آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-10:11ص

أدب وثقافة


حلقات كتاب "الموروث الثقافي للمرأة العدنية" ((3))

الأربعاء - 13 يوليه 2011 - 12:06 م بتوقيت عدن

حلقات كتاب "الموروث الثقافي للمرأة العدنية" ((3))
صورة غلاف كتاب الموروث الثقافي للمرأة العدنية

عدن ((عدن الغد )) خاص:

واصل "عدن الغد" نشر سلسلة حلقات من كتاب الموروث الثقافي للمرأة العدنية لمؤلفته الكاتبة والباحثة في علوم الآثار والموروث بعدن د. أسمهان العلس.


 
وكان الكتاب قد صدر عن الهيئة العامة للكتاب في اليمن في نوفمبر من العام الماضي و يقع في 178 صفحة  ، وضم الكتاب إهدائيين الأول من الكاتبة لامها  والى عدن الحبيبة ، ومقدمة بقلم يوسف الحربي .


 
و  الكتاب مقسم لجزئيين فالأول الموروث الشفهي للمرأة العدنية متضمنا  200 من الأمثال والأغاني  قالتها المرأة أو قيلت عنها ، و الجزء الثاني  جسد العادات والتقاليد الاجتماعية للمرأة العدنية في مناسبات كثيرة كالزواج والولادة ، الوفاة والطب الشعبي وزيارات أولياء الله الصالحين التي كانت متبعة وتقاليد للمناسبات المختلفة وحرفا شعبية .


 
كما يحتوي الكتاب على نوعية الملابس وأدوات التجمل والزينة التي تميزت بها المرأة في الأفراح والأحزان والمصوغات الذهبية  ،  واستعمالها للزينة من عطور وطيب وبخور وخضاب وحنا، وهناك عدد من النساء يزاولن ومازلن  صنع الزينة  لاكتساب الرزق وتحسن مستواهن  الاقتصادي ، و الكتاب في طياته صورا  عن الموروث الثقافي للمرأة العدنية .


 
واستندت  د. أسمهان العلس في كتابها على عدد من المراجع و الرواية الشفهية  لشخصيات مقيمة في عدن من كبار السن باعتباره منهجا عالميا حديثا لتوثيق التاريخ و التراث . 
 
والكتاب يعد مرجعا كبيرا للمهتمين بالتراث وتذكير للأجيال السابقة بالماضي وثقافته السائدة وتحفيز الأجيال الجديدة والقادمة للتعرف على الكثير من تلك الموروث منه مازال وبعضه اندثر مع الحداثة والعولمة . 

 

الأمــثال:-

 المثل في اللغة العربية هو الشبه والنظير، إذا كان مكسور الميم ساكن الثاء. أما المثل بفتح الميم والثاء هو المثيل([1]). وفي اللغة ذاتها خرج اللفظ وأتسع معنى الكلمة إلى دلالات أخرى.  وتعد هذه الأمثال الشعبية تعبيراً مباشراً عن خبرة إنسانية تتضمن فعلا إنسانيا خاصا اختزل تجربة صاغها الإنسان تجاه موقف اجتماعي محدد، ولذلك يمكن اعتبار هذه الأمثال ذات قيمة اجتماعية وتربوية كبيرة في المجتمعات البشرية بشكل عام ، كما أن لها دلالة واضحة من حيث أنها تعبير حي. ومن ناحية أخرى، فإن هذه الأمثال مخزن للتوجيه والتربية، وتتضمن عبارات محددة ذات مضامين، وقد وصفها "كراب" بأنها خلاصة التجربة اليومية التي صارت ملكا لمجموعة اجتماعية معينة، وصارت هذه الأمثال جزءا لا ينفصل عن سلوكها([2]).

