقع في علاقة حميمة مع العالم المعاصر وعقلية مستنيرة منفتحة على التاريخ والتراث والمعاصرة. وعلى الرغم من انه امتهن مهنة المتاعب الصحافة والإعلام إلا أنه مثقف متعدد الاهتمامات فالصحافة لم تكن لدية مجرد مهنة لكسب المعيشة بل هي مشروع فعل تنوير وتغيير ونضال يمارسه في سبيل تنوير المجتمع والنهوض به وتحريره والارتقاء بحياة مجتمعه مما هو كائن إلى ما ينبغي إن يكون، إنه مثقف عاش تجربته الثقافية لحظة بلحظة ونبعت أسئلته من موقف شخصي ملتزم ووعي عميق بالذات وبالآخر. وضدا من أولئك المثقفين الذين فضلوا العيش في أبراجهم العاجية، نجد في نصوصه نزوعا متقدا ورغبة جامحة في اقتحام دروب الفعل والممارسة ومناوشة مشكلات الحياة الواقعية للعدالة والحرية والتعليم وحقوق الإنسان وحرية المرأة في وطنه وفي العالم، إذ كان مسكونا ً بهاجس البحث عن الأسئلة التي تستوجب الطرح والنقاش وعن المسكوت عنه بما يستجيب لمقتضيات الواقع العربي والعالمي الراهن. لذا جاءت تجربته الوطنية السياسية والإعلامية مفعمة بالحياة لأنها نابعة من قلب مثقف قلق،حنكته الصعاب وأنضجته التجارب، وصقلته الممارسة وهذبته الآداب والعلوم.

رابعا: غياب المؤسس وبقاء المؤسسة (الأيام) الحال والمآل.

ربما كان محمد علي باشراحيل يدرك الحكمة الإنجليز ية التي تقول:(نحن نشكّل مؤسساتنا ثم تقوم هي بتشكيلنا) وأن الأفراد ياتون ويذهبون أما المؤسسات فيمكنها أن تظل وتدوم إذ ما وجدت من يتعهدها ويصون! فكان أن أسس صحيفة الأيام التي تحضر اليوم بوصفها أهم مؤسسة إعلامية وثقافية في اليمن. الأيام مؤسسة إعلامية ثقافية مدنية حديثة، اكتسبت اليوم معنى الظاهرة الاجتماعية الثقافية التي تحتاج إلى دراسة سيوسولوجية ونقد ثقافية معمقة قادرة على الإحاطة الممكنة بأبعادها وعناصرها وبنيتها وعلاقتها وأسبابها ونتائجها، إذ يصعب فهم وتفسير مشكلة "الأيام" ومأساتها المروعة بمعزل عن المشهد الكلي والسياق الاجتماعي والسياسي والأمني والثقافي والأخلاقي العام للمجتمع، وما يعيشه من أزمة بنيو ية وسياسية وثقافية واقتصادية وأخلاقية خانقة. إن النظر إلى "الأيام" من حيث هي ظاهرة اجتماعية ثقافية إعلامية مدنية نوعية وفريدة، هو المدخل المنهجي المناسب لمن أراد التوفر على تفسير منطقي وفهم سليم لما أحل بها من فاجعةكارثية قلما شهد التاريخ مثيلا ًلها في تاريخ الصحافة والوسائط الإعلامية. ليست "الأيام" مجرد صحيفة أو مؤسسة إعلامية، بل هي ظاهرة اجتماعية ثقافية مدنية حداثية تنطوي على مجموعة من الأدوات والعلاقات والعناصر والقيم والممارسات والوظائف والأهداف، نشأت ونمت وازدهرت في سياق اجتماعي مختلف كليا عن السياق الحالي، تأسست عام 1958 في مدينة عدن المستعمرة الإنجليزية في إطار قواعد لعبة سياسية مدنية تحكمها القوانين والتشريعات النظم والقيم الاستعمارية الحديثة العقلانية الرشيدة، على يد مؤسسها محمد علي باشراحيل، الذي أنشأها اعتماداًعلى قواه الذاتية صحيفة مستقلة إخبارية ثقافية وطنية مقاومة بسلاح الكلمة والفكرة والح بر والقلم. على مدى قرابة عقد من السنين ازدهرت "الأيام"، واكتسبت الخ برة والمعرفة بممارسة المهنة الإعلامية، وترسخت مكانتها في عقول وأفئدة القراء كمثال للصحيفة المحترمة، التي حرصت على حمل الرسالة المهنية بشرف وأمانة وموضوعية وتجرد ومسؤولية . والسؤال الذي يطرح نفسه علينا اليوم ونحن نطل على محمد علي باشراحيل من شرفات العقد الثالث لوفاته هو: كيف يمكن لنا النظر إلى ذلك الرمز الإعلامي السياسي ال كبير ومشروعه الوطني الحداثي الذي مازال ينتظر التحقق؟
أعتقد أن خير وسيلة لتكريم الأسلاف لا تكمن في الاحتفاظ برماد مواقدهم، بل في إذكاء الشعلة التي أو قدوها ذات يوم وجعلها متوهجة باستمرار. وهذا لا يتم إلا باتخاذ موقف نقدي منهم ومن المجتمع الذي عاشوا فيه ومن النصوص التي أبدعوها ودراستها دراسة موضوعية محايدة بهدف معرفة الحقيقة المحتملة على الدوام .
مع خالص الشكر والتقدير لمركز عدن للدراسات التاريخية وإدارته المحترمة على منحي هذه الفرصة الطيبة للكتابة عن الرمز الوطني الإعلامي الكبير محمد علي باشراحيل.