آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-11:04م

أدب وثقافة


حلقات كتاب "الموروث الثقافي للمرأة العدنية " ((2))

الأربعاء - 06 يوليه 2011 - 10:58 ص بتوقيت عدن

حلقات كتاب "الموروث الثقافي للمرأة العدنية " ((2))
تراث المرأة العدنية قدم لنا نموذجاً حياً لماهية هذه المدينة ذات الوظيفة الحضارية عبر تاريخها الطويل

عدن ((عدن الغد )) خاص:

يواصل "عدن الغد" نشر سلسلة حلقات من كتاب الموروث الثقافي للمرأة العدنية لمؤلفته الكاتبة والباحثة في علوم الآثار والموروث بعدن د. أسمهان العلس.
 
وكان الكتاب قد صدر عن الهيئة العامة للكتاب في اليمن في نوفمبر من العام الماضي و يقع في 178 صفحة  ، وضم الكتاب إهدائيين الأول من الكاتبة لامها  والى عدن الحبيبة ، ومقدمة بقلم يوسف الحربي .
 
و  الكتاب مقسم لجزئيين فالأول الموروث الشفهي للمرأة العدنية متضمنا  200 من الأمثال والأغاني  قالتها المرأة أو قيلت عنها ، و الجزء الثاني  جسد العادات والتقاليد الاجتماعية للمرأة العدنية في مناسبات كثيرة كالزواج والولادة ، الوفاة والطب الشعبي وزيارات أولياء الله الصالحين التي كانت متبعة وتقاليد للمناسبات المختلفة وحرفا شعبية .
 
كما يحتوي الكتاب على نوعية الملابس وأدوات التجمل والزينة التي تميزت بها المرأة في الأفراح والأحزان والمصوغات الذهبية  ،  واستعمالها للزينة من عطور وطيب وبخور وخضاب وحنا، وهناك عدد من النساء يزاولن ومازلن  صنع الزينة  لاكتساب الرزق وتحسن مستواهن  الاقتصادي ، و الكتاب في طياته صورا  عن الموروث الثقافي للمرأة العدنية .
 
واستندت  د. أسمهان العلس في كتابها على عدد من المراجع و الرواية الشفهية  لشخصيات مقيمة في عدن من كبار السن باعتباره منهجا عالميا حديثا لتوثيق التاريخ و التراث .
 
والكتاب يعد مرجعا كبيرا للمهتمين بالتراث وتذكير للأجيال السابقة بالماضي وثقافته السائدة وتحفيز الأجيال الجديدة والقادمة للتعرف على الكثير من تلك الموروث منه مازال وبعضه اندثر مع الحداثة والعولمة . 
 

النموذج الثالث : أغاني الأفراح والمناسبات

وجدت المناسبات والأفراح طريقها للتعبير عن أوضاع النساءعلى شكل أغنيات شعبية كانت تردد في هذه المناسبات ، لكنها كانت قد عكست في الوقت ذاته مسميات ومفاهيم ورؤى مختلفة، ترجمت المرأة من خلالها مواقف اجتماعية عامة، أو ممارسات وعادات اجتماعية محددة. ومن هذه الأغاني ما يلي:


أغاني الزواج:

هديني ياهداني يادون

هديني يا هداني يادون

 

بسم الله الرحمن بدينا يادون

بكعبة الله التوينا يادون

طفنا وزدنا سعينا يادون

من بير زمزم روينا يادون

 