 

 كما تحتوي هذه الأمثال على عبارات محددة ذات مضامين وأهداف موجهة وناقدة لأوضاع اجتماعية، كما أنها تجسد بعداً فلسفياً، وتتضمن غاية للتعبير والتنفيس. ويوصف المثل بأنه أبن مجتمعه وجزء من تراثه وفولكلوره الوطني، يرسم طريق السلوك في العلاقات الاجتماعية، وأسلوب التعامل في إطار المجتمع الذي يفرز هذا المثل، ويكتسب من خلال تداوله في أوساط المجتمع ديمومة الشيوع والانتشار، ولعل أصدق تعبير لعلاقة المثل بالمجتمع ما ذكره أبو النصر الفارابي بأن المثل هو ما ترعاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه ويتداولونه فيما بينهم وقنعوا به في السراء والضراء ووصلوا به إلى القصي من المطالب ([3])

 

وتمارس المرأة هذا الفن كغيرها من أفراد المجتمع، لكنها تتميز في علاقتها بهذا الفن كونها ناقلة له عبر الأجيال. ولعل المتمعن في هذه الأمثال يجد فيها صورا متداخلة لدور هذه المرأة، وقدرتها على حمل مضامين اجتماعية وأخلاقية  للحياة الاجتماعية، حيث عرضت هذه الأمثال نقد المرأة لظواهر اجتماعية، كما ضمنت شكوى صريحة منها أو رسمت آمالا وأماني لهذه المرأة أو كشفت جور السنن والقوانين عليها

 

وتحقق الأمثال راحة ذهنية لقائليها، وذلك لما لها من دور في التهدئة النفسية والاستيعاب الذهني للموقف الذي يصادفه الفرد في مضمار احتكاكه اليومي بالمجتمع، بكل سلبيات هذا الاحتكاك وايجابياته ([4]).

ومن هنا قيل أن المثل هو خلاصة التجربة الإنسانية بكل منعطفاتها. وهو تعريف لم يجاف الحقيقة، إذ يستخلص الإنسان تجربته في صورة فنية موجزة يسهل حفظها وتداولها واستخلاص العبر منها.

 

والدارس للأمثال العربية الشائعة في المجتمعات العربية يرى تشابه الأمثال في مختلف البلدان، إذ أنها أما أن تحمل الموضوع ذاته، أو تختلف في المفردات. وقد تلتقي هذه الأمثال في استخدامها للغة العربية الفصيحة. ولعل وجه الشبه الآخر في الأمثال العربية استخدامها لمقولات وعبارات وأبيات شعرية وآيات قرآنية وماشابهها، وهذا يعكس بدرجة رئيسية التشابه في موضوعات هذه الأمثال كوسيلة تربوية، هي عصارة تجارب واقعية.

 

 وفي أثناء تجميع الأمثال العدنية لاحظت أن كبار السن من الرواة لا يتذكرون نهائيا مناسبة قول المثل، وهذا شئ طبيعي، نظرا لقدم هذه الأمثال، لكنهم قادرون على إسقاطها على مناسبات محددة تتفق معها في المضمون. إلا أن ما شَدني في هذه اللقاءات أن الكثيرين يرددون بعض هذه الأمثال المتفقة مع حديثي معهم، وهذا الأمر دليل على حيوية هذه الأمثال وتواصلها في حياة المجتمع ورسوخها في ذاكرة الإنسان، الذي ظل حافظا لتراكيبها اللغوية الأصيلة مستخدما إياها في مضمار حياته الاعتيادية.

 

ولا تتوقف الأمثال عند حدود رسم صورة الحياة الاجتماعية ورصد السلوك الإنساني، بل تتعداه إلى التحذير من بعض صور هذا السلوك، وتقديم نموذج إيجابي له، وهذا هو الوجه التربوي الإرشادي للأمثال.