هديني يا هداني يادون

من بيت من ذا الهداني يادون
ذي هزني في مكاني يادون

عروسنا بدر شعبان يادون

في ليلة النص لابان يادون

جمبو قمارة وغزلان يادون

عروسته قمري البان يادون

محجبة في غشاءها يادون

طير السماء ما يراها يادون

عروسنا عشب زعتر يادون

ما يخرج الاّ بعسكر يادون

هديني ياهداني يادون

عروسنا عشب حنون يادون

ما يخرج الا بقانون يادون

عروسنا قبو كادي يادون

ما يخرج الاّ بقاضي يادون

هديني ياهداني يادون

هديني يا هداني يادون

هدنت لك ياعروس يادون

يا حرز جنب السلوس يادون

هديني ياهداني يادون

هديني ياهداني يادون

أم العروس طاب طيبك يادون

وبلغك بحبيبك يادون

أم العروس ذا سرورك يادون

هذا سرورك وطيبك يادون

أم العروس ياحمامة يادون

ياعاقلة يامدامة يادون

أبو العروس نفس الحال يادون

بالمخدرة ألف رجال يادون

أبو العروس قم وباشر يادون

أبني وعلّي المخادر يادون

أبو العروس قد عناني يادون

وعزني في مكاني

أخو العروس لا تفسر يادون

أدعس على النار وكسر يادون

والله تم التمني يادون

وتفرحوا يااخواني يادون

مخدرتنا نص سكة يادون
والتريكات فيها شكة يادون

مخدرتنا شارعية يادون

فيها الخدم والرعية يادون

مخدرتنا ركزوها يادون

بعود رزين بخروها يادون

مخدرتنا ركزوها يادون

زرق برق لبسوها يادون
أبو العروس قد تجمل يادون

جاب البرابر وحمل يادون

أبو العروس لا تفسر يادون 
أدعس على النار يادون
فك المخازن وحمل يادون
أم العروس يامدامة يادون

يا حبة التين يادون
يا جابرة كل مسكين يادون
أخت العروس يامدامة يادون

ردي الصفا خلف ظهرك يادون

 

وتتفاعل أم العروس، كما يطلق عليها باللهجة العدنية، مع مشاركة الحاضرات معها، وذلك بقولها:

هدوني وأجبروني يا دونلا هو سلف سلفوني يا دونلا هو قضا من عيوني يا دون

وتزدهي أم العروس بهذا الجو الفرائحي بترديد أبيات تتصل بوصف ابنها العروس، وذلك بقولها:  

عروسنا عشب حنون يا دونما يخرج إلاّ بقانون يا دون عروسنا قبو كادي يا دونعروسنا ورد بستان يا دونلا قد حضر ضوّى المكان يا دون

     هكذا يبدو التصور المقبول لهذه الأغنية التي تظهر على شكل دييتو بين أم العروس وضيوفها، في ليلة تعد تعبيرا للفرح والمباهاة على النحو الذي عكسته سطور هذه الأغنية. وذلك بعد أن صورت هذه الأغنية مستوى الاستعدادات التي كانت تأخذ طريقها في منزل والد العريس، للتهيئة لليلة الدخلة. كما حملت هذه الأغنية في مضمونها صوراً من التحضيرات لهذه الليلة، والتي عادة ما تتكلف الكثير من المصروفات، وتبدو بعض العبارات الواردة فيها، وكأنها صادرة عن لسان أم العروس، وتارة أخرى على لسان قريبات أو صديقات لها. كما تقدم بعض هذه الأبيات صورا لناموس الاحتفاء بالزواج في عدن، سواء في أشكال هذا الفرح أو في صور تقديم الهدايا على أشكال نقدية أم عينية، والتي عبرت عنها أم العروس بقولها:-

لا هو سلف سلفوني يا دونلا هو قضا من عيوني يا دون     ويتطابق مضمون هذه الأبيات مع ما كانت العادة الاجتماعية في عدن جرت عليها من رد الهدايا النقدية والعينية المقدمة في الأفراح أو المقدمة في شتى المناسبات، إذ أن تراث المرأة العدنية كان قد صوّر هذه العادة من خلال مضمون المثل العدني القائل والوارد على ألسنة النساء المبحوثات "حق الناس مطروح بالطاقة "النافدة" معبرا به عن درجة تفاعل النساء مع بعضهن في المناسبات المختلفة، وحرصهن على رد الواجب لمن قدمه لهن في مناسبات مماثلة.

وتختتم الأغنية ترنيمتها الجميلة بالتعبير عن فرحة الأم بهذه المناسبة واقتراب موعد الاحتفاء بالعروس والاستعداد لغسله بالحنا ، التي تشكل خاتمة الحفل لتلك الليلة بقولها :

هدنت لك يامهنى يادون

تحضر مع الغسل حنا يادون

هدنت والله عطاني

هدنت لسيد الغواني

هديني يا هداني يادون

هديني ياهداني يادون

     وباعتبار ليلة الدخلة هي الليلة الرئيسية في برنامج الزواج فإنها تتوج بأغنية خاصة تحمل مضامين كثيرة تنعكس من خلالها الكثير من الأسس والمعايير المتبعة لاختيار العروس، والتي يأتي في مقدمتها مقاييس الحسن والجمال ومعيار الأصل. و في مقابل ذلك يأتي المهر والهدايا والذبائح المقدمة لها كتعبير لذلك. كما تصور هذه الأغنية التالية زفة العروس على ظهر الجمل، الذي كان وسيلة للزفة العدنية، التي تتقدم الركب حاملة على ظهر الجمل العروسين وجهاز الزوجية المنقول مع العروسة من منزل أهلها إلى بيت الزوجية:

* قمري شل بنتنـا
   قمري شلها وراح
   قمري عاشق الملاح
   قمري ما هوش مننا
   قمري ما شلهاش بلاش
   قمري ذبح لها كباش
   قمري طلّعها الجبل
   قمري ركّبها الجمل

 

النموذج الرابع لأغاني المرأة: أغاني اجتماعية وسياسية

     للمرأة نتاج غنائي ذو طابع سياسي واجتماعي عام خرج بهذه المرأة من التقوقع في المنزل، وقدم لنا صورة مختلفة عن هذه المرأة التي لم تتجاهل الأحداث السياسية التي عاشتها عدن أو تفاعلت معها. فعندما وطأت أقدام الإنجليز أرض عدن، مفتتحين بذلك عهداً جديداً من السيطرة البريطانية على هذه البلاد، صوَّرت المرأة أحداث ذلك الغزو بتعويذة شعبية ذات طابع تراجيدي من خلال استخدام مفتتح سورة "ياسين" للاستهلال بها، دليلا على حالة الهلع الذي عاشته عدن والاستنكار والرفض اللذين صاحبا ذلك الاحتلال.

* ياسين عليك يا عدن من ضربة المدافع
  الناس هبَّوا فجع والإنجليز ما توقع

     وقد كانت للمرأة العدنية مساهمة أخرى على نفس الترنيمة في أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها في هذه الترنيمة كانت تتجه بـأغنيتها لدعم ونصرة الحلفاء في تلك الحرب، بعد أن كرست الإدارة البريطانية لعدن جهودها لاستثمار طاقات عدن البشرية والمادية لصياغة العديد من أشكال التأييد لبريطانيا وحلفائها، واتخذت المرأة من هذه الأغنية شكلاً من أشكال هذا الدعم.

* ياسين عليك يا عدن
   محجبة ما تبان

 

من هجمة الطليان
تزرع جواهر ومرجـأن

     وفي اتجاه آخر للترنيمات الشعبية تصور الأغنية التالية الاستعدادات العسكرية الإنجليزية لتقوية دفاعات عدن وتحصينها ضد الهجمات الإيطالية والألمانية المتوقعة على عدن في فترة الحرب العالمية الثانية. كما ظلت الأغاني مواكبة لأحداث تلك الحرب حتى تحقيق النصر للحلفاء.

* سبعة مناور قفا شمسان حرَّاسة
   تحرسك يا عدن من الحديد والرصاصة
* عدن حُلىَّ السواد وألبسي الأخضر
   الإنجليز انتصر جرمان وطليان تكسر

     وفي المسار القومي عبرت المرأة العدنية عن تعاطفها مع القضية الفلسطينية، ولعل أول أشكال هذا التعاطف كان من خلال مشاركة هذه المرأة فيما يعرف في التاريخ اليمني المعاصر
بـ "انتفاضة عدن على اليهود"، والتي قامت خلال الفترة من ديسمبر 1946م وحتى فبراير 1947م([1])، وذلك بعد الإعلان عن تأسيس دويلة إسرائيل. وقد عبرت المرأة العدنية عن استنكارها لهذا الحدث، وذلك بالمشاركة في الانتفاضة على اليهود والخروج في المظاهرات الرافضة لتأسيس دويلة العدو الصهيوني. وتعد أغاني المرأة العدنية تعبيرا عن موقفها الداعم للحق الفلسطيني.

  

* أجى اليهودي يصيح
   توالفوا المسلمين
   أجى اليهودي يصيح
   سألت دموعه بكى

 

قال يا مالي
وقتَّلوا عيالي
البيت ذا بيتي
سبعة بساتين سقى

 

* عتيق عتيق([2])
   عتيق والمسلمين
   يا سين عليك يا فلسطين
   ريتك تشوفي عدن

 

يا بو الصلاة والدين
جابوا الخبر من فلسطين
وداخلك النار
كيف اليهود بالزنانير

     وفي اتجاه آخر للمسار القومي عندما أصبح جمال عبد الناصر رمزاً قومياً وبطلاً عربياً، وذلك بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 في مصر. فقد تمحورت الترنيمات الغنائية للمرأة  العدنية، حول شخصيته متغنية بدوره وبطولاته في معاداة الاستعمار وصد ومقاومة العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م.

* سبعة مراكب قطر
   الله ينصرك يا جمال

 

في الجو طيارة
على اليهود والنصارى

     لم تنس المرأة العدنية همومها الخاصة أو تلك المرتبطة بهموم المجتمع بشكل عام، فقد ترجمت النساء ضغوطاتهن الاجتماعية وتطلعاتهن الشخصية بواسطة الأغنية على أشكال متعددة، وقد حملت دلالات واقعية لهموم الحياة اليومية للمرأة العدنية، وفي الوقت نفسه فإن بعض هذه الأغاني تضمّن بعدا اجتماعيا أو سياسيا على النحو الذي جسدته هذه الأغنية.

* يا دجاجة عمتي
   لا لقيتي فضتي
   في طريق

 

خربشي لك خربشي
فضتي بأربع ميه
الهندية

     لقد عكست هذه الترنيمة واقع عدن تحت السيطرة البريطانية، حيث تبدو مفرداتها ذات علاقة بالسمة الهندية التي اصطبغت بها مدينة عدن آنذاك، بسبب تشجيع الإدارة البريطانية الأجانب للهجرة إلى عدن والاستيطان فيها. وتبدو في سطورها مضامين رمزية في التعبير عن قسوة الحياة الاجتماعية في ظل الاستعمار البريطاني.

وتتواصل مشاعر المرأة العدنية في التعبير عن واقعها برمزية متناهية .

* يلعن أبوك يا دجاجة

دائمك حفّاش

يازير مملي قشاش

يازير من غير رواش

* نحنا بنات الوطن نمشي على سكان

سبايبك ياعدن ياقفل صنعاء ولندن

 

     وفي ترنيمة أخرى صورت الأغاني الشعبية الهموم الاجتماعية للمرأة العدنية، والمرتبطة بدورها الأسري والأعباء التي عادة ما تحملها الأمهات في سبيل تحقيق قدر أكبر من التوفيق لأولادهن في حياتهم الخاصة والعامة، فقد عكست هذه الأغنية حرص المرأة على تزويج ابنتها زواجاً له هيبة اجتماعية عالية، في محاولة منها لتجاوز واقعها المعيشي القاسي، وجاءت هذه الأبيات تصويرا لهذه الأماني:-

* بنتي حلا ورشــــــة

      مخضبة نقشـــــــة

                                      * بنتي وبنت أبوهــــــا                                        حاكم عدن يشتيهــــــا                                         ألفين يراضوا أمها                                          وألفين يراضوا أبوها

 

وفي مكان آخر

* بنتي وبنت أبوها

قاضي مكة هاويها

وعاد مسحسح فيها

أربعمية لمّــها

وأربعمـية لأبوها

أربعمية للجدة

قالت أني أربيها

أربعميـة للعمة

حردانه بارضيها

أربعمية فلها وكاذيها

أربعمية للمخضبة

اللي تنقش سواعدها

أربعمية تحت الفراش نسيها

 

     وفي الاتجاه ذاته تواصل المرأة تفاخرها بابنتها التي بدأت تخطو خطوات نحو عالم الشباب وأصبحت مطلب الخطاب.

بنتي بدت تتمخطر

على قراحف صندل

لما رأوها الخطاب

جادوا بما تيســر

 

     ولعله من المهم القول إن تفاخر المرأة العدنية بابنتها بصورتها الأنثوية قد بلغ أقصاه من خلال سطور الأغاني السابقة الذكر، بيد أنه لم تصل إلينا عبر الرواة من الأغاني ما اتصلت بتصوير المرأة لعروسة ابنها، على نفس الصورة التي احتفظت بها الذاكرة الاجتماعية للمرأة المصرية ، إذ يقول الموروث الشعبي للمرأة المصرية في هذا الجانب:-  

كتبوا كتابك يانقاوة عيني

يوم الهنا ياحلوة يوم ما تجيني

ما حد زيك من بنات الحارة

يشبه جمالك يانقاوة عيني

ندر عليا يوم ما تجيني

لافرش لك السكة حرير من الهندي

 

النموذج الخامس لأغاني المرأة : أغاني الحب والغرام

     استخدمت المرأة الترنيمات الغنائية للتعبير عن مشاعرها نحو الآخر، وعبر هذه الترنيمات صورت المرأة علاقتها بالرجل بصور مختلفة، نبرزها على النحو التالي:-

تقول المرأة:

قلبي يحبك محبة
أسهر واعد النجوم

 