 

ولعل الخصائص الأدبية– لهذه الأمثال قد منحتها ديمومة واستمراراً، وأكسبتها سهولة الانتقال من جيل إلى جيل، حتى أن هذه  الأمثال لا تتطلب عناء الحفظ لكي تتناقله ألسنة البشر، أن هذه الأمثال غلفت بغلاف فني وإيقاع لفظي سلس، أكسب الإنسان سهولة حفظها وتذكرها عبر الزمان، فقد وصف صاحب العقد الفريد هذه الأمثال بأنها "وشي الكلام، جوهر اللفظ، حلى المعاني التي تخيرتها العرب وقدمتها العجم ونطق بها في كل زمان وعلى كل لسان"فهي أبقى من الشعر وأشرف من الخطاب"([5]).

 

وترتبط المرأة بالأمثال العدنية بعلاقة ملحوظة ، إذ أن هذه الأمثال هي تعبير عن علاقة المرأة بواقعها الاجتماعي ودرجة تفاعلها معه وتأثيرها عليه وتأثرها به، باعتبار هذه  المرأة جزءاً من المنظومة الاجتماعية للمجتمع العدني بكل تفاعلاته ومنعطفاته. والحديث عن الأمثال الشعبية للمرأة، يدخل في مضمون الماضي الاجتماعي لهذه المدينة، لأن من لا ماض له لا حاضر له، كما أن هذا الماضي ستظل أحداثه مؤثرة، بالرغم منا، في أفعالنا وأقوالنا.

 

المرأة العدنية في الأمثال:-

صورت الأمثال الشعبية [6] المرأة في ذاتها وحياتها الأسرية والاجتماعية بكل مكوناتها، إذ تحتوي هذه الأمثال على خلاصة التجارب المختلفة للمرأة، وبالمقابل ، فإن هذه الأمثال تحمل للآخرين حكماً ومواعظ استخلصتها المجتمع في أثناء معاصرة أفراده لمواقف وشئون مختلفة، بحيث أصبح مضمون هذه الأمثال ومدلولها بمثابة ضوابط ونواميس اجتماعية، صاغها المجتمع ومارسها ودأب على الأخذ بها والاستفادة من دلالاتها المختلفة، واستخلاص العبر منها. 

الأمثال المتصلة بالزواج:-

بعد أن أصبحت الأسرة محور العلاقات الاجتماعية، فقد أدرك الأقدمون، في دوامة الحياة العامة، قيمة الأسرة كنواة للمجتمع الكبير.

وصاغوا على أساس هذه الرؤية أسساً ونواميس اجتماعية، وشرعوا العمل بها ونقل خلاصتها للأجيال اليافعة. فقد أعتبرت الأمثال مخزنا لهذه العبر. والقارئ لها يقف أمام تجارب الحياة الاجتماعية التي عاشها الأقدمون ويقرأ من خلالها ملامح واقعه وأفاق الأيام اللاحقة، التي يجب أن يرسمها بترو ووعي مستوعبا شروطا أساسية يجب توفرها قبل الإقدام على الزواج، سواء من جانب الفتى الفتاة، باعتبار هذا الزواج يشكل الأساس لتكوين الأسرة، التي يستقيم عليها المجتمع.

 

ولعل المثل القائل (من أمه ومن أبوه، وأيش أصله وأيش فصله) قد رسم الخطوة الأولى لتأسيس العلاقة الزوجية الواجب بنائها على ضوء معرفة كاملة لأساس وعرق وأصل كل من العروسة والعروس، بحيث أن القارئ لهذا المثل يدرك سريعا أن هذا المثل بمثابة تساؤل جوهري يصاغ على لسان أهل العروسة أو العروس من كبار الأسرة، مستفسرين عن أصل وفصل العروسين، كخطوة مهمة قبل اتخاذ الإجراءات العملية لإتمام الزواج. ويتفق هذا المثل مع نظير له يقول " من تزوج من الهيجا كان عمه الجبل".

 

ويتصل بهذا الاتجاه جملة من الأمثال المعبرة عن قيمة الأصل، وتوفر مبدأ التكافؤ الاجتماعي والثقافي بين الطرفين المؤسسين للأسرة، كشرط أساسي وأولّي لإتمام عملية الزواج وتمتد قيمة هذا المثل إلى ما يحمله كذلك من التحذير للأهل بضرورة التأني في اختيار أصل العروسين، وذلك حفاظاً على ذرية الأسرة الجديدة، حيث تشير الأمثال إلى علاقة الأصل بالذرية على النحو الذي تفصله الأمثال الآتية:

* أبحث لأبنك على خال

* تنسّب الخال يأتيك الولد، إن البنيه على عماته

* الخال خوال

* من تزوج من غير جنسه ظلم نفسه

* شل الحجر وشمه والبنت تطلع لأمه    

 

 لقد شكلت هذه الأمثال ناموسا للحياة الزوجية ينبغي العمل بضوابطها وتقاليدها، وكغيرها من الأسس ظل المجتمع يتداولها ويعمل بها ويلتزم بتفاصيلها، دون الحاجة إلى توثيقها، إذ أصبح الإنصياع لها والامتثال لأحكامها واحترامها واجباً على الأجيال.

البُعد التربوي في الأمثال العدنية:-

 

حملت أمثال المرأة مضامين وأسساً تربوية متعارفاً عليها في المجتمع، وفي الوقت ذاته لم تأت هذه الأمثال من فراغ، فقد استقامت على تعاليم الشريعة الإسلامية المتضمنة لأساليب التربية الجيدة للأبناء وحسن المعاملة بينهم، كما أنها تضمنت الدعوة للأباء إلى تقديم القدوة السليمة لأبنائهم، وضمان التربية، الجيدة والمعاملة المتساوية بينهم، على النحو الذي ورد في المثل القائل "من زيّد ولد على ولد لجهنم ورد" وفي الوقت ذاته احتوت هذه الأمثال أسسا وضوابط تربوية مستقاه من مضامين النظريات التربوية المعروفة. ولعل المثل القائل "لا كبر أبنك خاويه" أصدق تعبير على ذلك. 

 

وتذهب بعض الأمثال بعيداً فتحمل مدلولاً واضحاً مؤيداً لزواج الأقارب، كما جاء في المثل الآتي "يا حامل خشبة الناس أحمل خشبتك". وفي الوقت ذاته فأن بعض الأمثال الأخرى شجعت  إقتران الفتاة بمن يكبرها سنا، ولم تول اهتماما بفارق العمر وتأثيره، كعامل مهم لتقارب عمر العروسين، باعتباره من أسس نجاح الحياة الزوجية، فقد قالت هذه الأمثال " شيبة ولا مئة شاب، الشاب يعالجك والشيبة يسعدك". ويبدو من مضمون هذه الأمثال أنها تحمل رغبة في تفادي مشكلات التقارب بين سن المتزوجين، وهذه بالطبع مسألة نسبية لا يمكن بناء حكم دقيق على أساسها. وفي الوقت ذاته جاءت بعض الأمثال معبرة عن أهمية القناعة الشخصية في اختيار شريك الحياة رجلا أو امرأة، وهذا ما يتبلور في المثل القائل "خيبتي ولا مليح الناس".

 

وتذهب بعض الأمثال بعيداً في البحث عن القدرات المادية للزوج، من منطلق الحرص على ضمان المستقبل "تزوجي بالسمين شرط وإلاَّ ثمين"، لكن هذا المثل لم يشكل قاعدة مطلقة مثلما هو الأمر بالنسبة لمعايير الأصول والأنساب وغيرها التي ورد ذكرها وشكلت قاعدة أساسية يجري الامتثال لنصوصها حتى يومنا.

 

  تستقيم بعض الأمثال على بُعد توجيهي له دلالاته وأبعاده التربوية، سواء في دعوة بعض هذه الأمثال إلى نبذ الاتكالية وعدم الاعتماد على الآخرين "سراج أخوك ما يضويش بيتك". أو في ما تقدمه أمثال أخرى من دعوة لتوثيق علاقة الفرد بالآخر. ومثل أخر يقول "أسمع للأكبر ولو معثر". والحديث عن التربية السليمة وغرس القيم والأخلاق الجيدة يجد تعبيرا له في المثل القائل "من شاب على شي شيب عليه" ومضمون هذا المثل يدعو أن غرس الخصال الحميدة منذ الطفولة ولا يخلو هذا المضمون من خلاصة تربوية داعية إلى ضرورة إتباع أسس التربية السلمية، كونها تشكل بذرة طيبة سوف تعطي ثمارها لاحقا.