ربنا داري
وخايفة من رجالي

         

* يقول الرجل:

والله والله لولا الملا
أدوس وأهلك جلوس

 

والنبي لادوس
وأخرّج الزين مخصوص

* تقول المرأة:

كنا وكنا
يا ليتنا ما تعارفنا
ولا أجتمع شملنا

 

وكان الدهر يجمعنا
وما كنا
ولا على العهد كنا

* يقول الرجل:

عيني بنخله طويلة
يا بوي أنا

 

ثمرها شحري
مبتلي وخايف الناس تدري

* تقول المرأة:

بيني وبينك جدار
أسهر وأجر النهاد

 

ريت الجدار يهتد
أعنيك ما عني على حــد

 

* له طبع يا صاحبي
  وبعدها يغتسل
  قد كان لا قد مشي
* ريتك تجي عندنا يا بو الشميز الكرب
   بأفعل عزومة
* صاحبك قد رمى بك
   أعقل وخلي الجنان

 

بعد الغدا يزجل
وعادُه يرجع يبدّل
سيره كما الأوبل
ليلة مع المغرب
وباطرب
من جبل شمسان
من عاشر النذل يهتان

 

 

     ولا يغرب عن البال، ونحن نقرأ هذه الأبيات، أن مظاهر العصرية والتمدن ، التي كانت عدن قد شهدتها ، عكست نفسها من خلال بعض مقاطع هذه الأغاني، بحيث يمكننا القول أن هذه الأغاني تعد صورة أخرى لدراسة الواقع الاجتماعي والاقتصادي لعدن. ومن هذه المصطلحات استخدام كلمة "الكريب" وهو نوع من القماش الحرير " silk" الذي كانت تستورده عدن لتجهيز وخياطة ملابس الرجال والنساء. كما لم يغب عن ذاكرة المرأة العدنية متابعة الجديد من أنواع السيارات الأوروبية التي غزت عدن في منتصف القرن العشرين، والتي كانت من أشهرها السيارات الألمانية الصنع المسماه "الأوبل"، وهو دليل آخر يعكس عصرنة الحياة الاجتماعية في عدن.

 

     وفي تصوير جميل لأساليب وفنون العلاقة العاطفية بين المرأة والرجل تعكس أغاني المرأة صوراً جميلة للعلاقات الخاصة التي ربطت المرأة بالرجل. ولعل ما قاله لسان حال الرجل في الأبيات التالية يصور معاناته من أساليب المرأة ودهائها.

في اليوم الأول يقول الرجل:

أجيت لا بابكم
وكلبكم هرّنا

 

بعد العشا وأدنى
مغرور ما قد عرفنا

في اليوم الثاني يقول الرجل:

أجيت لبابكم وبابكم ثاني

أنا الذي قد لعبت

باشا ويكا وراني

وفي تصوير آخر تصف المرأة علاقة الحب والغرام على النحو التالي:-

* خرجت العصر با تمشي
* وليد زري ابن حافتنا  
   ولا معه بالكمر عانه

 

النموذج السادس: أغاني رمزية

     للرمزية مكانها في أغاني المرأة، فقد كانت هذه الأغاني وسيلتها للتنفيس عن نفسها، خاصة في القضايا الاجتماعية ذات المضمون السياسي التي يصعب تحديد أبعاده، وفي هذا الاتجاه استخدمت المرأة مفردات أجنبية للتعبير عن مبتغاها على النحو التالي:

* أفوس درايا
لا تين تلكا

 

فوس
لا تين تفوس

     ويبدو من خلال التركيبات اللفظية أنها مزيج من المفردات الهندية والصومالية. وقد اختلف الشفاهيون في فك رموزها، فمنهم من قال أنها ترمز إلى احتلال بريطانيا لعدن، فيما قال الآخرون إنها تعود إلى العشرينات من القرن العشرين عندما عانت عدن من نقص التموين من لحوم الكباش القادمة من بلاد الصومال، التي كان الأهالي ينتظرون على رصيف المعلى قدوم السفن المحملة بها، واجتهدت الذاكرة الشعبية لتضيف إلى هذه السطور ما يأتي:

فين الحمامة وفين العروس
فين الباخرة وفين الرؤوس

 

وفي مجال آخر تقول أغاني المرأة:بنيت لك منظرة مقابل الرزميتدلا دلا بالسمت([3])عبد الكريم بايشمت

 

     وتشكل هذه الأبيات منحى آخرا في أغاني المرأة، ولا يعرف أن كان من الممكن تصنيفها في إطار الأغاني الضمنية أو غيرها، لكن هذه الأغاني قدمت لنا صورة لتأثير التحولات الاقتصادية في عدن وانعكاساتها على المجتمع، حيث بدا واضحا انتشار استخدام مادة الإسمنت في البناء، كما جاء ذكر منطقة الرزميت ([4]) للدلالة على الاتجاه الجديد في بناء المساكن الشخصية لأهالي عدن في هذا الحي السكني الجديد الذي كان مقراً لثكنات الجيش البريطاني في الفترة التي أعقبت مباشرة الاحتلال البريطاني لعدن في عام 1839.

               
     ولأغاني المرأة موسيقى متنوعة، منها الإيقاع اللحجي أو الحضرمي ، وبعضها تكتسب طابع الموسيقى  المصرية . كما أن مصادر هذه الأغاني تعكس خصوصية محددة، إذ تختلف أغاني عدن عن أغاني البريقة أو عمران، وهذا الاختلاف يعود إلى خصوصية كل مدينة على حدة، أو يعود هذا الاختلاف إلى وظيفة المدينة ذاتها، والتي تنعكس تلقائيا في تراثها الثقافي ([5]).

 

     إن المتمعن في قراءة مقاطع تلك الأغاني يلاحظ أنها قد جسدت العلاقة الخاصة بين المرأة والرجل، بكل ما تحتويه هذه العلاقة من منعطفات سلبية وإيجابية، كما يوحي مضمونها برؤية نقدية للواقع المعاش لذلك المجتمع الذي صاغ هذه الأغاني ورددها ورسم صورة من خلالها للتجارب الشخصية التي عاشها أفراد ذلك المجتمع، وجسدتها تلك الأبيات، ونلمس هذا الأمر في أثناء قراءتنا لهذه الأبيات. على الجانب الآخر، فإن المجتمع يستخلص من هذه الأغاني تجارب ونصائح قيمة، وحكم رصينة لا يستهان بها. وفي الوقت ذاته كانت هذه الأغاني قد قدمت بانوراما واضحة للواقع الاجتماعي بكل تداخلاته، كما أن بعض هذه الأغاني كانت قد أصطبغت بمفردات الحياة المعاصرة في عدن، حيث صورت الأغاني دخول السيارات إلى عدن وماركات هذه السيارات، وبدء استخدام عملة الروبية في هذه المدينة، ودخول المواد الاستهلاكية مثل الكوكا كولا. وفي الوقت ذاته فإن المرأة كانت قد عاصرت الأحداث الرسمية التي عاشتها عدن مثل زيارة الأمير السيف أبن الأمام يحي مؤسس الدولة المتوكلية في صنعاء. وبتركيز شديد، أدعو إلى عدم التعامل مع هذه الأغاني في صيغتها الأدبية فقط دون البحث في ثناياها عن ملامح الحياة الاجتماعية في عدن، مما يجعلنا نقول أن هذه الأغاني قد شكلت إطلالة لا يستهان بها للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في عدن.                                       

[1]- قامت في عدن خلال الفترة المذكورة أعلاه انتفاضة شعبية ضد اليهود المستوطنين عدن ، وذلك بعد إعلان حق اليهود في بناء دولتهم في فلسطين ، وامتدت الإنتفاضات منذ ديسمبر 1946 وحتى فبرابر 1947 ، وشملت الإنتفاضات الأحياء اليهودية في مدينتي الشيخ عثمان وعدن ، ولم تستطع الإدارة البريطانية قمع الإنتفاضة إلاّ بالاستعانة بقوات عسكرية تم استقدامها من الهند للتفاصيل أنظر ، Annual report of Aden , 1947

[2]- عتيق هو أحد المشاركين في حركة الانتفاضة الشعبية ضد اليهود التي قامت في عدن ، للتفاصيل أنظر : عبدالله عبد المجيد الأصنج ،دور الحركة النقابية اليمنية في النضال اليمني ،شركة دار الإشعاع للطباعة، القاهرة ، 1991 ، ص41

[3] - السمت هو الأسمنت المادة الستخدمة في البناء.

[4] - كلمة مشتقة من المصطلح الإنجليزي Regiment ، وتعني ثكنات الجيش البريطاني ، وموقعها في عدن في المنطقة المعروفة بخليج عدن المشرفة على بحر صيره.

[5] - أنظر الملحق الخاص بالأغاني والأمثال