     وتتعدد مصادر التربية في الموروث الشفاهي للمرأة، حيث يؤكد المثل الآتي على دور الأم في حياة الطفل "اللي لا أم ولا خالة يصبح للناس مثاله".         كما تمتد هذه الأمثال لتؤكد على موقع الأم خاصة في المؤسسة الأسرية التي تقوم في الأصل على شراكة الأم والأب معاً، لكن تنفرد الأم  فيها، باعتبارها مخزنا للحنان

 

*الأم تحنن والأب يجنن

* يتيم الأم بالكداديف ويتيم الأب بالحداديف

* ما يُتم إلاَّ يُتم الأم

المرأة والعلاقة الزوجية:-

     صورت الأمثال العلاقة بين الزوجين، كأساس لاستمرار الشراكة الأسرية ، والدارس لهذه الأمثال يجدها تهتم بأسس العلاقة الخاصة وسماتها التي تجمع الزوجين فقط. وقد ترجمت بعض الأمثال أجواء هذه العلاقة سلباً وإيجابياً:

*آخر الحب سحببه

*من حب رقـّع ومن شني بدّع

*أنا أحبك ودادي وأنت تقطع فؤادي

* لنه عشقنا وتم ولنه كفانا البلاء

*طيب بعد العرس يجدلو به الزاوية

     ويمتد هذا التصوير ليقف أمام قضية تعدد الزوجات وتفاعل المجتمع معها

*أكلها لحم ورماها عظم

*بعد الحلاوة وزف بعد المشدة وظف

 كما صورت المرأة موقفها من هذه القضية تصويراً ضمنياً اكتسب طابع التنبيه والتحذير لغيرها من النساء

* لا طلعك فوق ركبته

  وقال أنك ربته

  لابد لك من نكبته".

 وامتد هذا التحذير ليأخذ طابع الدعوة الصريحة للنساء باستيعاب العبر واتخاذ موقف حذر تجاهها. وقد جاء على ألسنة الرواة أنه يمكن أن تفهم النكبات التي تمر بها الحياة الزوجية بأشكال متعددة ، لكن هذا المثل يستخدم في حالة زواج الرجل من ثانية .

 

*يا مشذرة يا محناية خذي ما خدته الأولى،

* اليوم لك وبكرة عليك

* قبّض على حنتك تحنا".

 

ولم تقف هذه الأمثال بعيداً عن تصوير الآثار النفسية التي يحدثها تعدد الزوجات في المرأة ذاتها، فقد قالت بعضها:

*الطبينة تحرق ولو بالمشرق".

وفي مجتمع شرقي، كما هو حال المجتمع العدني اتسم بالنظرة الدونية للمرأة، التي تعزز من قيمة الرجل في حياة المرأة، فإن حاجة المرأة للرجل في حياتها كانت مسألة جوهرية، بحيث أصبحت هذه المرأة نفسها تنظر إلى خروج الرجل من حياتها الأسرية بمثابة إذلال أو عار لا تحتمل نتائجه هي ذاتها وجاءت الأمثال التالية تجسيداً لذلك:

*صوته بالداره ولا شماتة الجارة

*كازوز ولا الغدرة

* ظل راجل ولا ظل حيط

     وفي الوقت الذي ترجمت هذه الأمثال موقف المجتمع من هذه القضية، كواقع استند التعامل معه على مضمون التعاليم الإسلامية المؤيدة لذلك التعدد، فإنه لم يتم رصد مثل شعبي لهذا المجتمع يؤيد تاييداً صريحاً الحق الشرعي للرجل في تعدد زوجاته فقد انشغلت هذه الأمثال بتصوير موقف المجتمع من هذه القضية، أو الدعوة إلى التفكير بأساليب وقائية أو تحذيرية للمرأة وتوخي الحذر من الوقوع في فخ هذا الزواج على النحو الذي استعرضناه. لكن هذا المجتمع كان قد حدد موقفه صراحة من هذه المسألة وذلك بربطها بضرورة توفر القدرة المالية للزوج، ما لم فأن هذا الزوج يتسم بقلة الحياء، وذلك كما قال المثل:

*ما يتزوج إلاّ كثير المال أو قليل الحياء.

 ومن خلال هذا المثل يمكن اعتبار القدرة المالية للرجل إجازة له بالزواج، باعتبار التعاليم الإسلامية اشترطت العدل بين الزوجات، لكن هذه الشريعة لم تكن تعني العدل بمفهومه المادي فقط، أو بالقدرة على الإنفاق المادي، بل اشترطت المساواة المادية والعدل المعنوي كشرطين متلازمين. وفي الوقت ذاته كان المثل نفسه قد حمل تصغيرا للرجل الذي لا تتوفر فيه المؤهلات المالية للزواج، حيث وصفه هذا المثل " قليل الحياء". وعلى الرغم من أن هذا المثل لم يشتخدم الإشارة صراحة إلى الزواج الثاني ، لكنه مضمونه يشير إلى ذلك ، كما أفادت الراويات ، فلا يعقل أن يكون مضمون هذا المثل موجها إلى الزواج بحد ذاته ، باعتباره وسيلة التناسل وسر ديمومة الأعراق .

المرأة والحماة "العمة":-

     تبدو العلاقة بين الزوجة وأم الزوج نموذجاً آخراً من نماذج الحياة الأسرية التي صورتها الأمثال الشعبية، لاسيما أن نمط العلاقة الأسرية كان في الماضي يقوم على العيش في منزل العائلة الكبيرة، في إطار نمط (العائلة الممتدة)، مما يخلق علاقات متناحرة وأجواءً مشحونة بين الزوجة والحماة. وإذا كانت الحياة قد قدمت لنا بعضاً من صور التآلف بينهما، إلاّ أن القاعدة الأساس لهذه العلاقة تستقيم على عدم القدرة على الانسجام ودوام الألفة بينهما على النحو الذي تصوره هذه الأمثال على النحو التالي:

*العمة عمه ولو سّرجت أصابعها

*رحت لعند أبني هرّوا الكلاب عليا

*العمه غمُّه

     إن اعتبار هذه الأمثال مجرد شكل فلكوري خالٍ من العظة والاعتبار أمر مناف لطبيعة هذه الأمثال ومضمونها ودورها في ترجمة الحياة الاجتماعية، إذ أنها في حقيقة الأمر دستور اجتماعي غير مكتوب التزم به المجتمع بصورة تلقائية من غير حاجة إلى سلطة غير السلطة الوجدانية القائمة على قاعدة العيب والعُرف والعادة الجارية، وهي آليات عمل اجتماعية ما زال لها فعل القانون حتى اليوم.

 


[1] - أبن منظور ، لسان العرب ، تحقيق عبدالله الكبير ، محمد أحمد حسب الله هاشم الشادلي ، دار المعارف ، د- ت

[2]- سامية علي حسنين ، صورة المرأة في المثل الشعبي، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الاسكندرية، 2006 ، ص 7-8

-[3] إسماعيل بن علي الأكوع ، الأمثال اليمنية ، الجزء الأول ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1984 ، ص4

[4]-منال عبدالمنعم جاد الله ، القيم في الأمثال الشعبية المغربية ، بحث منشور في مؤتمر الإسكندرية الدولي الأول حول التبادل الحضاري بين بلدان البحر المتوسط ، 1994 ، ص 218

-[5] المرجع نفسه.

[6]- أنظر في الملحق الأمثال الأخرى